"دستور إعادة الانتشار"

"دستور إعادة الانتشار"
الخميس 30 يونيو 2011 - 03:52

لسنا فقهاء في القانون الدستوري حتى يكون بمقدورنا قراءة خلفيات وتداعيات مشروع الدستور الجديد الذي أعلنه الملك بالأسبوع الماضي, ثم فصل بالخطاب في مستجداته, ثم تبناه بالإعلان عن أنه سيصوت عليه بالإيجاب من زاوية كونه مواطنا, وليس فقط باعتباره صاحب المشروع بالبداية وبالمحصلة النهائية.

ولسنا متضلعين في الفقه الدستوري حتى ندعي القدرة على قراءة ما بين سطور المشروع, أو استنطاق الآية من انتقاء هذه المفردة أو تلك, أو السر في تقديم هذه المادة على تلك, أو تركيز التفصيل في هذا الجانب والارتكان إلى العموميات في هذا. هذه أمور من صلاحية أهل الاختصاص, ونحن لسنا منهم بكل الأحوال.

لكننا مع ذلك لسنا محايدين إن طلب منا إبداء الرأي, ولن نكون متحيزين بالضرورة لهذه الجهة أو تلك, إن نحن تعاملنا مع المشروع من منطلق المتلقي الذي ستطاله الوثيقة حتما, عندما تعتمد بالاستفتاء العام, وتغدو نصا ساميا لا يعلى عليه, في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بالمغرب القادم.

والواقع أن المرء لا يمكن إلا أن يكون مجانبا للإنصاف لو ادعى بأن لا جديد يذكر بمشروع الوثيقة, أو زعم بأن الدستور السابق, دستور العام 1996, يبقى هو الناظم الأقوى لمفاصل هذه الوثيقة, في الفلسفة والتصور والصيغة التي خرج بها للملأ.

ليس ذلك دقيقا فيما نعتقد, إذ بالمشروع عناصر اجتهاد لا يمكن للمرء حقا أن ينكرها, أو يغفلها, أو يتجاوز عليها تحت هذا المسوغ أو ذلك:

°- فمشروع الوثيقة أزاح القدسية عن شخص الملك, وكرس موقعه على رأس الدولة لا على رأس الأمة, وحدد دوره بالقياس إلى باقي عناصر الجهاز التنفيذي, ثم التشريعي والقضائي, وقلص من إطلاقية قراراته, عندما ربط العديد منها بالاستشارة مع رئيس الحكومة, وجعل مصير هذا الأخير غير مرهون بقرار مزاجي من لدن الملك, أو بحسابات من لدنه قد لا تلقى الاستلطاف الشعبي, أو تذهب لحد لي عنق الوثيقة الدستورية لمجارات ذات القرار.

°- ومشروع الوثيقة ربط بلوغ رئاسة الحكومة بالحزب الذي يتبوأ الصدارة بالانتخابات التشريعية, فأعطى بذلك قيمة سامية للعملية الانتخابية, وأنهى نتيجة ذلك تسيير الساسة من لدن التقنوقراط الدخلاء, ممثلي الشعب بالذين لا تمثيلية في عنقهم تذكر, لا بل ولا انتماء سياسيا لهم أو قاعدة شعبية.

وعليه فالمشروع لم يعط رئيس الحكومة صلاحية تعيين فريقه الوزاري وتقديمه للملك للمصادقة عليه فحسب, بل منحه سلطة تعيين رؤساء المؤسسات العمومية وكذلك القائمين على الولايات والعمالات, ليصبحوا ممثلين بمناطقهم وجهاتهم للحكومة لا للملك, لها أن تحاسبهم وتراقبهم وتسائلهم وتعزلهم عند اللزوم.

°- ثم إن مشروع الوثيقة فصل في تحديد قواعد العلاقة بين السلطات, فأعطى لرأسي الدولة صلاحية التشاور والتشارك في اتخاذ القرارات, ورفع القضاء إلى سلطة مستقلة قائمة, وأعطى للمؤسسة التشريعية صلاحيات لم تكن لديها من ذي قبل, أو لم ينصص الدستور السابق على آليات تفعيلها.

ثم إنه عمد إلى دسترة مؤسسات استشارية, كمجلس حقوق الإنسان, والهيئة العليا للاتصال السمعي/البصري ومجلس المنافسة وغيرها, فمنحها بذلك سلطات تقريرية مباشرة, بعدما لم تكن قراراتها تتعدى التوصيات لصاحب القرار الأول, فيما الفاعلين الخاضعين لرقابتها, في حل مما يصدر عنها من توجيهات.

كلها إذن عناصر غاية في الأهمية, ولا يمكن للمرء أن ينكرها, اللهم إلا إذا كان جاهلا متجاهلا, أو جاحدا, أو في نفسه ضغينة ومرض.

ومع ذلك, فمشروع الوثيقة لم يرو العطش كله كما يقال, ولم يصل مستوى خطاب الملك للتاسع من مارس الماضي, والذي كان واضحا مباشرا وقويا:

+ فالمشروع قد أشر لنهاية الفصل 19 حقا, لكنه أعاد توزيع الاختصاصات المتضمنة من بين ظهرانيه على هذا الفصل كما على ذاك, ليضمن بالتالي للملك كل السلط الرمزية والمادية, الدينية والدنيوية, والتي تجعل منه محرك المنظومة بكل المقاييس.

لا يروم التلميح هنا إلى مفهوم إمارة المؤمنين الذي تم التأكيد عليه بقوة, أو إلى استثناء الملك من المسؤولية في الاختيارات المعتمدة, بل وأيضا إلى صلاحيات الإشراف المباشر التي منحه إياها المشروع المعروض على الاستفتاء, فيما يتعلق بالشؤون الاستراتيجية والأمنية وما سواها.

المشروع هنا إنما عمد إلى إعادة تركيز سلطات الملك على مجالات كان له بالدساتير السابقة القول/الفصل.

+ ثم إن المشروع, وإن اقتطع من سلطات الملك لفائدة رئيس الحكومة, فإنه ربط قرارات هذا الأخير باستشارة الأول وبموافقته وتأشيرته, سواء تعلق الأمر بتعيين الوزراء أو إقالتهم, أو تعلق بتعيين الولاة والعمال وإنهاء مهامهم لهذا الاعتبار أو ذاك.

والدليل أن لا قرار يصدر إلا بمجلس للوزراء يرأسه الملك, وليس لرئيس الحكومة أن يحول قراراته الكبرى للاعتماد بالبرلمان, إلا عبره ومن خلاله.

صحيح أنه بإمكان الملك أن يفوض رئيس الحكومة ترأس ذات المجلس لهذا السبب أو ذاك, لكن القرارات المترتبة عنه لا يمكن أن تدخل حيز التنفيذ إلا بموافقة الملك وبتأشيرة مباشرة من لدنه.

+ أما فصل السلطات, فيبقى بالمحصلة غير واضح بدقة, ويخضع للتداخلات والتأويلات, إذ ليس من حق رئيس الحكومة أن يحل البرلمان إلا باستشارة مسوغة مع الملك. وليس له أن يطاول جهازا قضائيا تصدر الأحكام من بين ظهرانيه باسم الملك.

صحيح أن المجلس الأعلى للقضاء قد بات منفتحا في عضويته على تيارات المجتمع المختلفة, لكنه يبقى بحكم رئاسة الملك له, كما لو أنه جهازا تنفيذيا بامتياز.

هذه ملاحظات عامة استوحيناها من الدستور السابق, من الممارسة على الأرض ومن مشروع الدستور الحالي. ومفادها النهائي إنما القول بأن المشروع بصيغته الحالية, هو صيغة اجتهادية ضرورية لتجاوز بعض إكراهات الصيغة السابقة, لكنها غير كافية للنفاذ إلى دستور نريد الملكية بظله أن تكون رمزا وحكما, لا فاعلا مباشرا بالفضاء السياسي العام, حيث العبرة بالتباري, ثم بالمسؤولية, ثم بالمحاسبة عند كل استحقاق.

‫تعليقات الزوار

6
  • مغربي
    الخميس 30 يونيو 2011 - 05:01

    الدستور المغربي الجديد يشبه كثيرا الدستور الإسباني, و صلاحيات الملك في الدستور الجديد هي نفس الصلاحيات التي يتمتع بها الملك الإسباني خوان كارلوس.
    اذن لم يبق لنا سوى التصويت ب"نعم" للدستور الجديد.
    و البدء في العمل على بناء مغرب عصري و ديمقراطي.
    انشري يا هسبريس و شكرا جزيلا.

  • حمزة
    الخميس 30 يونيو 2011 - 20:34

    تاويلا لتدخلك في النص اعلاه و جراتك على الملك محمد السادس نصره الله في تقديرك بان الدستور الجديد يحد من اي قرار مزاجي .فمتى كانت قرارات جلالة الملك بهذا النمط . ان تقييم بورصتك الاحتجاجية في سائر نصوصك ربما يعيق تطورك المعرفي نظرا لكساء المداهمات التعبيرية التي تحيد عن الجدية فالحوار. و في النهاية لسنا فقهاء في القانون الدستوري حتى يكون بمقدورنا قراءة خلفيات وتداعيات مشروع الدستور الجديد

  • marocain
    الخميس 30 يونيو 2011 - 22:56

    إلى المسمى حمزة صاحب التعليق رقم 2
    الإستفراد بالسلطة وإحتكارها في يد شخص الملك يعني أن القرارات تأخد بشكل مزاجي ولا أحد يستطيع أن يتبث العكس منذ عصور وأمور البلاد والعباد تسير بمزاج المخزن الذي ورط المغرب في التخلف والفقر ٠

  • said
    الجمعة 1 يوليوز 2011 - 00:06

    انا فخور , لانكم تعتبرونني . شكرا لكم , حفظكم الله

  • Brahim
    الجمعة 1 يوليوز 2011 - 04:43

    J`admire le dernier commentaire no 3, il s`agit de quelqu`un assez eduque pour faire faire la difference entre une vrai reforme democratique au contraire d`une "comedie constitutionnelle" improviser par les Machiaveliques makhzenian au pouvoir pour nous faire croire que le Maroc est dans la bonne direction. Ils doivent avoir honte d`eux meme pour avoir trainer le Maroc depuis l`independance avec "sa monarchie du moyen age" dans un system de corruption, pauvrete, analphabetisme, et autres vices

  • brahim
    السبت 2 يوليوز 2011 - 06:14

    J`ai fais un commentaire hier qui n`a pas ete publie, Quand on pretend etre pour la liberte d`expression, et puis on coupe les commentaires qu`on n`aime pas, il y`a ici une certaine hypocrisie…

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 1

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز