لجنة القدس .. هل طوى المغرب صفحة "تازة قبل غزة"؟

لجنة القدس .. هل طوى المغرب صفحة "تازة قبل غزة"؟
الجمعة 17 يناير 2014 - 19:24

توحي كل المؤشرات بأن انعقاد لجنة القدس اليوم برئاسة الملك محمد السادس بمراكش ليس حدثا يروم الجواب عن التهديدات التي تتعرض لها مدينة القدس في الأراضي الفلسطينية المحتلة من طرف “الدولة” العبرية، التي تنفذ منذ سنوات مخططا يستهدف تغيير المعالم الدينية والديمغرافية لمدينة يطلق عليها المسلمون “أولى القبلتين وثالث الحرمين”.

من منا لا يتذكر لحظات عصيبة وصل فيها مخطط “التهويد” إلى مداه، ولم يكن الجواب باجتماع لجنة القدس، التي تأخر انعقادها قرابة 12 سنة، بل غالبا ما كان يتم الرد على مخطط “التهويد” هذا ببيانات شديدة اللجهة في الإدانة والاستنكار.

انعقاد لجنة القدس اليوم هو، بالتأكيد، حدث “غير عادي” لأنه جاء مباشرة بعد اجتماع الوفد الوزاري المنبثق عن لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في باريس، وهو الاجتماع الذي استثمره جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، لإجراء محادثات مع ممثلي الوفد الوزاري حول مسلسل المفاوضات، الذي تم إطلاقه بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولأن الأمر كذلك فقد جاءت تصريحات صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية المغربي، الذي ربط فيه بين انعقاد لجنة القدس وبين مسلسل المفاوضات الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن مزوار ذكّر في هذا التصريح بالموقف المغربي الداعم لحل عادل وبمبادئ تسوية سلمية لملف القدس.

والحقيقة أنه ليس مهمّا استحضار كل هذه المؤشرات لتأكيد خلفية انعقاد لجنة القدس، بل الأهم من هذا كله هو طبيعة الدور المغربي في ظل السياق الدولي والإقليمي، الذي يحكم عملية المفاوضات، وحساسية ملف القدس، بل وأيضا حساسية الموقف المغربي في هذا الموضوع بالذات.

هناك من كان ينتقدون “برودة” أو حتى غياب الدور المغربي عن ملفات الشرق الأوسط بعد أن كان للمغرب دور محوري في عهد الملك الراحل الحسن الثاني في هذه الملفات، وهناك من يعتقدون أن المغرب كسب كثيرا من هذه السياسة “الباردة”، لأنه تفرغ لملفاته الداخلية، عملا بمقولة “تازة قبل غزّة”.. وفضّل أن يبتعد عن جو الاصطفافات، التي كانت تضره أكثر مما تنفعه، لكنْ مهما يكن الخلاف في التقدير والتحليل، فإن المتفق عليه بين الجميع هو أن غياب الدور أو استئنافه ينبغي أن يكون مبررا بما يكفي من المكاسب التي يجلبها المغرب.

من هنا فإن استئناف الدور المغربي في مسار التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين يأتي اليوم في سياق ظرفية دولية وإقليمية أعقبت ما يسمى “خريف الديمقراطية في العالم العربي”، وهي ظرفية تتسم بسمتين اثنتين، الأولى ترتبط بالدول المجاورة لإسرائيل، حيث وقعت تحولات كبرى، في كل من مصر وسوريا ولبنان، وكانت نتيجتها هذا “الضعف” الذي طال دول الاعتدال والمقاومة معا. أما السمة الثانية فترتبط بالدول التي كانت ترشحها العقيدة الدبلوماسية الإسرائيليةلإسناد إسرائيل من المحيط الخارجي، والمقصود هنا تركيا وإيران.. لكن الذي وقع هو أن إسرائيل خسرت حلفيها التركي، الذي انشغل اليوم بتسوية “مشاكله” الداخلية، أما إيران فقد فقدتها إسرائيل منذ 1979، أي منذ اندلاع الثورة الإيرانية بزعامة الإمام الخميني. أكثر من هذا، ازدادت مخاوف إسرائيل اليوم تجاه إيران بسبب دخول المنتظم الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، معها في تفاوض على خلفية مشروعها النووي.

ماذا يعني هذا كله؟ بالتأكيد الأمر يتعلق بـ”ضبابية وغموض وعدم استقرار”، ووحده الدور الأردني واضح في موضوع منطقة الشرق الأوسط، أما بقية الأدوار فكلها مشروطة أو مشغولة أو مكبلة. الدور المصري مشروط بموقف المنتظم الدولي من خارطة الطريق في مصر، بحيث يمكن أن يقلب الطاولة في حالة عدم دعم الحكام الجدد لهذه الخارطة. أما سوريا ولبنان فكلاهما مشغول بقضايا الداخل، فيما يد إيران “مغلولة” ولا تقدر على فعل أي شيء بسبب مسار التفاوض، الذي يلزمها بطمأنة الغرب. بمعنى آخر إن الوضعية الإقليمية والدولية تخلق شرط الإذعان المؤقت، المشروط بالظرفية الحالية، ولا توفر أي أرضية صلبة لنجاح مسار التفاوض.

أما عن الدور المغربي، فمحصور في نقطة واحدة لا غير هي بذل الجهد للتوصل إلى وضع إطار نهائي للتفاوض حول قضية القدس، وهي النقطة الحارقة في مسار التفاوض، لأن أولى الأولويات بالنسبة لإسرائيل هي أن تكون القدس عاصمتَها الأبدية، وهي ترفض حتى أقصى التنازلات التي قدّمها الطرف العربي في “حزمة” الأفكار التفاوضية حول القدس: اختصار القدس في المسجد الأقصى والمعالم الدينية الإسلامية والمسيحية.

بمعنى آخر، فعودة المغرب إلى استئناف دوره في هذا الملف سيكون حارقا من جهتين، الأولى هي الوضعية الدولية والإقليمية، المحكومة بالغموض وعدم الاستقرار واستثمار الإدارة الأمريكية لحالة الإذعان المؤقت، والثانية تتعلق بحساسية قضية القدس في المفاوضات وكلفتها الثقيلة.

لكنّ هذا لا يعني أن استئناف المغرب دوره في ملف الشرق الأوسط سيكون بمثابة “خيار خطأ” في الوقت غير المناسب، لأنّ المغرب، في سياق هذه الظرفية الملتبسة، متحرر نسبيا ولا تربطه علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية تجعله غير بعيد عن مسلسل المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

الخيار الذي يملكه المغرب هو التشبث بالثوابت في قضية القدس، أي الاحتماء بالإجماع العربي في رفض أي مسلسل لتهويد المدينة وتغيير معالمها الدينية والديمغرافية، واعتبار الاستيطان خطا أحمر، والمحافظة على المكاسب التي يحققها المغرب في دعم صمود المقدسيين في مواجهة مخططات التهويد.

*مدير نشر صحيفة الناس

‫تعليقات الزوار

7
  • سعيد
    الجمعة 17 يناير 2014 - 20:34

    الدولة العبرية ? لاسيدي المحترم نحن المغاربة نعتبرها عصابة محتلة للاراضي العربية

  • صلاح الدين
    الجمعة 17 يناير 2014 - 20:55

    هل المغرب مستعد ليناضل علا فلسطين بكل نزاهة ام انه سيحاول الخروج من هذه الورطة. مع اسرائيل باقل ادرار.
    من اجل صحراء المغربية

  • chamali
    الجمعة 17 يناير 2014 - 22:10

    تازة قبل من غزة هادي متافقين عليها لكن الاقصى قبل من تازة ومن غزة ومن طنجة ومن رباط …الاقصى والقدس ليست رقعة ارض فقط

  • نصر الله
    السبت 18 يناير 2014 - 00:03

    العالم كله يعلم الصبغة التي يتمتع بها القدس من حيث التاريخ العريق الذي يطغى عليها كما أن الشيء الذي وضعه الصهاينة نصب عيونهم منذ أزيد من 3000 سنة هو الإنفراد بالأرض المقدسة ، و المغرب أخذ اليوم هذه المبادرة لإضفاء نوع من تحول في معاير القوى بالنسبة لدول العربية لجانب فلسطين لتضييق الخناق على إسرائيل في الوقت الذي تعرف فيه الدول العربية موجات عنيفة من ثورات وتخريب لهيكل الأمم الإسلامية.

  • زهرة المدائن
    السبت 18 يناير 2014 - 01:13

    اينك يا عمر ,اينك يا صلاح الدين و يا نور الدين و عماد الدين زنكي..اينك يا حسن البنا اينك يا يحيا عياش…اي سلام ??! ما دام اليهود في الأرض المقدسة لن يكون سلام في امة الإسلام

  • أمين
    السبت 18 يناير 2014 - 08:17

    كثير من الأقوال و قليل من الأفعال
    تعاليق قيمتها =0
    إذا كنتم تحلمون بإسترجاع فلسطين و التصرف في القدس إنكم في نوم عميق.
    من الأحسن الإنشغال بتــــــــــــــــــــازة قبل غزة,لأن فلسطين قضية عالمية و ليست عربية أو إسلامية.
    الدولة العبرية , الدولة الوحيدة الدمقراطية بين دول العالم العربي و الإسلامي و لها مساندون (يهود و مسيح) في العالم كله.
    نحن مازلنا نتضارب مع مواضيع الرشوة , الدموقراطية, الشفافية,الحدود, الصحراء الغربية,الربيع العربي…….إلخ كلها مشاكل لم تُحل بعد.
    كيف يمكن لشعوب التكلم عن القدس و هي مُتخلِّفة,وما هي قُدرتها؟من 1948 و المسلمون يجتمعون و يتكلمون و النتيجة=0

  • جزائري متألم
    السبت 18 يناير 2014 - 16:25

    7 – أمي
    كلامك موجه الى المثقفين و السياسيين الكبار فقط, حكامنا حاليا يتلاعبون بشعور المغفلين و الجهلة لربح الوقت في الحفاظ على مناصبهم حتى اصبحت القضية الفلسطينية بالنسبة لهم تجارة.
    النزاع الفلسطيني/الاسرائيلي مصطلح يشار به إلى الخلاف السياسي والتاريخي والمشكلة الإنسانية في فلسطين بدءاً من عام 1897 (المؤتمر الصهيوني الأول) وحتى الوقت الحالي وهي تعتبر جزءاً جوهرياً من الصراع العربي الإسرائيلي، ما نتج عنه من أزمات وحروب في منطقة الشرق الأوسط.
    يرتبط هذا النزاع بشكل جذري بنشوء الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين والاستيطان فيها ودور الدول العظمى في أحداث المنطقة وارتباطه بقضايا إشكالية تشكل ذروة أزمات العالم المعاصر.
    هذا النزاع يرتبط بعلاقات العرب مع الغرب وأهمية النفط العربي للدول الغربية، أهمية وحساسية القضية اليهودية في الحضارة الغربية خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست اليهودي وقوى ضغط اللوبيات اليهودية في العالم الغربي.القضية ازمة مركزية في المنطقة وكثيراً ما يربطها بعض المفكرين بقضايا النهضة العربية وقضايا الأنظمة الشمولية وضعف الديمقراطية في الوطن العربي.انشر من فضلك

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات