اَلْـ "مَسَارُ" الَّذِي غَفَلَ عَنْهُ الْكَثِيرُ!

اَلْـ "مَسَارُ" الَّذِي غَفَلَ عَنْهُ الْكَثِيرُ!
الأحد 16 فبراير 2014 - 08:47

لن نكون عدميين ونرفض جميع الأصوات التي ارتفعت تنتقد الأجندة الوزارية في التعامل الْأَوْلَوِيِّ مع الاختلالات التي يعرفها قطاع التربية والتكوين. فثمة فئة من المعارضين للمنتوج التدبيري الجديد (منظومة التدبير المدرسي” مسار” ) قَدَّرت أن هذه “الجعجعة” التي أحدثها من يهمهم الأمر التربوي عبر ردود الفعل على الاحتجاجات التلميذية، لا تكاد تخرج عن الإلهاءات التي اعتدنا أن نعيش على وقعها كلما فترت قوى المسؤولين عن إصلاح المنظومة، واصطدمت مشاريعهم التصحيحية بالباب المسدود، وطالت انتظارات الشعب عن ملامسة مقترحاتهم التصحيحية في واقع الناس. إذ ما هي –زعموا !- إلا محاولات لإلهاء الناس- المعنيين منهم بالأساس بهذا القطاع- عن حقيقة الاختلالات الجذرية التي يعاني منها القطاع، والتي تعود بنا إلى عقود من الممارسات الخائبة، والإصلاحات الفاشلة، التي طالت مضمار التربية والتعليم، ومكنت للفساد والريع التربَوِيَيْن أن يستشريا في قطاعٍ المفروضُ فيه أن يكون الناهضة التي تنتشل المجتمع من براثين التخلف والأمية والجهل.

نعم، لسنا عدميين ، ولن نكون كذلك أبدا، حتى نرد آراء وجيهة تستكشف ما بين السطور، وتسعى لتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، وترتفع عن الحزازات السياسوية والحسابات النقابوية، لتزيل اللثام عن الوجه الحقيقي لمنظمومة مهترئة شاخت عن زمانها التربوي، وفقدت كل أسباب الاستمرار والمواكبة للجديد؛ فنعهدَ إلى ترميم واجهاتها المتداعية بـ”برانم” ومنظومات معلوماتية، ونثير حولها الكثير من اللغط والضجيج وكأنها هي فَصُّ الإصلاح وأُسُّهُ الذي سينهض بالمنظومة التربوية من مستنقع الفشل والفساد؛ ثم نوهِمَ الناس أننا نشتغل على الإصلاح، ونقدم الجديد الذي سينتشل المدرسةَ الوطنية من وَهْدَةِ الاختلالات والتعثرات التي لا تنتهي، والتعليمَ المغربيَّ من “لامكان” ضمن الترتيب العالمي في سلم التعليم والتنمية الذي يتخبط فيه.

فليس “برنام” ولا حتى منظومة معلوماتية رائدة في مجال التدبير المدرسي ما سيصلح العقليات المتحكمة في تسيير أكبر قطاع اجتماعي في المغرب، كما ليس هذا “البرنام” /الظاهرة هو ما سيصلح ما أفسدته سياسات تعليمية تكالبت على منظومة تربوية، لعقود، فأفقدتها (مسارها) الحقيقي نحو الانعتاق والحرية والعدالة الاجتماعية؛ إذ ليست تدابير تقنية صرفة، لا علاقة لها بمضامين تربوية، ولا برؤى فلسفية واضحة حول الإصلاح وسبل تنزيله، ولا بسياسات تربوية جريئة تهدف للإصلاح الحقيقي لا المزيف، ولا بزخم تجريبي تربوي تراكمي عَاِلم؛ ما سينتشل المنظومة التربوية المغربية من الحضيض، ويجعل منها الرافعة التي تعيد للمواطن المغربي شيئا مما أفتقده من تعليم لا ديمقراطي ولا شعبي، كرس عنده آفات التواكل، والخوف، والخنوع، وأفقده كل قدرة على التعبير الحر، والاختيار السديد، والانخراط المسؤول في قضايا المجتمع والإصلاح.

فليس هذا الإجراء التقني الصرف ما يحتاج منا كل هذا الاحتجاج ضده؛ إذ ما هي سوى محاولاتٍ عاديةٍ في سياق تنزيل جزء بسيط من تدابير الإصلاح في شق بسيط من المنظومة التربوية المتعلق بمجال إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال الذي أخذت الحكومات السابقة – كما الحالية- على نفسها أن تدرجه كآلية تقنية ضمن برنامج رقمي معد لهذا الغرض. ولكن الذي يحتاج منا الكثير من التأمل والتفكير، وربما من الاحتجاج إذا سدت دوننا أبواب الحوار الهادف إلى الإصلاح؛ هو إيجاد سبل واقعية للخروج من الوضع المتردي الذي تتخبط فيه المنظومة، والذي يفرمل مسارها الصحيح نحو تخريج كفاءات تربوية وعلمية، مبدعة و”مستقلة”، قادرة على بناء مجتمع المعرفة والديمقراطية والعدالة والاجتماعية.

نحن في حاجة إلى تعليم شعبي يمتح برامجه ومناهجه من آخر الصيحات العالمية الناجحة، وفي نفس الوقت يقطع مع الاستغلالات السياسوية، التي تجعل من التعليم أداة لـ”قولبة” المواطن المغربي في قالب تختاره له مسبقا، يخرج على مقاسه، ولا يكاد يرى إلا ما يُرى، ولا يُهدى إلا سبيل “صناع القرار التربوي” !!.

إننا لن نقبل من الحكومة ولا من وزارتها في التعليم أن تستغفلنا بعد اليوم، وتعلن ضمن إنجازاتها الإصلاحية غير المسبوقة(!) أنها قطعت أشواطا كبيرة في الإصلاح، وبرأت ذمتها من المساهمة فيه، بهذا “البرنام” الجاف من كل مضمون فكري أومعرفي أو بيداغوجي مُؤَسِّس. فتنزيل منظومة “مسار” ضمن آليات التدبير، لا تمثل إلا نزرا يسيرا في إصلاح منظومة تربوية يحتاج إصلاحها إلى إرادات سياسية حقيقية، ترتفع عن الحسابات السياسوية الضيقة التي ترهن التعليم، في هذا البلد، إلى خدمة أجندات خاصة لا همَّ لها سوى الحفاظ على واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي معين.

فليس قدرا على المغاربة أن يعيشوا على تعليم تنحصر مُخرجاته في تشكيلات بشرية من أشباه المتعلمين، تعيد إنتاج ذات الواقع الذي عاش فيه أسلافهم، والعالم برمته يسير نحو المستقبل بسرعة ضوئية لا تدرك !.

وليس قدرا- أيضا- أن تظل نسب الأمية تراوح مكانها منذ عقود، والمغرب السياسي قادر على محاربتها في بضع سنوات، كما حارب أمراض الجذري، والسل، وبوحمرون، والحصبة،…بقرارات سياسية حاسمة!.

فلن يعجز المغرب السياسي، أبدا، أن يواجه هذا “القدر التربوي” !!؛ إذا حسنت النيات، وصفت الدواخل، وارتفع الجميع عن الحسابات الضيقة التي ترهن الوطن إلى المجهول… !

دمتم على وطن… !!!

‫تعليقات الزوار

1
  • ملاحظ
    الأحد 16 فبراير 2014 - 20:16

    قضية برنامج مسار مع الأستاذ و العملية التربوية كمثل قضية الردار مع سائق سُلمت له حافلة قديمة و مهترية و طُلب منه أن ينقل عددا كبيرا من الركاب يفوق عددهم عدد المقاعد و أن يوصلهم في الوقت المناسب و دون تأخير إلى مدينة توجد على مسافة بعيدة، سالكا طريقا محفوفا بالمخاطر ( منعرجات، حفر كثيرة، عقبات، الجدارمية…) وذلك طبعا تحت مراقبة مسار عفوا الردار.
    هاذا حال حكومتنا مع التعليم فعندما فشلت في حل المشاكل الحقيقية للمنظومة التربوية، التي أنتجت لنا كائنات لا تستحق حتى إسم تلميذ فبالأحرى مواطنا متعلما مبدعا، يعتمد عليه الوطن للتقدم، قررت تغطية الشمش بالغربال.
    بعض الدول المتقدمة بدأت تفكر جديا في مسالة التقويم و التقيم وتفكر حتى في الإستغناء عن النقظ لفاءدة طرق بيداغوجية من أجل تعليم متقدم فعلا.
    آش خصك آلعريان….

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة