رمضان سوس في زمن الجائحة .. عادات تلاشت وقيم تضامن تقوت

رمضان سوس في زمن الجائحة .. عادات تلاشت وقيم تضامن تقوت
صورة: منير امحيمدات
الإثنين 19 أبريل 2021 - 10:00

للسنة الثانية على التوالي تفرض جائحة “كورونا” على المغاربة إدخال تغييرات جذرية على عاداتهم اللصيقة بهذا الشهر الفضيل، عادات تشمل على الأخص الجانب الديني والاجتماعي والاقتصادي. وإذا كانت هذه الظروف قد نالت من العادات الرمضانية لدى المغاربة عامة، وشملت مختلف مناحي الحياة الفردية والجماعية، فإن مناطق سوس، بما يعرف عنها من طقوس خاصة، تأثرت بشكل كبير بهذه الظرفية.

وفي تصريح لهسبريس، قال محمد بن التاجر، وهو أستاذ جامعي وفاعل جمعوي، إن رمضان في المغرب عموما، وفي مناطق وقرى سوس خاصة، له خصوصيات متميزة “تهم جوانب متعددة، منها الجانب الديني والروحي والغذائي والاجتماعي، وهي جوانب يوليها الإنسان السوسي والمجتمع المدني بهذه المناطق أهمية خاصة، فلهذا الشهر مكانة مقدسة تواكبها عادات وطقوس متعددة، غير أن تفشي “كورونا” ساهم، للسنة الثانية على التوالي، في تلاشي كل تلك التقاليد، وتغييب بعضها، نتيجة التدابير الاحترازية وقرار السلطات العمومية حظر التنقل الليلي”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “أول جانب مسته هذه التغيرات المفروضة بفعل الجائحة هو المساجد، فمكانتها مقدسة إلى جانب الزوايا والمدارس العتيقة، فأضحت بعض التقاليد الدينية التي تسم هذا الشهر في قبائل سوس موقوفة التنفيذ، كالتئام الساكنة ضمن ما يسمى “لمعروف” في ليالي رمضان، في سمر ليلي يغلب عليه الجانب الروحي وذكر الله وتلاوة القرآن والأمداح النبوية وشرح صحيح البخاري وختمه في العشر الأواخر في إطار حفلات دينية حبلى بذكر الله، إلى جانب ما تتميز به ليلة القدر من مكانة خاصة لدى الساكنة، لما يواكبها هي الأخرى من مظاهر الاحتفال الديني، الذي يتسم بطقوس خاصة في سوس”.

وأضاف الأستاذ الجامعي أن “التدابير المتخذة لمنع تفشي فيروس “كورونا” فرضت تغييرات في نمط التواصل بين الأسر وصلة الرحم، إذ يلاحظ اليوم أنه في ظل هذه الظروف يتم الاعتماد أساسا على وسائل الاتصال الحديثة، حيث يتم إنشاء مجموعات خاصة بالعائلات أو القبيلة أو الجمعيات في تطبيقات التراسل الفوري أساسا، تتجدد فيها أواصر التواصل وتبادل الآراء ومستجدات القبيلة والأسر، بعد أن منع الناس من اللقاءات الجماعية والزيارات العائلية، ومن ممارسة عدد من العادات المرتبطة بهذا الشهر الفضيل”.

وارتباطا بالموضوع ذاته، قال الفاعل الجمعوي عادل تنلوست إن “سكان سوس، كغيرهم من المغاربة، يحرصون في شهر رمضان على الظهور بمظهر الأتقياء، فيكونون متشبعين بالقيم الإنسانية والدينية، ومتشبثين بالعادات والتقاليد والطقوس الرمضانية النابعة من القيم المغربية الأصيلة، فترتفع وتيرة صلة الرحم وارتياد بيوت الله، ويتزايد منسوب التضامن خلال هذا الشهر، إلى جانب ما تتميز به العادات الغذائية من طقوس متنوعة، خاصة في مناطق سوس، حيث لا تزال العديد من القرى والبوادي تحتفظ بها، وأبرزها “أزكيف” و”أكرن إجان” وخبز “تفرنوت” وطواجن “المعزي” وغير ذلك”.

“وما زالت بوادي سوس تحافظ على عادات مرتبطة بالتقاليد الغذائية وممارسة الشعائر الدينية في شهر رمضان، مع ما يلازمها من مبادرات تضامنية إحسانية، تدخل ضمن قيم أهل سوس المتجذرة. لكن اليوم، تأثرت بظهور فيروس “كورونا”، الذي قضى بتغييب الطقوس الدينية الرمضانية، إذ صارت المساجد تغلق بعد الإفطار، وتم الاستغناء عن الموائد الجماعية لإفطار الصائمين، وتوقفت الزيارات بين الأهل والأقارب، غير أن ذلك لم ينل من قيم التآزر والتكافل والتضامن الاجتماعي المعروفة لدى ساكنة سوس، التي أبت إلا أن تقف في وجه الجائحة، باعتبارها موروثا قيميا لدى كافة المغاربة”، يضيف الفاعل الجمعوي ذاته.

وتابع تنلوست قائلا إن “ساكنة سوس تعيش خلال رمضان الحالي وضعا استثنائيا بسبب الجائحة، حيث تأثرت العادات والتقاليد بسبب الحجر الصحي، وتغيّب المصلون عن أداء صلاة العشاء والتراويح والفجر بالمساجد، وغابت عادات الإفطار الجماعي والسمر الليلي، لكن قيم التضامن المتجذرة في ساكنة سوس على وجه الخصوص أبت إلا أن تواجه الجائحة، وتضع حدا للشك في النفوس من خلال تقديم الإعانات والمساعدات للفقراء والمعوزين، وهي العادات التي ترسخت عند معظم القبائل بسوس، حيث يتم تنظيم مبادرات إحسانية على شكل “قفة رمضان” لمساعدة الساكنة على التغلب على الوضع الحالي الذي تمر منه، إلى جانب المساعدات التي يقدمها أعيان المنطقة والمجتمع المدني وفعالياته الاقتصادية”.

وذهب تنلوست هو الآخر إلى كون الجائحة فرضت التنازل عن حزمة من العادات والتقاليد في رمضان، قبل أن يستدرك قائلا: “غير أننا قمنا بتعويض ذلك بالتواصل والتضامن عن بعد من خلال وسائط الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي، التي استعادت مكانتها الحقيقية داخل المجتمع في زمن الجائحة، حيث أصبحنا نلتئم عن بعد في مجموعات تواصلية وكأننا حول نفس المائدة رغم بعد المكان. كما أصبح التحضير للمبادرات التضامنية ينظم عبرها، وأنا عشت تجارب شخصية في منطقتنا إدوسكا أوفلا، كانت من أنجح المبادرات التي عرفت تضامن الساكنة مع بعضها البعض، بكل أريحية وعفوية، ولهذا تعود قفة رمضان بشكل واسع لتخفيف المعاناة، ولو نسبيا، عن بعض الأسر التي تعاني العوز والحاجة”.

زمن الجائحة إذن أرخى بظلاله على مظاهر شهر رمضان وعلى ساكنة مختلف مناطق وجهات المغرب، وسوس واحدة منها، هي التي اشتهرت بعادات غذائية وطقوس روحية واحتفالات دينية، وانتشار قيم التضامن والتآزر عبر موائد الرحمان، ومساعدة المعوزين والمحتاجين، إلى جانب مظاهر اجتماعية أخرى كاسملا الليلي، وتبادل الزيارات العائلية، وتنظيم إفطارات جماعية. لكن أهل سوس لم يفقدوا قيمهم، رغم استمرار انتشار الوباء للعام الثاني على التوالي، فـ”كورونا” أظهرت قيم الإنسان المغربي الأمازيغي الأصيل، الذي لم تجدد فيه هذه الجائحة إلا قيم التضامن والمواطنة الحقيقية.

‫تعليقات الزوار

8
  • فاطمة
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 10:19

    مقال جميل يستحق القراءاة لمرات عديدة
    تبارك الله عليكم و رمضان كريم لأهل سوس ولكل المغاربة

  • ابن تفراوت القاطن بسلا
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 10:48

    لعل جائحة كورونا كان لها وقع كبير واترك بالغ علي عادات المغاربه عامه وأهل سوس خاصه صراحة نحن ننتظر بفارغ الصبر عيد الأضحي المبارك لزيارة قريتنا والتلدد بطعم الأصاله والتقاليد ومايازينها من بساطه وحب وتأزر
    لك سلام يتفروات وأيا أهل سوس جميعا

  • ABOU SALMA
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 10:51

    جاء في المقال ان اهل سوس يحرصون عل الظهور في رمضان بمظهر الاتقياء . فجلنا يظهر بهدا المظهر المزيف خلال شهر رمضان نتظاهر كدبا وبهتانا بكوننا اتقياء ورعين وما ينقضي الشهر الفضيل ختى نبدل معاطفنا ونصبح قساة القلوب ..وحتى المساجد التي للاسف خلت من روادها نجدها في رمضان مكتظة والكل يتسابق الى اخد الصفوف الامامية وما ان ينقضي الشهر الفضيل حتى تعود حليمة الى عاداتها القديمة بالمعنى الحقيقي اننا شعب له وجهين بل راسي راس يشرق وراس يغرب ..وكلمة بحرصون لها دلالات عميقة اي اننا نتقيد بالاخلاق الحميدة وفعل الخير والقيام بالاعمال الجليلة فقط من اجل الظهور بمظهر المؤمن الصالح .

  • الشفوي
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 11:11

    هههه حنا خاصنا موائد رمضان باش نعاونو ونساعدو للاسف شخصيا انا من اكادير ولم ارى لا معاونات ولا مساعدات إلا من اهل العلم واقصد المجلس العلمي لي ساعدو بالقفة اما هذ الاساتذة الجامعيين ممممم خليو لهم غير المحاظرات مع احترامي للبعض راه الناس واكلها حتى للعظم فمافيها باس ايلى نقصتي من فطورك وفطرتي الحارس او ماشابه بلاقفة كاع

  • ولد الحي
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 12:10

    أين هم اهل سوس اصلا؟ لقد غزى كل من هب ودب سوسلاند حتى أصبح السوسيين غرباء في موطنهم

  • خلاف في النظرة.
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 13:12

    السبب في الخرق هو إهتمام نسبة لا بأس بها من المواطنين بل سكان العالم بأسره بما هو آني أما اهتمامهم بالمستقبل فهو محدود. المهم عندهم هو أخد الشيء الآن و حالا كيفم كانت تداعيات هذا القرار على المستقبل. إذن الجانب الحسي و الملموس يغلب على الجانب الحدسي. كما يقول المثل الشائع “نعيش ليوما و غدا يحن الله” غير أن هذا المبدأ لا يمكن تطبيقه في تسيير شؤون الدولة المبني على التخطيط أي على النظرة الإستباقية التي تحتم إجتناب أي قرار يمكن أن يصل بأمة إلى طريق مغلق. و هنا يكمن الخلاف بين وجهة نظر العموم و وجهة نظر المخططين.

  • Hassan
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 14:49

    اسكيف اسكيف اسكيف وليس ازكيف صحيح ان هناك اختلاف طفيف في النطق بين المناطق ولكن الاصل والاجدر هو أسكيف
    ظاهرة قلب الحروف توجد في جميع اللغات. الاستاذ هو الاستاز في مصر. القلب هو الألب

  • مواطن2
    الإثنين 19 أبريل 2021 - 18:59

    عبارة ” عبادات ” أصح و أرقى بكثير من عبارة ” طقوس ” ولا يمكن الخلط بين الامرين….عبارة طقوس قد تستعمل في الاعراس او في بعض المناسبات وتختلف من منطقة الى اخرى من مناطق المغرب….رمضان عبادة مفروضة على كل مسلم مومن ولا يمكن اعتبارها من الطقوس…. انها وجهة نظر فقط.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين

صوت وصورة
الماء يخرج محتجين في أزيلال
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:30

الماء يخرج محتجين في أزيلال