خــوارم المسؤولية في ظل دستور 2011

خــوارم المسؤولية في ظل دستور 2011
الأربعاء 12 دجنبر 2018 - 22:55

يعتبر تحمل المسؤولية تكليفا قبل أن يكون تشريفا، ذلك أنه التزام يفرض مجموعة من الضوابط والالتزامات على المسؤول، بغض النظر عن طبيعة مسؤوليته من جهة، وعن شخصية هذا الأخير “الكاريزما المتخيلة” من جهة أخرى، ويستمد هذا الالتزام تشريفه من كونه يبوئ المسؤول مكانة اجتماعية، تشكل مقصدا لذوي القضايا والمطالب الإدارية والاجتماعية والاقتصادية…

وغالبا ما يتم تجاوز البعد التشريفي لتحمل المسؤولية وتجاهله، مما يؤدي إلى شخصنة المسؤولية والمنصب، التي تعتبر من أبرز صور خوارم المسؤولية في الدولة المغربية. وباستقراء واقع المسؤولية في هذا البلد، فإنها عرفت سيرورة تاريخية متسمة بالتذبذب منذ الاستقلال، وذلك على الرغم من التحولات الحاصلة على مستوى التأصيل المؤسساتي والقانوني لهذه المسؤولية.

فقد كانت المرحلة الممتدة ما بين (1912-1956) تتسم بنوع من “أنسنة المسؤولية”، وذلك راجع إلى كون قيمة الوطنية وقتئذ بمثابة شرف ووسام، يسعى كل مسؤول إلى نيله من خلال مساهمته الصادقة في وضع أسس “الدولة الحديثة”، إلا أنه بعيد سنوات من الاستقلال، أصبح مؤشر المسؤولية يعرف تراجعا وتقهقرا سنة بعد أخرى، خصوصا بعد ظهور الصراع السياسي و”الإيديولوجي-المصلحي” في المشهد السياسي المغربي ما بين 1960-2000، حيث عرفت المسؤولية نوعا من “التبخيس” في ظل اهتداء المكونات السياسية في تدبيرها للشأن العام إلى منطق التوافق والتراضي في توزيع مساحات المسؤولية، أو ما يمكن تسميته “بالتربح المتبادل”.

ومما لا شك فيه أن تأثير هذه الممارسة أدى إلى تحول جذري فيما يخص ماهية المسؤولية، حيث تم الانتقال من منطق “أنسنة المسؤولية” إلى منطق “شخصنة المسؤولية”.

وكانت لهذا الانتقال انعكاسات سلبية على صيرورة الدولة، التي اختلت بوصلة اتجاهها على سلم مدارج “الدولنة”، مما يطرح باستمرار السؤال حول مصداقية القول بدولة الحق والقانون (دولة المؤسسات)، خاصة في ظل انتشار مجموعة من طقوس شخصنة المسؤولية في مجالات تدبير الشأن العام.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تنافرا دائما بين تيار “أنسنة المسؤولية” وتيار “شخصنة المسؤولية”، ومن المنطقي أن لا تتوافق مبادئ وأسس هذا الأخير مع طموحات الدولة برمتها، في ظل الإلحاح والإصرار على التموقع والريادة “الصورية”، سواء على المستوى القاري أو الدولي.

ويمكن القول في هذا السياق إن تدبير الشأن العام في المغرب تعوزه مجموعة من الخوارم، التي تحد من مصداقية المسؤولية الفاقدة للمحاسبة، على الرغم من التنصيص الدستوري على العلاقة الترابطية بين المفهومين.

وإذا كانت رهانات الدولة مرتبطة في شموليتها بنيل الرضى والاعتراف الدولي بالمجهودات المبذولة مؤسساتيا وتشريعيا (في شقه الإملائي)، فإن الطابع الصوري الذي يعكسه هذا الرضى والاعتراف لا يتماشى مع الطابع الحقيقي والواقعي الذي يعبر عنه الشعب والمواطنون عموما.

إن التطبيع والقبول بخوارم المسؤولية كـ”الشخصنة المزمنة” دفع إلى اعتقاد البعض بكون الممارسة السياسية في المغرب مرتبطة في وجودها واستمراريتها بوصول زعماء “تيار الشخصنة” إلى مراكز المسؤولية، وهو اعتقاد خاطئ.

ويمكن تشبيه تحمل المسؤولية بالعقوبات السجنية التي يقضيها أصحاب حالات العود من الجناة، فكلما ازداد اعتقالهم اشتد ارتباطهم بالسجن أكثر، حتى أصبح السجن بالنسبة لهم “حقا مكتسبا”، وهو ما يمكن أن ينطبق على تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام في المغرب، فكلما ازداد فساد المسؤول اشتد تمسكه بالمسؤولية والمنصب.

وعلى ما يبدو، إنها علاقة جدلية غير متوازنة وغير منطقية، خاصة وأن دستور 2011 نص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي ظل استمرار تجاهل هذه الوثيقة الدستورية، ستبقى المسؤولية بين رحمة “الشخصنة”، و”التوريث” كخوارم تشوه ملامح الدولة، التي ترغب في مجاراة التحولات الآنية والمستقبلية.

‫تعليقات الزوار

1
  • Peace
    الخميس 13 دجنبر 2018 - 07:24

    كثرة التفلسف في من يتحمل مسؤوية حدث معين و كل واحد يرمي بالمسؤولية على الاخر للتنصل منها و الهروب من المحاسبة. في نظري انا لمسالة سهلة جدا, فهناك تراتبية و تزامن احداث معينة بتعيين ش خص معين, مثلا تعين شخص في منصب معين, فبمجرد مرور فترة معين تظهر, يا اما مشاكل معينة او اهمال او نقص في الموارد او فوضى… او العكس تعين شخص معين, فتتطور كل الامور الى الاحسن شيئا فشيئا. فلا داعي لان يقول مسؤول, انا لست مسؤول عن هذه الفوضى, هذه صدفة فقط, من لا يستطيع تحمل لمسؤولية فعليه الانسحاب, بغض النظر عن هل هو مسؤول بشكل مباشر ام لا او اننا يجب علينا محاسبته محاسبة قاسية و شنقه او قطع راسه. لذلك نجد وزراء في الدول لتقدمة, يفهمون انفسهم بغمزة و يقدمون استقالتهم.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس