جزيرة غوري السنغالية .. "عاصمة آلام" تشهد على الأعطاب في القيم الإنسانية

جزيرة غوري السنغالية .. "عاصمة آلام" تشهد على الأعطاب في القيم الإنسانية
صور: هسبريس
الخميس 25 غشت 2022 - 02:00

عاصمة للألم قائمة إلى اليوم غيرَ بعيد عن العاصمة السنغالية دكار، تشهد على توحُّشٍ إنساني يتكرّر كلما غُضّ الطّرف عن “إنسانية الآخر”، وكلما توُوطئ على التسليم بالقائم من الأوضاع أو بحسابات المنفعة دون اعتبار معيار أخلاقي.

جزيرة غوري، التي صارت اليوم مزارا عالميا، كانت لأزيد من ثلاثة قرون أكبر محطة لجمع “العبيد السود”، من القارة الإفريقية، قبل إعادة توزيعهم لأعمال السخرة والاستغلال، لا لشيء إلا للون البشرة، وأقدار الجغرافيا، والتاريخ الذي مكّن لغيرهم.

جرح الإنسانية الغائر هذا يتجسّد في السنغالِ جزيرةً، توالى على استغلالها برتغاليون وهولنديون وفرنسيون، نقلوا عبرها ما يتراوح بين 15 مليون إنسان و20 مليونا.

هذه الجزيرة المثقلة بالألم تحضر فيها “دور للعبيد” أو سجونٌ ضيقة بالأحرى، داخل سجن الجزيرة الأكبر؛ فقد اختيرت غوري لبعدها عن اليابسة، وكدّس البشر فيها بناء على “نفعهم” المادي، كأي بضاعة أخرى: الرجال في غرفة، الأطفال في أخرى، العذراوات لوحدهن، وللعصاة سجن مظلم لا نافذة له يتطلب دخوله الحبو. أما المرضى، في زمن الجائحة، فالبحر مثواهم الأخير.

في إحدى الزنزانات التي لا تكفي مساحتها لوضع سريرين منفردين، تكدس عبر قرون 15 إلى 20 شخصا، لا “يحررون” إلا مرة واحدة لقضاء حاجتهم، قبل إعادتهم إلى “قدرهم”.

زنزانة أخرى أطول، لكن عرضها لا يتجاوز المتر، تكدس فيها أطفال، لا ذنب لهم، في أعين بني جنسهم، إلا لونُ بشرةٍ وانتماء إلى أرض “أدنى قيمة”.

في “بوابة اللاعودة”، على بعد خطوات مِن زنزانات قطنَها غيرُ مُذنبِين، شهادة أخرى على المدى الذي يمكن أن يصله توحُّش الإنسان.

هذه البوابة المطلة على بحر الجزيرة رمي عبرها أناسٌ مرضى، أثقلت أقدامهم بكرة معدنية، حتى لا ينقلوا عدوى “الجائحة” إلى باقي “العبيد”.

هذا المرض لم يكن وراثيا، بل كان نتيجة ظروف غير صحية وغير إنسانية كدّست فيها أجيال من الناس، من دول مختلفة، ولون واحد.
وكلما ظن زائر الجزيرة أنه اكتفى من الألم، تزيده أسوارها “دقّات”… ففي مفارقة حية، شهادة أخرى على ما يمكن أن تصله اللاإنسانية؛ فمباشرة فوق “دار العبيد” المتبقية، كان مسكن المتاجرين بهم؛ فبينما تكدّس الأطفال والنساء والرجال في زنازين، كانت تُقرَع الكؤوس فوقهم، وتتوالى الأحاديث، وينام “إخوان في الإنسانية”.

ميناء غوري أعلنته، سنة 1978، منظمة “اليونسكو” موقعا للتراث العالمي، وتكثر فيه، اليوم، آثار عبور شعراء ورؤساء دول وسياسيين وفاعلين عالميين بارزين، صورا أو كلمات، لكن تبقى السجون الصامتة، والسلاسل، والأبواب التي عبرها أبناء للقارة الإفريقية لآخر مرة، أصخب صوتا.

صوت الألم المتردد عبر الجزيرة يحكي قصة: إنسانٌ استعبدَ إنسانا، عدّه بضاعة تقاد بالسلاسل، تباع، تشترى، تستبدل، أو تقتل.

لكن، رغم اعتبار “الجزيرة” موقعا للذاكرة، ذاكرةِ تاريخ مظلم للإنسان يحضر بأوجه متعددة في أنحاء العالم، إلا أن درس غوري ليس ماضيا، بل هو دعوة للتفكير في راهننا، و”هل نحن محصّنون من التوحّش؟”، وتذكرة مستمرة بما يمكن أن يصل إليه الإنسان إذا ما ترادفت المصلحة والعمى، وحضر التواطؤ، وغير قليل من القوّة.

‫تعليقات الزوار

12
  • Sadik YEMLAH
    الخميس 25 غشت 2022 - 02:38

    الشكر الموصول لكاتب المقال. في رأيي، العبودية لم تنته بعد. كلما هنالك هو أنها وضعت بعض الأقنعة الملونة.

  • bimo
    الخميس 25 غشت 2022 - 02:43

    ومع ذلك ولا دولة إفريقية واحدة لحد الآن رفعت دعاوى قضائية ضد هذه الدول وطالبتها على الأفل بالاعتذار وبتعويض أحفاد الضحايا ماديا … بل الأدهى من هذا أن هؤلاء المستعمرين ما زالوا يمتصون دماء الأفارقة حتى يومنا هذا ، ويسلبونهم خيراتهم عن طريق حكامهم ، الذين ماهم في الأصل سوى أذناب تابعة للغرب ، تأتمر بأمره ، وتضمن البقاء في السلطة بتزكيته .

  • ALI NAIT OMAR
    الخميس 25 غشت 2022 - 02:44

    في عام 1677، استحوذت فرنسا على السيطرة على ما أصبح نقطة انطلاق صغيرة في تجارة الرقيق الأطلسي – جزيرة جوريه بجوار داكار الحديثة، وتستخدم كقاعدة لشراء العبيد من الممالك المتحاربة في البر الرئيسي. قدم المبشرون الأوروبيون المسيحية إلى السنغال وكازامانس في القرن التاسع عشر…….

  • مهاجر
    الخميس 25 غشت 2022 - 04:03

    لا يسعنا إلا أن نقول .. الحمد لله على نعمة الإسلام و كفى بها نعمة

  • متابع من السينغال
    الخميس 25 غشت 2022 - 04:51

    ولماذا تتردد في تسمية الامور بمسمباتها وتدور حول الكاس كما يقال. لماذا لا تسمي تجار العبيد بالاوربيين المستعمرين المتوحشين والبلاد التي نقل اليها هؤلاء الأبرياء المساكين اطفالا ونساء ورجالا هي امريكا لكي يستغلوا بوحشية لم تراها الانسانية لا من قبل ولا من بعد في الاعمال الشاقة الي ان يموتوا من شدة العذاب. كن امبنا شجاعا وسمي الامور بمسمياتها.

  • لم يتغير
    الخميس 25 غشت 2022 - 06:04

    القوي يأكل الضعيف
    هناك من يأكله بالوحشية وهناك من يأكله بالحيلة وربما اقنعه بشعارات لا للتمييز لا لكذا ويأخذ خيراته مقابل لقمة خبز ليبقي على تدفق الخيرات اذا هرب صوب خيراته امر دركييه بضربهم بالنعال والرصاص
    ذهب الاستعباد الفردي جاء استعباد الدول ومن يريد الحرية يسلطون عليه الاستبداد والمستبد ايضا “عبد” لكن بدرجة “خادم” ثم قال نحن هنا لمحاربة المتطرفين وقتالهم وارجاعهم الى تورا وراء نهر بورا بعيدا عن الغاز واليورانيوم والابقار السمينة كلما فكر “الخادم” في تغيير “السيد” يكون الجواب بالمتطرفين والانفصاليين او افتعال قضية اخرى بما ان صاحب الاعلام و الدنانير التي تشتري ذمم الاعلام وابناء اخوالهم
    وربما عاد اليهم و افتعل لهم تجمعات عقوقية تبحث في حق القطط في التجول في الساحات مثلهم مثل الطيور والارانب ليصنعوا لهم جدالات القطط الطائرة متقدمة و الطيور المقططة رجعية او الودادي والرجاوي بعيدا عن تورا وراء نهر بورا

  • عبداللطيف
    الخميس 25 غشت 2022 - 06:29

    مقالكم رااااائع جدا شكرا لهذا التذكير

  • عبدالله
    الخميس 25 غشت 2022 - 07:36

    شروط العمل الحالية واستهلاكها لمعظم وقت الانسان مقابل أجر بخس لا يضمن للانسان العيش الكريم تعتبر في مقام العبودية المنظمة، حال الانسان في وقتنا الراهن لا يبشر بالخير ، اليوم كذلك يجري “الأحرار” بمقياس عصرنا ،ويشترون صك عبوديتهم ويؤدون ثمن عبورهم في قوارب مكتظة تضمن الموت قبل الحياة ، أليس ذلك شكلا أبشع أن ييأس الناس من بلدانهم وأن يضحوا بالغال والنفيس من أجل أن يخوضوا رحلة الموت للوصول الى الصفة الأخرى والتي يعامل فيها الانسان نوعا ما كانسان

  • محمد
    الخميس 25 غشت 2022 - 08:01

    أوروبا لم تترك في إفريقيا إلا آلاما و تاريخا أسودا من العنف و الإضطهاد للشعوب. هؤلاء اللذين يعتبرون أنفسهم متحضرين و يعطوننا دروسا في التحضر، كانوا و لا يزالوا مصدر كل مشاكل العالم. يفقرون الشعوب الأفريقية و يقولون عنها متخلفة، ينهبون ثرواتها و يسلحون الإرهابيين لزعزعة استقرارها و قتل شبابها. هذه هي أوروبا اللتي يحلم شبابنا المغربي بالعيش فيها، مرتع الفساد بكل أنواعه. لكن التاريخ علمنا أن دوام الحال من المحال، و إفريقيا قادمة لا محالة إن شاء الله.

  • يوسف
    الخميس 25 غشت 2022 - 08:23

    بمجرد خروج الحضارة الإسلامية من الأندلس واكتشاف أمريكا، انطلقت أسراب الطيور الضارية والوحوش المفترسة الى القارات فنهبت وقتلت واستعبدت الملايين من البشر، والباقي تعرفونه. لكن، ما الذي تغير!!؟ لا شيء إلا المظاهر الخارجية واختلاف الوسائل. كان الدين وبعده جمع الثروات بأي طريقة، أما الآن فبدأ الأمر بالاستثمار وبعده نشر « الديموقراطية» مع نهب ثروات كل البلدان. ولن يتغير الامر إلا بإذن الله تعالى!

  • ملاحظ
    الخميس 25 غشت 2022 - 13:57

    ان افريقيا اصل الانسانية، لازالت تعاني الويلات ليس من طرف المستعمر الذي تقمص اشكال اخرى في السيطرة على البلاد والعباد بل زرع فيها جلادوه من ابناء افريقيا انفسهم، الذين استعبدو اخوانهم بلا رحمة واذاقوهم اصنافا ودروبا من التنكيل والاسغلال،وللاسف فانه لا يلوح في الافق خلاصهم منه بدليل ما نراه من الهجرة نحو الضفة الاخرى وقوارب الموت والحروب وتنامي العصابات الاجرامية والارهابية بشتى اصنافها، انه لمن المؤسف ان تستمر قارتنا مهد الانسانية على ما هي عليه.

  • صحراوى حر
    الخميس 25 غشت 2022 - 14:37

    تشبه قلاعها قلاع مدينة الجديدة المغربية وكلاهما استعمر لقرون من البرتغال

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات