مدرسة المخزن (1)

مدرسة المخزن (1)
السبت 21 يوليوز 2012 - 13:23

مقدمة

أختي القارئة أخي القارئ

لا أذكر من شبابي ولا من كهولتي الكثير من الحكايات غير ما هو جد عاد بالنسبة لأي شخص، مع بعض الفوارق التي من الطبيعي جدا أن توجد بين أصناف البشر.. لكنني وعندما أغوص بذاكرتي تجاه أعمق البئر بحثا عن تلك السنوات الأولى من عمري أجد أعظم متعة وألذ طعم لمعنى الحياة وقيمة الحياة وجودة الحياة.

من تلك المرحلة اقتطعت لكم قبل ثلاث سنوات سلسلتي القصصية ” بين العصر والمغرب ” والحقيقة أنها لم تك روايتي بقدر ما هي شهادة على عصر رافقني وشاركني فيه كل جيل الستينيات وما أجملها الستينيات.

واليوم أغوص بكم إلى سن مبكرة أكثر.. عساني أنبش في كل منكم تلك الطفولة الساكنة في أعماقكم. ومعا سنكمل القصة . أنتم بمخزونكم التخيلي وصوركم الذهنية الجاهزة والحاضرة لديكم وأنا بهذه التجربة القصصية البسيطة أسرد ما لدي من حكايات عن طفولتي لأكمل ما لديكم من تجارب شخصية لا تقل حميمية وقربا للروح من تجربتي .

أنا وانتم سنصنع المتخيل القصصي من سرد تاريخي لحياة طفل هو أنتم قبل ان أكون أنا .. لأنكم أنتم القارئ وأنتم من يضع من مخيلته الألوان والأشكال والعلامات التي نفرد بها كل طفولة على حدة.

سأحكي لكم بداية كل شيء ومن عمر السابعة

رمضان كريم

الحلقة الأولى : مدرسة المخزن (1)

طنجة ، المغرب ، أكتوبر 1969

قرار لوزارة التربية والتعليم بقبول الأطفال البالغين السبعة أعوام بالكامل لولوج القسم الأول ، التحضيري.

انخرط محمد ، المفتش الشاب في قسم شرطة طنجة ، في حوار عبر الهاتف مع صديقه وأخيه السي مفضل المريني .

– والله يا أخي ما عرفت ما نعمل

– علاش ؟!! شعند باباك دائما كتعقدها من جميع الجهات

– آسي مفضل ، العايل ( الطفل ) حيرتو وخربقتلو راسو .. بدا فالجامع وغير بدا يحفظ شي سور من القرآن دخلناه لمدرسة بيرشي الفرانساوية ودبا خرجناه ودخلناه لمدرسة السحلي عاودتاني دخلتو هاذ الصيف ، هذا لي داز ، لعند الجبلي فالدشار جديد ( حي من أحياء طنجة ) .. المهم ما رسيتو حتى فبلاصا

– دابا نتينا كتقولي هاذ البلا ديال ابنك مشيتخربق ، وسيدي هذاك ولدك راه يخربق قبيلة.. غير دخل لخرا مع خواتو لمغاربة يتعلم ويتمرمد و يطلع راجل

– وا الله يهديك أسي مفضل .. الله يهديك أخاي العايل باقي ماكمل سبع سنين مشات يماه وخلتوهو وثلاث دخوتو .. راه خصك تعرف آ السي مفضل

– شماش نعرف آ البهيمة .. المرا مشات على حقاش دخلتي عيها الشريكة ، تقول ما رأجل غير انتينا يا وجه البلا .. شتت ولادك الله يخليلاها ماركا

– ورجعنا آ سي مفضل لنفس الهضرة .. ياك نتينا بيدك مشيتي ورغبتي وزاوكتي باش نرجعها .. علاش كتلومني

– ماشي مرا إلى رجعتلك .. واش انتينا تقبلها تدخل عليك راجل تاني ؟

– علاش ؟!

– الله يقلل حياك .. المهم جيبلي العايل أن ماش نمشي نسجلولك . ملي نكمل نهبطولك للكوميساريا .

– لا .. لا .. راني ماشي غدا الصباح للمدرسة بيريي إلى ولات سميتها طارق بن زياد وماش نسجلو ونجي نمشي نتغدا عندك. صافي

– مرحبا بيك غير مشي نت للدار أنا خصني نهبط للبلايا نجيب جوج رزامي ديال الجلد طلبتوم من فاس ومن تما ماش نمشي للسواني .. نتلاقاو فالدار.

أقفل محمد سماعة الهاتف مع صديقه وأخيه الحميم ، المعلم سيدي مفضل المريني ، وهو صانع بسيط هاجر من مدينة شفشاون إلى تطوان ومنها إلى طنجة في سن الطفولة وباتت علاقته بالمفتش محمد نسخة طبق الأصل لمعنى الأخوة الصادقة.. وكان على كلا منهما تحمل الآخر كشخص لا يتجزأ بمحاسنه ومساوئه . لكن معركة التغيير بين الرجلين لم تتوقف يوما إلى أن أسلم كلاهما الروح لخالقها بعد أكثر من أربعين عاما.

أما محمد الصغير – العفريت – فكان يراقب بصمت وتوجس ما يجري حوله وأذناه تلتقطان أدق المعلومات لينزوي بعدها إلى غرفة العزيزة رقية، جدته وأمه الثانية ، فيجمع المعلومات ويعيد ترتيبها مع نفسه لمعرفة ما يخفيه له الغد. وعادت ما كان يستعين ببعض كلمات تبوح بهذا جدته وهو يسألها وهي نصف نائمة فكان لسانها يسبق عقلها فتكشف عن ما لديها بحنو أمومي فطري. وكان العفريت يدرك كيف يستغل فيها ذلك فكانت جدته المصدر والمرصد لكل ما يحدث حوله.

بحلق بعينيه في ظلام الغرفة الدامس وهو لا يكاد يتحمل أسئلة الحيرة التي كانت تتخبط عقله الصغير.. هل هي سنة الإستثناء هذه. أم أن العذابات التي قطفت زهور سنواته الأولى سوف تستمر في ملاحقته في طفولته البريئة.

سأل نفسه أين ذهبت أمه ؟ وهل ستعود ؟ وما سر الشجار الذي عايش فصوله خلال السنة الماضية ؟ وهل أصبح يتيم الأم وهي بعد على قيد الحياة. هل ما يحضره له الأب مع صديقه هو بالفعل ما يعتقد. هل هي مدرسة مثل كل المدارس التي عرفها من قبل؟ أم أن والده قد قرر بالفعل إدخاله إلى مدرسة المخزن أي أنه لن يبرحها ليل نهار ؟ وهو ما كان يسمع أباه يتوعده به كلما اقترف جريمة من جرائم العفاريت.

حاول التأكد أن العزيزة رقية قد بدأت تنام وتسلل إلى فراشها وعانق ظهرها بجسده العظمي الصغير .. وفجر صمت الغرفة بصوت غير خافت وكأنه كان يعلم أن الصوت الخافت لن يجعلها تتكلم بل سيدغدغ عسل نومها. فالعزيزة رقية لا تتقن الكذب ولا تتحكم كلية في طيبوبتها المفرطة فقد كانت تجيب على السؤال وكأنها تؤدي مهمة إنذارية وهي التي كانت على الدوام في صف العفريت وإلى جانبه ظالما كان أو مظلوما.

– آ العزيزة شنو هو التسجيل فالمدرسة المخزنية ؟

– باقي ما نعستي .. نعس الله يعطيك اللقوا آ وليدي بجاه ربي والسامعين ، راك طيرتني من الكاما (الفراش) الله يطيرك من قدامي .. نعس تنعس ما تنوض آوليدي.

– العزيزة الله يرحم باباك قولي شني هي المدرسة دمخزن.

– هي مدرسة دمخزن المدرسة دباطل بلا فلوس.. يا الله نعس ولا ما نوض نطيب ليماك ديك الرجلين بهاذ الشنكلة *( الحذاء البلاستيكي).

– وكينعسو فيها ولا كرجعو للدار ؟

– كيرجعوا .. كيرجعوا يرهجو فكرشوم ويوليو للمدرسة يقراو ويجيو فالعشيا. يا الله نعم ، تنعس ما تنوض أوليدي بركة الله والسامعين.

نام ليلته وهو يتخيل شكل الغد والوانه وحياته الجديدة في عالم مدارس الحكومة ، وما دامت الحكومة هي المخزن ، فإن الأمر بالنسبة للعفريت قد تغير.. فما كان يتلقاه من وجبات الضرب والعصا بسبب فضائحه المتكررة لم يعد له قيمة مقارنة مع ما ينتظره.

يتبع .. إلى اللقاء غدا

إضغط للاستماع إلى هذه الحلقة بإخراج إذاعي

‫تعليقات الزوار

10
  • هشام
    السبت 21 يوليوز 2012 - 19:59

    رائع رائع …….استمتعت بمعنى الكلمة بقراءة هاته الحلقة ….سلمت يداك و في انتظار المزيد

  • علاش هكدا
    السبت 21 يوليوز 2012 - 22:31

    علاش اخاي . اش كتسالنا . بكيتينا باطل . ما كتعرفشي حنا غي عواول . و عزيزة الله يرحمها فهاد النهار و يرحم الوالدين اجمعين

    علاش بكيتينا يا هاد بنادم

    علاش

  • مع لعيطة دلمغرب
    السبت 21 يوليوز 2012 - 22:49

    رايي بعد البكاء المرير الذي لا ينتهي على عزيزة ترك المقال هكذا في مذكراته الطفولية التي لا تنتهي و بحلقته الاولى التي لا تنتهي الا بانتهاء هذا الشهر الكريم

    لماذا

    لتظل الغصة في حلق الجميع و ليتذوقها الجميع على الموقع المحترم ترك المقال في حلقته الاولى و ليوافقنا على الفكرة السيد محمد الوافي مشكورا

    و ايضا بلا تعاليق تعلق بالمقال

    لماذا

    لانها مدرسة المخزن

    شكرا للمغاربة الاحرار

  • أشرف
    السبت 21 يوليوز 2012 - 23:58

    الله يرحملك بابك أو يماك على هاذ القصص ا محمد سعيد.
    ديك القصص للي كنت كتبت على الطفولة هادي شي 4 سنين مازال فالبال.
    لسوء الحظ نظراً للإنفجار الديموغرافي بسبب الهجرة المكثفة، و عدم تأقلم الوافدين الجدد مع المجتمع المحلي بل فرضهم لذاتهم ، المجتمع الطنجاوي تبدل بزاف أو هدوك الحوارات أو الشخصيات مبقات غي في الروايات و الذكريات.
    شكراً و بيبا ليلك.

  • OUI chef
    الأحد 22 يوليوز 2012 - 01:17

    ارايت كيف صرت

    من خلال كتاباتك سيدي المحترم سعيد يتبين انك بمستوى معيشي معقول و نتاجاتك معتبرة و على الرغم من جهلي بمن تكون حظرتك و ما تشغله من عمل و للاشارة فقط احب الاشياء مبهمة و ابتغيها دوما مبهمة لانها تجعل في سراح من اي تعقيد يعقب تجاوب المحيط المقنن بتراتيب تشل تعاطي الانساني مع الاداري مع مع
    هو المخزن اذن و لا مفر منه و للتاكيد الاكيد نكيل اللوم على اصحاب العزائم المثبطة لنقول لهم مباشرة

    ما افلحتم في مدرسة المخزن فما عساكم ان تفلحوا في غيرها
    هو الفصل كان فرصة لكل نجيب
    اليس كذلك
    و على سبيل المحرومين من هذه النعمة ان بمعطيات جيولوجية او تضييقات جنساوية او غيره فلا عزاء نجده لهم الا تاكيدهم كما تاكيدنا للمتعاطين في الحقل ان يرسخوا في فصول الفرصة العمرية التي تحال ليا ليتت الطفولة تعود يوما
    مادا تبقى لسد الثغور المتكلسة
    ma.ma

  • خلالي دمعي هواد
    الأحد 22 يوليوز 2012 - 01:22

    كنت مسافر و عطاني صحبي باليزة فيها حوايج ديال وزير سابق نساها مين كان فلبحر و وصاني نوصلها لفلان فلاني مين نوصل
    فالطريق وقفني جندارم و فتح ليا الكوفر و بغا يقلب الباليزة
    قلتليه شوف هادوك حوايج الوزير و خاصك تدير قفاز les geants فيدك ديال السربيس

    شاف فيا

    ضحك و زاد

  • قدام العادي و البادي
    الأحد 22 يوليوز 2012 - 01:29

    وحد النهار درت مخالفة وقفني بوليسي

    ضربت ليه السلام و قلت ليه

    احتراماتي سعادة المخزن

    قليا عندك مخالفة

    قلت ليه شوف راها ماشي مخالفة مخالفة اكيدة و لكن غي بان ليك المنظر من زاوية غير هي هاديك

    شاف فيا و قال

    ربما و لكن

    قلتليه من بعد ما لقيت الجو هادئ و حميمي

    شوف اسيدي راه حنا ولاد المخزن

    قليا علاه فعائلتك البوليس

    قلتليه و لا راني قاري فالمدرسة ديال المخزن

    شاف فيا

    ضحك و زاد

  • مخزني بالفطرة
    الأحد 22 يوليوز 2012 - 01:33

    نعم اسيدي بكا و ضحك و هادي هيا الدنيا

    و العز للمخزن وخا ما عندي علاقة

  • خالد
    الأحد 22 يوليوز 2012 - 14:16

    . "غير دخل لخرا مع خواتو لمغاربة يتعلم ويتمرمد و يطلع راجل".
    ههههههههههههههههه.

  • Atlasson75
    الإثنين 23 يوليوز 2012 - 11:23

    oh..man..you took me back to the night that preceded the first day in school..I could not sleep that night because of hapiness and anxiety at once. Nice idea and many of us would share much of your experiences.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات