رصيف القيامة

رصيف القيامة
الخميس 16 يناير 2014 - 14:22

“رصيف القيامة” نص شعري، يشكل النص الأساس في ديوان بنفس الاسم للشاعر ياسين عدنان. نص مثير يغري بالقراءة والتفكيك وإعادة البناء. قراءة من زاوية خاصة. زاوية الحكي. قراءة تستعمل بعض الأدوات البسيطة المستقاة من عالم السرد والمفاهيم الفيلمية . قراءة لا تهتم بالتحققات الشعرية، والأدوات البلاغية المتداولة، وليس من غايتها الإحاطة الشاملة أو الهوس النقدي ومطاردة الشوارد والأوابد، أو التصنيف وترديد مقولات وأحكام جاهزة. قراءة تطمح، ببساطة، إلى الانسلال لعالم النص الغريب، الكثيف في بساطته، الغامض في وضوحه، المشتت في وحدته. عالم حكائي يغري بالكشف والاختراق والاستمتاع. لنبدأ المغامرة في عالم الحكاية الشعرية، والتجول أو الوقوف في رصيف القيامة. ( للإشارة، فقد تجولت المسرحية المغربية “لطيفة أحرار” في هذا الرصيف، وعرضت في غياهبه مسرحية “كفر ناعوم”. قد يدعم هذا الامر فرضية التعامل مع النص المدروس من زاوية سردية أو سينمائية، كما يحلو لي.).

أولى العقبات التي تعترض سبيلي، وأنا أحاول التسلل إلى الرصيف لأعيش لحظة القيامة، هو وجه الديوان الخارجي. بعده التشكيلي وأيقوناته المتنتاثرة. غلاف يشبه ملصقات السينما في تشكله ومعطياته: خلفية قاتمة. أشباح وظلال أشخاص. عيون مشذوهة، في فضاء ممتد نحو عمق الحقل، ومنفتح على خارج الحقل. تنعكس في أفقه بشكل مرآوي شذرات من الشخوص الأشباح، من الرموز والإيحاءات المنفلتة في عمق وخارج الحقل. يزيد اللهفة تأججا عنوان الكتاب، في مقدمة الحقل، عنوان قادم من العمق. امتداد متعدد الاتجاهات، انفتاح في كل الواجهات،.وضوح غامض، ينمي لدي الإحساس بأني مقبل على اقتحام عالم من التناقضات. عالم داخلي، في بعده الميتولوجي ( القيامة)، وفي تجسده الواقعي (الرصيف). ويتداعى في ذهني الربط السريع بين كل المكونات، (قيامة، رصيف، أشخاص أشباح )، ولكوني أميل إلى البساطة، والبحث عن العلاقات، أعيد بناء الوجه الأول من الغلاف، في حكاية نواة: ( أشخاص يعيشون على رصيف في يوم القيامة). أطمئن بسرعة إلى هذه الفرضية. أقلب الغلاف بسرعة بحثا عن تعزيز اطمئناني وقناعي البدئية. أجد نفس الامتدادات. أجد جنوحا قويا نحو تقييد الدلالات. أجد نصا شعريا حكائيا. أقرأه. يأخذني في حكاية سريعة ، تأخذني، في عجلة إلى نهاية مفترضة. جملة صغيرة جدا (وعم الظلام)، تحيلني بصريا إلى تخيل “جينيريك” النهاية.

نحن إذن أمام حكاية. لنتأكد من هذا الافتراض.

تبدأ الحكاية.

المقطع الأول: تنفتح الحكاية بصوت الراوي، المنشطر إلى لحظتين: راو يمهدنا للحدث العظيم، وجسد يسير في فضاء (شارع الموتى)، يسير إلى أين؟ من الحاضر إلى الماضي، من قبور طال بها الأمد، إلى قيامة مفترضة دفينة في ظنونه. في هذه الجملة (وأنا أعبر شارع الموتى) تتشكل بؤرة القصيدة ونواتها الحكائية الصلبة ( الشخص: أنا/ الحدث: العبور/ الفضاء: الشارع/ الشخوص المؤتثة للحكاية: الموتى/ الزمن: حاضر ممتد، وهو زمن المشاهدة، وماض غابر، ماضي القبور). في هذه الجملة الشعرية الحكائية البسيطة، نرصد عناصر البنية السردية (الرؤية الداخلية الذاتية ، العلاقة القولية المباشرة: راوِ/ متلق، مدخل الحكي).

المقطع الثاني: الصدمة، الحدث العظيم، القيامة، التقابل الصارخ بين جبروت الطبيعة (الجبال العظيمة، الرياح الفتاكة/ وضعف الكائن الحي: الفئران الصغيرة السوداء). داخل هذه اللقطة العامة، الثابتة في زاوية نظرها، المتحركة محتوياتها، تتجمع كل المكونات الحكائية والسردية، ينسحب الراوي. يضعنا وجها لوجه أمام هذا المشهد العام.

المقطع الثالث: تنطلق الحكاية، ينزوي الراوي خلف فعل سحري (جاء) ليملأ المشهد بالتفاصيل العامة حينا. الجزئية حينا آخر. القادمة من مكان ما خارج الحقل. تتوالى اللقطات محكومة بنوع من الربط المتصل (حرف الواو). هكذا يشكل الشاعر الراوي كرنفالا متنوعا من الحكايات الصغرى. (مشاهد، أحداث، شخوص، فضاءات، تأطيرات، تركيبات مختلفة ..) حكايات مستقاة من حقول متنوعة: من الموروث، من نشرات الأخبار، من التراكمات الجمالية والمعرفية. الوافدون من كل الفئات والأصناف، ملامح باهتة، هويات مقلوبة، رموز متنكرة. وتبدأ المواجهة. الصراع بين الطبيعة والطبيعة، بين الهواء والنار.

تتوالى اللقطات. تتناسل إلى جانب الحكاية الكبرى، حكاية المقاومة، لقطات مدمجة تمنحنا تفصيلة صغرى لا ينتبه إليها من فقدوا أعناقهم، وأبصارهم وأقدامهم: لقطات مدمجة تلطف فضاء الحكاية وتعطي بعض تفاصيل اللوحة العامة (روائح الجو/ صوت الجنين، همسة العريشة، تعليقات الشعراء والراعي الأعمى،..) تدخل أيضا الحكايات الفرعية الصغيرة لترصد الأبعاد النفسية والجمالية، ومواقف الراوي الساخرة: (حكاية الحكماء والسينما/ حكاية عازفي الناي/ الملوك القصار الخطباء/ صبي المقهى/ حكاية العاشقين/.. )

يأتي المقطع الأخير. يتقلص الفضاء. تتمازج الشخوص. تتداخل الحكايات. تتجمع خيوطها الهاربة في وجهة وحيدة، لنجد أنفسنا في دواخل الشاعر/ الراوي. نكتشف أننا لم نبرح دواخله قط. تبلغ التراجيديا مداها. يموت الإحساس بالذات والوجود. تتلاشى كل الدلالات. يأكل اللهب ما تبقى من شيء كان اسمه الجسد. تنتهي الحكاية إلى تدمير الذات. يصعد جينيريك النهاية. ينتهي بتوقيع الشاعر/ السارد ياسين عدنان.

‫تعليقات الزوار

1
  • تفرويح آخر الزمان
    السبت 25 يناير 2014 - 12:54

    هذه الخزعبلات واضح أن فيها تقليد للآيات القرآنية و استهزاء كبير بها، في رأيي إذا كان هذا الشخص الذي يظن نفسه شاعرا لا يؤمن بالقرآن الكريم فالأجدر به آن يحترمه و يوقره و لا يستهزئ به.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب