مجانين تحت الطلب على "الإنترنيت"

مجانين تحت الطلب على "الإنترنيت"
كاريكاتير: عماد السنوني
الخميس 31 دجنبر 2020 - 16:37

لكل مهنة ضوابطها، ولكل فن قواعده. وعلى الرغم من أن للعشوائية سوقها وعشاقها، فإن ذلك لا يعني بالضرورة الانتحار الجماعي في سوق النخاسة العالمية الجديدة.. حيث يُنظر إلى الإنسان كـ”رقم”، وحيث ينتظر من الجميع أن يجمعوا ملايين “اللايكات”؛ حتى وإن تطلّب الأمر كشف عورتهم للناس.. هذا هو العالم الافتراضي؛ لكن بعض “الافتراضيين” الذين لا يشاركون في الانتخابات، ولا يعملون، ولا يأكلون بانتظام.. ويأخذون مصاريفهم من كثرة الظهور، يخلطون بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي.

لنفترض أننا كلنا نملك جهاز حاسوب، أو آخر صيحات الهاتف النقال، حيث تتكلف الكاميرات الافتراضية بتزيين كل العيوب، هل يمكننا أن نبني وطنا من “التغريدات والتعليقات والفيديوهات”؟ من سيستيقظ في الساعات الأولى من الليل ليوقد الفرن، الذي نشتري منه الرغيف والخبز صباحا؟ من سيحلب الحليب الذي يصلنا معبأ، قبل أن نشربه مع الشكولاتة، ونحتفي بالكأس في “أنستغرام” أو “فيسبوك” أو “تويتر”؟.. أين هي الأم التي ستنقطع عن الأنترنيت لترعى أبناءها طيلة الليل؟

وأين هو الأب الذي سيحمل معوله في الصباح ويتوجه إلى الحقل، كي يوفر مصاريف الدراسة لأبنائه، والأكل للشعب؟ وأين هم الموظفون المجدون الذين يكدون بالليل والنهار لقضاء مصالح المواطنين؟ وأين هم رجال الجيش الذين سيحررون معبر الكركرات؟ وأين هم رجال ونساء الأمن الوطني الذين يسهرون كي تجلس أنت آمنا في بيتك أمام الشاشة؟.. أين هم الإطفائيون؟ أين رجال القوات المساعدة؟ أين هي الممرضة التي تقضي ليلة كاملة، لإنعاش إنسان على حافة الموت؟

وأين هو الطبيب الذي قضى سنوات طويلة في الدراسة، قبل أن يتحول إلى مخلوق يتفنن في إدخال التعديلات لكي تبقى بعض الجثث على قيد الحياة؟ وأين هي تلك المعلمة وذلك المعلم الصارم، الذي يتخرج على يده العلماء والأدباء والفنانون والمهندسون ورواد الفضاء والبناؤون والميكانيكيون والخياطون؟.. أين هم الصحافيون والصحافيات الذين يستعملون الأنترنيت فيما ينفع الناس، وينمي الذوق العام وحرية التعبير؟.. أين هو القارئ والمشاهد الذي يميز بين متعة القراءة ومتعة أخرى؟..

إن كل ما تفعله بعض الكائنات الافتراضية هو استهلاك الرخاء الذي توفره سواعد وعقول النساء والرجال الذين يصنعون هذا الوطن، الذي يحمل راية، حتى أنهم لا يميزون بين القانون و”السيبة”.

بعضهم لا وطن له، ولا دين له، شعارهم “الخراب هنا والآن”. هناك من ينفث سمه داخل الوطن بيننا، وهناك من يختار إشعال الحرائق عن بُعد؛ ولأنه بعيد عن النار، تبدو له كل الوسائل مشروعة، لإضرام النار في الشعب ومؤسساته..

قد لا يكون “العمل في الأنترنيت” كله سيئا، حيث إن الطفرة التي حققها العالم تتطلب مواكبة سريعة للأحداث والمتطلبات والخدمات؛ لكن “الظهور بلا سبب من قلة الأدب”، وإطلاق الأنترنيت على عواهنه دون أن يخضع للقوانين هو مثل تشجيع البناء العشوائي والتهرب الضريبي والاقتصاد غير المهيكل.. وكل مواطن يجب أن يحترم القوانين الجاري بها العمل، وإلا ما فائدة وجود الدولة ومؤسساتها.. لماذا نفرض على الصحافة المهنية والمواقع المهنية قوانين للصحافة والنشر، بينما النشر متاح في “السوق السوداء”؟.

لقد أصبحت الظاهرة عامة، والمجتمع يوما عن يوم يصدق “الدعاية القصوى” التي يوفرها العالم الافتراضي. وإذا انطلت الحيلة على الجميع سنفقد وطننا الحقيقي، في معارك وهمية مع شخصيات وهمية تعمل خارج ضوابط النشر الصحافي والنشر غير الصحافي.. وحتى إذا افترضنا أن الأمر يتعلق بنشر الغسيل، فما هكذا تورد الإبل.. بل هكذا ستجني على نفسها براقش..

‫تعليقات الزوار

19
  • يسرى
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 16:51

    المقال زوين بزااااف عجبتني بزاف طريقة ااتعبير والفصاحة والفكرة شكرا للكاتب ❤️

  • محمد دينية
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 16:53

    أصبت لكن كل الرعاة او أغلبهم أصبحوا سعدا فما عرفوا كيف تورد الإبل، وصاروا براقشا فجنوا على أنفسهم وهو يظنون أنهم يحسنون صنعا، بل لا يعلمون شيئا

  • متابعات . .
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 16:53

    عقدكم السياسي مرفوض أيها السادة!!!.

    في قادم الأيام كل هذا سيجعل من الحلول مأساوية ومؤلمة جدا لنا جميعاً. ولات ساعة مندمِ.
    لذلك كله نعلن أن : عقدكم السياسي مرفوض أيها السادة!!!.

    شاكر كتاب
    أستاذ جامعي وناشط سياسي

  • عبدو طنجة
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 16:58

    صحيح كل ما تطرقت إليه ؛ لكن لا تنسى أنكم (الصحافة) أنتم السبب في ظهور بعض المخلوقات الغريبة على سوشل ميديا و بالتالي حتما ستساهمون في نشر التفاهة داخل المجتمع.

  • حكيم من القنيطرة
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:05

    الله يعطيك الصحة على هدا المقال الهدف و الرائع

  • مواطن مغربي
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:11

    يااخي هدا الكلام صح ولا تلوهم فاعتدر لهم هدا الكلام يجب عليك ان توجهه لاصحابه الدين صنعوه وبرنامجه ويدخلونه في الاسواق ليكسبوا المال الكثير يعني هو المال الحلال ام الحرام العالم كله مبني على هدا النمط والعقول مختلفة والاراء مختلفة كل عقل له عقله ليس متساويان في نفس اللحظة يجب علينا ان نعطي الامثال الصالحة للمجتمع اي كان لان الاعمال الصالحة تجتمع الناس ولا تفرق بي الناس والله مع الصلحين

  • ahmed
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:25

    ومن هذا المنبر أقول لمن اختبؤ خارج وطنهم و ساروا يغردون كالببغاواة و ينبحون كالكلاب الضالة سنظل في وطننا آمنين رغم كل الظروف ولكن القادم افضل ام انثم ستعيشون بدون هوية بدون كرامة لأنكم ليست لكم الشجاعة و إن كنت مناضلا حرا فنضالك يبدأ من بلدك الأم لا من هذا خارجه

  • عبدالرحيم
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:26

    صحيح انعدام الو عي و الفهم للأمور و الإدمان و الصبيانية و الجهل و جعل هذا في واد الافتراضي فهذا جنون حتما اما اذا اتزن العلم الافتراضي مع ما نعيشه حولنا بالفهم و الوعي فهذا يحمد عقباه باختصار موضوع مهم جدا ونبيل.

  • الحاخام الحكيم
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:34

    وهل العنصرية والعدوانية والحقد والبغض والكراهية هي التي تصنع الوطن؟؟؟

  • مغربي
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:48

    مقال راقي و هادف و يلخص كارثة فكرية و اجتماعية !!!
    و لكن أقول : “”كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته””
    و الدولة لها حقها من المسؤولية فيما نراه ،و فيما وصل إليه الإعلام المغربي و كذا الأسرة المغربية

  • Amine
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:51

    مقال رائع ! شكرا !
    يجب التذكير بهذه الأشياء مرارا و تكرار ا

  • ADAM
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 17:58

    حين ترى التفاهة تتابع من طرف أغلبية المواطنين أو بالأحرى التافهين يعطيك استنتاجا بأن شيئا ما ليس على ما يرام في المدرسة في الشارع في البيت في الصحافة …. في المجتمع ككل، ولهذا يقال مثل عربي أصيل الأنسان إبن بيئته ومن هنا يمكن القول أن البرامج إبنة بيئتها،

  • عبدالله
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 19:13

    هادا هو حال الشعوب المتخلفة ينخرها الجهل والامية وزادها الفقر تقرا ولا تفهم وعندما تفهم تنام .
    أزا أعطيت شيءا لقوم لا يفهمونه ويفهمون صلاحيته فصلي صلاة الجنازة عليه . عندما ترى قرية باكملها تجري كي ترى جبل من دهب وقرية تجري كي ترى المهدي المنتظر يعالج الناس بالماء في تمارة وترى الدوار يجري الى المدينة كي يرى شجرة في بلاس بيتري تجري بالدم فصلي وسلم على رسول الله وارحل عند قوم يفهم ما هي الحياة وما هي الانترنيت. هادشي لا يدهشني ولانه شيء عادي عند قوم يتحولون الى قنبلة عندما يسمعون عبن الحور عند سلطان باليما في العراق .

  • محمد بلحسن
    الخميس 31 دجنبر 2020 - 23:03

    ستون (60) دقيقة تفصلنا، نحن المغاربة والصحفيون، عن نهاية 2020 (رقم بصفرين إثنين لا صفر واحد) !

  • تأمل
    الجمعة 1 يناير 2021 - 09:26

    تأمل صائب .لكنه جاء بعد فوات الأوان.و هذا العالم الافتراضي هو مملكة -ميكروسوفت-
    ربما قد تصبح امبراطورية العالم …..و من يدري ….غزو جديد

  • محمد
    الجمعة 1 يناير 2021 - 09:55

    مقال هادف يضح علاج ألداء المستشري في الوطن لكن من يشجع على هذا الوضع الذي ينتج هذا الإنسان لاشك هو السياسة الممنوحة في تهجين المواطن الخانع المستهلك الغير المنتج الفاسد المدلول الذي لا قيمة له ولا شرف له فترى السلطوي المتسلط المرتشي المعتمد على الزبانية في قضاء مآرب الناس وبالنموذج من جرادة حيث هناك من يدعي النضال والتوسط للناس في قضاء مصالحهم وأولاه لا تقضى لمن يشاء ويترك مهامه كمعلم حديث العهد بمقر عمله بنيابة تاوريرت وتراه مقيما انام مقر عمالة جرادة يصطاد في الماء العكر فهل عرفتموه ياساكنة جرادة فاحذروه

  • محمد القصري
    الجمعة 1 يناير 2021 - 14:42

    أنا أتساأل : هل جل من يدعون أنهم صحفيون بالمغرب صحفيون حقا؟ يتناولون هموم المواطنين، ينتقدون ما يجب انتقاده في هذا البلد السعيد؟ ما ألاحظه هو أن أغلب الصحفيين بالمغرب حتى لا أقول جلهم ابتعدوا عن دورهم الحقيقي، وأصبحوا مداهنين لا رأي لهم.

  • محلل منطقي
    الجمعة 1 يناير 2021 - 19:41

    من السهل ارتداء قبعة القاضي وإصدار الأحكام حينما يفوت الأوان، لكن من الصعب التنظير والرؤية لما هو أبعد وسط الفوضى. فالمجتمع المغربي والعربي يعيش مخاضا كي يولد من جديد، وهذا المخاض يستلزم طفو المكبوتات والبقع السوداء كي تكون واضحة ومدركة للجميع، بعدها تبدأ مرحلة الجلد والفرز بغية إنتاج حلول وقواعد تشكل الهوية الفكرية للمجتمع. فبغياب هذه الظواهر الفاسدة والمنحلة والشادة، لن يكون المجتمع المغربي قادرا على إعادة بناء ذاته على أرضية واقعية وصلبة. وبالمقابل يسهل كبتها ونشر ثقافة النفاق الاجتماعي كما تفعل إيران كمثال، غير أن هذا التوجه قد يفيد مؤقتا وظاهريا، لكنه لن يصلح من حال الأمة أي شيء.

  • ابو زيد
    الجمعة 1 يناير 2021 - 21:29

    هذا الموضوع يجب ان يولى اهتماما اوسع ليشمل جميع المتدخلين…..
    لقد وضعتم اليد على جرح نتن….
    الوصوليون و غيرهم لن يروق لهم مضامينه!!
    وافق مضمون المقال آفة زماننا….اصبتم و وفقتم!!!

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات