هل يمكن إنشاء "إسلام فرنسا"

هل يمكن إنشاء "إسلام فرنسا"
صورة : أرشيف
الثلاثاء 26 يناير 2021 - 01:46

في الثاني والعشرين من يناير 2021، نشر الأستاذ أحمد الريسوني على موقعه الرسمي مقالا تحت عنوان “اللقاح الفرنسي ضد الإسلام..!” يحدد فيه موقفه من الميثاق الذي اتفقت على إصداره ست هيئات من أصل تسع يتكون منها “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” (Conseil Français du Culte Musulman).

يحتوي “ميثاق المبادئ” الذي اعتبره الأستاذ الريسوني داءً أفرزته فرنسا “لمحاربة الدواء” (أي لمحاربة الإسلام) على عشر توصيات يتعهد باحترامها كل إمام بفرنسا وكل الجمعيات الإسلامية المنضوية تحت لواء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

بداية يجب التذكير بالنزاعات العلنية التي رافقت مخاض هذا الميثاق وأن ثلاث هيئات إسلامية بالمجلس لم تتبناه. اعتبرت أن بعض تعهداته “تُضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة” وتعترض خصوصا على ما ورد بالنص من منعٍ للتدخلات الأجنبية في شؤون الإسلام الفرنسي وكذلك ما ورد به من توجيه أصابع الاتهام لما يسمى “الإسلاموية” أو “الإسلام السياسي”. واعتبرت هاته الهيئات الثلاث أن “بعض العبارات الواردة في الميثاق تمس شرف المسلمين ولها طابع تهميشي”.

تَسارع أغلبُ المراقبين لإصدار حكم مسبق: “اتفق مسلمو فرنسا على ألا يتفقوا”. وقد ينساق القارئ لتعميم هذا الحكم فيقول بأن موقف الأستاذ الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يؤكد هاته النزعة العريقة القائمة على التشتت والتمزق منذ ما عرف بالفتنة الكبرى. أعتقد أن مثل هاته الأحكام الجاهزة لا تتقدم بنا نحو تقييم موضوعي وهادئ لما أنتجته قريحة هيئات منخرطة في إنشاء “إسلام فرنسا”.

لنقل أولا إن المواثيق لا تُلزِم سوى الموقعين عليها والمتشبثين بها لأنها ليست قانونا يعاقب الذين لا يحترمون بنوده. لا قانون يجبر أئمة المسلمين، ولا أي مسلم هنا في فرنسا، على التقيد بما ورد بهاته الوثيقة. والأمانة الفكرية تدفعني للاعتراف بأن الميثاق يحتوي على تعهدات جريئة لرجال الدين المسلين بفرنسا الذين أشرفوا على تحريره. لكنهم ظلوا وسيظلون، للأسف الشديد، مقيدين بما يشكل معضلة المعضلات عند كل المسلمين، منذ نشأة هذا الدين ولربما إلى يوم الدين.

ينص هذا الميثاق على مبادئ لم نعتد عليها عند أهل الدين من المسلمين:
مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، مبدأ حرية العقيدة والضمير واحترام المرتدين عن الإسلام والمعتنقين منهم لدين آخر دون التشنيع بهم أو تحقيرهم أو تخوينهم، اعتبار أن التكفير مخالف لقيم الإسلام وأن الغلاة أو المتطرفين يعتمدون على مفاهيم عدوانية ليحرضوا على العنف والانفصالية من بينها مفهوم “الولاء والبراء” ومفهوم “التكفير والهجرة”. يعتبر الميثاق أنها ليست من مفاهيم الإسلام وأن القائلين بها محرضون على الضغينة والتفرقة والتمييز بين المواطنين. بكلمة موجزة، يعتبر محررو الميثاق أن “القيم الإسلامية تتوافق كل التوافق مع مبادئ القانون بالجمهورية”.

بعد قراءة هذا الميثاق ذي العبارات الواضحة جدا، لا يسعني سوى أن أتساءل: هل يكفي أن تحرر نخبة مسلمة ميثاقا يَعتبر أن كل ما يزعجنا ويقلقنا ليس من الإسلام ليتغير حال الدين الإسلامي؟

أعتقد أن أصل المعضلات التي تنغص حياة المسلمين بفرنسا وبكل الدول الإسلامية يكمن في معتقد ومبدأ لا مفر لهم من مراجعته، إن هم أرادوا التحرر من قيدهم الفكري وبالتالي إنشاء “إسلام فرنسا” المختلف عما سلف: القرآن كلام الله الذي تعالى وقرر ألا يخاطب أحدا من البشر.

فلما يدعو القرآن إلى الجهاد في سبيل الله بالنفس والنفيس لا يمكن لأحد أن يستنكر هذا ويسأل الله: هل كنت في يوم من الأيام بحاجة لمخلوقاتك الضعيفة لتجاهد في سبيل إعلاء كلمتك؟

أعتقد أنه بإمكان المسلمين أن يفنوا كل أعمارهم في الاجتهاد والاقتصاد دون أن يتمكنوا من تغيير ولا آية وردت بما خطه السابقون بالمصاحف، التي وصلتنا والتي تدلنا على الولاء والبراء وعلى عدم مساواة المرأة للرجل وتعتبر أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس، تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر دون أن تستنكر، ولا مرة واحدة دعوته الصريحة إلى الجهاد.

فالأمانة الفكرية تُجبرني على الأمر بالمعروف وعلى مصارحة أخينا الريسوني في الإنسانية لأقول له: إنه لمن المنكر ألا تتقيد بما ورد بالميثاق لما كَتَبْتَ: “وتتضمن هذه المبادئ: إقرار أئمة المساجد بفرنسا، بأن مبادئ هذا الميثاق تعلو وتتقدم في الاعتبار على معتقداتهم ومبادئهم الدينية”.

فمحرروا هاته الوثيقة كتبوا شيئا آخر كديباجة. وهذا نصها بالفرنسية وبالعربية:

Préambule

Nous proclamons solennellement notre adhésion à cette charte destinée à préciser les fondements de notre mission en lien avec les valeurs républicaines. Ce faisant, nous réaffirmons d’emblée que ni nos convictions religieuses ni toute autre raison ne sauraient supplanter les principes qui fondent le droit et la Constitution de la République.
Aucune conviction religieuse ne peut être invoquée pour se soustraire aux obligations des citoyens.
Cette “charte des principes” vise à tracer les valeurs à transmettre aux fidèles et à partager avec eux, dans le respect des lois de la République et de l’éthique islamique.

[نعلن رسميًا التزامنا بهذا الميثاق الذي يهدف إلى تحديد أسس مهمتنا وعلاقتها بقيم الجمهورية. بهذا ومنذ البداية نعيد التأكيد على أنه لا يُمكن لا لقناعاتنا الدينية ولا لأي مبررات أخرى أن تحل محل المبادئ المؤسسة للقانون ولدستور الجمهورية.

لا يمكن التذرع بأي قناعة دينية للتهرب من التزامات المواطنين.

يهدف “ميثاق المبادئ” هذا إلى تحديد القيم التي يجب تلقينها للمؤمنين ومشاركتهم إياها مع احترام قوانين الجمهورية والأخلاق الإسلامية].

خلاصة القول هي أن بعض الممثلين للمسلمين في فرنسا يجدون أنفسهم اليوم مضطرين للتنكر لما ورد بمصحفهم ليعتبروا أنه لا يتعارض مع مبادئ وقيم الجمهورية. لكن واقع الحال لا يخضع لما تُنشئه هيئة ونخبة مسلمة بباريس لأن نص القرآن سيظل معارضا لتمنياتهم ولأنه لا ينص على مبدأ حرية الضمير والكفر ولا بمبدأ المساواة بين أمهات المومنين ومن يحق لهم أن ينكحنهن مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أموال المترفين منهم ولا بمبدأ الأخوة بين المسلم والكافر بالله.

لن تتغير أحوال المسلمين بفرنسا حتى يغيروا ما بأنفسهم، بإرادتهم. فالإرادة والجرأة والعزيمة على التغيير هي ما ينقصهم.

‫تعليقات الزوار

7
  • هشام من ديترويت
    الثلاثاء 26 يناير 2021 - 22:35

    اللي فشي مدينة يمشي على دينا و حنا فالديترويت جينا بعاد على فرنسا و الحر بالغمزة و العبد بالتبعية لفرنسا

  • بحر بلا شاطئ .
    الثلاثاء 26 يناير 2021 - 23:08

    غريب أمر الكاتب فهو من جهة يعترض على موقف الأستاذ الريسوني من الميثاق ومن جهة أخرى يقره في رأيه. ففي الوقت الذي ينكر على الريسوني قوله أن أي قيم لا يجوز القبول بها قيما فوق القيم الإسلامية بالنسبة للمسلم في نفس الآن يقر بأن البيان مجرد إنكار يحاول التبرأ من عقيدة النص التي فسرها الأولون والتي تعجز أي محاولة في الإلتفاف عليها قاعدة وحيدة وواحدة للولاء والبراء . بل إن الكاتب يقر بأن المسلمين لايمكنهم تعديل الصريح من النص حتى لو افنوا كل عمرهم سعيا وراء هذا المنشود المستحيل . ويقر بأن البيان لايعني إلا الموقعين عليه لأن الآيات التي تعززه جميعها نسخت بعد الهجرة للمدينة . أمام هذه الأبواب المغلقة لايجد الكاتب إلا حلا واحدا لمح له دون أن يكشف عنه .

  • بحر بلا شاطئ .
    الأربعاء 27 يناير 2021 - 10:10

    في محاولة لإعادة قراءة النص الديني بما يتوافق مع روح العصر ينكب مجموعة من المثقفين على تقديم مجموعة من الحلول لعل أهمها الدعوة لتجفيف منابع الإرهاب في فقه السلف وعدم الأخد بالأحاديث أو الإجتهادات التي لاتجد لها سندا من النص . القرآنيين يذهبون لأبعد من ذالك فينكرون كل السنة إلا المتواتر منها جمعا عن جمع ويعتبرون غيرها مجرد حشو وضاعين من عهد الخلافة الأموية والخلافة العباسية . فريق ثالث يدعوا لإسقاط الحركة التصحيحية اللوتيرية عموديا وتبنيها بالكامل وهو ما لايمكن الأخد به لأن حركة الراهب مارتن لوتر جاءت دفاعا عن القيم المسيحية الخالصة كما قال بها المسيح وضدا عن البدع المنسوبة كذبا للمسيح . وهو ما يستحيل تنزيله لا أفقيا ولا عموديا على القيم الإسلامية لأن المعضلة الهيكلية كفيلة لوحدها بنسف أي قول فكيف بالإصلاح .

  • بحر بلا شاطئ .
    الأربعاء 27 يناير 2021 - 15:32

    إن إصلاح أي منظومة متجاوزة لايمكن أن يحقق المراد منه متى ما لم تتوفر شروط الإصلاح كاملة دون سيف رقابة أو وصاية . فاامنظومة الأخلاقية وعلى سبيل المثال التي ترفض إيمان الشاذ لمجرد الشذوذ تلغي من حساباتها قانون القدرية التي تلاعبت بهرمونات الذكورة أو الأنوثة وسريتها في إتجاه المثلية القهرية ففي نهاية الأمر لا أحد يستطيع محاربة الجبلة وغلبة تفريغ الرغبة سوية كانت أو لم تكن . فالله من أسماءه العدل في الإسلام والآب في المسيحية وهي صفات تكفي لوحدها صك براءة لكل فعل ساير التصميم .

  • I am what I am
    الأربعاء 27 يناير 2021 - 16:34

    الكائنات الخبيثة التي غرمها القضاء الفرنسي وحكم عليها بالسجن مع وقف التنفيذ لعنصريتها ضد بني جلدتها من الأقليات المسلمة والتحريض ضدها هي لا تستحق إلا الازدراء المطلق …

  • Yassine
    الخميس 28 يناير 2021 - 00:59

    les musulmans en France pratiquent leur religion en accord avec leurs convictions, ils n’accepteront jamais que l’état ou quiconque d’autre vient leur casser les pieds, ou essaye de leur donner des leçons de citoyenneté.
    C’est des textes de loi complètement inutiles et qui servent uniquement à séduire l’électorat de l’extrême droite

  • بحر بلا شاطئ .
    الخميس 28 يناير 2021 - 10:11

    ثمانية ملايين عانس في المغرب، عشرة ملايين عانس في الجزائر ، ثلاثة ملايين عانس في تونس ، أربعة وعشرون مليون عانس في مصر ، ولا واحدة من جيش العوانس هذا الملايين يمكن أن تقبل أن تحفنها حفنة من تمر لتمكنك من وطئها ، لأن الزمن غير الزمن والعقلية غير العقلية والإكراهات الإقتصادية غير الإكراهات . لذالك وإعمالا للعدالة الاجتماعية الجنسية بين مواطني المنطقة يجب تنزيل قانون الحريات الجنسية والسماح بالعلاقات الرضائية لأنه لامفر وإلا أصبحنا بعد عقد أو عقدين من الآن تعاني من انعكاس الهرم المبياني لعدد السكان بعد أن تصبح قاعدته لرجال ونساء فوق السنين . فهناك الكثير من النساء المقتدرات ماديا ورغم ذالك لازلن بعذريتهن رغم أنهن قادرات على الإعالة لو سمحت لهم الدولة بالإنجاب خارج مؤسسة الزواج .

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات