فيلم "فتوى" .. التطرف يغسل الأدمغة ويشحذ أنياب "الذئاب المنفردة"

فيلم "فتوى" .. التطرف يغسل الأدمغة ويشحذ أنياب "الذئاب المنفردة"
الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 14:00

فيلم “فتوى” 2018 للمخرج التونسي محمود بنمحمود، فيلم جديد يهاجم اللحظة التاريخية والاجتماعية ليشرّحها ويظهر مخاطرها. حكاية دائرية بين وصول البطل ورجوعه، تنتهي أحداث الفيلم في نفس المكان الذي بدأت فيه.

حكاية فيها شخصيات قليلة تتسكع في فضاءات معزولة لتستنطقها الكاميرا. لم يحك المخرج القصة كلها، بل انتقى منها اللحظات الدرامية الأكثر دلالة، وبهذا القطع المُمنهج يدرك المتفرج ما حذف حتى إنْ لمْ يره. في الفيلم حبكات صغيرة تجري في أمكنة مختلفة لكن يصل بعضها بعضا. يتحرك البطل (الأب أداء أحمد الحفيان 1966) بين أمكنة توجد صلة قوية بينها وبين الحبكة الرئيسية والحبكات الفرعية. حين تراكمت الشكوك عاد الأب لمكان الجريمة المفترضة بحثا عن استنتاج جديد.

في الفيلم اسرة امام فاجعة تستدعي منها الترفع عن كل الخلافات والحسابات، لكن الفاجعة تفتح كراس تصفية تلك الحسابات. يأتي الأب من المدينة الجديدة ليحقق ويكتشف تحولات عالم المدينة العتيقة حيث عاش طفولته، فضاءان وقانونان.

في المدينة الحديثة المتحررة فضاء فيلات حيث الشوارع الواسعة المشجرة تجري فيها الريح والأفكار بسهولة. ويمكن للبوليس مراقبة ما يجري. هنا أم مسيسة لا تريد دفن ابنها دينيا كما في العصور الوسطى. في المغرب تضع زعيمة حزب الرفاق الحجاب حين تذهب للعزاء في المقابر.

في فضاء المدينة القديمة دروب مخنوقة مزدحمة تخفي أسرارا. فضاء مغلق ومنظومة قيميّة جمعيّة صارمة، هنا يتولى جند الله دفن الموتى، الدفن ذكوري لا مجال فيه للنساء ولا مجال لتحديث طقوس الموت.

يحول الفيلم هذه العتبة المكانية إلى منصة لكشف شرخ اجتماعي عميق. في المدينة القديمة يكتشف الأب باستغراب أن الموت يسمى عيدا لأن الميت حين يُغسل يبتسم فرحا بالجنة. يستمع الأبُ لصوت الفقيه يتحدث بوثوقية صلبة. هنا تعرض الإبن المنحدر من أسرة مفككة لغسل دماغ دوغمائي، تم تحريضه ضد والديه، قيل له أن رزق والده حرام لأنه يعمل في السياحة مع الكفار. قيل للشاب أن مدرسة الفنون الجميلة التي يدرس بها مؤسسة صليبية فرسم بورتريها بشعا لنفسه. كان لمنهج الاستقطاب نتائج فعالة على الشاب حتى أن والديه فوجئا بتصرفاته.

“فتوى” فيلم عن أسباب الصراع بين الجديد الذي يولد والقديم الراسخ. الفتوى قول ديني يبيح لكل ذئب منفرد أن يحوله إلى فعل أو ثأر، ويوفّر المِخْيال الديني السائد أرضية خصبة للفتاوى، فيلم يساعد على قراءة المرحلة في شمال افريقيا. يدفع بسؤال حاسم للواجهة: ما مستقبل الحداثة في مجتمع تقوده الفتاوى؟

هناك أولا رفض مظاهر تأثير السياحة وهي أداة تحديث اقتصادي وثقافي، تجلب السياحة عملة صعبة وتقاليد فردانية جديدة تستفز الوعي الجمعي. لذلك يستفسر الشيخ عن سلوكات الفرد، وحين يتلقى جواب “شيء يخصني” لا يقبله. يريد الشيخ أن يملي على الأفراد سلوكهم ليتطابقوا فيما بينهم. ليس صدفة أن تحارب السياحة في مصر وتونس. وآخر مثال في المغرب ذبح داعشي لسائحتين في جبال مراكش.

ثانيا رفض التحديث الاجتماعي الذي يحرر النساء. في الفيلم أم مسيّسة مهددة تحميها الدولة. المجتمع أكثر رجعية من الدولة. الدولة البوليسية اكثر تسامحا مع الحرية الشخصية من المفتي الذي يرفض الديمقراطية وجهاز الشرطة الذي يسمى “الطاغوت” لأنه جهاز فعال في قمع المتشددين.

ثالثا، على الصعيد الثقافي تُقدّم الحداثة بأنها من وحي إبليس. الحداثة بنت الفلسفة، وحسب عابد الجابري “لم تقم للفلسفة بعد الغزالي قائمة” نحن والتراث ص40.

في هذا السياق الذي يتهدده التشدد بنى الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بنعلي شرعيته على محاربة الإرهاب. وقد صارت النخبُ الحداثية في شمال أفريقيا مرغمة على الاختيار بين الطاعون والكوليرا، بين النظام البوليسي والمتشددين الدمويين. وقد عاشت الجزائر تجربة مريرة مع الإرهاب.

من أين جاء الإرهابيون؟

جاءوا من عالم عربي ألقى بنفسه في هوة عميقة منذ زمن طويل. هكذا اجاب توماس فريدمان في كتابه “العالم في عصر الإرهاب” الصادر عن دار الجمل. ومن هم الإرهابيون؟

أجاب: إنهم أشخاص قادمون من دول فاشلة في تبني الحداثة ويعكسون المزاج العام في بلدانهم، وهي بلدان الرب الواحد والحقيقة الواحدة والطريق الواحد والقائد الواحد، لديهم رؤية مستقبلية لمجتمع إسلامي مثالي، يريدون عالما إسلاميا نقيا من الكفار. الإرهابيون شبان محبطون يلومون غيرهم على ما حل بهم بدل مراجعة أنفسهم.

إنهم مجموعات نشطاء يصعب تحديد هويتهم لديهم كفاءة ونجاعة، لديهم قدرات تنظيمية عالية وخيال جامح مشحونون بأيديولوجيا زائفة ذات قناع ديني وهم غير قابلين للردع، يتعاملون بمنطق إما قاتل أو مقتول.

هذا هو المشهد الذي يشتغل عليه فيلم فتوى للمخرج محمود بنمحمود. مخرج غير مسيس لن يقبض هذا. نقطة ضعف واحدة في ختام الفيلم وهي استسهال الحل. فالفيلم يعرض صدام الحداثة والتقليد سرديا في نصفه الأول وبالكثير من الخطابة في النصف الثاني. ففي مرحلة الهبوط Anticlimax، مرحلة تملك البطل لوسائل الحل وبدء انكشاف كتلة أكاذيب الخصم، يجري ذلك بسهولة شفويا لا بصريا، حين تأتي الشابة بلا نقاب وتتحدث. كل التحليل الذي قالته ينم عن وعي ومعجم لا يلائم سنها وتعليمها، إلا إنْ كان وقع عليها فجأة. المعلومة الوحيدة المطابقة هي أنها وضعت النقاب بعد الزواج. إنه شرط. كل شابة تنقبت يوم زواجها هي مرغمة. تتم مقايضة الزواج بالنقاب.

لم أر عزباء منقبة.

‫تعليقات الزوار

15
  • التكليخ والتفقير والتهميش
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 14:10

    الدول الاروبية غاديين وكيتقدمو وكل يوم كيخترعو شي حاجة وكل يوم كيصنعو شي حاجة والدول المتخلفة بقاو في بلاصتهوم ومكيعرفو يصنعو حتى ثلاجة صغيرة

  • عادل
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 14:30

    الإسلام ليس ضد التطور، والبحث العلمي، التطرف الفكري نتاج لمكر صهيو- أمريكي هدفه إضعاف شوكة الإسلام السمح، ولن يفلحوا …

  • مستبشر
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 14:46

    الارهاب كلمة اختيرت للدلالة على تطرف قيل انه اسلامي يسعى الى القتل وليست له حدود؛ في فترة زمنية سابقة شباب انخرطوا في منظمات وعصابات زعزعوا استقرار امم ودول لكن للضرورة لقبوا "بالثوار" ومحررين .
    التاريخ الاسلامي يزخر بالفتن والقتل ،لكن انحنى منحا خطيرا مع ثورة الخميني في ايران والغزو السوفياتي لافغانستان .حدثان كان لهما اثر هدام على الشباب الاسلامي سواء السني او الشيعي.

  • Mimo
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 15:10

    عالم اختار أن يرمي بنفسه في هوة لا قرار لها !
    جملة تلخص واقع ما يصطلح تسميته بالعالم العربي.

  • المواطن
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 15:16

    لا شك ان الارهاب لا يقبله عاقل الا انني اتحفض في نعت الانسان بالذءب المنفرد و هذه الاخيرة كلمة دخيلة على المجتمع المغربي.

  • الى التعليق 2
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 15:21

    سمحلي نسولك زعما احنا بحال شي دجاجات هما يخططو لينا و احنا كنتسناوهوم يساليو معانا، راك غي تتركع واش خلاو الصين اليابان اوروبا و يجيو عندك انت اللي مازال قدامك 3000عام باش تناقش المضمضة من اليمين اليسار و لا العكس و يخططو ليك؟ افيق البريق

  • fatima
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 15:38

    إذا اشتريت بضاعة ووجدتها فاسدة فأنت في مثل هذه الحالة تكون بين خيارين لا ثالث لهما وهو:إما أن ترد البضاعة إلى أصحابها وإما أن تقوم بإتلافها بنفسك دون الاستعانة بأي صديق,أما إن أبقيت عليها فأنت حتما تريد أن تقضي على نفسك وعلى كل من حولك,وأنا عندي بضائع قديمة أريد أن أعيدها إلى دولة المنشأ,ولا أريد أن أحتفظ فيها في داخل بيتي مطلقا,لأنها بصراحة أضرت كثيرا بصحتي وبصحة من حولي ,ورأيت من حولي أناسٌ كثيرون يتألمون جدا من البضائع التالفة وهم لا يدرون بأن سبب شقائهم وتعبهم ناتجٌ عن استعمالهم للبضائع القديمة التالفة,ومن هنا ومن هذا المنطلق يجب علينا أن نطبق هذا المبدأ السليم على البضائع الفكرية,طالما أنه لا يوجد ولا أي دولة في العالم تقبل بأن تشتري منا الإسلام فلماذا مثلا لا نرده إلى أهله وأصحابه الأوائل؟ فلماذا لا نقوم بتجميع كل البضائع من أفكار وملابس ونردها إلى المصدر الذي جاءت منه؟فمثلا الإسلام جاء من مكة والمدينة أي بلغتنا اليوم قد جاء من السعودية,فلماذا مثلا لا نقوم بشحن القرآن والسنة النبوية والوهابية والسلفية ونضعها في سيارة شحن صغيرة ونقول للسعودية خذوا بضاعتكم نحن لا نريدها …

  • جاد
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 15:43

    المجتمع أكثر رجعية من الدولة. ديكتاتورية الجماهير اشد من ديكتاتوربة الفرد الحاكم

  • الحسين
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 16:38

    وماذا عن التطرف الا ديني العلماني الالحادي الذي يريد أن ينسف كل ماله علاقة بالدين
    فالتطرف الا ديني الحاقد هو الذي يغدي التطرف الديني هما وجهان لعملة واحدة.

  • Fofo.
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 16:39

    إلى fatima .كيما كيقولو المغاربة واش نتي شوية لباس .اولا الإسلام ليس بطاعة وتشبيهك لم استسيغه والسعودية كدولة لا تملك الا نفسها اما الإسلام فهو منزل لكل البشرية بدون استثناء. تشبيهك هدا يدل على أن تفكيرك عقيم وافقك ضيق جدا . على الاقل اتكلم عن العلمانيين امتالك كونو منطقيين وحاولو أن تقنعوا الاخر بالفكر والحجة وليس بالهجوم النابع من الحقد علا الإسلام كأنه هو سبب إفلاس الدول أغبى بشر هو من يقول أن الفشل سببه الدين .الايمان احساس داخلي لا يحس به الا من تقرب من الله وضهر في سلوكه وأفعاله مع الناس مجتهد خلوق ليس عنصري قوي وقت الشدة

  • fatima
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 16:39

    فالحقيقة أن السياسيات الأوربية اتجاه المسلمين كانت أكثر من كريمة و متسامحة معهم ، لكن المشكلة هي في امة تحمل ديانة ضد قيم العصر الحديث ، وعليه فهي مهما حاول الآخرون إصلاحها فهي لن ترضخ ، وهنا وجب التنويه لشيء مهم حول قضية الإسلام و الحضارة وهو "أن الدين الإسلامي الآن من المستبعد أن يكون ديانة متقبلة للحضارة" فبعد الحملة الأمريكية الحمقاء لمحاولة استغلال التشدد الإسلامي لمحاصرة الشيوعية ، فالإسلام قد عاد إلى أكثر أشكاله وحشية ، وطبعا مع إسلام كهذا فمن المستبعد التخلص منه بسهولة ، فالمسلمون الأوائل احتاجوا لقرون لانسنته وجعله دين يمكنه التعايش مع المجتمع و مع التمدن ، و جميع الحضارات التي غزاها الإسلام قد عانت الأمرين من اجل أنسنة الإسلام في أشكال أكثر جمالا ليمكنها العيش به ، ومن هنا فلنتوقع عودة كل المشاكل التي أنتجها الإسلام لاحقا لتطرح من جديد ، و ان نعاني نفس الصراعات التي عانيناها في الماضي ( الشمولية الدينية ، خراب الحضارات ، تدمير العالم في حروب النهب والسلب ) فالحمقى كما يقال يعيدون التاريخ ، ونحن بالحماقة الأمريكية و الأوربية في بعض الأحيان نعيد التاريخ كذلك …

  • ملاحظ موضوعي
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 16:55

    إلى Fatima

    أحسن تعليق أقرأه في هسبريس. هنيئا على وعيك و تحليلك الصائب و تحررك من الخرافة!

  • dawi
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 17:49

    العرب كانوا قبائل متناثرة يتطاحنون فيما بينهم ولما جاء الإسلام رفع من قدرهم و أصبحت الحضارة الإسلامية أسمى مثال يطمح إليه من كانوا في الظلمات و لما لحق العرب و المسلمين كثرة الفساد والإسراف والجهل انتكست دولهم فالخلل ليس في الإسلام بل في الإنسان الذي إما يطبق الإسلام بانحراف أو يتركه بالإنحلال

  • Mann
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 17:51

    الى Fatima
    لا أتفق معك! الديانة بشكل عام حسب مستعمليها فالإسلام موجود في ماليزيا و لم نسمع يوما عن الماليزيين ارهابا، فهم مسلمون بهدوء .. لكن عندما يتسلط على الاسلام قوم همج خشنون بطبعهم فيحولونه الى ارهاب و دمار … الاسلام قد يلعب دورا إيجابيا مهما في حياتنا لو عرفنا كيف نتصرف معه، لو عرفنا مكانه الطبيعي كدين و ليس لا كعلم و لا كسياسة و لا كاقتصاد

  • صدق الله العظيم
    الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 20:53

    ما اكثرها من افلام
    وتقدم نفس الصورة النمطية
    التي ستكبر وتكبر
    ولكن الى ان يخر الله سقف مكرهم
    هنالك بقدر ما كبر مكرهم
    كبر معه الوقع والصدمة
    يريدون ان يطفؤو نور الله بأفواههم
    والعمل السينمائي من هذا القبيل
    فسبحان الله انها اية معجزة
    كيف تحدثت عن امور قبل 14 قرنا
    فلله الحمد
    ولهم نقول
    زيدوا
    فمن كان في الضلالة
    فليمد له الرحمان مدا
    سورة مريم

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس