ثمن النقطة الضائعة بالإدارة المغربية

ثمن النقطة الضائعة  بالإدارة المغربية
الأربعاء 9 ماي 2012 - 18:32

شغل الحديث عن الغش في الامتحانات المهتمين بالتربية والتعليم و غيرهم في المغرب هذه الأيام، إذ استشرى بشكل رهيب أضحى معه في نظر كثير من التلاميذ حقا مكتسبا ، لا يمكن قبول المساس به و يدافعون عن ممارسته بكل الوسائل المتاحة ،وقد تطورت أشكاله تبعا لمستجدات عالم التقنية،وتنوعت أساليبه حتى صار موعد الامتحانات بالنسبة لأصحاب محلات الطبع و النسخ موسما سنويا للربح السريع ،ومثلهم من عديمي الضمير طلبة و أساتذة وغيرهم ممن يعرضون خدماتهم (التصغير والتلخيص واللصق والتلفيف و النقش…) على التلاميذ بأسعار تفضيلية تغنيهم عن بذل أي جهد ، أمر جعل سمعة التعليم المغربي و شهاداته و خاصة الباكالوريا في مهب الريح ، و قد اتخذت وزارة التربية الوطنية هذا الموسم إجراءات عدة لضمان اجتياز الامتحانات في ظروف تربوية مناسبة أهمها منع المترشحين من اصطحاب الهواتف النقالة و ما شابهها لمراكز وقاعات الامتحان،إجراءات لاقت استحسان كل الغيورين على التعليم المغربي آملين في أن تضمن الحد الأدنى من تكافؤ الفرص بين المترشحين في جميع المدن المغربية و تعيد لشهادة الباكالوريا هيبتها ،…لكن نسمة الأمل تلك لم تدم طويلا إذ سجلت حالات غش كثيرة بالطرق التقليدية المعروفة نفسها ،و أخرى اعتمادا على وسائل عالية التقنية مكنت من تسريب بعض المواضيع للمواقع الاجتماعية على الانترنت في غفلة من المراقبين الخائفين على حياتهم أو المتواطئين ، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى المقاربة الزجرية في ظل تعقيد مساطر متابعة المتورطين في الغش والتي تجعل كثيرا من المراقبين يغضون الطرف تفاديا ل ” الطلوع والنزول ” كما يقولون ، وغياب إجراءات واضحة لحماية الأساتذة المراقبين أثناء و بعد الامتحان …

والمؤسف أن نجد من المربين والآباء من يلوم و يلمز الصارم من المراقبين و يبررون اللجوء للغش بكثرة المقررات و تركيزها على الكم واختلاف نسبة الحزم والصرامة في تطبيق تلك الإجراءات من مركز لآخر (الصرامة – التساهل )، و المؤسف أكثر أن نجد من التلاميذ من يبرر الغش بتورط بعض الأساتذة أنفسهم في الغش أثناء الامتحانات المهنية و غيرها من المباريات ،و هي حقيقة لا يمكن نكرانها وبالتالي ” إذا كان رب البيت للطبل ضاربا فلا تلومن الأطفال على الرقص “فكيف ننتظر ممن لا يتورع عن الغش لتحقيق مآربه الشخصية أن يسهم في محاربتها في صفوف تلامذته ؟؟؟…مما يعني ان ظاهرة الغش في الواقع ليست حكرا على التلاميذ ، …و بقليل من التمعن في حياتنا اليومية بعيدا عن التعليم نجد الغش ديدن الكثيرين و في كل مجالات الحياة : فالغش مستباح من قبل أرباب المعامل والمصانع و من قبل المقاولين الموكول لهم انجاز مشاريع عمومية من طرقات وقناطر و مدارس …، والغش وسيلة البنائين و النجارين و التجار …لرفع الأرباح .و الغش سلاح المسؤولين المفسدين على المال العام …

الغش بهذا ظاهرة يصعب محاصرتها أو الحد منها اعتمادا على المقاربة الزجرية فقط و لو تمت الاستعانة برجال الأمن في الحراسة، لأن من طبع الغشاش الدهاء و المراوغة فكلما وضعت إجراءات و حددت عقوبات إلا وابتكرت و سائل وتقنيات أخرى أكثر تطورا ، وقد تداخلت الانتهازية و الوصولية مع المنطق التجاري الذي لا يهم أصحابه غير الربح ، ولن يبقى أمام المسؤولين في ظل غياب تحكيم الضمير أسوة بالغربيين من حل لهذه المعضلة المشجعة على الكسل والخمول والتواكل ، غير العودة للأصل و التركيز على التربية الروحية في المؤسسات التعليمية ومراكز تكوين الأساتذة و دور العبادة ,,, فمن يؤمن بمراقبة الله في السر والعلن ،وأن الله لن يبارك أي عمل أو أجر حصل عليه عن طريق الغش ، و أن عاقبة الغشاش عند الله في الآخرة وخيمة ..يصعب ان يقترب منه ، بحيث يصير شعار التلميذ والأستاذ والعامل والتاجر و المدير والوزير والرئيس …و من أصغر مواطن إلى أعلى هرم السلطة في البلاد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من غش فليس منا ” فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ( ما هذا يا صاحب الطعام؟ ) ، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني) رواه مسلم .و في رواية أخرى ” من غشنا فليس منا، هذا طبعا إلى جانب إجراءات فعلية لتطوير نظام المراقبة والتقويم في كل المستويات التعليمية اعتمادا على الوسائل التقنية الحديثة لأن ” الطيور على أشكالها تقع ” كما يقال ….

حين يعجز الزجر والقانون عن وضع حد لظاهرة خطيرة كهاته و ما شابهها من ظواهر مسيئة لسمعة منظومتنا التربوية، تبقى التربية ، والتربية على الخوف من الجليل خاصة هي الحل ، بحيث يصير الامتناع عن الغش في الامتحانات وفي كل أمور حياتنا اليومية في منزلة الامتناع عن الأكل والشرب في رمضان …

للتواصل : http://sadakissane.blogspot.com

‫تعليقات الزوار

5
  • بلا ألم
    الأربعاء 9 ماي 2012 - 19:12

    و لِم نقطتين فهناك ال للتعريف فان نزعت عن ال اسم ال عائلي بسبب خطا موظف او حاسد للناس يعلم ان ال مواطن سيقع في لخبطة و ال زمر ال كحل و هذا مريح نفسيا لكل عابث بمصالح الناس
    و لم نقطتين فثمة حرف اي حرف ان تم نزعه او اضافته فهي فرجة ممتعة على المواطن البسيط تتلذذ بها ذوي النفوس المريضة و الحاقدة على عباد الله

    هذه هي الحقيقة للاسف و للمخالف ايضا اسف شديد و اليم في الاخير

  • كريم
    الخميس 10 ماي 2012 - 08:41

    ان تجاوز مثل هذه العبثية يقتضي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب فلا يعقل ان يتحمل "موظف"مسؤولية هو غير اهل لها حيث مستواه الثقافي والعلمي لا يؤهلانه ليمارس المهام المسندة اليه .اما مسالة تقريب "الادارة "من المواطنين فالمقصود بها حقيقة هو تقريب الهراوة من المواطنين للتحكم فيهم وضبطهم ؛اكثر من تقريب الخدمات اليهم وتسهيلها.

  • إسماعيل الحجباوي
    الخميس 10 ماي 2012 - 19:56

    شكرا لإثارتك لموضوع بالغ الاهمية، إذ العديد من المغاربة تعرضوا لمثل هذه الحالات والمواقف كلفهم وقتا غير يسير وأموال غير قليلة وجهد إضافي لتصحيح وضع ليس هو من تسبب فيه بل عينة من الموظفين المستعجلين وغير المتبصرين. فمنهم من قضي غرضه ومنهم من بقي وضعه على حاله بكثرة التعقيدات والغجراءات إلى ان نسي الأمر كله…فنجد مثلا أشقاء بالدم ليسوا أشقاء في الحالة المدنية إما لزيادة حرف او نقصانه او زيادة نقطة وهلم جرا…وازكي طرحكم ودعوتكم لأن تتخذ مبادرات على مستوى كل من وزارة الداخلية والعدل لسن مشروع إصلاحي لمثل هذه الحالات وكفى المواطنين شر المعاناة…

  • MOHAMMED MEKNOUNI
    الجمعة 11 ماي 2012 - 20:12

    من العار أن يتركنوا وزراء الدستور الجديد في العاصمة الإدارية دون أن يفاجئوا المصالح الخارجية بالزيارات المفاجئة لإ ستجماع الأخطاء اليومية المتعلقة بالوثائق الإدارية وإيجاد الحلول الكفيلة بها ، فعلى سبيل المثال شهادة السكنى للبطاقة الوطنية تتطلب من المواطن شهادتين ،شهادة المقاطة الحضرية
    وشهادة الأمن وهنا تكمن المصيبة عندما تسلم للمسؤول عن الدائرة الأمنية الشهادة يطلب منك أوراق اضوء والماء والكهرباء أو توصيل الكراء ؛ ما هذا العبث يا سيادة رئيس الحكومة وياسيادة وزير الداخلية ، هل تعرفون ماذا يجري بين جدران الإدارة التي تشرفون عليها. عار عليكم أن تسمعوا مثل هذه الأخبار وتنامون ليلا ،إنكم مسؤولون وما عليكم إلا تطبيق القانون وكفى من اللغو ، فالسياسي المحنك والمسؤول عن الوزارة عليه أن يجعل من وزارته مصحة طبية بدون ضجيج فالمواطن يبتز وأنتم تعرفون ذلك ؛أين هي وعودكم ؟
    وأين هي خطاباتكم؟ وأين هو القسم الذي أديتموه امام ملك البلاد ، وعليكم أن تعلموا بأن هذا لا يتطلب ميزانيات إضافية تقترضونها من الأبناك لتغرقوا أجيال هذا الوطن في ظلمات الأوهام ، إستيقظوا من زيف السلطة وشمروا لإنقاذ الوطن .

  • عبد الكريم
    الأحد 13 ماي 2012 - 11:37

    شكرا على إثارة هذا الموضوع
    لعل من خلفيات هذه الممارسات المتعمدة أحيانا هي شرعنة الرشوة في المناطق التي تعرف نسبا عالية في الأمية ،لأنك حينما تسأل احدهم عن سبب لجوئه إلى تقديم رشوة لموظف يعمل في جماعة قروية أو بلدية أومقاطعة أو في مركز الدرك أو………أو……….. فالجواب يكون بكل أسف : إذا لم أدفع فسيتعمد الموظف ارتكاب خطإ في الاسم الشخصي أو العائلي أو في تاريخ الازدياد أو…..أو …بزيادة حرف او نقصانه ….وهذا يحصل كثيرا في بطائق التعريف الوطنية .ونحن نعلم أن اجراءات تصحيح الخطأ أشد تعقيدا .أعرف شخصيا رجلا اسمه عبد العزيز وضعوا له في البطاقة الوطنية صورة امرأة …لما استفسر في حينه وفي عين المكان عن هذا الخطإ الفادح دلوه ليعيد من جديد جمع عدد من الوثائق .أما زيادة حرف أونقصانه فالحالات متعددة…اللهم انا نسألك اللطف.

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 21

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير