لماذا ينبغي الوعي بالحريات الفردية؟

لماذا ينبغي الوعي بالحريات الفردية؟
الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 06:13

أصدرت وزارة العدل بتاريخ 26 أكتوبر 2019 بلاغا إخباريا يعلن قرار العفو الملكي عن الصحافية هاجر الريسوني التي أدينت بتهمتي “الإجهاض غير القانوني” و”ممارسة الجنس خارج إطار الزواج”. وقد تضمن البلاغ المذكور إشارة إلى أن هاجر وخطيبها كانا “يعتزمان تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون، رغم الخطأ الذي قد يكونا ارتكباه، والذي أدى إلى المتابعة القضائية”. هذه العبارة من حيث الشكل تعيد الاعتبار للصحافية وخطيبها، لأن هاجر حرصت باستمرار على التأكيد أنها كانت تعتزم الزواج بخطيبها، وكانت في مرحلة الاستعداد لهذه المناسبة. ثم إن البلاغ يستعمل صيغة افتراضية وليست تأكيدية، وذلك رغم أن المحكمة كانت قد حسمت أمرها عندما قضت بأحكامها على كل المتهمين في قضية هاجر، بينما يتحدث البلاغ عن إمكانية ارتكاب الخطيبين لخطأ ما دون ذكر لفظ “جناية”…

هذا على مستوى الشكل، أما من حيث المضمون فإن تفاصيل البلاغ تتجاوز قضية هاجر، وترتبط بسياق عام أصبح يفرض نفسه بقوة في النقاش العمومي المغربي، ويتعلق بضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة للحريات الفردية ببلادنا.

أي خطأ هذا الذي قد يكون ارتكبه الخطيبان؟.. وهل كان الموضوع يستحق كل تلك الضجة الإعلامية التي أحاطت به؟ وأي قانون هذا الذي يسمح بانتهاك خصوصيات الأفراد وعرضها للفرجة؟.. صك اتهام هاجر وخطيبها تؤطره مقتضيات قانون جنائي تجاوزه الزمن، ولم يعد يعبر عن الواقع المغربي ومتغيراته؛ إذ ينص الفصل 490 من هذا القانون الذي يعود إلى سنة 1962 على أن: “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.

هذا الفصل كان موضوعا لمطالب متعددة رفعتها هيئات ومنظمات حقوقية مختلفة، تنادي بإلغائه من القانون الجنائي؛ وذلك لأنه يعد خرقا سافرا للحريات الفردية من جهة، ولأنه يستعمل بمعايير مزاجية وانتقائية ينتفي معها مبدأ المساواة أمام القانون من جهة ثانية… ثم إن المنطق السليم يعلمنا أن القانون وضع من أجل ضمان الحريات وتنظيمها، وليس منعها ومصادرتها؛ فالقاعدة التي ينبغي أن تحكم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد هي: “تنتهي حريتي عندما تبدأ حرية الآخرين”. والحال أن العلاقات الجنسية الرضائية التي يجرمها الفصل 490 تعتبر اختيارا ذاتيا حرا، مادامت تتم بين أشخاص راشدين وبدون إكراه.

الدفاع عن إقرار الحريات الفردية لا ينبغي النظر إليه من زاوية ضيقة، قد يعتبرها البعض عن سوء نية أو سوء فهم دعوة إلى الإباحية وتهديدا لأخلاق المجتمع وثوابته…وإنما يجب ربطه بالحاجة إلى مجتمع يكون فيه الفرد هو سيد اختياراته وقراراته الشخصية دون وصاية من أحد، وهو ما يقتضي وعيا ضروريا يكون بموجبه الفرد مواطنا مستقلا يملك إرادة ذاتية، وليس مجرد تابع لتقاليد الجماعة التي ينتمي إليها. وعندما ينتصر المجتمع لأخلاق المسؤولية الفردية بدل أخلاق الاتباع (التي لا تنتج سوى النفاق والخداع) فإن ذلك يساهم في ديناميته وتطوره، ويسمح لأفراده باختيار نمط حياتهم الخاصة بحرية دون أن يجعلهم مجرد أتباع لمن يفكر ويقرر نيابة عنهم؛ لذلك فالمدخل الرئيسي لبناء أفراد مستقلين بإرادات حرة وذاتية يمر عبر الإقرار بكل الحريات التي تنقلهم من مستوى الرعايا الخاضعين إلى مستوى المواطنين الفاعلين.

إن أكثر المعارضين والرافضين لإلغاء تجريم العلاقات الرضائية هم الإسلاميون الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على أخلاق الأفراد واختياراتهم، وعندما يقع أحدهم ضحية لتطبيق هذا القانون الجائر يصبحون بقدرة قادر مدافعين عن تلك الحريات، ومتحدثين عن ضرورة احترام خصوصية وحميمية الأفراد. بل إن هؤلاء الذين لا يملون من إلقاء الدروس في العفة والشرف والفضيلة هم أنفسهم الذين يتصدون لكل مبادرة تسعى إلى تقدير المرأة واحترام إنسانيتها. ألم يعارضوا بشراسة في سنة 2000 خطة إدماج المرأة في التنمية، وخصوصا في ما يتعلق برفع سن الزواج ومسألة القوامة؟. كيف يجرم هؤلاء علاقة رضائية بين راشدين أو إجهاضا إراديا لأسباب محددة، في وقت يدافعون عن اغتصاب القاصرات بدعوى الزواج؟.

إن النضال من أجل إلغاء تجريم العلاقات الرضائية والدفاع عن الحريات والحقوق الفردية في كل مستوياتها الفكرية والعقائدية والجسدية لا يهدد الدين، بل يحميه من الاستخدام السياسي والتوظيف الإيديولوجي؛ وذلك حتى لا يتحول إلى سوط في يد السلطة وأداة للتنكيل بكل من يسير عكس تيارها، ولا رقيبا كهنوتيا يستخدمه حراس الدين لترهيب وتكفير كل القوى الحية التي ترفض الجمود والماضوية والتقليدانية…والإقرار الكامل بالحريات الفردية قانونيا يعد مطلبا راهنيا لسببين أساسيين على الأقل: أولهما يرتبط بالتزامات المغرب وتعهداته الحقوقية كما تنظمها المواثيق الدولية، وثانيها يتعلق بإسقاط كل أشكال الوصاية والمراقبة عن سلوكات الأفراد، وقطع الطريق أمام القوى الاستبدادية التي تستخدم الدين لمحاربة التحرر والتجديد وتكريس الجمود والتخلف والخوف والتبعية.

‫تعليقات الزوار

6
  • Maria
    الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 06:43

    انا اظن انني استوفيت الحديث في هذا الموضوع. خير الامور اوسطها و على الانسان ان لا يتناقض مع مبادئه. مثلا هاجرالريسوني هي متحجبة و لا ينقصها مال و خطيبها اظن انه اسلامي من السودان, انا شخصيا لا اقبل بهكذا تناقضات. اذا كانا مثلا طالبان في الجامعة فقراء و ينتميان الى اليسار و يعزمان الزواج بعد اتمام الدراسة. هنا يمكن اقول هذا ينسجم ممع فكرهما و اذا احدثا ضجة اعلامية يمكن فهم ذلك. اانا لا احكمعلى الناس جملة و تفصيلا و لكن اميز بين الحالات المتعددة. مبدئيا يجب تجريم الخيانة الزوجية و الا فلا تتزوج اصلا او تزوج اربعة نساء وتتحممل مسؤولية اطفالك, و اذا كان هذا الحلال قد حرم ف لماذا نحلل الحرام? يعني نقول للرجل, اذا اراد ان يخطب امراة, لا تدخل من الباب و انما ادخل من النافذة. اول من سيعارض في المغرب هي المراة المغربية نفسها, ستقول لك اذا ااردت علاقة جنسية فاذهب لخطبتي من والدي و عليك دفع المهرو اقامة عرس…

  • OPEN EYE
    الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 10:35

    شخصيا أحيي كاتب المقال على أخذه الجرأة والمسئولية في مخاطبة الرأي العام بلغة الواقع والمنطق، لغة شفافة ومباشرة لا تكترث لمن يعتبرون أنفسهم أوصياء على المجتمع، انطلاقا من وعي ديني متخلف يعتمد النقل ويرفض الاجتهاد الذي يفرضه العصر

  • هبة
    الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 11:41

    عاجلا ام اجلا المغرب مضطر لتغيير هذا القانون الجائر على الحقوق الفردية طبعا حراس المعبد المنافقون سيحاربون بشدة لكن ستنتصر الحرية الفردية والعقلانية في الاخر لاننا لن نستمر في تغطية الشمس بالغربال الى ما لا نهاية. مقال رائع لخص فيه الكاتب المشكل بحيادية وموضوعية.

  • أبوندى
    الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 20:43

    فعلا إن أكثرالمعارضين والرافضين لإلغاء تجريم العلاقات الرضائية هم الإسلاميون الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على أخلاق الأفراد واختياراتهم وهم من يتوخون ابقاء المجتمع على الوضع الراهن وربما يتمنون العودة به الى الوراء حنينا الى القرون الغابرة المسؤولة عل تشرد وتردي حالة المسلمين اليوم.
    الاسلاميون المتطرفون والسلفيون المتشددون هم من يعارض باديولوجية وبشراسة الحريات الفردية بالاستناد الى دلائل لاعلاقة لها بالدين الاسلامي الذي هو بالعمق دين سمح ولايمكن أن يمسه تغييرأوزعزعة من جراء اعطاء الحريات الفردية الحقوق التي تنصفها في اطارحقوق وحريات يكفلها الشرع والقانون ويتقبلها المجتمع.
    كما جاء في المقال ف:النضال من أجل إلغاء تجريم العلاقات الرضائية والدفاع عن الحريات والحقوق الفردية في كل مستوياتها الفكرية والعقائدية والجسدية لا يهدد الدين، بل يحميه من الاستخدام السياسي والتوظيف الإيديولوجي.
    تحديث المجتمعات الاسلامية ينبغي أن ينطلق من مبادرات شجاعة لن تكون مقابلا للتسيب والاباحية وانما لخلق نوع من الحرية تفاديا لوضع الجميع في قوالب فكرية واديولوجية مالها النفاق والشدودات الفكرية والسلوكية.

  • المرجو النشر
    الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 22:16

    اذا الغى الكاتب الاخلاق كمعيار لتحييد جميع القوانين, فلن يبقى قانون اصلا?
    اعطي مثالين, الاول, هل اذا سمحت الدولة بالتحسيين الجيني للانسان, وفيه منفعة للدولة ولكنه اخلاقيا حرام, هل يمكن اسقاط التلاعب بجينات الانسان? الجواب لا
    الثاني, الاجهاض هو قتل الجنين, من اعطى للام او الاب او كليهما, الحق في قتل الجنين, لا احد, وهو اخلاقيا حرام.
    المدخل الثاني, هل هناك توافق في الغرب نفسه, لحرية الجسد في اعتى الديموقراطيات الغربية, الجواب لا.
    المدخل الثالت, هل تطور الدولة مقرون بحرية الجسد ام بحرية التعبير, والنقد السياسي لناهبي المال العام, وترشيد النفقات, هل يمكن للكاتب, ان ينتقد المخزن بالاسم.

  • هشام
    الأحد 26 يوليوز 2020 - 09:30

    هنا لا بد من طرح اليؤال الإجرامي، السؤال الذي لا يعجب التيار العلماني العربي: ما إذا كان هذا "الأحد" الذي يقف وراء تقييد الحريات الفردية هو الله سبحانه وتعالى من خلال نصوص دينية محكمة ؟

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة