المقاربة السادية في تدبير الشأن العام

المقاربة السادية في تدبير الشأن العام
الثلاثاء 26 يناير 2016 - 11:21

يعتبر تدبير الشأن العام والشأن المحلي من صلاحيات المنتخبين، فهم من يتحمل المسؤولية أمام الناخبين والمواطنين عموما،وحرصا من المشرع المغربي على توفير آليات ومقاربات كفيلة بمساعدة هؤلاء المنتخبين في مهامهم والمفوضة لهم، فقد شرعن دستور 2011 المقاربة التشاركية باعتبارها مبدأ ديمقراطي يعتمد على إشراك المواطنين في تحمل جزءا من مسؤولية تدبير الشأن العام.

واستحضارا لسياق ما يسمى “الربيع العربي” و ما واكبه من تفاعل لكافة قوى المجتمع المغربي، التواقة للانتقال إلى مرحلة تجسيد الديمقراطية العملية، والتي يتفاعل فيها ومعها الفرد والجماعة، من أجل الوطن لا غير،في ظل هذه المعطيات كان رهان المواطن المغربي هو العيش على الأقل في إطار توفير أبسط مقومات الدول الديمقراطية .

مما لاشك فيه أن دستور 2011 جاء موضحا منهجية تدبير الشأن العام من جهة، ومقسما مراحل هذا التدبير بين المنتخبين وفعاليات المجتمع المدني والمواطنين من جهة ثانية، مما يفيد أن الحكومة ملزمة فقط بتنزيل مقتضيات هذا الدستور في شكل قوانين منظمة لكافة المجالات الإجتماعية والاقتصادية بل والسياسية معتمدة على إشراك الفئات المعنية، مما يعني مرة أخرى ضرورة الرجوع إلى الشعب من قصد مناقشة كيفية تنظيم شؤونه، والاستماع إلى آراء كل طبقة في ظل احترام تام لضوابط الدستور، إن كان هم الحكومة هو ترجمة الدستور المسطور إلى البناء المنشور.

إلا أن تجاوز العمل وفق مبدأ المقاربة التشاركية في ظل الحكومة الحالية، أدى إلى الإفراط في الاجتهاد التأويلي-المشخصن لمنهجية تدبير الشأن العام، وهو الأمر الذي وسع الهوة بين مدبري الشأن العام وبين الشعب، بل أصبح المنطق المعمول به هو “كل من ليس معي فهو ضدي” مما نجم عنه الخلوص إلى تبني مقاربة مبنية على إقصاء ومهاجمة بل ومحاكمة كل من ينتقد هذا التوجه الجديد في تدبير الشأن العام .

ويكفي أن نستحضر أن مجمل الملفات الاجتماعية وذات الحساسية تم تدبيرها بمعزل عن الشعب، وفق منظور أن مؤسسة رئاسة الحكومة تعرف وتعلم علم اليقين ما هو صالح للمواطن المغربي، ويكفي أن نحصي عدد الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات التي عرفتها الولاية الحالية لحكومة الدستور الجديد والتي كانت في مجملها ناجمة عن الإفراط في تحقير الشعب من جهة ، وإقصاء غير مبرر لأراء وتوجيهات المواطنين من جهة ثانية ، أضف إلى ذلك توظيف الديماغوجية السياسية والتي تعبر في ظاهرها عن حب الوطن والمصلحة العليا لكن في باطنها و باستقراء الواقع المعاش تعكس خلاف ذلك وهو ما يؤكده الإفراط في التأويل للنص الدستوري والممزوج طيلة ولاية كاملة بنوع من “الشعبوية” والذي أدى إلى التنزيل المعوق لمبدأ المقاربة التشاركية، كمدخل لترسيخ ثقافة الإعتراف بالمواطن.

إن الإفرازات الناجمة عن سوء تدبير الشأن العام في المغرب بعد دستور 2011 ، وما رافق ذلك من تدمر لغالبية الطبقات الاجتماعية من أساتذة وأطباء وطلبة وغيرهم، وفي ظل غياب آليات الحوار والإنصات من قبل الحكومة، كلها مؤشرات تتقاطع في إيقاع نوع من العذاب والألم بالمواطنين.

يبدو أن التلذذ بايقاع هذا الألم بالآخر ( المواطن) أصبح بمثابة مقاربة جديدة في تدبير الشأن العام بطريقة رمزية أو معنوية، وذلك من خلال شرعنة الفساد بصوره المختلفة، الفساد الأخلاقي والمادي والمعنوي، من طرف الساهرين على تدبير الشأن العام خصوصا بنهج سياسة عفى الله عما سلف أو سياسة العين بصيرة واليد قصيرة، كمبررات لحمل الراية البيضاء في تحقيق إصلاح واقعي بعيدا عن الشعارات . ومما لاشك فيه ان هذه السلوكات تؤدي بالمواطن إلى الإحساس بنوع من الاحتقار والتهميش خصوصا وأن حقوقه الأساسية معرضة دوما للإنتهاك دون أدنى محاسبة . إنها نوع من السادية السياسية التي أصبحت ظاهرة مؤثثة للمشهد السياسي المغاربي عموما والمغربي خصوصا.

وقبل الحديث عن “المقاربة السادية” في تدبير الشأن العام، لا بأس من التذكير أن السادية لا تنتمي إلى حقل علم السياسة وعلم الإدارة بل تم نقلها من علم النفس لتفسير سلوكات المدبرين للشأن العام، خصوصا في ظل ارتفاع منسوب معاناة وآهات المواطنين من جراء القرارات والتدابير المتخذة باسم تدبير الشأن العام بالمغرب. والسادية باختصار هي حب تعذيب الآخرين (المواطنين مثلا) بغض النظر عن نوعية هذا التعذيب، جسدي، نفسي، معنوي، رمزي…

لا يمكن الحديث عن التقارب والانسجام بين الحكومة والمواطنين داخل هذا الوطن ، في ظل توظيف واعتماد آليات وأساليب تعود إلى القرون الوسطى والمكرسة أيضا لنوع من النفور من الوطن بل والتنفير منه، في الوقت الذي نجد أن التوجه السائد في الديمقراطيات الصاعدة هو الإهتمام بالفرد من خلال الإعتراف به كمكون وفاعل أساسي للدولة في القرن 21 ، وهو ما يدفع إلى القول بضرورة توفير شروط تحقيق هذا الإعتراف، ولعل الدستور المغربي في حديثه عن المقاربة التشاركية لمح إلى إحدى مداخل ترسيخ نظرية الإعتراف التي تعود في جدورها إلى الجيل الثالث لمدرسة فرنكفورت وبالخصوص الفيلسوف أكسل هونث ويورغن هابرماس، فهل يمكن بلوغ أهداف هذه النظرية في المجتمع المغربي في ظل اعتماد المقاربة السادية في تدبير الشأن العام .

‫تعليقات الزوار

2
  • smakalo
    الأربعاء 27 يناير 2016 - 21:39

    شكرا أستاذي العزيز الله إوفق تابع

  • باحث
    الخميس 28 يناير 2016 - 16:31

    في الحقيقة المقال، تلخيص لولاية حكومة حزب العدالة والتنمية، الذي توصلت شخصيا من خلال رصد مجموعة من المعلومات التي تتقاطع كليا مع مضمون المقال أعلاه،أن حزب العدالة والتنمية يؤمن بفكرة أن الشغب المغربي لا ينتمي إلى الأمة وفق منظور العدلاويين، الذين قاموا بالتفريق بين الأمة ( الجهادية) والوطن (المغرب) فكل من صوت لصالحهم لا يهمهم إلا إذا كان مطبلا ومرددا بحمدهم وما دون ذلك ليس من منظورهم جدير بالاحترام.
    أضف إلى ذلك أن ممارسات أعضاء حزب العدالة والتنمية سواء على مستوى نقاشاتهم أو تفاعلهم مع الغير يتقمصون دور الفاهم والعارف بالله أكبر من أصحاب رسول الله، مما يجعل منهجية تدبيرهم للشأن العام كما جاء في المقال تتأسس على إدلال الآخر وإلحاق الأذى به . وهو ما قام به ابن كيران عبر مر تاريخ ممارسته للسياة فقد سبق أن كان مخبرا للمخزن ضد التيار اليساري لكونه شخص وجوده مرتبط على تدمير وجود الآخر وهو مبررآخر للسادية المقيتة التي يتعامل بها رئيس الحكومة مع الشعب المغربي ( تحقير سواسة، قمع معطلي محضر 20 يوليوز، قمع الأطباء، قمع الأساتذة ، … محاكمة مفبركة للقاضي الهيني قصد إسكاته) = مقال ممتاز أستاذي

صوت وصورة
المغرب وبلجيكا والحرب على غزة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:45

المغرب وبلجيكا والحرب على غزة

صوت وصورة
بلجيكا تدعم الحكم الذاتي بالصحراء
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:20 6

بلجيكا تدعم الحكم الذاتي بالصحراء

صوت وصورة
أخنوش والشراكة البلجيكية
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:14

أخنوش والشراكة البلجيكية

صوت وصورة
حماية التراث الثقافي
الإثنين 15 أبريل 2024 - 14:52 1

حماية التراث الثقافي

صوت وصورة
أجواء صيفية بمدينة سلا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 12:06 2

أجواء صيفية بمدينة سلا

صوت وصورة
دعم الفلاحة التضامنية
الإثنين 15 أبريل 2024 - 10:51

دعم الفلاحة التضامنية