رهانات الحكم الذاتي

رهانات الحكم الذاتي
الإثنين 16 نونبر 2020 - 23:14

تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب حلا واقعيا وعمليا وذا مصداقية لمعالجة إشكالية الانفصال من طرف البوليساريو، التي أخلت باتفاق 1991 بإغلاق المعبر الحدودي للكركرات والتواجد بالمنطقة العازلة التي تخضع لمراقبة الأمم المتحدة. هذا في وقت تعامل المغرب بحكمة ومرونة في بحثه الدائم من أجل إنهاء النزاع بشكل نهائي بحل سياسي يرضي الجميع يقضي بعودة اللاجئين المحاصرين في تندوف من طرف البوليساريو، والاستفادة من حكم ذاتي في إطار الجهوية المتقدمة التي يعمل المغرب على بنائها رغم إكراهات الأزمة الاقتصادية والوبائية.

وبكل موضوعية يمكن القول إن المناطق الصحراوية استفادت وتستفيد من مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية وعمرانية غيرت كثيرا واقع هذه المناطق نحو الأفضل، بعدما كانت خاضعة تحت السيطرة الاسبانية الاستعمارية التي عملت على نهب خيراتها بدون أن تكلف نفسها إقامة مشاريع اقتصادية تستفيد منها الساكنة. فقام المغرب بمجهودات كبيرة لانتشال المواطنين الصحراويين من التخلف والفقر على الرغم من الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي مر منها منذ السبعينات، والبناء الديمقراطي العسير الذي ظل يعاني من أعطاب ومعيقات أثرت على البناء الديمقراطي للمؤسسات أفرزت النزعة الانفصالية وأدخلت المغرب في حرب طاحنة، أودت بحياة أبناء الوطن دفاعا عن الوحدة الترابية للمغرب وحقوقه المشروعة في أرضه.

لا نحتاج إلى التأكيد أن الصحراء مغربية بحجج التاريخ الذي يؤكد ارتباط القبائل الصحراوية بالدولة المغربية وسيادته بعيدا عن أية مزايدات سياسية. تؤكد تنوع المغرب الثقافي والمجالي ضمن الوحدة الوطنية للمغرب التي توحد الجميع أمازيغ وعرب وصحراويين ضمن هوية مركبة تحتم التعايش والتضامن والتعاون من أجل التنمية والتقدم. في الوقت نفسه تفترض هذه الهوية المندمجة الاستمرار في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية تعمل بفعالية لخدمة مصلحة الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة، ضمن تصور ديمقراطي خلاق يستمد أسسه ودعائمه من كونية حقوق الإنسان ودستور ديمقراطي، للعمل من أجل تصحيح أعطاب ومعيقات الديمقراطية لمعالجة جميع المشاكل بهدف صون البلاد من أية نزعة انفصالية تعرض الوطن لمتاهات مفتوحة على المجهول، في عالم يتحكم فيه نظام العولمة الذي يعمل على تفكيك الدول وتقسيمها.

إن المغرب عبر بشكل مستمر عن التزامه بالتسوية السلمية في إطار الحكم الذاتي كحل توافقي ينصف الجميع كما تعامل مع الجهة الجنوبية خصوصا بمقاربة حقوقية وتنموية تعطي مؤشرات إيجابية ومطمئنة للانخراط بشكل إيجابي في عملية التسوية السياسية لملف الصحراء بشكل نهائي. لكن وحسب تتبع مجريات الأحداث يتضح أن البوليساريو تفتقد لاستقلالية القرار السياسي وخضوعها لوصاية النظام الجزائري الذي أصبح يناور بقضية اللاجئين ويستخدم البوليساريو لمعاداة المغرب في ملف عمر طويلا. فأصبحت بذلك الجزائر تعرقل مسار التسوية عبر خلق التوتر وبلقنة المنطقة عوض الانخراط الإيجابي من أجل حل الملف والعمل على الاندماج المغاربي لتحقيق آمال شعوبها في الديمقراطية والتنمية.

وعليه، فالمغرب قادر على ربح الرهانات وعلى رأسها رهان الديمقراطية والحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية والتنمية الشاملة في إطار الوحدة الوطنية والتعدد الثقافي. وهذه الغاية ممكنة بفضل بوصلة العقل الديمقراطي ونجاعته التدبيرية كرافعة أساسية لبناء مجتمع يرتكز على مشاركة المواطنين في صنع القرار السياسي لتحقيق التنمية وترسيخ الحقوق المجالية والاقتصادية والاجتماعية في إطار الجهوية المتقدمة. وذلك بإرادة جميع المغاربة لبناء الثقة في المؤسسات الدستورية حتى تشتغل بمصداقية وفعالية أكبر لخدمة مصالح المجتمع والمواطنين دون تمييز في إطار دولة الحق والقانون. إنه الأفق الممكن الذي يجعل من الديمقراطية الحقيقية وثقافتها مفتاحا وبديلا لمعالجة أعطاب مجتمعنا المعاصر وخاصة الهشاشة والفقر ونزعة الانفصال.

* كاتب وباحث

‫تعليقات الزوار

4
  • مولينيكس
    الثلاثاء 17 نونبر 2020 - 08:04

    الحكم الداتي لايسمن ولا يغني
    لانه لم يقدم شيئ لصاحب القضية
    صاحب القضية هو النظام الجزائري

  • Lamya
    الثلاثاء 17 نونبر 2020 - 18:32

    المغرب عرض الحكم الذاتي, كحل سياسي وسط, على البوليساريو في السابق حيث كانت الظروف تختلف, و فرصة لحثهم على الرجوع لوطنهم. فاتضح انهم لا يقبلون بهذا الطرح, اذن نحن ايضا ما علينا الا سحبه.

    اما الجهوية المتقدمة فليست حكما ذاتيا و انما ترتبط بالتنمية البشرية و العدالة المجالية, حيث انه تم تجزئة المغرب الى 12 الجهة لان المغرب يعزم على اشراك المواطنين و كل جهة لها خصوصياتها و مشاكلها و نوعية المشاريع التي يجب الاستثمار فيها و تقسيم عادل للاستثمارات و التضامن بين الجهات ايضا للنقص من الهجرة القروية و تنمية القرى المعزولة في الجبال و الصحاري. مثلا في مجال الصحة و التعليم تتم دراسة كل جهة على حدى و مدى توفرها على المراكز الاجهزة الصحية و الموارد البشرية و النقل و الطرقات و الداخليات… او ما هي الامراض و الحوادث المنتشرة في كل جهة الى اخره. جهة الدار البيضاء لها مشاكل تختلف عن جهة درعة تفيلالت.

  • المهدي
    الثلاثاء 17 نونبر 2020 - 19:32

    كيف يعقل أن تبتلع مدن الجنوب ميزانيات وتضخ فيها أموال ضخمة لتصبح كما هي عليه اليوم أفضل من الكثير من مدن الداخل لتقدم على طبق من دهب في إطار الحكم الذاتي لقطاع الطرق الخونة الذين لم يتركوا سبيلاً لإلحاق الاذى بالمغرب إلّا وسلكوه ؟ انتهت الظروف التي عرض فيها الحكم الذاتي كما انتهت قبله الظروف التي عرض فيها المرحوم الحسن الثاني الاستفتاء التأكيدي .. فلا حكم ذاتي ولا تقرير المصير هنا المغرب فقط من أراد الالتحاق به من الخونة فليتفضل ويعلن توبته ويجثو على ركبتيه طالباً الصفح من الوطن ومعلنا ولاءه للملك كما فعل الكلاوي ذات زمن .. وعلى المغرب ان يتعامل أيضاً مع خونة الداخل وعلى رأسهم الأفعى الكريهة اميناتو حيدر بما يعامل به الخائن في كل بلد وكل زمن من صرامة وحزم فلا منطقة رمادية بين تامغربيت والخيانة …

  • ملاحظ عاقل
    الخميس 19 نونبر 2020 - 13:19

    1 – مولينيكس

    الحزائر او نظامها لا مطلب لهما في الصحراء الغربية ، الأمر يخص الصحراويين ، لو كان الأمر يخص الجزائر لكانت دخلت طرفا في
    الدعوى المرفوعة امام محكمة لا هاي. لا مطلب للجزائر وإذا قرر
    الصحراويون العودة الى العيون تحت الحكم المغربي سنكون اول
    المهنئين

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج