واقع الكتاب المدرسي: الإنجليزية نموذجا

واقع الكتاب المدرسي: الإنجليزية نموذجا
الإثنين 20 أبريل 2009 - 17:03

في إطار لغط الإصلاح الدائر بالمغرب صار من المعقول التساؤل حول هذا النظام، بل صار من الضروري معرفة كنه نظام حساس هو بمثابة قناة بلورة سيمر عبرها كل شباب اليوم الدين هم بالطبع رجال الغد الدين سيكون عليهم مواجهة صعاب الحياة بما فيها الشخصية و الأسرية و المحلية و الوطنية و حتى العالمية.


إن النظام التعليمي ببلادنا تحكمه إرادة معينة، و هذه الإرادة تظهر جليا في المقررات الدراسية التي تعكس مكوناتها أهداف من أنجزها و تحت رعاية أية مظلة تم انجازها، اعتمادها، و تبنيها. كبادرة حسنة، و دائما في إطار فهم جوهر النظام التعليمي ببلادنا، يبدو أنه بالإمكان اخذ العبرة من احد ابرز مكونات أي نظام تعليمي، انه “الكتاب المدرسي” الذي صار مع مقاربة التدريس بالكفايات والأهداف المصدر الوحيد للمعارف. و بإمكاننا ضرب أمثلة عن محتويات بعض الكتب المدرسية، من باب الاستقصاء و التوضيح، إذا ما أردنا أن نرفع بعض الغموض و التشويش عن الفهم الطبيعي للواقع التعليمي و أهداف الإرادة التعليمية العامة، و ذلك بالطبع من اجل نقد بناء.


إن أفضل مزود بالمعارف الأساسية لفهم نوع التعليم ببلادنا و الإيديولوجية المحددة له و لأهدافه هو الكتاب المدرسي. فالكتاب المدرسي مرآة لا تعكس إلا الصورة الحقيقية للخطوط العريضة التي يتقيد بها من توكل إليهم مهام صياغة الدروس التي تحتويها المقررات الدراسية و التي تحدد قصرا نوع و شكل و هدف محتويات الكتب المدرسية. و اقرب مثال عن التدهور الذي لحق بالمقررات الدراسية هي مقررات مادة اللغة الانجليزية، ناهيك عن كتب الإسلاميات و اللغة العربية. فكتب اللغة الانجليزية هذه، مليئة بالأشياء التي لا تصدق من مثل كونها مكدسة بثقافة غربية محضة إلى جانب ثقافة وطنية لا تحترم جميع مكونات الوطن البشرية و اللغوية و الثقافية.


فيما يخص الثقافة الغربية، تتميز كتب اللغة الانجليزية بكونها تدعو المتعلم في الكثير من النصوص و الحوارات إلى تغيير طريقة فهم الأشياء و المواضيع العامة. إنها تدعوه إلى تبني – كمتعلم – الكثير من الأفكار التي غالبا ما تكون ليس لا بد منها، مثل تقليد الآخر و التفكير مثله، خصوصا و أن وجهة نظر الأوربي أو الأمريكي لا تتفق بالضرورة مع المكونات الثقافية و السوسيولوجية للمتعلم المغربي نظرا لانتمائه لثقافة و جغرافية و جنس مختلف. يعتمد كتاب اللغة الانجليزية المفاهيم الغربية كأساس و يبقي الإسلام و العروبة و الامازيغية جانبا. إن المبدأ الأساس في كل نص أو حوار في كتب اللغة الانجليزية ليس هو أبدا تعلم كيفية التعبير بصيغة انكلوفونية عن الثقافة المحلية الإسلامية العربية و الامازيغية و إيصالها للآخر، بل هو نفي كل المكونات الثقافية للانا و الارتماء في أحضان الثقافة الغربية بكل أصنافها.


إن كل الحوارات و النصوص و المواقف التي تملئ الكتاب المدرسي ينظر فيها إلى الحضارة الغربية –انجلترا، أمريكا، ألمانيا، استراليا- كما لو أنها حضارة سامية (من السمو)، و كل الشخصيات الغربية أساسية في النصوص، بينما تكتفي الشخصيات المغربية بالتمثل بهم و موافقتهم الرأي في كل مجالات الحياة، أما الإسلام و المسلمين فلا مكان لهم ضمن هذه المقررات، و حتى إذا ما صادفنا نصا حول عيد الأضحى فان “التضحية” بكبش املح نجدها بدلت “بقتل” كبش وديع. لقد أقصي الإسلام و المسلمون من الدرس الانجليزي و اوتي ب ‘البيتزا’ و ‘م.ب.3’ و ‘اي.بود’ و ‘البارتي‘ و ‘دانسين’ و ‘ميوزيك’ و ‘شوبينك’ و ‘تايت كلودز‘ و ‘سيلين ديون‘ …


إن الحضارة الإسلامية و أعلامها ليس لهم وجود البتة في مثل هده المقررات. و كل الوجوه و الأسماء السائدة، في الحقيقة، ليس لها علاقة أبدا بالأدب و الآداب و الأخلاق و العلم و المنفعة، و لا يستحسن أبدا الاقتداء بهم في العديد من الميادين. ففي العديد من الصور يقف المغربي بزي الراعي أو الفلاح جانب صديق دراسته الأمريكي أو الانجليزي، فيتحدث المغربي مثل الانجليزي عن هواياته و أنواع أكلاته المفضلة و ملابسه، وغالبا ما يكتفي بذكر بعض الأشياء الغبية من مثل “أنا أحب الكسكس،” أو “أحب السفر إلى مراكش و اكادير في عطلة الصيف.”


أما الأصل في كل النصوص، رغم ما تحتويه من ثقافة مغربية مكدسة بالقوة فيه و بالإرادة، فهي الثقافة الغربية التي جاءت مع الإصلاح في شكل جديد و ضمني. فكل الثقافة التي يحتويها الكتاب هي في الأصل مستمدة من الغرب وان كانت تقدم باسم شخصيات مغربية أو محلية. و المشكلة الكبرى هي انه في هذه الكتب لا يوجد مكان للعلماء و المفكرين و الأعلام العرب و المسلمون. حيث تنتشر صور كناوة، و شيوخ الأطلس، و الزهوانية، و هشام الكروج، و ايمينيم، و مايكل جاكسون بكثرة و يطغى على مضمون الكتب أسلوب الاعتزاز بالموروث الثقافي ‘المحلي’ مع الانفتاح الكامل على كل ما هو غربي. لقد تم تغييب العنصر الإسلامي و العربي و الامازيغي قطعا.


بالإضافة إلى ذلك، يتدرب التلاميذ في مادة اللغة انجليزية، ليس فقط على استخدام عبارات ثقافية عامة تفيد في الكثير من جوانب الحياة، إنما تدخل الايدولوجيا بشكل تافه لتحول الحوارات في الأمكنة العامة، مثل محطة الاوطوبيس، أو في مؤسسة، أو عند الحلاق، أو في المطعم، لتحول الحوار إلى ما قامت به الحكومة من مجهودات في إطار محو الأمية أو إنشاء جمعية خيرية ميكروسكوبية تتكفل باليتامى بمدينة ‘ولاد فرج’ كمثال.


إذا كان المتعلم في كل المواد يركز على مثل هذه الأشياء بدل الاستفادة الفعلية من العلم الذي يتلقاه في حياته اليومية، فماذا سيكون عليه شكل أبناء الغد الموعود؟ كمثال على كل ما قيل لنأخذ كتاب السنة الثانية باكالوريا للانجليزية و ننظر فهرس الكتاب و ما يتكون منه من وحدات. ربما نستغرب أكثر إذا راجعنا محتوى كل وحدة على حدة، لكون العنوان يموه أحيانا.


*أستاذ وباحث من المغرب

‫تعليقات الزوار

4
  • عابر سبيل
    الإثنين 20 أبريل 2009 - 17:11

    درست الانجليزية لمدة ثلاث سنوات في المغرب. و لم أتعلم سوى How are you? I’m fine
    أما الهولندية فقد تعلمتها في هولندا في ظرف 8 أشهر.واتكلمها الآن احسن بكثير من الفرنسية التي درستها من الابتدائية حتى الجامعة.

    خلاصة القول: تعليم اللغات عندنا في المغرب ليس ناجحا, السبب: غياب استراتيجية بيداغوجية واضحة تركز على كفاءة التلميذ عوض الاعتماد على الفروض المدرسية “المتخلفة” لتقييمه.

  • عبدالرحيم
    الإثنين 20 أبريل 2009 - 17:07

    أنا درست الانجليزية لمدة خمس سنوات، كنت اخد أساسيات اللغة من المدرسة، و أكمل من الانترنت و من التلفزيون ك bbc. و BBC RADIO . و العديد من المصادر حتى صقلت لغتي الانجليزية، نصيحة الى كل من أراد أن يتعلمها أن لا يعتمد اعتمادا كليا على النظام المغربي و يحاول أن يدرس و يتعلم من المصادر الام و الانترنت أفضل مكان.

  • عزوزي
    الإثنين 20 أبريل 2009 - 17:09

    أشكركفي البدايةعلى تناول قضية الكتاب المدرسي وفضح المستور فيه ولعل المغرب وهو يدخحل التعددية في الكتب المدرسية سقط في متاهةمن يحق له التأليف في هذا المجال وبالطبع أسندت المهمة لمن لا علاقة له بالبيداغوجيةوالعلم حيث تولى الأمر جماعة من المفتشين الذين تجاوزتهم الأحداش وتعفنوا في المقاهي والبزنيس والساعات الإضافية. ونتيجة لذلك دخل الكتاب المدرسي الى عالم التجارة من بابه الواسع حيث يوجد في كل أكاديمية كتابين في كل مادة وكل سنة يفرض على الأستاذ أن يغير الكتاب السابق حتى يثقل كاهل الأب ويضمن أرباحا للمؤلفين ويحرم على الأخ وراثة كتاب أخيه وهكذا ففي بداية كل سنة دراسيةيكلف المفتش نفسه عناء زيارة المؤسسات ليخبر الأساتدة بالكتاب المعتمدوبعد ذلك ينصرف الى حال سبيله.ولعلي لن أكون مبالغا اذا قلت بأن كل الكتب المدرسية الحالية لا تستحق الا أن تكون فوق رفون بائعي الزريعة والطايب وهاري لكثرة ما فيها من أخطاء لاتشرف هذا البلد.صاحب القال تكلم عن كتاب الإنجليزية وفاته أن يذكر بأن الصفة 64 من مقرر الجدع المشترك ورد بها خطأ لو كنا فعلا في بلد الحق لكلفت الدولة نفسها عناء بناء تازمامارت من جديد لتدفن فيه هذه الطغمة من الإنتهازيين الى الأبدلأن الخطأ يتعلق أساسا بمساحة البلادالتي قزمها هؤلاء الأندال الى 446556 كلم مربع بدل 716000 كلم وهي المساحة بالتمام للصحراء المسترجعةالتي تيتم المغاربة وجاعوا من أجلهاوقطعت الحكومة من أجلها العلاقات مع فنزويلا.ومع ذلك لم نسمع من مسؤول واحد يندد ولم نسمع عن تكوين لجنة لتقصي الحقائق ولم تكلف الوزارة الوصية نفسها عناء إصدار منشور لتصحيح الخطإوكأن مساحة الوطن ليست مقدسةأو أقل قدسية من النشيد الوطني الذي لما قطع بأحد الملاعب الجزائرية استدعى المغرب سفيره للتشاوروطلب من الجزائر الاعتذارففعلت.وإذا كانت هذه كتبنا المدرسية فلا تسألوني عن أحوال تلامذتنا التائهين بين مسلسلات الإصلاحات والذين تم تحويلهم الى فئران المختبرات .

  • رشيد فاس
    الإثنين 20 أبريل 2009 - 17:05

    كاتب المقال استاذ حسب ما ذكر، ولابد أن الاساتذة هم من يعنيهم أمر الكتاب المدرسي قبل التلاميذ وقبل الآباء الذين غالبيتهم يجهلون أمور التربية والتعليمن لأنهم ببساطة تم تجاوزهم بمستجدات المقررات والمناهج التعليمية، ولأنهم يخوضون في أمور دنيوية أخرى. فالأستاذ الذي يشتكي هو في رأيي مسؤول عن الوضع، ليس المفتش، علما أنني أكره هذا المصطلح وأحبذ تعويضه بالمرشد التربوي لأن التفتيش يحيل على مفهوم الترهيب وعدم الثقة ويوحي البحث عن الغش وبالتالي العقاب، أقول الاستاذ هو المسؤول وأقصد ذلك الكائن الهلامي الذي يشتغل في حقل التربية والتعليم، نقابات رجدال ونساء التعليم لها من القوة ما تهد بها ليس فقط كتابا مدرسيا او مقررا او تعسف ادارة أو غيره بل ايضا كل ما يتعارض مع مصلحة المربي والمعلم و…التلميذ وأشدد على التلميذ، من يدافع عن التلميذإذا غاب الاستاذ؟ بل الأستاذ أجدر وأقوى على ذلك، ولكنه تخلى عن هذا الدور فسقط في دوامات البيروقراطيات الادارية التي أغمضت الأعين عن التربية، وفي المتاهات النفعية في الحصص الاضافية والمضاربات في نقط التلاميذ وتنقيطهم، حتى أصبحت النقطة أقصى ما يطمح اليه التلاميذ والآباء على حد سواء.
    فليعذرني الشرفاء من الاساتذة والغيورون منهم فلولاهم لهدمت مدارس وأقسام ومعاهد منذ زمن، وهم غرباء بين الكل ولكن طوبى للغرباء، ففي الدنيا مشكورون وفي الآخرة مأجورون …
    آفة الآفات الساعات الاضافية، وهي ليست إضافية ولكنها رواتب اضافية على حساب سذاجة أمة لن تسامح،

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات