بونابرت .. عندما أجبرت الهزيمة الإمبراطور الفرنسي على التنازل عن العرش

بونابرت .. عندما أجبرت الهزيمة الإمبراطور الفرنسي على التنازل عن العرش
السبت 1 ماي 2021 - 05:00

سطر نابليون بونابرت انتصارات عديدة وخاطفة. فهذا القائد الذي توفي قبل 200 عام، عرف برؤيته الاستراتيجية الاستثنائية، ويُعد تاريخيًا من كبار المخططين العسكريين على الرغم من أنه هُزم للمفارقة في ميدان المعركة، عسكريًا وسياسيا.

موهبة مبكرة

بعد أن التحق بكلية بريان العسكرية، بدأ الشاب الكورسيكي مسيرته المهنية في سلاح المدفعية، ومنه صعد بسرعة حتى رُقي إلى رتبة جنرال وهو بعد في الرابعة والعشرين من عمره.

بعد تعيينه قائدًا عامًا للقوات الفرنسية في إيطاليا على الرغم من افتقاره إلى الخبرة، قاد بونابرت الحملة العسكرية عام 1796 ضد النمساويين، التي تعد واحدة من منجزاته الاستراتيجية. بعد معارك ريفولي وبون داركول ثم الحملة المصرية في 1798، تحول نابليون إلى بطل عسكري.

منذ بداية توليه مهام القيادة، أقام علاقة وثيقة مع رجاله الذين كان يبث فيهم الحماسة بلا كلل. ومما يُستشهد به من خطاب توجه به إلى قواته في مارس 1976 في إيطاليا قوله: “أيها الجنود، أنتم عراة ولا تحصلون على ما يكفي من الطعام والحكومة مدينة لكم بالكثير ولا يمكنها أن تعطيكم أي شيء … أريد أن أقودكم إلى أخصب سهول العالم. وهناك ستحظون بالشرف والمجد والثروة”.

توسيع ميدان المعركة والسرعة

لم يترك الإمبراطور الفرنسي أي مؤلف مرجعي يشرح تفكيره الاستراتيجي، هو الذي ورث الأفكار العسكرية التي نشأت في نهاية النظام البائد وخلال الثورة الفرنسية. لكن تماسك نظامه وانسجامه يتبدى في الأوامر التي أصدرها إلى قواته ومراسلاته ومخطوطاته.

شرح ميشيل روكو، مدير الصناديق الخاصة بإرث نابليون في قسم المحفوظات التاريخية لدى وزارة الدفاع، قائلا: “نحن نخرج من التعثر التكتيكي في آخر أيام النظام القديم والمعارك التي كانت تجري عبر صفوف جامدة، للانتقال إلى المعارك المتنقلة، المتحركة”.

وأضاف أن “قوة نابليون تكمن في أنه فكر في الأمر من منظور واسع: التداخل بين فرق الجيش المختلفة ومبدأ خرق صفوف العدو في المعارك من خلال تركيز القوات وتطبيق ذلك على ميادين القتال الواسعة”.

وذلك بفضل التخطيط الدقيق وجمع المعلومات عن تحركات العدو والتفوق في الرجال والمعدات حيث سيتم خرق صفوف العدو ونظام الفرق العسكرية، والمعسكرات الخفيفة وتخفيف معدات المشاة إلى الحد الأدنى. هذا الإسقاط السريع الذي أتاح لبعض الوحدات اجتياز أكثر من 40 كيلومترًا في اليوم، ما مكن نابوليون من مفاجأة خصمه.

واستخدم هذه الميزات في بعض الأحيان للتعويض عن تدني عدد الجنود، كما حدث في أوسترليتز (1805) أو فريدلاند (1807). كما حظي جيشه الكبير بعشرات الآلاف من الجنود المتمرسين من قدامى المحاربين في معارك الثورة.

المعركة الحاسمة

هذا الإسقاط، إضافة إلى تركيز القوات عند نقطة محددة، أتاح له إيجاد ما يسميه “المعركة الحاسمة التي ستؤدي إلى قرار يفضي إلى المعاهدة التي ستسمح له بعد ذلك بفرض سياسته الأوروبية”، وفق ما يقول ميشال روكو.

يعرض أنطوان جوميني، أحد مؤسسي النظرية الاستراتيجية الحديثة، “صيغة” نجاحات الإمبراطور في أطروحته حول العمليات العسكرية الكبرى (1805).

ويقول إن “الفن العسكري العظيم في توجيه خطوط عملياته يتمثل في الجمع بين هجماته، بحيث يتمكن من السيطرة على اتصالات العدو دون فقدان خطوط اتصالاته”، وذلك إما بالإغارة على الصفوف الخلفية وفصل جيش العدو عن قواعده، أو

بإحداث اختراق في خطوط العدو كما حدث في أوسترليتز.

ويشرح ميشيل روكو ذلك بقوله: “إنها مناورة تسعى إلى الإخلال بالتوازن وزرع الفوضى”، يرى فيها “الإرث الذي ورثته عن نابليون الجيوش المعاصرة”.

ويقول المؤرخ: “عشية الحرب العالمية الأولى، استخدمت هذه الفكرة في الهجوم ولكن من دون مراعاة الابتكارات التكنولوجية، ولا سيما المدفع الرشاش، مما أدى إلى تعثر تكتيكي جديد حتى نشر المدرعات التي ستنفذ تلك الخطة”.

ويتابع: “سيستمر تعلم تكتيك زرع الفوضى مع الجنرال باتون على سبيل المثال (خلال الحرب العالمية الثانية)، ومؤخراً أثناء حرب الخليج عندما لجأ الأميركيون إلى زرع الفوضى في صفوف العدو ومحاصرته في النهاية لفصل خطوطه الخلفية”.

حملتان أوسع مما ينبغي

هزمت أسطورة نابليون خلال حملتيه الكبيرتين في إسبانيا ثم في روسيا. فبعد أن كان عليه مواجهة حرب عصابات لم يتوقعها في إسبانيا، “قاده افتقاره إلى التحليل والتفكير الموزون إلى شن حملة أوسع من قدراته في عام 1812” في روسيا قضت على جيشه الكبير وأجبرته على التراجع في منتصف الشتاء بعد أن خسر عن 200 ألف جندي على الأقل.

بعد أن أضفت انتصاراته شرعية على سلطته السياسية، أجبرت الهزيمة الإمبراطور على التنازل عن العرش في 6 أبريل 1814. وعادته جميع القوى الأوروبية لدى عودته إلى السلطة خلال ما عرف باسم المائة يوم في ربيع 1815.

وخلال معركة واترلو الأخيرة (1815) لم يعد نابليون كما كان ولا جيشه. أما خصومه فتحالفوا ضده بعد أن تعلموا من هزائمهم: ركز البريطانيون على تكتيك دفاعي في ساحة المعركة التي يسيطرون عليها.

هكذا، سطرت هزيمة نابليون في 18 يونيو سقوطه السياسي وأجبرته على الرحيل إلى المنفى.

‫تعليقات الزوار

11
  • مواطن غيور حقا
    السبت 1 ماي 2021 - 06:21

    من المفارقات في حياة نابليون بونابرت انه ولد سنة 1769 في اجاكسيو بكورسيكا سنة فقط بعد ضم الجزيرة سنة 1768 من طرف فرنسا ،اي لولا ذلك لما كان نابوليون فرنسيا بل سيكون ايطاليا ، كما انه في1804 توجه البابا كامبراطور ،في الوقت الذي كان من الذين شاركوا في الثورة التي اطاحت بالملك لويس 16 من اسرة البوربون وتم اعدامه مع زوجته ماري انطوانيت ابنة ماري تيريزا امبراطورة النمسا ، وشاءت الصدف ان يتزوج نابليون بعد معركة واغرام 1809 من ماري لويز ابنة امبراطور النمسا بعد انتصاره على هذه الدولة ،كما ان نابليون هو الذي كان سببا في سياسة الانغلاق التي نهجها المولى سليمان في المغرب بعد ان هدده بالغزو لان المغرب يتعامل مع بريطانيا عدوة نابليون التي نفته الى جزيرة القديسة هيلانة بالمحيط الاطلسي،وتوفي يوم 5 ماي 1821 عن عمر 52 سنة فقط ،وكتب عن منفاه في هذه الجزيرة القديس بارطولومي دي لاس كساس. ويقال انه مات مسموما . وبدلك يكون نابليون هو الامبراطور الذي ولد في جزيرة ومات في جزيرة.

  • بوحمارة
    السبت 1 ماي 2021 - 07:51

    لكل شىء نهاية … ليس هناك حكم وراتي الى يوم القيامة …. خطا بسيط يقلب امبراطورية ورانية الى جمهورية ديمقراطية ….

  • أحمد MA
    السبت 1 ماي 2021 - 07:54

    بعد انهزام نابليون في معركة واترلو تنحى على الحكم وهذا هو المنطق أما حكام العرب لم يفعلوها لا في حرب سنة 1948 ولا في حرب سنة 1967 ضد إسرائيل بل ظلوا جاثمين على صدور شعوبهم وقمعهم وتنكيل بهم .

  • عبر التاريخ
    السبت 1 ماي 2021 - 07:57

    لا أحد يشكك في عبقرية نابليون، لكن هناك فارق مهم جدا أغفله كاتب المقال، نابليون لم يكن مسلما، و نابليون لم تكن معه قوة السماء، و نابليون لم يحمه الرب الذي يلقي الرعب في قلوب أعدائه، و نابليون كانت له أهداف دنيوية صرفة، و القائد المسلم لا هدف له إلا نصرة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وصدق الله إذ قال: “يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم” ولو فكر خالد بن الوليد رضي الله عنه بهذا المنطق ما اسقط امبراطوريتي الروم وفارس، ولو فكر الشبان القادة الثلاثة بهذا المنطق ما دخل الإسلام بلاد الهند والسند والصين..
    وإلى فرصة مقبلة إن شاء الله تعالى سأحتفظ بطموح استعادة حق أجدادنا المغتصب ولن أتنازل عنه، وإذا لم أستطع تحقيقه سأربي أجيالا تستطيع فعل ذلك..
    أما المناصب والنياشين و الأوسمة… فهذه تركناها لمن يحب الحياة الدنيا و زينتها.. فنحن أهل آخرة فقط، والعاقبة للمتقين.

  • تايكة غرماد
    السبت 1 ماي 2021 - 08:47

    نظرا للفضائع التي تسبب فيها باشعال نار الحرب في اغلب دول اروبا وغزوها الى روسيا والى مصر الى ان تلقى شر هزيمة في المعركة المجيدة واطرلو على يد الانجليز !!
    وهو يعتبر من اكبر مجرمي حرب في التاريخ ومن اكبر مجرمين ضد الانسانية لكن بشكل غريب يعتبر من اهم الابطال في فرنسا عبر تاريخها تظل القنوات التلفزيونية والاعلامية تهلل وتطبل وتمجد فيه وتتبعها الدول التابعة لفرنسا متجاهلين بشكل غريب ما اقترفه من جراءم في حق الشعوب !!
    بل هناك بعض ااشوارع لا زالت تحمل اسمه في دول شمال افريقيا وهو لا يختلف عن سطالين او هتلر او جانكيسخان !!

  • مواطن غيور1
    السبت 1 ماي 2021 - 09:21

    السلام عليكم
    لمن لا يعرف بونابارت هو مؤسس نهضة فرنسا الحديثة، وتحديث نظام الإدارة الذي ورثه المغرب وجل دول شمال إفريقيا عن المستعمر.
    هو أيضا سبب النهضة الثقافية في مصر بحملته عليها، و في ما بعد إنشاء قناة السويس وقناة بنما مع المهندسين الفرنسيين مع عائلة دوليسيبس.
    كان مثقفا متواضعا جامعا شاملا ءو رؤية مستقبلية.. لولا تحالف الدول الأوربية كلها عليه وخيانة الأصدقاء له قبل الأعداء.
    لو حكم أوربا ما كان حالها بعده بالحربين العالميتين الأولى والثانية.

  • السبت 1 ماي 2021 - 09:41

    من أقوال نابليون”l’histoire est une série de mensonges sur lesquels nous
    sommes d’accord”
    التاريخ سلسلة من الأكاذيب المتفق عليها.وهذا ينطبق عليه أو على الأقل جزء من تاريخه،حيث بنت له فرنسا ضريحا في متحف “ليزانفاليد”الحربي الذي يعد قبلة
    للسياح . أما المسكوت عنه في تاريخه فهو انه كان يشبه هتلر فقد وصل إلى السلطة بطريقة تشبه طريقة هتلر وكان ديكتاتورا مثله واستعمر بالقوة مجموعة من البلدان،وانهزم مثله شر هزيمة في معركة حاسمة على يد تحالف مجموعة من اادول.لكن هتلر في التاريخ الفرنسي ديكتاتور نازي ونابليون بطل قومي.

    من

  • يوغرطة
    السبت 1 ماي 2021 - 10:05

    في معركة واترلو سأل أحد الجنود نابليون هل الله معنا أم مع العدو فأجابه نابليون الله مع من له مدفع أكبر

  • مواطن غيور حقا
    السبت 1 ماي 2021 - 11:10

    كانت مصر من الدول التي استفادت من حملة نابليون التي دامت ثلاث سنوات (1798-1801) حيث تعتبر منطلقا لدراسة عصر النهضة المصرية حيث دخلت بعد هذه الحملة الي مصر كل من المطبعة والمسرح… ،كما ان عالم الآثار الفرنسي شامبليون هو الذي تمكن من فك رموز الكتابة الهيروغليفية سنة 1822 اعتمادا على حجر رشيد Pierre de Rosette وبذلك تمكن المصريون من كتابة تاريخهم القديم ،كما اصبحت بعد ذلك مصر ترسل بعثات طلابية الى فرنسا ومنها البعثة التي تراسها رفعت رافع الطهطاوي. وكتب كتابا يصف فيه انبهاره بالتقدم الذي وصلت اليه اروبا مقابل تخلف العالم العربي وجموده.

  • نابوليون بونابارت:عبقرية حربية ونهاية مأساوية 1
    السبت 1 ماي 2021 - 16:07

    بنظرة واحدة على ميدان المعركة،كان الإسكندر الأكبر و نابوليون بونابارت يحسمان مصير المعارك. في صباح معركة واترلو استقظ نابوليون متعبا بوعكة صحية مَعِدِيَّة، و نظر إلى قوات ولينجتون المحتشدة على الهضبة المقابلة له و قال فجأة:”من يأخد تلك المزرعة،ينتصر في المعركة.”انتصر نابوليون وسحق ولينجتون بشر هزيمة؛ولكن قدوم البروسيين مساء المعركة بقيادة الشيخ الفيلد مارشال بلوشير غير مجرى الحرب وليس فقط المعركة.قال لرجاله:”لارحمة!من يرحم الفرنسيين هذا اليوم،سأقتله بيدي هاتين!”نابوليون انتصر تقريبا في جميع معاركه الصغيرة والحاسمة؛لكنه انهزم في معركة حياته العسكرية والحربية!قبل واترلو كان حيويا عبقريا؛ يوم واترلو أصبح غبيا أبلها!غروره ورغبته في تحطيم كبرياء ولينجتون دفعه للزج بحرسه الامبراطوري في الضربة النهائية القاضية!خيالته قضى عليها تهور المارشال نيي ساعات قبل قدوم البروسيين!”خسرنا كل شيء إلا الشرف”من آخر ما قاله نابوليون في أرض المعركة!نابوليون بونابارت غير وجه أوروبا وروح العسكرية والاستراتيجيا!قوته في السرعة،المباغثة،الجرأة والمناورة!بدأ بالصدفة،مغمورا غير معروف؛انتهى مهانا منفيا!

  • نابوليون بونابارت:عبقرية حربية ونهاية مأساوية 2
    السبت 1 ماي 2021 - 16:08

    نابوليون انتصر تقريبا في جميع معاركه الصغيرة والحاسمة؛لكنه انهزم في معركة حياته العسكرية والحربية!قبل واترلو كان حيويا عبقريا؛ يوم واترلو أصبح غبيا أبلها!غروره و رغبته في تحطيم كبرياء ولينجتون دفعه للزج بحرسه الامبراطوري في الضربة النهائية القاضية!خيالته قضى عليها تهور المارشال نيي ساعات قبل قدوم البروسيين! “خسرنا كل شيء إلا الشرف” من آخر ما قاله نابوليون في أرض المعركة!نابوليون بونابارت غير وجه أوروبا و روح العسكرية والاستراتيجيا!قوته في السرعة، المباغثة، الجرأة والمناورة!بدأ بالصدفة، مغمورا غير معروف؛ انتهى مهانا منفيا!سلم نفسه لأعدائه الإنجليز معتقدا أنهم سيكرمونه!لكنهم لم يثقوا أبدا في وحش أوروبا القادر دائما على الانبعاث من رماد هزائمه!

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41

حملة ضد العربات المجرورة