روحانية رمضان وآفة الإدمان .. فرصة إقلاع أم سطوة حرمان؟

روحانية رمضان وآفة الإدمان .. فرصة إقلاع أم سطوة حرمان؟
الإثنين 28 ماي 2018 - 10:00

خلال شهر رمضان، وبينما تستعد الناس للتضرع إلى الخالق والتقرب منه، والاستعداد لكل ما يحفل به هذا الشهر من أجواء دينية وعائلية، من صلوات وصلة رحم، يجد فيها المرء فرصة لإعادة ترتيب أوراقه، وتهذيب نفسه، هنالك أشخاص يصارعون ويجدون أنفسهم في مفترق الطرق، بين محنة الإدمان وصوم شهر رمضان.

يعاني المدمنون على المخدرات خلال شهر رمضان الأمرين، للاختيار بين الاستسلام لسطوة المخدر أو صيام أيام رمضان، وإذا ما حاول القيام بالأمرين يتحول رمضان إلى شهر من المعاناة والصراع.

هناك من المدمنين من يقوم بخطوة الصيام ومواجهة الرغبة في التعاطي للمخدر طيلة اليوم، معتبرا أن شهر رمضان فرصة لتقليص تعاطيه للمواد المخدرة أو إنهائها، وهناك من يضاعف حصة تعاطيه للمخدرات بعد وجبة الفطور، بعدما أمضى يوما من الصيام، كأنه جبل صعبُ التسلق، بينما تسحبه المخدرات إلى تحت، وهناك من ترك صيام رمضان أمام قوة المخدر، ذلك الكابوس الذي يصفد أيادي المدمنين.

الكوكايين والكحول في شهر رمضان

“الكوكايين والكحول والسجائر كانت عادة يومية بالنسبة لي، عندما وطئت قدماي أرض بلجيكا لاستكمال دراستي، كنت صغيرة في السن آنذاك، ما زلت أتذكر كيف بدأت تتحول حياتي إلى جحيم شيئا فشيئا”، تقول حسناء بنبرة حائرة، وبحشرجة في صوتها تحيل على سبع سنوات من إدمان الكحول، مستطردة: “تركت ورائي جوا عائليا يفرض الاحترام والانضباط، لأجد أمامي متسعا من الحرية ببلجيكا، خصوصا بعد تعرفي على رفاق، بدأت معهم قصة إدماني”.

وتضيف حسناء ذات 34 سنة: “بدأ طموحي في الدراسة ينهار شيئا فشيئا، إلى أن تركت دراستي بشكل كامل، وفشلت في العمل، لأجد نفسي أتجرع كؤوس الفودكا كل صباح ومساء، مع قدر معين من الكوكايين، جعلتني أنعزل عن أسرتي التي لم أراها منذ 7 سنوات، والتي استمرت ببعث المال إلي ضنا منها أنني ما زلت أدرس”.

“وصلت إلى نقطة اللاعودَة، الكوكايين والكحول سلباني كل ما أملك، حتى علاقتي مع الدين، لم تعد موجودة، تخليت عن صوم رمضان، تحت وطأة الإدمان، ذلك الهاجس كل صباح كان يتملكني بدون القدرة على المقاومة، أصبح عدم صوم رمضان بالنسبة لي شيئا عاديا، بعدما كنت أحرص على صومه مع أسرتي المحافظة” تعبر حسناء بنبرة يتملكها الشرود والحسرة، لافتة إلى أنها “قررت العودة إلى المغرب بعد أن ترجتني أسرتي للعودة، وعندها صارحتهم، وقصدت مستشفى الرازي بمدينة سلا حيث بدأت أستعيد نفسي شيئا فشيئا”.

25 سنة من الإدمان.. أقراص منومة لصوم رمضان

” بعد توقفي عن التعاطي للكحول لمدة 25 سنة، أول مرة أحضر عيد ميلاد ابني وأنا في كامل وعيي، لأول مرة أحظر مائدة الإفطار بنفسي، دون اللجوء إلى الخادمات للاعتناء بالمنزل” تقول ليلى، التي تعيش مع زوجها وأبنائها، “بعد عقود من المعاناة التي عاشتها معي أسرتي، استطعت أخيرا أن أتوقف عن شرب الكحول، بمساعدة أسرتي، ومتابعة الأطباء في مستشفى الرازي سلا”.

وتضيف ليلى وهي تحاول التقاط بعض النور من الذاكرة: “كنت أمضي رمضان بأكمله نائمة تحت جرعات الأقراص المنومة، لكي أستطيع إكمال اليوم من الصيام، كان لا بد لي من تناول منوم أثناء السحور، وحرمني ذلك من أن أكون قريبة من أسرتي خلال هذا الشهر، دون أن أعد لهم مائدة الفطور، ولا حتى الاستمتاع بأجواء رمضان”.

وتسترسل ليلى بثبات، وهدوء: “كنت ألتجئ إلى إحدى الخادمات، التي كانت تتكلف بتحضير مائدة السحور لأسرتي، بينما كنت أمضي وقتي بأكمله بين النوم، وتلاوة القرآن الكريم.. الآن شفيت من “مرض الإدمان”.

المخدر يتحكم في الشخص وليس العكس

في إجابته عن سؤال قدرة المدمن على استغلال رمضان، لتغلب عن الإدمان، يقول جلال توفيق، طبيب رئيس بمستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية بسلا: “هناك من الأشخاص من يعانون من التشمع الكبدي في مراحل نهائية بفعل الكحول، ومع ذلك لا يقدر على التوقف عن التعاطي لها، وهناك مثلا من سيضطر إلى بتر رجليه بسبب مضاعفات التبغ، وأثناء العملية الجراحية، يقوم بالاختباء للتدخين، وهذا يظهر قوة تأثير المخدرات والكحول على المدمنين”.

من الأخطاء الشائعة اعتبار أن رمضان يمكن المدمنين من الإقلاع بشكل نهائي عن التعاطي لشتى أنواع المخدرات والمشروبات الكحولية.

يقول البروفيسور جلال توفيق: “يمكن القول إن رمضان فرصة سانحة للمدمن والمعالِج لاستغلال رمضان، كي يكون حافزا معنويا من جهة، كما أن وقت الصيام خلال النهار يمكن أن يُستعمل كمرحلة علاجية في استراتيجية العلاج والفطام عند المدمن”.

واستطرد جلال توفيق قائلا: “ومن بعض السلوكات الشائعة عند الأغلبية الساحقة من المدمنين على التبغ هو محاولة استدراك ما لم يستهلكونه خلال النهار بالليل، وهو ما يضاعف نسبة استهلاكهم، وخلال مدة قصير، من الفطور إلى حين السحور” ويضيف: “كما أن هناك من المدمنين على الكحول من يستعينون إلى أدوية وأقراص مسكنة خلال رمضان، لتخفيف تأثير الفطام خلال اليوم، وفي بعض الحالات هناك من يلتجئ إلى تعويض الكحول بالمخدرات”.

“خلال أيام رمضان، تختلف أعراض للإقلاع لدى المدمن من نوع للمخدر لآخر، بحيث يصاحب فطام التبغ، شعور من التوتر والذبذبة في السلوك والمزاج لدى المدمن” يقول البروفيسور جلال توفيق: “ينبغي على المدمنين، أسابيع قبل حلول شهر رمضان، التخفيض من الجرعات والكميات التي يتعاطونها لأي مادة مخدرة كانت، لاقتناص فرصة رمضان لإنهاء الإدمان ليكون رمضان عبارة عن مرحلة نهائية في علاج الإدمان بشكل قطعي”.

مواكبة الأخصائيين.. يعززها شهر رمضان

من جهتها، تقول الدكتورة فاطمة العمري، رئيسة قسم الإدمان بمستشفى الرازي، إن عدد الوافدين على المستشفى يحدد في 20 حالة في اليوم، كما أن هناك استعدادات من قبل المدمنين لشهر رمضان، عبر الاطلاع على أنواع العلاجات، وزيارة المختصين، تخوفا من أعراض التوقف عن التعاطي خلال أيام رمضان”.

وتسترسل المتحدثة: “ترافق التوقف عن التعاطي للمادة المخدرة مجموعة من الأعراض، مثل الانفعالات الحادة والتوتر والعصبية. وعلى هذا الأساس، يجب على أسرة المدمن أن تأخذ بعين الاعتبار حالة المدمن خلال رمضان، وأنه من اللازم زيارة مختص في معالجة الإدمان، للحصول على مواكبة علاجية بالأدوية، كما المتابعة النفسية التي تعد جد ضرورية لتحفيز وتشجيع المدمنين على التوقف عن التعاطي لمختلف أنواع المخدرات والكحول، خلال شهر رمضان”.

*صحافي متدرب

‫تعليقات الزوار

5
  • salina
    الإثنين 28 ماي 2018 - 11:36

    الخادمات والفلوس وزيد وزيد الشعب أرالو يخدم راسو , أما الخادمات تمشي تسيق دارهوم , يمكن هذا إبتلاء من الرحمان لسبب ما , أما الدواء من شارب خمر سابق , هو العمل والعمل والعمل , وبالألمانية Arbeit لأن الإنشغال بشيء ما كيفما كان تافها , لكنه يكون فيه مصلحة للشخص فهو يساعد على التخلص من الإدمان ثم تقسيم اليوم إلى العمل في الصباح ثم إعداد الطعام ثم القيلولة ثم العمل الخفيف ثم تأتي ما يسميه الألمان Feirabend اي الإستراحة وهي التمتع بالذهاب للبار هههه عفوا بل بالذهاب سواء للمنزل والإنعزال عن البشر ثم مشاهدة التلفاز أو الخروج في المساء لأجل التنزه في الحدائق , وليس العودة منهكا لأجل الخضوع والصلاة والوضوء ثم بعد ذلك العودة للمخدر لنسيان تعب العبادة , على العموم هذا فقط راي شخصي وليس ملزم لأحد , لأن الضرورة تبيح المحظورات , salina

  • كريم
    الإثنين 28 ماي 2018 - 12:03

    انا من قبل رمضان وانا قاطع واخا كنتعصب شوي ولكن بيخير الحمد لله

  • الخمرأم الخبائث
    الإثنين 28 ماي 2018 - 13:22

    الخمر والمخدرات أم الخبائث،من تركه حياته سوف تتحسن بإدن الله،هناك عامل أساسي،ترك أصدقاء وصديقات السوء،لول قالو لك أجي خد غير عصير أو قهوة،الشيطان لك بالمرصاد،ثم تعود للحالة،هناك سعادة مزيفة تدوم لحضات،لكن التعاسة والأمراض لقدر الله تدوم طول الحياة.أما عن الكوكاين فالاول يعطيك بالمجان وسخاء،يوم تشدك سنارة يخصك 1000 درهم للجرام.

  • مدخن
    الإثنين 28 ماي 2018 - 21:15

    السلام عليكم عمري 28 سنة ومدمن على السجائر لمدة 11 سنة اود التوقف نهائيا عن التدخين في ما تبقى من هذا الشهر الفضيل ..سؤالي هل سأعاني من مضاعفات خطيرة جراء التوقف الفجائي والنهائي عن هاته العادة القبيحة ..المرجو لمن مر من تجربة كهذه ان ينورنا بخبرته

  • المدخن السابق
    الثلاثاء 29 ماي 2018 - 09:54

    السلام عليكم إلى الذي دخن 11 سنة ويخاف من مضاعفات الإقلاع أقول لك لا وجود لإي مضاعفات إنكنت مقتنع تممام الإقتناع بخطورة التدخين وآثارة على جميع أعضاء الجسم.انا دخنت ازيد من عمرك وكنت مدخن بشراهة والآن اقلعت عن التدخين وبدون اي مضاعفات،المهم في هذا كله أن تكون وتدرب نفسك وتقتنع انك قاطع دون رجعة وتأكد أنك ستسعد وستحس بشعور القوة والعزيمة وقد تندم على سنين التدين متمنياتي لك بالتوفيق إن شاء الله.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة