زيجة مصالح:الاتّحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية

زيجة مصالح:الاتّحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية
الجمعة 3 أبريل 2009 - 00:06

كثيرا ما تُنتج المصالح السياسية المشتركة في ظرفية سياسية معينة تحالفات مثيرة للجدل. وفي السياسة لا ‏توجد خصومة دائمة ولا صداقة دائمة، بل توجد دائما مصالح مشتركة.

وفي المغرب هناك أكثر من مبرر يدفع ‏باتجاه التقارب السياسي بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب العدالة والتنمية، بل هناك ما يحتم بناء ‏علاقة تحالف سياسي براغماتي أيضا بينهما في الوقت الوجيز الباقي على حملة الانتخابات الجماعية.

فكلا ‏الحزبين قدما في مناطق من المغرب على مستوى المؤسسات الجهوية نماذج ناجحة وأخرى تكبدت الفشل، ‏ولكن كانت التجربة بالنسبة لهما معا أفضل بكثير من تجارب الأحزاب الأخرى اليمينية والأحزاب ذات الطابع ‏المخزني التي كانت تدعى أحزاب الإدارة والتي لم تنتج عبر تجاربها السياسية في كل المجالات سوى الفشل ‏والخيبات.

من منظور واقعي يبدو هذا التحالف غير مستبعد سياسيا وإن كان غير ملائم إيديولوجيا. أما في ما يتعلق بعدم ‏ملاءمته إيديولوجيا فالكل يدرك الهوة التي تفصل بين الحزبين على مستوى القناعات العقدية والتفكير في ‏مضمون العلاقة الفلسفية التي تؤطر الأفراد والجماعات داخل الحزب.

أما في ما يتعلق بقابلية التحالف للتحقق ‏فعليا، فمسألة التوحد حول الفكرة الجامعة تبقى أكبر بكثير من القناعة الدوغمائية المحصورة في تقديس ‏المطلق العقدي سياسيا كان أو دينيا.

فالتحرك صوب التلاقي بين الحزبين على هذا المنوال شيء مقبول سياسيا ‏لأن المصلحة البراغماتية تتقبل ما هو سياسي وترفض ما يتصل بالإخلاص الافتراضي على مستوى العقيدة ‏الإيديولوجية أو الشخص.‏

على هذا المستوى الأخير نجد أن هناك تباعدا كبيرا بين الحليفين، سواء في ما يخص البنية العقدية ‏لإيديولوجية كل حزب وفلسفته أو في ما يرجع إلى مفهوم النضال والممارسة السياسية.

فأين تكمن إمكانية ‏تجميع حزبين يحملان تناقضات جوهرية صميمية ويكابدان الجفاء النسبي من قبل السلطة السياسية، تجميعا ‏عمليا في منظومة نضالية موحدة؟ بمعنى آخر تبقى فكرة الاندماج والهدف من التحالف تستنفر نموذجا ‏سياسيا يتوحد استجابة لشروط المرحلة، ودوافعه انتفاعية قابلة للتخلي عنها عند بروز معطيات جديدة تصنع ‏معادلة سياسية ترجح كفة هذا الحزب أو ذاك.

وهو ما حدث مرارا في تاريخ التحالفات السياسية في المشهد ‏السياسي المغربي منذ سبعينات القرن العشرين حتى الساعة.‏

التصور الآني للتحالف الحزبي تنظيميا بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يتحدث عن ‏تحالف سياسي ممكن، يخص مستقبل العلاقة السياسية بين الحزبين، فالاندماج بمعنى التحالف السياسي هو ‏المبرر الوحيد لترتيب تصور موحد في الإيديولوجية والتصور المبدئي لبرامج التصحيح السياسي الذي تتبناه ‏المعارضة.

وكي لا نقع في بعض الخلط المنهجي، فالتحالف السياسي لا علاقة له بالتمازج السياسي. ‏والتمازج بمعناه الموضوعي يتجلى في أن هناك مرحلة أولية قابلة للتطوير على المستوى العمودي للعلاقة ‏السياسية القائمة على المصالح المشتركة المعترف بها بين الحزبين، لتصل بعد ذلك إلى مرحلة التمازج أو ‏الاندماج كما حدث بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية المغربية مؤخرا حيث استطاع حزب الأصالة والمعاصرة ‏أن يبني تشاركية سياسية أقنعت بعض الأحزاب سواء منها العريقة أو المحدثة على حد سواء بالدخول في ‏دائرة هذا الحزب الجديد. فهناك من راقه الاستمرار وهناك من بدت الفائدة السياسية من اندماجه غير ذات ‏مردودية فاستقال من التحالف.

الأحزاب التي استقطبها مؤخرا حزب الأصالة والمعاصرة لا تدور ضرورة في فلك المخزن بل هي مشتل ‏الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من ثلاثة عقود خلت، بذلك كان التحالف موضوعيا..

بل هناك العديد من الأحزاب ‏حديثة العهد التي انضمت إلى الأصالة والمعاصرة ولم تجرب الحكم ولم تصل إلى التمثيلية البرلمانية نظرا ‏لحجمها الميكرو– سياسي ووفادتها الطارئة على المشهد الحزبي وقلة تجربتها ومستوى الكفاءات التي تدير ‏شأنها، فهي قد أحرزت على أية حال عطف الأصالة والمعاصرة وقبلت الاندماج لأن التوافق الحاصل بينها ‏وبين هذا الأخير توافق مبدئي لا خلاف عليه، فهي تؤيد الحكومة في كل ما تفعل وتتبنى قراراتها بلا نقاش ‏وتصوت لفائدتها عند كل مناسبة وتدافع عن خططها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنموية وتقدم ‏تفسيرا ناجحا لسياسة الحكومة في كل شيء ولم يبدر منها أي اعتراض على فلسفة تدبير الشأن العام ‏الحكومي منذ أن صار لها مكتب سياسي ونواب برلمانيون وأعضاء في المجالس المنتخبة.‏

هذا التوافق الذي يعتقد أنه هو القاسم المشترك الذي بنى وحدة الأصالة والمعاصرة مع الأحزاب الأخرى لا ‏يوجد بشكل موفق بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، لكن هناك إمكانية التحالف من أجل المصلحة ‏السياسية والتركيز على المواقف الأكثر قربا من توحيد نظرة الحزب في القضايا ذات الاهتمام السياسي ‏المشترك.‏

بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فإن القواسم التي تجمعه مع حزب العدالة والتنمية، كثيرة ‏والاتفاق بشأنها يبدو في المتناول، وإن تبقى هناك التعليلات الشكلية للإطار الحزبي الموحد وكيفية إخراجه، ‏فالاتحاد الاشتراكي كان حزبا نضاليا جماهيريا معارضا للحكومة والمدة التي فصلته عن ممارسة هذا الخيار ‏السياسي الجماهيري ليست ببعيدة مغرقة في تاريخ العمل السياسي بالمغرب.

بل ما يفصل الاتحاد الاشتراكي ‏عن ضريبة الدم والجسد التي كان يقدمها مناضلو الاتحاد الاشتراكي ومناضلاته عن قناعة وإرادة لا يتعدى ‏عقدا من الزمن مقارنة بعقود من النضال وهو شيء لم يُنسِ الاتحاد الاشتراكي موقعه كقوة نضالية معارضة ‏صالحة لتوظيف المعرفة السياسية في صالح التغيير وتصحيح أدوار مؤسسات الحكم، وأتحدث هنا عن الحزب ‏كقيمة فلسفية مضافة في المؤسسة الحزبية المغربية، ولا أعني الأشخاص الذين يمكن أن يشكلوا تأثيرا على ‏مسار الحزب سلبا أو إيجابا فالمعروف أن في مكونات كل حزب يوجد الصالح والطالح في كل مكان وكل زمان.‏

إن البعد المذهبي بين التصور الاشتراكي لقضايا الشأن العام والتصور الإسلامي من منظور العدالة والتنمية، ‏حاجز سياسي متجاوز من تلقاء العلاقة البراغماتية التي يمكن ربطها بين التنظيمين، علما أن العدالة والتنمية ‏تتصور مجتمعا تتقارب فيه الطبقات وهو التصور نفسه الذي مايزال يخطط له حزب الاتحاد الاشتراكي في ‏برامج انتخابية ومداخلات برلمانية أمام الحكومة. فالمفهوم “العدالي التنموي” -إذا صح التعبير- يتحقق ‏نسبيا في كلا الحزبين لكنه يكتسي بزة الاشتراكي في جانب ويرتدي عمامة الفقيه في الجانب الآخر.‏

إن الاتّحاد الاشتراكي الذي لم يتوان عبر تاريخه المحطم بالانكسارات عن الصراخ في وجه السلطة بنفس ‏المفاهيم ونفس الشعارات، وخسر جوهر اللعبة في استدراج سياسي غير محسوب، في حاجة ماسة إلى هذا ‏التحالف في الوقت الراهن، فالفوارق تضاءلت إلى حد كبير بين الحزبين وأصبح التحالف ممكنا..

تحالف ‏لحزبين نقيضين يمكن أن يوحد مدارات الأضداد السياسية ويقارب ضمنها وجهات النظر المتباعدة حين يتعلق ‏الأمر بنبذ العنف الطائفي والسياسي والابتعاد عن التطرف والأصولية المجحفة من الجانبين ويتم الاقتصار ‏على العناية بالمصالح المشتركة ذات البعد التنموي الوطني والكف عن الدعوة إلى تماهي الأحاسيس المطلقة ‏في التدين والعبادات فلا أحد وصي من جانبه على شيء، بل كل المقاربات التي تنتج مخططا واضحا لتحسين ‏أمور البلاد والعباد هي مقاربات موضوعية ما دامت تخضع للعقل.‏

‫تعليقات الزوار

6
  • زكرياء الفاضل
    الجمعة 3 أبريل 2009 - 00:14

    إني لا أرى غرابة في الأمر لأن الاختلاف الظاهري هو مجرد تنويم مغنطيسي. الحقيقة كل من الحزبين مخزني تخلى عن مبادئه من أجل المنصب. و بنكيران أعلن أفكاره الحقيقية أكثر من مرة. فلا غرابة إن حصل اتحاد بين العدالة و التنمية و حزب الاتحاد الاشتراكي أو حتى التقدم و الإشتراكية أو العمل الديمقراطي أو.. فالتنظيمات الشعبية الشريفة مقموعة و لن يسمح لها بالعمل العلني إلا إذا “قلبت الفيستا” حسب التعبير الدارجي المغربي.

  • مغربي من البيضاء
    الجمعة 3 أبريل 2009 - 00:16

    تقول الفقرة الأولى من المقال : ” بل توجد دائما مصالح مشتركة” . الجماعات المحلية والبرلمان والمناصب الأخرى. إلا اتحالف اليسار مع الإسلاميين والله المغرب لا طفرو

  • محمد الطنجاوي
    الجمعة 3 أبريل 2009 - 00:18

    اعتقد أن هذا التحليل ليمت إلى الواقع بصلة، ولو تحالف الاتحاد الاشتراكي مع العدالة والتنمية، لكانت تلك قاصمة ظهر العدالة الذي يتوق كل المنتمين إليه لوضع القطيعة الموضوعية مع حزب الاتحاد الاشتراكي سيء الذكر عند المغاربة قاطبة، ومن المؤكد أن براقش العدالة لايمكن ان تجني على نفسها ولو لفتها بحبل ود الاتحاد الاشتراكي
    الذي لايعرف أين يولي وجهه.

  • جرادة
    الجمعة 3 أبريل 2009 - 00:08

    أي برنامج حد أدنا هذا الذي سيربط خصوم الامس ،فكلنا يعلم تاريخ صراع والاصطدمات الذي كان قائم بين الجناح اليساري والاسلاميين وأي رؤية توحيدية هذه التي ستوفق بين القديم المسيطر والجديد السائد،هل هو توافق الروئية أم بداية ظهور وسطية إعتدالية،فيظهر بذلك الاتحاد بصورة الحد الادنى لليسار ….والخطيبيون نفس شيء بنسبة للاسلاميين ….ونتمنى أن تظهر معالم الاتصال والانفصال لخدمة مصالح المواطن الذي أفقدته الانتهازية ثقة في العملية الانتخابية خصوصا والسياسية عموما

  • الغريب
    الجمعة 3 أبريل 2009 - 00:10

    ان المغرب في حاجة ماسة الى تحالف انتخابي قوي بين الحزبين الجادين في المستقبل لتحريك الجمود السياسي الملاحظ.ان تسيير الجماعات المحلية يتطلب تنسيقا مبدئيا بين الحزبين باعتبار ان باقي الاحزاب هي دكاكين انتخابية يلجها من هب ودب وباعتبار ان مناضلي الحزبين هم الذين لا يشترون بالمال ولا يخضعون لارادة السلطةفي فترة التصويت على الرئاسة. ونظرا لكثرة اللوائح فان الحزبين قادرين على تسيير كثير من الجماعات بكفاءة .وفي جماعة يتعارف مناضلوا الحزبين وان حزب العدالة لن يتحالف مع اي شخص معروف بفساده حتى لو كان من الاتحاد.
    التحالف هدفه تدبير عصري وحرص على المال العام واعادة التوهج الى العمل الحزبي بتقديم مناضلين يتميزون بالمصداقية والكفاءة.
    اتمنى ان يعي المناضلون دقة المرحلة ..وان يدفعوا الى هذا التنسيق الذي ربما سيكون فيه مصلحة جماعاتنا المحلية.
    يكفي ان نرى الطريقة التي يختار بها حزب العدالة مرشحيه لنعيد الثقةالى العمل السياسي . وبالمقابل ننظر الى شراء رؤساء اللوائح والتحكم بل وارشاء من يتقدم في الائحة لنكتشف الفرق.
    ان الادارة يجب ان تبقى على الحياد وتترك اللعبة السياسية تمضي الى مداها ليعود الدفئ الى العمل السياسي.

  • ابو السعود
    الجمعة 3 أبريل 2009 - 00:12

    اعتقد ان جزء كبير من قيادة الاتحاد اصبحت يمينية و لافرق بينها وبين الاحزاب اللبرالية الا الاسم هنا نتحدث عن السياسات و الاداء الحكومي لحزاب الاتحاد في حكومة التناوب
    والتميز عند هذه الشريحة هو العداء لكل ما اصيل في هذا المجتمع واعتقد انهم ركبوا قطار ما سمي بالحداثة وحركة الهمة = حركة الملك رغم بقائهم تنظيميا في الاتحاد لان خروجهم يعني انتحارهم السياسي وسوف يقومون بنفس الدور من داخل الاتحاد لكي لا يتطرف الاتحاد ويتياسر اكثر
    والتيار الوطني في الاتحاد ضعيف في القيادة رغم القاعدةالكبيرة له
    اما بروز هذا الغزل والتصريحات كلما اقتربت الانتخابات فانها تخريجة مخزنية بئيسة
    ونرجو من الاحرار في كلا الحزبين الجلوس بعيدا عن اجواء الانتخابات لتصحيح المسار فهما وممارسة سياسية من اجل خدمة الشعب والتخندق مع هموم الناس
    ندعوهم ان يتوحدوا حول مطلب واحد الاصلاح الدستوري بقوة الشارع وليس بمنحه من المخزن
    اما هذه الشطحات فلن تفيذ بل تخدم اعداء الاحرار والشرفاء
    اذا كان المناضلون في الاتحاد والعدالة شرفاء حقا واحرار فليمتعنوا عن المشاركة السياسية وليركبوا قطار الاصلاح الدستوري وليحرجوا ويفضحوا هذا الاجرام والدعارة السياسية
    لقد بدا واضحا من خلال تقليم اظافر بعد رموز العدالة في بعض البلديات والضغوط الممارسة على الحزب لكي يقبل بشروط اللعبة ان النظام مستمر في لعبته وجرائمه السياسية
    الله يفيق النيام وهم كثر في الاتحاد والعدالة

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس