زوليض بن عوليض الرومي: عملاق جبل ثامنارث

زوليض بن عوليض الرومي: عملاق جبل ثامنارث
الثلاثاء 15 ماي 2012 - 11:01

أين تنتهي الأسطورة، ومن أين تبدأ الحقيقة؟ وحده المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث يمكنه أن يجيب.

أما هو، عملاق جبل ثامنارث فقد آوى- بعد حياة عملاقية غابرةبقمة الجبل -الى مدخل مغارته، ونام نومته الأبدية طاويا كل أسراره داخل قبر طويل جدا؛ دُرست كل معالمه التي كانت إلى زمن قريب ظاهرة للعيان.

من يكون هذا العملاق؟ هل كان فعلا بالطول الذي تتحدث عنه الذاكرة الزكراوية؟

حاول الاثنوغرافي الفرنسي أغست موليراس الإجابة، في مستهل القرن العشرين ؛ وحاول المراقب الفرنسي بوجدة المدعو”موسامبيس” الوصول إلى العملاق لكن دليله فر من بين يديه رهبة، وتركه عالقا .النداء موجه الى الأركيولوجيين المغاربة عساهم ينطقون الجبل وساكنه العملاق…

لنتعرف على المكان:

إن جبل ” ثامنارث”، وهي تعني في اللسان الأمازيغي المقبرة، هو سلطان جبال الزكارة؛ وقد حدد القبطان ” فوانو” صاحب الدراسة التاريخية القيمة “وجدة والعمالة” علوه في( 1340م) ، وتأكد لي هذا الرقم من خلال خريطة فرنسية قديمة؛ ولعل هذا الجبل بعلوه ومكانته في المخيال المحلي هو ما يجيب على تساؤل صديقي أرييل بلانييكس- الباحث الفرنسي الحديث في انثروبولوجية القبيلة- حينما استفسر عن جبل الزكارة أين يوجد ضمن سلسلتها. انه الجبل الذي يختزل لدى الجوار كل جبال القبيلة.

يتراءى شامخا من بعيد، على يسار المسافر الصاعد إلى مسفركي عبر طريق النعيمة. أما العابر لطريق فج ” تنزي” فيحاذي، حينما يصل المنطقة المسماة القباب سفحه الجنوبي.
يكسو هذا السفح غطاء كثيف من نبات الحلفاء، تتخلله أشجار عرعر قصيرة و متفرقة . أما السفح الشمالي فقد غرست عاليته، منذ سنين معدودةبشجيرات الصنوبر ؛كتعويض للجبل على ما ضاع منه.

يستغرق الصعود إلى القمة من الجهة الشمالية الغربية أكثر من ساعتين؛ ليجد الصاعد نفسه فوق سطح منبسط وواسع يكسوه غطاء غابوي متنوع؛ هو أعلى سطح جبلي في الجوار ؛ ومنه تتراءى بعيدا وجدة مدينة الألف سنة..

في الجانب الغربي من هذه الحديقة الغابوية المعلقة يوجد نتوء جبلي به مغارة واسعة المنفذ.

في بوابة هذه المغارة الماقبل تاريخية، يتحدث الناس عن وجود مقبرة كانت إلى عهد قريب واضحة المعالم ؛ حسب رواية أحد القناصين المسنين لكنها الآن درست.

من هنا تسمية الجبل: ” أزرو نتامنارث” : جبل المقبرة.

الملفت، حسب الرواية الشفوية, أن المقبرة بها طول زائد كثيرا, عن المألوف في المقابر العادية؛ وهذا ما غذى مقولة كونها تضم رفات عملاق كبير، من الزمن القديم.

ويقال بأن بأعلى المغارة ( حوالي 4 أمتار) كان يوجد وتد منغرس في الصخر ؛ سرعان ما استقر في المتخيل أن العملاق الدفين كان يعلق به غطاء رأسه، قبل أن يدلف الى الداخل. فتخيلوا القامة.

تتملك الواقف بباب المغارة وهي ضمن جبل يتربع على جبل الرهبة ؛ وهذا ما يحدث لي كلما قادتني اليها جولات القنص؛ ويبدو لي أنها نابعة من العلو الموحش، والصمت المطبق واستحضار كل الأسلاف الذين سكنوها؛ وما قد يكون دار بجوارها من قتال شرس عبر الأزمنة، لموقعها العالي المهيمن ؛ ثم الرجل العملاق المتمدد في المخيال كما بباب المغارة..

يروي أوغست موليراس، عن مصادره الزكراوية بوهران أن اسم الدفين هو( زوليض بن عوليض الرومي) ولا يزال صدى هذا الإسم موجودا فعلا في القبيلة الى اليوم. ويروي أيضا أن آيث يزونط (بني يزونط) وهم زكراويون يسكنون السفح الشرقي المعروف ب(حوزمر) يعتبرون الدفين جدهم الأول، ولهذا في كل عام وقبل الشروع في الحرث يصعدون إلى القمة في زيارة احتفالية لسلفهم هذا.

إن هذا الدوار موجود وكلمة يزو بالأمازيغية تعني غرس ؛ وهم فعلا مشهورون في القبيلة بهذا النشاط الفلاحي. أما الزيارة الاحتفالية فقد طواها النسيان.

أما موليراس فقد انساق – خدمة لأطروحته الاستعمارية المغرضة- الى ربط هذه التسمية بالبيزنطيين؛ معتبرا أن هذا السلف وخلفه رومان بيزنطيون. سبق لأحد اليزونطيين أن حكى قديما لوالدي ( 90عاما) أن مدير الإدارة الأهلية الاستعمارية بوجدة المدعو” موسامبيس”- وله بدوره دراسة عن المنطقة- طلب منه أن يرافقه إلى قمة جبل ثامنارث، ليريه المقبرة العجيبة ؛فأوهمه بداية أنه فاعل، لكن ما أن شرعا في صعود الجبل والاقتراب من سكن العملاق حتى فر لا يلوي على شيء؛ ك”جلمود صخر قده السيل من عل”.

ما الذي أرعب هذا الزكراوي؛ حتى فر وترك المراقب الفرنسي عالقا؟ هل يتعلق الأمر برواسب لا شعورية أم بخوف من عقاب القبيلة؟ أم فقط لكراهيته إزعاج جده بهذا الفضولي ؟
أما موسامبيس فقد بقي عالقا ؛ثم استسلم بدوره لرهبة المكان, فطفق راجعا على عقبيه.
يبدو لي ألا أحد حاول من الأجانب والمغاربة اكتشاف سر الجبل ودفينه ؛منذ حادثة الفرار هذه.

يقول موليراس: ( يتميز بنو يزونط من بين كل الزكارة، بخصوصية شديدة الغرابة: في كل عام قبل بدء موسم الحرث يصعدون إلى قمة جبل ثامنارث؛ جبل عال يتوسط الزكارة. إنهم يحجون إلى قبر جدهم الأول الذي يوجد في القمة. حسب الوصف الذي قدم لنا عن قبر هذا السلف، نعتقد أن الأمر يتعلق بأثر يعود إلى ما قبل التاريخ؛ سرداب مغطى بصخور كبيرة مسطحة.) : من كتابه عن الزكارة. يؤسس على رأيه في هذا القبر قوله في نفس الكتاب:( إن آيث يزونط هم النواة الأولى للزكارة ؛جدهم المدفون في قمة الجبل يسمى زوليض بن عوليض الرومي : قد يكون إغريقيا أو رومانيا.)

مرحبا بالمعهد الوطني للآثار في جبل ثامنارث:

لقد سبق لجهة أثرية وطنية أن اشتغلت بموقع كنفودة؛ ووصلت الى اكتشافات أركيولوجية مهمة؛ وجبل ثامنارث هذا لا يبعد سوى بحوالي عشرين كلم عن هذا الموقع وهو أشهر منه؛ كما أنه يرتبط بنفس السلسلة الجبلية.

أما إداريا فهو يقع ضمن نفوذ جماعة مستفركي التابعة لعمالة وجدة أنكاد.

وسيسعدني كثيرا؛ وقد ذكرت ما وقفت عليه عن سعي الفرنسيين، منذ أزيد من قرن لاكتشاف سر القبر؛ وباعتباري باحثا في تاريخ القبيلة أن أرى أركيولوجيين مغاربة يدشنون حفريات بهذا الموقع ؛ من يدري فقد تجيب عن تساؤلات عديدة بخصوص تاريخ المنطقة والمغرب عموما.

وبنفس السلسلة الجبلية الزكراوية يوجد جبل اليهودي؛ وبه مغارة كبيرة لا يستبعد أن تكون لها علاقة بمرحلة ما من تاريخ اليهود المغاربة. موقع أركيولوجي آخر أسجله لدى المعهد الوطني.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

9
  • في القمة
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 15:50

    الجبل الاقرع

    هو جبل يقيم بالقرب من شفشاون و سمي نكاية عن خلوه من النبات اعلى القمة

  • déja mé
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 15:56

    من الممكن وجود عملاق هناك بوجدة الحبيبة فهنا بطنجة بداخل مغارة هرقل توجد بصمات ضخمة لهرقل هذا كما نظنها هنا فعلا اثرا ليديه و قدميه

    فهرقل فعلا عملاق ترك اثرا باديا لطالما انبهرت بِضِخَمِ تلك البصمات

  • لا زلت اطالع لك
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 16:16

    فرار زوليض بن عوليض يشبه انتقام سكان الجبل الاحمر و هي تسمية شخصية نكاية عن المنطقة المدعوة بالحمراء و الانتقام كان زمن الاستعمار حيث قام السكان باختطاف و ذبح كلبة المراقب الغريب شكلها و ربما كانت من فصيلة فاخرة رغبت القبيلة في اقتناصها و الغريب طهيها ثم اكلها ظنا منهم انهم قاموا باقصى انتقام منه و اظن السبب في تحديدهم للكلبة بالظبط ملاحظتهم عناية المراقب الفائقة بكلبته الجميلة و ولعه بحبها فكانت المبادرة في نظرهم فصل الحبيب عن الحبيبة في قالب ساخر و ربما ايضا ساهم الجوع في اكتمال المسرحية لانها كانت اعوام قحط و بلاء

    المعنى من الحكاية ان زوليض رغم كثافة حجمه ولى هاربا و مثال القبيلة ينم عن تقاسمهم الغباء فليست العبرة بكثرة العدد او التعملق الجسماني

  • امريبض
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 17:34

    تحية للاستاذ الكريم .
    كإضافة، توجد كذلك اسم "تامنارت" اسم واحة كبيرة و هي اداريا قيادة، مجاورة لفم الحصن التابعة لعمالة طاطا و يقام فيها كل سنة موسم كبير للولي الصالح سيدي محمد أبراهيم الشيخ .
    سيدي التاريخ الذي يدرس لاطفالنا في المدارس يسير على رأسه ، فبدلا من الابتداء بتاريخ المنطقة و الجهة ثم الانتقال الى ما هو وطني ثم الى العالمي، يبتدئ عندنا بتدريس تاريخ الغير ثم بعضا من تاريخنا و المصنوع من طرف الغير، مما يسبب ضعف الاحساس بالوطنية عند ناشئتنا.
    فلو ارتكز تدريس التاريخ على تاريخنا المغربي قبل الاسلام و بعده لخلقنا مواطنا يعتز بوطنه، بدلا بالاعتزاز بالعراق و سوريا و مصر و فلسطين، انظر الى المصريين كيف يعتزون بوطنهم و بتاريخهم الفرعوني و الاسلامي.

  • مغربية
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 18:23

    شيء يثير الفضول فعلا، يجب على المعهد الاركيولوجي البحث في الموضوع، يا ريث يعملو تنقيبات ف اسرع وقت لكشف اسرار تلك المغارة، كل ما سيتوصلون اليه سوف يخلق حدثا ستتكلم عنه وسائل الاعلام العربية و الاجنبية، خصوصا لما للمكان من رهبة وكدا وجوده في قمة جبل وعر صعوده، كل هدا سوف يعطي للموضوع الكثير من الجادبية و السوسبانس، ناهيك عن قيمة الاكتشاف نفسه!!

  • SS NAZI
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 20:26

    تمنارت تعني الفارسة
    أمنار تعني الفارس
    أما المقبرة فهي أَصْمْضْلْ , المقابر تعني إِصْمْضَالْ
    تحياتي للكاتب

  • معلم
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 20:38

    هرقل شخصية وهمية، لم يكن له وجود حقيقي، فهو شخصية أسطورية ميثلوجية يونانية قديمة، هرقل وديونوزيوس، وأورفي وغيرهم

  • oujdyat angad
    الأربعاء 16 ماي 2012 - 00:41

    أشكرك على هذه المعلومات القيمة لطالما كان جدي يحكي لنا تاريخ الإستعمار والإستقلال ولكن كنا صغارا لا ندرك جيدا ما يقوله ،رحمة الله عليه كان يعلمنا الشلحة و للأسف كنا نراه فقط في العطل. من المهم أن يتعلم الإنسان لغة أجداده حتى يحافظ على التراث و الأصالة.

  • 07hassan
    الأربعاء 16 ماي 2012 - 18:58

    زوليض بن عوليض سجع يليق باحاجي الاخباريين ولا وجود للعمالقة لان العملاق يحتاج لاكثر من العمر المؤكد للبشرية حتى يتطور الي حجم الانسان الحالي وهذا لا يعني اغفال التنقيبات الاثرية لانني متاكد من وجود حضارة عظيمة مطمورة تحت الارض تنتظر من يكشف اسرارها

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 85

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 72

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة