دلالاتُ إعلان رئيس الحكومة تنحّي الملك الاسبّاني

دلالاتُ إعلان رئيس الحكومة تنحّي الملك الاسبّاني
الجمعة 13 يونيو 2014 - 16:31

تداولت العديد من الأقلام خبر تخلي الملك الاسباني كارلوس عن الحكم لصالح ولي عهده، وتناول العديد من الباحثين والكتّاب هذا الخبر من الناحية السياسية والاقتصادية والقانونية، لكن هناك زاوية لم يسلَّط عليها الكثير من الضوء، وهي المتعلقة بمسألة إعلان رئيس الحكومة الاسبانية عن خبر تنحي الملكي أولا، ثم جاء إعلان القصر الاسباني ثانيا. ويبدو أن الإعلام الإسباني بشكل خاص والغربي بشكل عام، لم يركّز على هذه النقطة لكون هذا الإجراء مكرّسٌ في أغلب الملكيات البرلمانية ، وما دامت جميع تصرفات الملوك ينبغي أن تنال موافقة الحكومة. وهو ما يدفعنا إلا طرح السؤال حول دلالات إعلان رئيس الحكومة عن تنحي الملك لصالح ولي عهده: فهل للأمر علاقة بالنص الدستوري؟ وما هي المساطر المعتمدة في مثل هكذا حالات؟

قبل مناقشة هذه الأسئلة، تم اللجوء إلى التجربة السياسية والدستور الاسبانيّين، حيث أفادتنا كثيرا الخلفية التاريخية والأرضية الدستورية في تبيّن بعض ملامح علاقة الملك بالدولة والشعب الاسبانيّين، ممّا يُساعِد على فهم أهم دلالات إعلان الحكومة عن تنحي الملك لصالح ولي عهده، ومن ضمن هذه الدلالات نجد:

الدلالة الأولى: لقد نظّم الدستور الاجراءات جميعها التي تكفل انتقال الحكم بين ذرية خوان كارلوس الأول، كما أناط بالقانون تنظيم أي إجراء خارج ما نص عليه الدستور (ف 57)، وبما أن مسألة التخلي عن الحكم لصالح ولي العهد لمن ينظمها الدستور، فإنه لكي يتم ذلك لا بد من إصدار قانون تنظيمي من قِبل البرلمان حتى يكون لقرار التخلي آثار قانونية، وإلا فهو في حكم العدم؛

الدلالة الثانية: بما أن جميع تصرفات الملك ينبغي أن يُصادَق عليها من قِبل رئيس الحكومة أو الوزراء، وأن الملك غير مسؤول، وأن مسألة التخلّي عن العرش تعتبر إجراء يهم المصلحة العليا للبلاد التي هي من اختصاص الحكومة، فإنه واجب على الملك استشارة رئيس الحكومة ونيل موافقته قبل أخذ قراره بالتخلي عن العرش، لأن الأمر لا يتعلق بالحياة الخاصة للملك وولي عهده وإنما هي مصلحة عليا للدولة والشعب، حيث يكفل الدستور في فصله الـ 97، للحكومة مهمة “تسيير السياسة الداخلية والخارجية للدولة والإدارة المدنية والعسكرية، وتضطلع بمهمة الدفاع عن الدولة، وتقوم بدور السلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية”؛

الدلالة الثالثة: لأن الدستور الإسباني يمنع على ولي العهد تقلُّد أي منصب أو مهمة سياسية أو تمثيلية (ف 62)، فإنه من الطبيعي يحرمه أيضا من يُبادر إلى الاعلان عن نفسه خلفا لوالده وإلا عُدّ بذلك انقلابا على الحكم؛

الدلالة الرابعة: الملك ورغم أنه هو منشئ التجربة الدستورية الإسبانية، إلا أنه لم يجعل لنفسه أثناء وضع الدستور أي بنودٍ ترومُ تحصينه أو تحصين نظام حكمه، فهو لم يشترط أن يكون “النظام الملكي البرلماني” من الأمور التي لا يمكن مراجعتها، فضلا على أنه لم يشترط على المشرع الدستوري أن يضمن له (الملك) حق المبادرة بتعديل الدستور، ولم يمنع على نفسه سيف الرقابة على أعماله التي تقوم بها الحكومة، لأن من شروط المسؤولية أن تكون هناك محاسبة، ولأنه لم يشأ أن يكون مسؤولا فإنه منح جميع السلطات للحكومة التي تسأل عن تصرفاتها كل أربع سنوات؛

الدلالة الخامسة: رغم أن الدستور لا يلزم الاسبان بالنظام الملكي، وبصرف النظر عن العديد من الأخطاء التي ارتكبها العديد من المقربين من القصر، فإن وجود مجموعة من الهيئات التي تنادي بنظام جمهوري على أنقاض الملكية، لم تجعل النظام الملكي منبوذا في إسبانيا، ولم تمنع الأحزاب التي تؤيده من نيل الأغلبية في البرلمان، كما لم تقم السلطات بحَضْر أو اعتقال الذين ينادون بالجمهورية، وذلك بسبب الإدراك الرّاسخ بأن أيّ نظام سياسي مفروض بقوة المنع أو الاعتقال هو أقرب إلى الزوال منه إلى البقاء. وأن أفضل نظام سياسي هو الذي يسود في ظل ضمان حرية من ينادي بإسقاطه. وبهذا حافظ نظام خوان كارولس على رمزيته عند أغلب الإسبان، وقد تم تجريب ذلك عندما رفض الملك الانقلاب العسكري الذي حاول الجيش القيام به عبر اقتحام البرلمان خلال فترة انعقاده، إذ انصاع قادة الجيش لأوامره التي لم تكن تسنُدها أية قوة عسكرية، باستثناء ثقة الملك في نفسه وثقة شعبه فيه، رغم أنه ملكٌ يسود ولا يحكم وتغيبُ عنه السلطة التنفيذية، وإن كان يمسِك بالسلطة التقديرية والمشروعية.

– باحث في العلوم السياسية، المغرب

[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • نوال
    الجمعة 13 يونيو 2014 - 18:09

    إياك أعني واسمعي ياجاره…………

  • brahim
    الجمعة 13 يونيو 2014 - 20:11

    سلام, انا لست خبيرا اومحللا سياسيا ولم يسبق لي ان درست السياسة ولا اهتم بكل ماهو اكاديمي محض عموما لانني اعتقد ان كل دراسة اكاديمية لظاهرة او حدث تاريخي على الخصوص تؤدي الى تعقيد هذه الظاهرة السياسية وبالتالي ضياع التاويل الصحيح اوالاستراتيجي بين هذا الزخم من المعلومات المضللة احيانا ولو بدون قصد. ما اريد ان اقوله هو علينا رؤية وقراءة الاحداث السياسية في البلدان المتقدمة والتي تكون غريبة نوعا ما كما راينا في تنحي ملك اسبانيا بهدوء لم يسترع انتباه احد من العالم الغربي ولكن اثار اندهاش وعلامات استفهام عميقة عند الصحافة والاعلام العربي وربما عند السياسيين العرب كذلك. اعتقد انه ليس في الامر ما يثير الانتباه او ما يستحق ان يسيل كل هذا الحبر, المسالة ببساطة هي الديمقراطية فالملك في اسبانيا لا يحكم وبالتالي فاعلان تنحيه اشبهه باعلان زفاف احد الامراء هناك. لكن اعتقد ان الديمقراطية في الغرب ترسل لنا رسائل وكانها تقول للعرب: هل فهمتم شيئا؟ نحن نعلمكم السياسة اذن.هذا هو السر الخطير مع الاسف نغفل عنه, نعم ان الغرب الديمقراطي يحاول بكل مكر ودهاء سياسي تضليل العرب خصوصا منهم الطبقة المثقفة"

  • صبري
    السبت 14 يونيو 2014 - 13:56

    هذا التنازل هو اﻷول الذي يتم في ظل دستور 1978. وقد أخذ خوان كارلوس متسعا من الوقت وزمنا كافيا لاجرائه ، ﻷن قرار التنازل ليس وليد لحظة الاعلان عنه من طرف رئيس الحكومة.
    وليس فكرة راودت الملك في الفاتح من يناير كما يقول الملك نفسه.
    ﻷن الساسة سرا وجهرا والاعلام استبق ذلك بكثير.
    وﻷن المشاكل الصحية والفضائح لازمت مسيرة الملك في السنين اﻷخيرة.
    وقد درس التنازل من الناحية السياسية والقانونية والاجتماعية والزمانية.. قبل اتخاذه ليس كنحن يسبق الفعل عندنا التفكير ونفسد كل شيء. او نفرضه كرها شاء من شاء وابى من ابى.
    المهم ان اعلان التنازل وقراره ووقته غاية فكر لها امهر الاستراتيجيين واكفأ القانونيين واحسن السياسيين ..

  • عبد المجيد
    السبت 14 يونيو 2014 - 14:48

    لن أخفي إعجابي بمقال منصف كهذا، لأن كاتبه انتبه إلى مسألة مهمة ألا و هي دستورية اتخاذ القرارات و دقة إتخادها بحيث لا تناقض ما يسنه القانون و هنا تظهر بوادر الديمقراطية و ذلك مع العلم أن إسبانيا لا تنافس جاراتها فيها… الوعي الديمقراطي لدي الصحافة الغربية هو ما جعلها لا تتحدث عن هذا الأمر فهو بديهي لديهم لأنه واقع، نتأسى لأننا لسنا بهته الدقة عندما يتعلق الأمر بتشريعات صادق عليها الشعب كالدستور الذي لازال في مجتمعاتنا لم يبرح أروقة المكتبات….

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس