حاميها منتهكها

حاميها منتهكها
الأربعاء 25 يونيو 2014 - 23:35

قبل أيام استشاط غضبا سعادة الوزير الشوباني ، غيرة على “حرمة” البرلمان وصونا لها من كل “تدنيس” لما همّت صحفية بصعود الأدراج لاتخاذ مكان لها من أجل تتبع أشغال المجلس ، فيما كان السيد الوزير يسترق النظر ، من أسفل السلّم ، إلى ما قد ينكشف من عورة الصحفية وهي في أعلاه . اعتقدنا أن الخُلق والمروءة طبعا وليس تطبعا ، وأن الباعث على الغضب اعتقاد راسخ لدى سعادته لا يطمسه المقام ولا يخرسه الموقف .

وليس أجمل من غيرة الوزير على حرمة البرلمان ، لأن هذا الأخير أعلى مؤسسة تشريعية نابعة من إرادة الشعب المسلم الطيب الذي تنبض عروقه بحب الفضيلة ونبذ الرذيلة . شعب يجعل الموت من أجل الشرف والحرمة والكرامة شهادة وشهامة ما بعدها شهامة . التمسنا العذر لسعادته لما جعل شرف البرلمان من شرف أعضائه وزواره ، بل ومن شرف الشعب والوطن والدين . غضبة لا يختلف فيها سعادته عن أي شخص عامّي في أقصى المدينة والقرية .

الغضب لله وللشعب وللوطن مفخرة كل مواطن ومُناه . لكن هذا البرلمان ، بقدسيته الوطنية والدستورية والشعبية ، سيحوله سعادة الوزير الوفا إلى “فَنْدَق” (مأوى الدواب والسوّاقة ) تنعدم فيه القيم السامية والأخلاق النبيلة والمعاملات الراقية . فسعادة الوزير ليس شخصا عاديا يمثل نفسه ويسمح لها بالنزوة أو النرفزة فتكون أفعاله وأقواله محسوبة عليه وحده ، ويسري عليها منطوق الحديث النبوي الشريف ( كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون )، بل هو ممثل للشعب بقيمه ودينه وتقاليده ، وممثل للملك بهيبته وسؤدده ومجده . وجوده في الحكومة والبرلمان وجود يؤطره الدستور والقانون والأعراف الديمقراطية على مستوى الهندام والأفعال والأقوال . إذ لا مجال للنزوة ولا للنرفزة . إن الوزير مرآة الوطن والشعب وصورتهما لدى الأمم .

فالبرلمان ليس “فَندَق” يتساوى فيه الإنسان بالبهيمة ، وليس جوطية يلتقي فيها الصالح والطالح ، ولا مقهى يحتشد فيها الرفيع والوضيع ؛ البرلمان مؤسسة يحسب لها الساسة ألف حساب ، وترتعد منها فرائص كبار القادة والزعماء . وحده برلماننا تحول إلى مكان للسباب ومأوى للنيام . حوله السيد الوزير إلى “زنقة” بإحالاتها الشعبية وأخلاقياتها الدنيئة وألفظها البذيئة وعباراتها النابية . بل “الزنقة” يحافظ فيها ذوو الهمم على همتهم ، فيدافعون عن الكرامة والشرف بأعز ما يملكون . وحدهم “حماة” الأخلاق وسدنة “حرمة” البرلمان بلعوا ألسنتهم وأصموا آذانهم عما فاه به سعادة الوزير الوفا من عبارة نابية وألفاظ ساقطة أسمَعَها للأسر المغربية ولقنها للنشء الذي تربى على سمو شخصية الوزير ووضعها الاعتباري والدستوري والأخلاقي والاجتماعي .

لقد سقط سعادته واسقط معه هيبة الدولة ودنس حرمة البرلمان . إنه يؤسس لحقبة جديدة للحياة السياسية والبرلمانية في المغرب ، سمتها الرئيسية “الشعبوية” المبتذلة في لغتها وقيمها وممارساتها . حقبة فقدت فيها الدولة ومؤسساتها الدستورية كل هيبة وحرمة واحترام . حقبة اخترقت فيها لغة “النزقة” لغة السياسة وطغت عليها . وليس غريبا أن يتفوه سعادة الوزير بعبارته الساقطة تلك ، فقد فعلها من قبل لما خطاب تلميذة داخل الفصل الدراسي “آش كادّري هنا ؟انت خاصك غير الراجل” .

لم يكن سعادته في حالة نرفزة وتوتر ، فلا التلميذة استفزته بأسئلتها كما يفعل البرلمانيون ، ولا هي أحرجته بملاحظاتها عن افتقار المؤسسة إلى الوسائل التعليمية الضرورية ؛ بل هي “الضسارة” و”السيبة” حين يجعل الوزير نفسه فوق المحاسبة وفوق المراقبة وفوق القانون . كان من المفروض في رئيس الحكومة الذي أوقف أشغال البرلمان حتى تم طرد صحفية بسبب لباسها الذي استفز حضرة النائب المحترم داخل المجلس الموقر ، أن تُستفز مسامعه قبل “غيرته” من فظاعة العبارة النابية التي تفوه بها وزيره في الحكومة التي يرأسها . فمن يغضب للأخلاق يغضب لها حيثما حل وارتحل ، لأن القيم لا تتجزأ . والتستر على الوزير في تدنيسه لحرمة البرلمان هو مشاركة له في جرمه واستخفاف بالمؤسسات الدستورية وتمييع للقيم الديمقراطية وإفساد للممارسة السياسية . لقد ساهم السيد بنكيران في الانحدار الأخلاقي الذي انتهى إليه البرلمان على عهد حكمته حين أبقى على وزير تنصل من التزاماته الحزبية و”خان” ثقة الحزب فيه .

ومن جعل المنصب أولى من الحزب هان عليه أن يخاطب ممثلي الشعب بما يخدش أخلاق الشعب . وإذا كانت كرامة البرلماني والوزير من كرامة البرلمان ، فإن حرمة البرلمان من حرمة البرلمانيين والوزراء . ورحم الله الحسن الثاني الذي غاضه الوضع المادي الذي انتهى إليه أحد الوزراء فأمر جلالته بتمتيع الوزراء بتقاعد يحفظ لهم كرامتهم ؛ فقد كان مدركا وحريصا على أن هيبة النظام والدولة من كرامة الوزراء . لذا تُلزم أنظمة القضاء والأمن والجيش أطرها بقواعد السلوك تضمن للدولة هيبتها . فأي وزير هو قبل كل شيء ممثل لجلالة الملك وللشعب وللوطن ، وعليه تمثلهم في كل تصرفاته . من هنا ليس أمام السيد بنكيران سوى إقالة الوزير الوفا حفاظا على هيبة الدولة والنظام والبرلمان .

‫تعليقات الزوار

3
  • مصطفى السخي
    الخميس 26 يونيو 2014 - 09:29

    من يقرأ لهذا ،يعتقد فعلا أننا قبل هذا الأمر كان لنا برلمانا..ألم يشبه سابقا بالسيرك..؟ ماذا يردد كأنما وقعت سابقة من طرف الوزير الوفا ..هناك ما هو أمر وأنكى منه ..
    أنت فقط ما هو تصورك الفلسفي للوضع الحالي وبالتالي على جثث من اشتهرت ، وأصبحت تكتب ويقرأ لك .. نعرفك بكتاباتك الظالمة في حق المخلصين من أبناء هذا الوطن ..والأمر سيرافقك إلى قبرك وما بعد قبرك .. إن الله يمهل ولا يهمل ..ستحاسب كما- أومن أنا- بين يدي الرقيب الحكيم على ما سطرت أناملك ظلما وزورا..

  • marrueccos
    الخميس 26 يونيو 2014 - 13:03

    كلما إشتد ضغط الحياة اليومية على المواطن إزداد شقاء الشعب ! كلما إشتد شقاء الشعب زاد الطلب على رجل الدين ! فحاجياته لا يستطيع تلبيتها فلا يجد غير الكبث للتغلب عليها ! هروب من الواقع إلا اللاشعور وكأن هذا الأخير وعاء الطلبات غير المنجزة يمسحها بعد حين !!! البرلمان بغرفتيه يعمل على تنفير الناس من السياسة ! غايته إفراغ المؤسسة التشريعية من دورها التمثيلي ( نواب الشعب ) ! لتعود إلى دورها السابق كغرفة مصادقة على القوانين !!! ليس مستغربا أن تولي الدولة عناية للحقل الديني وتخصص قناة تلفزية وإداعية لذلك ! في الوقت ذاته تتحاشى إخراج قناة برلمانية كما هو معمول به في الدول الديمقراطية ! تنقل عمل اللجان وتشرح القوانين قبل المصادقة عليها ليكون المواطن على بينة بها وتناقش السياسات العمومية إن كانت تستجيب لحاجة المواطنين ! وتنقل أشغال لجان مساءلة الموظفين السامين ولجان كشف الحقائق ! أما نحن في هذه البلاد فلا نسمع إلا عن الخصومات داخل الغرفتين والكلام النابي وحشيان الهضرة ! كما عبرت عنه جوطية بلا أمين ! ف " الشوباني" out داخل البرلمان ! in داخل مجلس الوعظ والإرشاد ! وكأن السياسة وعظ !!!

  • الحربات العامة وفقهائها
    الخميس 26 يونيو 2014 - 13:15

    عندما كان االحسن التاني يقول ان اليسار لازال فوضاويا في اطزوحاته وغير مؤهل بعد للاسنلام مهام حكومية .ربما لم يكن الرجل يتحدت من موقف الخصوم .فهانحن الان نعيش مع اسلاميي العدالة بوادر وطلائع عصر الاسنبداد.وزراء لا يوفون
    بتعهداتهم الدستورية .والحكومية اتجاه حلافائهم ،زئيس حكومة يتدخل في الشان المصري .ويمارس الوعظ والارشاذ في مؤسسات الدولة .وزبر االاعلام اصبح راهبا مكسيكيا افتاتي بعد رهاب الامازيغية يضطهد كل حداثي باسم قانون كل ما من شانه الاخلال بحرمة الطابع الاسلاموي عغوا الاسلامي للدولة المغربية .ونحن في انتظار المزيد من المسلسلات المكسبكسيةعفوا الطالبانبة .فالسؤال ادن هو هل كان حزب بنكيران ناضج فكرا وممارسة لاستلام مقاليد التسيير،متل اسلاميي تركيا .حيث الاخلاق غايات التنمية وليست مقدمات لها .وهل استفاد هدا الحزب من تشردم جل احزاب دول جنوب المتوسط بعد الربيع الديموفراطي للاستفراد بالحكم منل اخوان مصر ؟كل الاحزاب الان ترفع شعار المظلومية فبل الانتخابات .الاسلاميون يتهمون مسبفا البام. الاستقلال والاتحاد يتهمون الحكومة.نتمنى ان لا تشاركوا جميعكم .لكي نبدا مرة اخرى من الصفر .

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب