المواطن بين المسؤولية واللامبالاة!!

المواطن بين المسؤولية واللامبالاة!!
الأربعاء 26 غشت 2020 - 08:27

المواطن في أبسط تعاريفه هو ذلك الكائن البشري الذي يتمتع بحقوق ويلتزم بواجبات في إطار جغرافي ذي هوية سياسية محددة وسيادة وحدود مرسومة تسمى الوطن.. وصفة المواطن يتساوى فيها جميع من ينتمي لهذا الإطار الجغرافي والسياسي ولا تخص أشخاصا معينين دون آخرين، طالما أن الدستور الذي ينظم العلاقات السياسية والاجتماعية ينص على أن هؤلاء المواطنين جميعا يتمتعون بالمساواة القانونية في استحقاق الحقوق وتحمل الواجبات، لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم أو بين مسؤول ومسؤول عنه.

وإذا كانت المواطنة تخول لجميع المواطنين التمتع بكامل الحقوق الفردية والجماعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعترف بها دستوريا؛ فإنها أيضا، وحتى تكون مواطنة مسؤولة تقتضي القيام بالواجبات الخاصة والعامة بكل مواطن، والانضباط لكل القوانين والنظم التي تُسَيّرُ بها شؤون البلاد وفي طليعتها دستور المملكة باعتباره أسمى قانون؛ وكما تتطلب حماية الخصوصيات الدينية والثقافية للأمة المغربية الأصيلة، وعدم تبديد ثرواته المادية والمعنوية المشتركة بين جميع المواطنين..

كما أنها تقتضي نبذ الخيانة بجميع صورها الظاهرة والمستترة سواء تلك التي تكون مطية لأعداء الوطن لتنفيذ مخططاتهم التآمرية ضد أمن واستقرار الوطن؛ أو تلك التي تعمل على إحياء النعرات الطائفية والعصبيات القبلية والعمل على إذكائها وتحريض المواطنين بعضهم على بعض، أو تحريض الناس على الفتنة، أو القيام بأعمال الشغب والفوضى، أو السعي لمحاربة شعائر الدين، ومظاهر الصلاح في المجتمع، أو التشكيك في ثوابت الدين والأمة والوطن..

وفضلا عن هذا وذاك فإنها تقتضي ضرورة تحقيق الترابط الوثيق بين مفهومي المواطنة والمسؤولية.. لأنها معادلة ضرورية وأساسية لبناء الوطن وخدمة المواطن في الشدة والرخاء وفي السراء والضراء.. ذلك أن صفة المسؤولية ليست حكرا على من يمارس تدبيرا مباشرا بمقتضى الانتخاب السياسي أو التكليف الإداري أو الممارسة المهنية أو الكفاءة العلمية في أي مجال من مجالات الحياة الأساسية للمواطنين.. وإنما تمتد لتشمل جميع من يتقاسم موارد ومنافع هذا الوطن كل حسب موقعه وعلى حسب إمكاناته وفي حدود تدخلاته الفردية أو المجتمعية. وعلى هذا الأساس فالمواطن هو أنا وأنت وهو وهي ونحن، وكذلك المسؤول هو أنا وأنت وهو وهي ونحن، فكل مواطن مسؤول، وكل مسؤول هو مواطن أولا وأخيرا.

إلا أن الملاحظ –بخصوص هذه المعادلة الجوهرية- في عموم البلاد العربية والإسلامية، بما فيها بلادنا المغربية، أن ثمة اختلال واضح في طرفي المعادلة، فلا المواطنون – والكلام ليس بالمطلق بطبيعة الحال – يحرصون على القيام بواجباتهم على الوجه الذي يعبِّر عن المواطنة المسؤولة، ولا المسؤولين –في العموم- يقدمون الحقوق بالعدل والإنصاف، أو يقومون بمهامهم كواجب من واجباتهم التي تدل على كامل مسؤولياتهم الوطنية.

ولاشك أن هذا الخلل، يجعلنا نعيش مظاهر كثيرة من معاني اللامواطنة واللامسؤولية، التي تجعل بعض المواطنين لا يشعرون بمعنى الانتماء الحقيقي للوطن ولا بمسؤوليتهم نحو ممتلكاته الطبيعية والبشرية، ولذلك فهم يستبيحون الملكية العامة بالسطو والاعتداء، لأنها في نظرهم هي مِلْكية للدولة وهم ليسوا مسؤولين عن حمايتها!! مع أن الحقيقة التي يجهلها هؤلاء أو يتجاهلونها أن “مِلْكية الدولة هي مِلْكية للمواطن”، وأن من يستبيح أموال وممتلكات الوطن/الدولة فإنه يستبيح أمواله وممتلكاته الخاصة أو أموال وممتلكات أهله وأقربائه، فلا وطن/دولة بلا مواطنين، ولا مواطنين بلا وطن/دولة..

بل وتجد من هذه الفئة من يلعن الوطن وأهله، ويسب ويشتم مسؤوليه كبارا وصغارا… بل وأكثر من هذا قد نجد من هذه الفئة من يبدي استعداده لإحراق الأخضر واليابس تحت شعارات اليأس والإحباط من قبيل: “إذا عمت هانت”، و”اللي ليها ليها” و”ما نايضة ما نايضة” و”حط الراس بين الريوس…”!! ولو تعلق الأمر بإيقاع أضرار بليغة في الصحة العامة للمواطنين!! كما هو حاصل اليوم مع جائحة كورونا، حيث يُصِرُّ البعض على مناكفة كل التدابير الاحترازية والوقائية التي تحث عليها السلطات الصحية والعمومية !! مع أن الظرفية الوبائية تتطلب تحمل الجميع لمسؤوليته الوطنية الفردية والجماعية للوقاية من ويلاتها، باعتبارها خطرا داهما لا يميز بين المواطنين بحسب جنسهم أو موقعهم الاجتماعي أو الوظيفي أو المهني..

ومن تجليات هذا الاختلال أيضا، أن التمثيليات السياسية والمهنية والمدنية الفاعلة في المجتمع، تصر على حصر مفهوم المسؤولية في زاوية ضيقة هي زاوية المشتغلين بالتدبير المباشر لإحدى القطاعات الحكومية فقط، وتنفي ذلك عن بل وعن عموم المواطنين؛ مما يؤدي إلى استساغة التقصير في أداء الواجبات أو عدم الإتقان في القيام بالمهام أو حتى تدمير الممتلكات أو انتزاع “الحق” بطرق ملتوية أو غيرها من الأساليب اللامسؤولة التي يلجأ إليها بعض المواطنين اليوم، تحت ذريعة حقوق المواطنة!!

وهكذا، وأمام تنامي مثل هذه الظواهر البعيدة كل البعد عن معنى المواطنة المسؤولة، وبدل العمل بجدية من أجل ردم الفجوة المتوهمة أو المصطنعة بين هذين المعنيين الإيجابيين في صناعة وصيانة الحياة العامة، فإن الجميع يبحث عن مسوغات لتبرير كل أشكال التهرب من تحمل المسؤولية الفردية والجماعية، بل ويهرول البعض بلا حياء أو خجل في اتجاه شرعنة اللامبالاة، حينها ستغدو المواطنة انتماء بلا مسؤولية، وستصبح المسؤولية امتيازا بلا وطنية!!

‫تعليقات الزوار

3
  • زينون الرواقي
    الأربعاء 26 غشت 2020 - 09:16

    لا يولد الانسان مواطنا صالحاً ولا فاسداً ولا مجرماً ولا فاضلاً ولا شرّيراً ولا خيِّرا بل كائناً مادة خام وصفحة بيضاء تنحته وتكتب على صفحاته عوامل لا يد له فيها تثمر ما تثمره فيما بعد فينعم الوطن بإضافاته وعطاءاته او يكتوي ببهيميته وتنطّعه وجهله .. المواطنة صناعة وصناعة المواطن الصالح ترتهن الى توفر مهارات الصانع إو الصناع من الأسرة بدءاً فالمنظومة التربوية ثم الموروث الثقافي المحلي السائد وصلاح الهرم السياسي المتحكم في الرقاب والعباد والتوزيع العادل للثروة .. فالخصاص والعوز والتفاوت الطبقي الصارخ لا يمكن ان ينتج سوى كائنات لا تؤمن بالوطن ولا بالقيم التي من منظورها وضعت لترسيخ وضع قائم ينبذ ويخشى اعادة خلط الأوراق وإلحاق من هم في الأسفل بمن في الأعلى أو العكس .. كل تمظهرات عدم المواطنة وتحدي العرف والقانون والتوجيهات والنصائح والدعوات عبر الاعلام أو الأحزاب أو النخب المثقفة تبقى شكلاً من أشكال التمرد والاحتجاج على هذا الوضع القائم بل حتى التمرد على طرق الوقاية من الوباء تأخذ منحى علي وعلى أعدائي على اعتبار نسبية الهلع والخوف من الموت التي تتعاظم لدى من يملك بقدر ما تتضاءل لدى ذلك الذي لا يملك .. اي من يخاف فقدان النعيم مقابل من لا يأبه لفقدان الجحيم .. لا يمكن ان تطلق إنساناً في البرّية يتدبّر أمره وحيداً جائعاً مرتجفاً يواجه كل المخاطر منفرداً ثم تدعوه لعدم اقتطاع غصن من شجرة أو إيقاد نار للتدفئة بحجة الحفاظ على البيئة .. فإن كنت تراهاً رمزاً للجمال ومصدرا للمتعة فهو لا يراها كذلك ….

  • عماد المديوني
    الأربعاء 26 غشت 2020 - 20:03

    المواطنة سرج على ظهر الفقير حتى يمتطيه الغني, انا شخصيا قطعت صلتي بكوكب الارض اليوم الذي حرمت فيه من المنحة الجامعية.

  • NOURAN
    الجمعة 28 غشت 2020 - 13:42

    و هل يوجد وضع سوسيولوجي اسمه المواطن بالمغرب ؟ نحن بصدد بناء دولة المؤسسات التي تحدد الحقوق و الواجبات … الا ان الواقع يصطدم بالاحتكار و الامتياز…الذى ينتج المنح و العطايا … مقابل التكاليف و الاعباء … الشئ الذي يلغي مبدا الواجب و الحق … نحن اقرب لمصطلح السكان بالمعنى الجغرافي … له تداعيات تاريخية …على الدولة مراجعة الاستراتجيات المحددة للسياسات العمومية … السلوكية المواطنة لها مرتكزات للاسف مغيبة ! الدولة تحصد في الحاضر ما زرعت و تزرع في الماضي و الراهن … !

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 15

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة