مصداقية الدستور في ظل شرعنة الحقوق بالمحاضر : حالة محضر 13 أبريل

مصداقية الدستور في ظل شرعنة الحقوق بالمحاضر : حالة محضر 13 أبريل
الجمعة 15 أبريل 2016 - 21:51

إن انتقال دور الدولة وظيفيا من الاختصاصات التقليدية والمحددة في الدفاع والأمن والعدل، إلى اختصاصات حديثة مواكبة للتطورات العالمية السريعة على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي، والسياسي، والتكنولوجي، أدت إلى الخروج من منطق الدولة الدركية إلى منطق الدولة المواكبة والمصاحبة ، وفق ما هو سائد في المجتمعات الديمقراطية ، والعكس صحيح بالنسبة لدول العالم الثالث، حيث مازالت مؤسساتها خصوصا المنتخبة منها تخضع لمنطق الشخصنة والذاتية، الأمر الذي يشكل دوما عائقا بنيويا يحول دون انتقال اختصاصات الدولة من الطابع التقليداني إلى الطابع الحداثي المساير للتحولات الحقوقية العالمية، ذلك أننا أصبحنا نتحدث عن الجيل الثالث لحقوق الإنسان كالحق في التنمية والبيئة السليمة والسلم والمعتبرة بمثابة حقوق تضامنية بين الإفراد والجماعات .

ومما لاشك فيه أن سرد التطور التاريخي للدولة ومعها الصيرورة الحقوقية، يقتضي في ظل القرن الواحد والعشرين العمل على تجويد إنتاج القوانين وتكييفها مع الحرص على حسن تطبيق المدسترة منها كرد الإعتبار للدستور، كأسمى تعبير عن إرادة الأمة، من خلال احترام مبادئه الأساسية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر مبدأ المساواة ومبدأ عدم رجعية القوانين وتحقيق المواطنة الحقة، فهذه المبادئ الدستورية تعتبر بمثابة حزام السلامة ضد الصدامات التي تنجم عن استعمال ” منطق شخصنة ” مؤسسات الدولة ضدا عن الدولة نفسها، باعتماد الإجتهاد الشخصي المبني على “العناد الأناني” أحيانا مما يعيق تدبير الشأن العام برمته.

لقد كرس دستور 2011 مجموعة من الحقوق الأساسية والتي لا تحتاج في تنزيلها إلى التقييد بواسطة المحاضر بدلا من القوانين التنظيمية المؤطرة لها، لكن حساسية الحكومة تجاه مصطلح “المحضر” سواء بالتنصل من تنفيذه كما وقع في قضية ” محضر 20 يوليوز ” من جهة، أو بتكريسها ” محضر الأساتذة المتدربين” من جهة ثانية، يدفع إلى التساؤل حول المغزى من تبني هذه السياسة المبنية على جدلية “التنصل والتكريس للمحاضر”، هل الأمر يتعلق “بديبلوماسية المحاضر” كآلية للمهادنة تحضيرا للحملة الانتخابية السابقة لأوانها أم أن تأنيب الضمير السياسي بدأ في إعطاء مفعوله ؟

إن محاولة تفكيك عناصر هذه المعادلة، تقتضي أولا تحليل سياق هذه “البدعة السياسية”، ثانيا، الهدف منها، ثالثا، سيناريوهاتها المحتملة.

أولا: السياق

عندما يصل الإحتقان في صفوف الحركة الاحتجاجية للمعطلين في المغرب مستوى معين، يتم اللجوء إلى مجموعة من الآليات للتنفيس والتخفيف من حدة هذا الإحتقان، ونجد من بين هذه الآليات توقيع الاتفاقيات، المحاضر، التعاقد،… وبغض النظر عن تاريخ المحاضر في صفوف حركة الأطر العليا المعطلة في المغرب، فالكل يجمع أنها كانت بمثابة طريقة للصلح بين الدولة وأبناءها.

ومما لاشك فيه أن المحاضر كانت توقع بعيدا عن المحطات الانتخابية وإن كان الهاجس الانتخابي غير مستبعد كلية، بل لم تكن هذه المحاضر وسيلة للدعاية الإنتخابوية بصفة عامة، إلا أن الأمر تغير خلال المرحلة الانتخابية لما قبل مجيئ “الحكومة الإسلامية ” التي استغلت محضر 20 يوليوز في الحملة الانتخابية إلى جانب مجموعة من الشعارات (وليست البرامج)، التي كانت تؤثث المنصات والتجمعات الخطابية الانتخابوية آنذاك، فعلى سبيل المثال شعار بلوغ نسبة 7% من النمو، تشغيل أصحاب المحضر، محاربة الفساد،…

إن الركوب على محضر 20 يوليوز كشعار فرضه منطق الجشع الإنتخابوي والذي نزع صفة “الحق المكتسب” عن مضمون المحضر وأحل محله “مبدأ التنصل الجائز في سبيل الحصول على الجوائز” ، حيث أصبحت مؤسسات الدولة الموقعة على هذا المحضر من منظور رئيس الحكومة مجرد موظفين لدى الدولة ولا يمثلونها، مع العلم أن محضر أساتذة الغد الذي وقع في الثلث الأخير من عمر الحكومة وقع من طرف موظفي الدولة نفسها التي تشكل مؤسسة رئاسة الحكومة جزءا من مكوناتها (الدولة).

ثانيا : الأهداف

إن الرضوخ لسياسة المحاضر بعد تذوق مكاسب المنابر الرسمية دفعت مؤسسة رئاسة الحكومة إلى القبول بتوقيع محضر مع الأساتذة المتدربين بعدما رفضت تفعيل محاضر الأطر العليا المعطلة، مما يفسر مراهنة الحزب الحاكم على دخول غمار الانتخابات بغض النظر عن تبعات وآثار “مبدأ التنصل الجائز”، الذي دشنت بها الحكومة الحالية ولايتها بإجهازها على الحقوق المكتسبة للمحضريين، وليس بغريب استغلال وتوظيف جميع الآليات والوسائل الكفيلة بتجميد بل وقمع كل ما يمكن أن يعكر صفو الحملة الانتخابية التي تقتضي إبداع لا متناهي في صياغة شعارات براقة بدل برامج واقعية، وذلك في جو غير مشحون خصوا مع الفئات الشبابية الواعية.

ومما لاشك فيه أن توقيع المحضر مع أساتذة الغد والذي يحيل على التوظيف المبني للمجهول في سنة 2017 يطرح مجموعة من علامات الإستفهام ليس حول مضمون او أطراف المحضر بل حول مدى مصداقية التنفيذ، خصوصا وأن الحكومة الحالية على مشارف توديع كراسي المسؤولية، وبالتالي تبقى الرغبة في تصدير احتجاجات الأساتذة المتدربين إلى الحكومة المقبلة من جهة، ومن جهة ثانية إيجاد المادة الخامة من ملفات بخصوص القضايا الإجتماعية كهدية للمعارضة المقبلة والتي ستتقمص دورها بلا شك مكونات الحكومة الحالية، وذلك في إطار سياسة “لعبة الأدوار”.

ثالثا : سيناريوهات محتملة

استحضارا للمعطيات السالف ذكرها، واعتبارا لغياب الثقة في وعود المؤسسات المنتخبة ونظرا لتوظيف الشخصنة والمزاجية كمنهجية لتدبير الشأن العام، فإن محضر أساتذة الغد يحتمل سيناريوين :

السيناريو الأول : بالرجوع إلى ظروف توقيع محضر 20 يوليوز من الناحية الشكلية والموضوعية بل وحتى المكانية ، فإن تمة تطابق بين المحضرين، مما يعني احتمال مواجهة أساتذة الغد مستقبلا بكون محضرهم غير قانوني، خصوصا مع استحضار حالة الإصرار والعناد من التنصل من الالتزامات في ظل الحكومة الحالية . علاوة أن الرهان على الدخول في المعركة الانتخابية يقتضي لياقة بدنية خالية من موانع المنافسة (الاحتجاجات، الوقفات، التشويش على المهرجانات الانتخابية…) ، وللتذكير فإن اللقاءات التواصلية المنظمة من طرف حزب العدالة والتنمية بعد بدء احتجاجات أساتذة الغد لم تسلم مما ذكر، الأمر الذي يؤدي إلى الافتراض بإعادة العمل ب “مبدأ التنصل الجائز”، بعد مرور الانتخابات التشريعية المقبلة.

السيناريو الثاني : بالرجوع إلى مضمون “محضر اتفاق” وليس “محضر إدماج” فإنه يلزم الأساتذة بالرجوع إلى فصول الدراسة من أجل استكمال التكوين قصد ادماجهم دفعة واحدة في ميزانية 2017، مع العلم أن الصيغة النهائية لمضمون المحضر لم ترى النور بعد، وللتذكير فأرضية النقاش حول صياغة هذا المحضر انطلقت من الإبقاء على المرسومين عكس ما كان عليه الأمر في قضية أصحاب محضر 20 يوليوز حيث تم إلغاء المرسوم من طرف الحكومة الحالية بدعوى عدم قانونيته، ونظرا لكون الموقعين على محضر 20 يوليوز مجرد موظفين لدى الدولة . ولكون التاريخ يعيد نفسه، فاستقراء تركيبة اللجنة التقنية المحال عليها محضر 13 أبريل، نجدها هي نفسها التي وقعت على محضر 20 يوليوز، فقط مع اختلاف أزمنة التوقيع، وتغيير الوسطاء حيث كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان وسيطا في قضية محضر 20 يوليوز بينما تقمص دور الوسيط الهيئة المدنية والنقابات في محضر 13 أبريل.

مما لاشك فيه أن مؤشرات السيناريو الثاني تكتنفها مجموعة من التناقضات والغموض، مما يدفع إلى الافتراض بكون محضر 13 أبريل مجرد وثيقة ظاهرها “محضرية” وباطنها “شكلية” تستهدف تجميد حماسة الحركة الاحتجاجية لأساتذة الغد التي أحرجت الحكومة الإسلامية، أضف إلى ذلك أن تنفيذ محضر 13 أبريل في ظل تجميد محضر 20 يوليوز سيؤدي إلى إحراج الدولة المغربية أمام أنظار المنتظم الدولي الذي يحترم المغرب لمكانته وأهميته الجيواستراتيجية قاريا وجهويا ودوليا، وذلك بفضل مجهودات ومنجزات المؤسسة الملكية .

تبدو تكلفة السيناريو الثاني ثقيلة على كاهل الحكومة الإسلامية سواء من الناحية السياسية والأخلاقية ( إن بقيت)، مما يجعل خيار السيناريو الأول الأقرب إلى الواقع والقابل للتطبيق لكونه يتكامل مع مبدأ ” التنصل الجائز”، وبمنطق الأنصبة نخشى أن يكون نصيب محضر 13 أبريل هو الثلث من الخمس بعدما كان الثمن من العشر هو نصيب محضر 20 يوليوز،ليبقى سؤال مصداقية دستور الأمة في ظل شرعنة حقوق عن طريق محاضر منزوعة الإلزام .

‫تعليقات الزوار

3
  • أستاذة متدربة
    السبت 16 أبريل 2016 - 20:39

    محضر 13 أبريل ، محضر 20 يوليوز، محضرين شكلا كاشفا حقيقيا لوجه حزب العدالة والتنمية، الذي أصبح هاجس أعضائه الكراسي الوثيرة، مع ابتداع عدم الادتهاد مع اجتهاد شيخنا بنكيران، حزب اللمبة بعد 2011 وبعد دخول باب السفراء وضع جينات التفكير في ثلاجة باب السفراء حتى لا ينتج ولا يفكر، خوفا من زوال النعمة، (نعمة السلطة)، وكان السلاح ( المتخيل) لدى بنكيران هو التضحية بالشعبية كما لو أن الشعبية من حيث تأسيسها مبنية على فتح فيلا في حي الليمون للمتسولين وإطعامهم بقايا طعام زعماء الأحزاب السياسية، + نكث وقهقهات بنكيران، في الوقت الذي تشكل فيه الشعبية تراكم سنوات تحسب للحزب وليس للشخص. فدلالة توقيع محضر 13 أبريل لم يكن سوى مدخلا لاسترجاع الشعبية التي كان بنكيران يتزايد بها مع بقية الأحزاب بكونه لا تهمه، أما بخصوص قوله في لقاء مع pps أنه سيلتزم مع الأساتذة المتدربين، فلنا سؤال وحيد كيف يمكن الالتزام بمحضر 13 أبريل وعدم الالتزام بمحضر 20 يوليوز؟ هل المساواة ولغة التغني بالقانون تصمد أمام ويل للكذاب ولوكان مازحا، وويل لمن أشارت اليه الأصابع ولو بالخير فما بالك أن يشير إلى بنكيران بالخير من طرف شباب المغرب

  • مهندس بكندا
    الأحد 17 أبريل 2016 - 16:15

    اقترب للأحزاب موسم بيع الوهم والكذب وهم للشفقة مستحقون، فبن كيران أصبح يرطب ويلطف مع أساتذة الغد، وتنازل عن القسم بل لم يكن أصلا مؤمنا لا بالقسم ولا بالتلمود، بل ما يؤمن به هو الكرسي والمظاهر وربطة العنق، الأساتذة المتدربون وقعتم محضر 13 يناير ، فنصيحتي لكم لقد عريتم عن عورة حزب العدالة والتنمية وعن نواياهم ضد الوطن، فهم لا يؤمنون بالدولة المغربية ولا بالملكية بل يؤمنون بالأمة كامتداد للفكر الداعشي، فالمغرب طيلة ولاية بنكيران لم يعرف قط انجازات بل انحيازات ما تحقق في ظل ولايتهم هو بفضل المجهودات الملكية فقط، اقسم بالله لو أن جلالة الملك لم يتحرك طيلة ولاية بنكيران لأصبحنا في مزبلة التاريخ، لذلك فلا تثقوا في حزب العدالة والتنمية وعلى رأسه بن كيران لسنا من حساده ولا من مبغضيه لكن من منتقذيه فهو خسيس وهو مريد المنهج البصراوي القمعي لذلك لا تتثقوا في وعوده فالعبرة بمحضر 20 يوليوز الذي أصدر تعليماته لقضاة محكمة الاستئناف الإدارية حتى يصدروا حكما ضد الحكم الابتدائي ولكم أن تسألوا عن القاضي الذي أصدر الحكم استئنافيا وتقارنوا مستواه بمستوى القاضي الهيني الذي أصدر الحكم الابتدائي. لا ثقة بنكران

  • أستاذ متدرب
    الأحد 17 أبريل 2016 - 16:41

    كل حزب فرح بما لديهم من منجزات سوى حزبي الباجدة فرح بشيخهم الذي أصبح ظاهرة صوتية، كنا متحمسين للمشاركة السياسية من داخل التنظيم الحزبي الآن أصبحنا منبوذين من طرف الشعب، أقاربي، أصدقائي،… لم يشفعوا لي كلما حاججوني بما فعلنا بالشعب … سئمت الوضع هل أنسحب باحترام أم انسحب بانفعال، محضر 20 يوليوز فضحنا و محضر 13 ابريل ازال اللثام عن من جديد من جرحنا الذي هو محضر 20 يوليوز الى متى سنتعامل مع الشعب المغربي بهذه الازدواجية النفاقية والخطاب المفضوح، ألا يمكن لحزبنا ان يعتمد الصراحة التي تريح أليس بوسع حزبنا أن يخدم الشعب بالمفهوم الايجابي لا المفهوم السلبي، … سئمت… سئمت… أينما وليت وجهي اتابع بأسئلة محرجة لا أملك الأجوبة حتى المواطن البسيط الفهم والدراية السياسية لا أجد لأسئلته أجوبة ما بالك بالمواطن والشاب الواعي … أنا في ورطة إعلاني ودفاعي عن انتمائي للباجدة ضننت في الوهلى الأولى أن بنكيران رجل المرحلة في تقديم أجوبة عن أسئلة الاصلاح لكن وجدت نفسي سببا (وحزبي) في استمرار بل وتعقيد معاقد الفساد، كيف سأواجه أسئلة تناقض الحزب في التعاضي مع محضرين 20 يوليوز و 13 ابريل . أوراق بنما..

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 20

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات