تحميلة كاليينطي

تحميلة كاليينطي
الأربعاء 25 يوليوز 2012 - 19:12

الحلقة الثالثة

كانت العادة، ولا تزال بأشكال مختلفة ، أن يفترش بعض الباعة أرصفة الشوراع المقابلة للمدارس بالمغرب لعرض العديد من الأكلات والمشروبات على زبائنهم من التلاميذ الصغار من الأقسام الإبتدائية وإلى حدود الثانوي.

إكتشف العفريت أن حيز الحرية أكبر بكثير في مدرسة المخزن وأن الأمر يتعلق بعالم له طقوسه وعاداته وضوابطه والتي وبمجرد إتقان التواصل معها سيتمكن من تجاوز عقوبة الفلقة أو التحميلة.

إرتاح باله وتأكد له بالملموس أن المدرسة هي نهارية فقط وأن الليل يجمعه ببيته ومملكة جرائمه الشيطانية الطفولية. والأهم أنه سيكون على مقربة من جدته التي كانت هي ذلك الحصن المنيع الذي لا يقوى أي مخلوق ، بما في ذلك والده ،على تجاوزه . فكل المصائب التي كان يقترفها كان يمكنه الهروب من عقوبتها بمجرد الإحتماء تحت سرير جدته العزيزة رقية رحمه الله . حيث كانت تتجند بكل قواها لتقف في وجه والده دفاعا عنه.

– ضربني .. ضربني معاه .. والله لا مدتي يدك عليه .. أنا يماك و كنقولك والله ومديتي يدك عليه ما انت بني ولا أنا يماك وها السخط ها الرضا آ محمد.

– آيما الله يهديك .. خاليني نربي ولدي

– وإنتينا شكون يربيك .. إلي مرمدتي أربعة دلعواول وفرقتيهم على يماهم وهما غير كميشة دلحم

– عاودتاني رجعنا .. الله يا ربي .. واش أيما ماشي عييتي ما ترغب فيها إنتينا بيدك ؟

– إيييه بلحاق أنا بعيني شوفتك وانتينا كضربا .. إييه أمحمد آ ولدي

– المهم أيما .. ها هو العايل عند خليه بلا ترابي .. ونهار نحير فيه .. ماش تربيه إنتينا

– علاش شكون إلي كيربيه دابا .. يا الله بعد من قدامي .. والله لا عطيتولك تقطع لو لحمو فهاذ البرد.

اليوم .. واقعته هي أول الغيث .. وبداية معرفته بالوجه الآخر للمدرسة المخزنية ..

اليوم حكم عليه والده بالتحميلة لأنه طلب بعض المال من جدته واشترى ما لا يقل عن نصف صينية كاليينطي ( كاليينطي : دقيق الحمص المطبوخ مخلوطا مع الزيت والبيض على شكل بيتزا من دقيق الحمص يسمى باللغة الإسبانية Caliente أي سخن أو سخون ) فألقى عليه المعلم القبض وهو يلتهم قطع كاليينتي ويمسح بصفحات مطالعة إقرأ .. وتتلخص فصول الجريمة والعقاب :

– هاذيك الورقة إلي لدمسح بيها كمارتك .. شني مكتوب فيها ؟؟

– شنو ؟؟ والو .. ماشي أنا

– كيفاش ماشي انتينا الورقة فيدك إلى قطعتي من التلاوة .. هاذي إلي فيدك .. قرا لي شني مكتوب فيها

– مكتوب فيها القرايا

– وشني هي ؟ قراها لي .. يا الله .. ولا مشي ندوقوباباك التحميلة .. يا الله قرا .. قرا ..

– مكتوب فيها .. ديك .. دود .. وهذا .. هذا .. قرد يلعب

– هاذيك قرد يلعب.. هاديك ؟

– وهاهو فالتصويرة .. القرد كيعلب بالشريط ..

– مكتوب تما قرد ؟! شوف مزيان .. هاذيك آ البغل دبدوبٌ

دبدوب ، عند هذه الكلمة خسر العفريت أول معركة مع التحميلة .. وبات على يقين أنه سيكون فريسة بيد المعلم بالمدرسة . فإذا كانت جدته قد أفلحت كما رأينا في إفلاته من تحميلة والده فإن تحميلة المعلم عوضتها.

كم كره يومها كلمة الدبدوب .. قرد لا علاقة له بواقعه ودنياه وما يعرف من ألعاب يصنعها بنفسه من علب القصير وبقايا الخشب المتناثر في الحديقة المغولة المتوحشة.

أدرك العفريت بعد أن غزى الشيب رأسه ، أن الدبدوب هذا الذي كانت تزين صورته سلسلة إقرأ في جزئها الأول ، هو للأطفال الأبرياء ممن يحضون برعاية أم تدرك معنى أن ينام ولدها على سماع موسيقى هادئة وهو يحتضن دبدوبا أبيضا محشوا بشعر النعام. فيما كان العفريت ينام على سمفونية جدته الشخيرية الرائعة في جملها الموسيقية ومقاماتها الشخيرية العظيمة .. حيث كانت رحمها الله تبدأ عزفها بعد أقل من ساعة من ذهابها للفراش .. شخير كان العفريت لا يتحمل سماعه وكم هو مشتاق لسماعه ولو للحظة واحدة قبل موته . لكن هيهات ثم هيهات فقد فارقت العزيزة رقية الحياة واحتضنا الخالق الأعلى بجواره، رحمها الله.

أما ما كان العفريت يحتضنه ليلا .. فلم يك دبدوبا من دباديب أبناء العصر الحالي .. كان العفريت لا يجد أحسن من صدر جدته يحشر أنفه ورأسه فيه ورجلاه عند بطنها ويداه تطوقان خصرها .. لم يك في خلق الله كله يومها مهرب أكثر أمنا من حضن حبيبته وأمه وجدته العزيزة رقية. أما عندما كانت تجبره على النوم في فراشه ، وما كان فراشه هو وأخوته الثلاث سوى ركن من المصطبة ( السداري) الطويلة المحشوة بالحلفاء والتبن وبعض الصوف القليل جدا . ساعتها كان يتسلل من تحت السرير ويحضر المصحف الكريم ويحضنه إلى صدره الصغير وينام وهو في حماية الحصن العظيم. وكبرت هذه العادة مع العفريت ولم يفارق القرآن حقيبة من حقائبه ولا غرفة من غرف أي فندق ينزل بها عبر العالم.

كيف له أن يميز شكل الدبدوب الذي لم يك بالنسبة له سوى صورة قرد يلعب.

هنا خسر معركته ..

سُطح العفريت على طاولة خشبية تنبعث مها رائحة المداد والطبشور ، ومسك برجليه طفلان قويان البنية إختارهما المعلم وكان أحدهما إسمه الطيفو السمين .. بينما مسك آخران بيديه وشرع المعلم يركب الفلقة.. ليدشن العفريت عهد الحرب الضروس التي سيخوضها مع كل المعلمين والأساتذة رحمهم الله.

– والله ما نعاود . . واله آ الأستاذ ما نعاود وحق لالا مكة

– لا لا مكة .. هي إلي مشي ندفن ولديك فيها .. طلق رجلك .. عملي فالقسم مطعم .. وكتقطع المطالعة ..

– وا يما .. و العداو .. ولا .. ولا .. والله يحرق والديك

– مزيان .. والديا حتى هما جبدتيهوم

– ولا ماشي إنتينا .. وصبر .. وهداك الغليض الطبوز .. وا.. يما .. واصافي

أكلها العفريت بسبب أكلة كاليينطي وما زال وإلى اليوم يذكر ألم تلك التحميلة كلما وضع قطعة كاليينطي بفمه .. ورغم أن طعم ألمها قد تحول إلى ذكرى لذيذة وغالية فإن العفريت ما زال يعشق الكاليينطي والبوكاديو والصالصا وحمص كامون وجبان كول وبان وباركييو وغيرها من ثروات كانت تزخر بها أرصفة مدرسته من الخارج ..

عاد العفريت بعد هذه التحميلة إلى عادته وكانت العزيزة رقية لا تبخل عليه ب20 سنتيما كل صباح كانت تكفيه لشراء البزر ( الزريعة ) والكاليينطي وكأس من الصالصا. وبلغت به الأمور أنه فتح حساب قرض ( دَين ) مع أحد الباعة وليتحول هذا الدين إلى هم يجثم على صدره . سأحكيه لكم في إحدى الحلقات القادمة.

يتبع .. إلى اللقاء في حلقة جديدة

‫تعليقات الزوار

10
  • زينب
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 01:09

    تحية طيبة أستاذ الوافي
    أشد على يديك وأهنئك على هذا التميز الرمضاني الجميل

  • ولد طنجة
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 01:22

    وشهيتينا أسي الكاتب فشي طرف ديال كالينطي هههه مشكور

  • Amadou
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 01:34

    تبارك الله نص إبداعي متميز

  • emm
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 03:58

    هههه حتى انا تشهيت شي كاليينطي دبا , نص جميل تبارك الله

  • hjfgjy
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 13:05

    كنقرا النص ديالك فالخدمة ملي وصلت للتحميلة ماقدرتش نحبس الضحك الله يعطيك الصحة

  • ben
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 14:10

    Bravo j'aime beaucoup votre style, cela fait vraiment plaisir de vous lire
    W BIBA TANJAH

  • احمد
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 15:09

    اتساءل هل هذه الاحداث جرت بمدرسة موسى ابن نصير الابتدائية….لقد درست هناك…هل مازال باركيو موجودا…بالتوفيق استاذ الوافي.

  • ouafi houda
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 15:09

    وا بكيتيني ا خاي أو فكرتيني فبّا أو العزيزة رقية و الدار القديمة، الله يرحموم أجمعين آمين
    أختك هدى

  • charif
    الخميس 26 يوليوز 2012 - 19:13

    Vous me rappelez Mohamed Choukri

  • bent elkasba
    الجمعة 27 يوليوز 2012 - 18:10

    ياحصرة وخى كبير مني الوافي ولكن حتى أنا دزت من هادشي فكرني في العزيزة و البراءة و الطفولة في طنجة مكينش فحالة عاش طنجة فكرتين في جبان كول و بان و الحميص كيمون يا رب نرجع طفلة عايلة صغيرة باش ناكل هادشي و نلعب كرومو و الجبادة و شريطة في الحومة
    الله يرحم العزيزة مسكينة في هاد العواشر إنشاء الله باراك الله فيك الوافي إسم على مسمى لباقي كتفكر في الصغار ديال الجميع وفي للماضي و الحاضر وفي لطنجة الغزالة

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات