كتاب يرصد البعثات التعليمية في عهد السلطان الحسن الأول

كتاب يرصد البعثات التعليمية في عهد السلطان الحسن الأول
السبت 19 دجنبر 2015 - 01:38

صدر كتاب “البعثات التعليمية في عهد السلطان مولاي الحسن” عن منشورات الزمن في نونبر 2015 بقلم الدكتور جمال حيمر، تناول فيه الباحث فترة هامة في تاريخ المغرب المعاصر تحيل إلى صلب إشكالية التقدم والتأخر التي طرحت في القرن التاسع عشر. وذلك من خلال تسليط الضوء على المناخ الثقافي والفكري الذي هيّأ ظرفية بروز فكرة البعثات التعليمية للمغرب في عهد السلطان الحسن الأول (1873-1894) إلى بلدان أوربا الغربية، وذلك عبر الاستناد إلى مقاربة ميكرو سكوبية اعتمدت التحري الدقيق والرصد المفصل لهذه التجربة من حيث مدخلاتها ومخرجاتها ونتائجها العلمية والعملية.

وقد تمكن المؤلف من تشييد تصور شامل للفترة المدروسة بمنهج تاريخي رصين ومتكامل يزاوج بين الاستنباط والاستقراء، ويمتح من المصنفات التي ترتبط بموضوع البعثات من مصادر مغربية وأجنبية، ومذكرات وتقاييد للرحلات التي ألفها الأفراد المشكلين لهذه البعثات.

يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب موزعة على مائة وثلاثة وثمانين صفحة، اختار لها المؤلف عناوين دالة على أحداث ومجريات الفترة التاريخية المدروسة، بالإضافة إلى تقديم للدكتور ابراهيم القادري بوتشيش الذي بين من خلاله القيمة العلمية والأكاديمية الرصينة لهذا الكتاب الجامع والشامل المعنون بالبعثات التعليمية في عهد السلطان مولاي الحسن. وهكذا، فإن الباب الأول الموسوم بـ “مصادر فكرة البعثات” والمتألف من فصلين، يجيب على إشكالية تتمثل في دور العوامل الداخلية والخارجية في إرسال بعثات تعليمية من لدن السلطان الحسن الأول للدراسة والتكوين بأوربا. ومفاد هذه الإشكالية: هل انبثقت فكرة إرسال البعثات في منتصف القرن التاسع عشر من الحاجة إلى تحقيق إصلاح يقطع مع مواطن الضعف في بنية المخزن وجناحه العسكري والإداري، أم جاءت نتيجة مشُورات ومقترحات ممثلي الدول الأجنبية بالمغرب؟

ولا شك أن القارئ سيلمس في دراسة فصلي هذا الباب جدة في التصور وتفردا في الدراسة على مستوى عرض المشاريع النظرية بصدد إصلاح الجيش، وكذا تحليل تقارير الرحلات السفارية في أفق تملك نموذج إصلاحي ملائم. وذلك بالموازاة مع إيلاء أهمية كبرى لدور الحضور الأجنبي في مباشرة الإصلاحات وتحديث بنيات الجهاز المخزني، بالموازة مع أثر أصداء تجربة محمد علي باشا الإصلاحية بمصر في العالم الإسلامي.

كما عالج المؤلف في الباب الثاني المعنون بـ “البعثات التعليمية إلى الخارج”، وتحديدا في الفصل الأول مختلف الجوانب التنظيمية والعلمية المتصلة بإرسال البعثات التعليمية إلى بلدان أوربا الغربية على مستوى الإجراءات الإعدادية والأصول الاجتماعية لأفراد هذه البعثات، إذ استنتج من خلالها غياب العنصر البدوي وهيمنة المنتسبين للحواضر المغربية الكبرى من حيث مواطن الاختيار. ثم تعرض بعد ذلك إلى النفقات المالية الخاصة بتمويل تلك البعثات مستنطقا المادة المصدرية رغم شحها ونذرتها. أما في الفصل الثاني من هذا الباب، فقد انتقل إلى رصد وحصر مقاصد البعثات ووجهاتها متتبعا خريطة توزيع بلدان استقبالها وكذا أسماء المشاركين فيها. حيث ارتبطت البعثات التي توجهت إلى مصر؛ على سبيل المثال؛ بدراسة العلوم الرياضية والجغرافيا وفنون الطباعة. في حين أن البعثات الموجهة لبلدان أوربا في كل من اسبانيا وفرنسا وانجلترا وجبل طارق وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا استهدفت الإفادة والتكوين في مجالات بناء السفن والمراكب والهندسة والصناعة الحربية والحساب والفيزياء والكيمياء.

بينما خصص المؤلف الباب الثالث للحديث عن “حصيلة التجربة الإصلاحية” انطلاق من تسليطه الضوء في الفصل الأول على مختلف المجالات التي وظفت فيها خبرات ومحصلات أعضاء هذه البعثات من قبيل المجال العسكري والمجال الدبلوماسي والإداري، ووصولا إلى إبراز النتائج العملية والعلمية لهذه التجربة الإصلاحية المتعثرة. وقد جاء الفصل الثاني والأخير من هذه الدراسة بمثابة تقويم وتأمل عميق في أسباب قصور البعثات التعليمية عن تحقيق الإصلاح المنشود من قبل السلطان الحسن الأول، إذ أرجع المؤلف مسببات الفشل وعراقيل النجاح إلى طبيعة العلاقة بين عناصر التحديث المستوردة والبنيات الاقتصادية والاجتماعية والذهنية التقليدية لمغرب القرن التاسع عشر من جهة، وإلى الضغوط الاستعمارية للدول الأوربية الراغبة في بسط هيمنتها وتأبيد تخلف المغرب والحيلولة دون تحديث بنياته من جهة أخرى.

وإجمالا، فقد اقتدر المؤلف في هذا الكتاب، رغم كثرة الأحداث والوقائع وتداخلها، وبدرجة عالية من الحرفية التاريخية القائمة على تصميم محكم ومنهج متكامل زاوج فيه بين الاستنباط والاستقراء على الإحاطة بموضوع دراسة البعثات التعليمية في عهد السلطان الحسن الأول وعوامل إخفاق هذه التجربة الإصلاحية، عبر توظيفه للغة ومعجم تاريخيين تخاطب المتخصص الأكاديمي في المعرفة التاريخية والراغب في التعرف على تاريخ مغرب القرن التاسع عشر، ولبنية حجاجية تسائل جذور تجربة التحديث وأصول إصلاح التعليم الذي لا زال يشكل موضوعا له راهنيته في بلادنا، كما وظف بيبليوغرافيا متميزة وذات قيمة علمية ثمينة جمعها من خزانات وأرشيفات متنوعة أسهمت في الإجابة عن سؤال جوهري طرح معكوسا في القرن التاسع عشر: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟ ليطرح في الزمن الراهن: لماذا نجحت البعثات التعليمية اليابانية آنذاك وفشلت البعثات التعليمية المغربية؟

*باحث في التاريخ والحضارة
كلية الآداب سايس فاس

‫تعليقات الزوار

6
  • محمد
    السبت 19 دجنبر 2015 - 07:54

    ارسل اىمغرب بعثات الى اروبا بالموازات مع اىيابان الذي كان يعيش في تخلف كبير . رجعت بعثاتنا فحاربوها ووصفوهم بأمور جعلتهم يدخلون اسواق رؤوسهم . اما البعثة اىيابانية فقد نشرت الانوار في بلادها ووصلت اىيابان الى ما وصلت اليه .

  • said khadri
    السبت 19 دجنبر 2015 - 08:50

    صدور كتاب <<البعثات التعليمية في عهد الحسن الاول>> لمؤلفه جمال الحيمر في185 صفحة

  • abdosoft
    السبت 19 دجنبر 2015 - 11:23

    البعثات الطلابية المغربية تزامنت مع نضيرتها اليابانية التي شملت النجباء من الشعب الياباني و أنتجت تلة من العلماء الذين ساهمو في ثورة اليابان الصناعية بينما شملت البعثات المغربية أبناء الأعيان تم تنصيبهم كقياد و عمال و موضفين سامين في المخزن

  • داء العطب قديم
    السبت 19 دجنبر 2015 - 12:25

    في عهد الحسن الأول ( 1873 -1894 م ) .كان المد الإستعماري هو الكاسح في العالم حيث قلبت الثورة الصناعية الأوضاع في أوروبا رأسا على عقب.
    الصناعة كانت في حاجة إلى مواد خام والتجارة في حاجة إلى أسواق،
    وبسسب التنافس بين الدول الأوروربية ، وتفاديا للمواجهة تم إقتسام المستعمرات ومنها الإفريقية في مؤتمر برلين 1885.
    قصدت البعثات التعليمية أوروبا لنقل الخبرات إلى بلدانها من اليابان ومصر والمغرب. نجحت البعثة اليابانية بسبب طاعة اليابانيين للأمبراطور ولي أمرهم ، وفشلت بعثتي مصر والمغرب بسبب عصيان ولاة الأمر وجهالة أهل الحل والعقد.
    في كتاب الإستقصا للمؤرخ الناصري الذي كان من أعضاد المخزن ورد كلام عجيب غريب في ج 9 ص 162 ، إذ حمد الله فيه على أن تم رفض طلب فرنسا واسبانيا إدخال القطار والتلغراف إلى المغرب في ذلك الزمن.
    و بعد ذلك تم الإستهزاء بالسلطان الشاب المولى عبد العزيز لما حاول إدخال المصنوعات الأوروبية الجديدة إلى البلاد وتم اعتبار ذلك لعب أطفال.
    أخضع فقهاء التخلف المولى عبد الحفيظ للبيعة المشروطة ولما وجد الداء قد استفحل في العقول خلد في كتاب له حكمته المشهورة " داء العطب قديم".

  • داء العطب قديم 2
    السبت 19 دجنبر 2015 - 13:32

    ما هي العبر الواجب استخلاصها من تلك الفترة التاريخية ؟ :
    أولا : إعتبار الإختراعات العلمية هي أساس التقدم والغلبة في المجتمعات البشرية بدليل أنه لما كانت المواجهة بالعضلات والسيوف والرماح في الحروب كنا ننتصر و نصد الهجمات ولما صارت بالعقل والطائرات والدبابات إنهزمنا.
    القاعدة الأولى البينة المسلمة الصحيحة هي : البحث العلمي هو أساس الإختراعات ويجب اعتباره من أولى الإهتمامات ، والتمكين منه يقتضي نهله من منابعه. وبما أن أفضل منابعه في زمننا توجد في أمريكا فيجب تعليم أطفالنا منذ البداية لغة تحصيله في المستقبل.
    ثانيا: إعتبار أن مصير الداخل يتقرر في الخارج فلا ينفع التقوقع بحجة الحفاظ على (الهوية) ورفض كل ما يأتي من الخارج. فلقد سبق أن تقوقعنا فضعفنا وصرنا فريسة أعدائنا. وتداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.
    القاعدة الثانية البينة الصحيحة هي : أن ميدان المعركة ليس في الداخل و إنما هو في الخارج بين الأمم. وهذا يقتضي أن نهيأ شبابنا لخوض المنافسة مع أقرانه على المستوى الدولي بتمكينه مما استجد من معارف وصار متداولا في العالم وبلغة التواصل المنتشرة بين الأمم.

  • Faty
    الجمعة 1 يونيو 2018 - 12:59

    ما مظاهر فشل البعثات التعليمية بمغرب ق 19?

صوت وصورة
مغاربة والتعادل مع موريتانيا
الأربعاء 27 مارس 2024 - 01:07 8

مغاربة والتعادل مع موريتانيا

صوت وصورة
المخارق والزيادة في الأجور
الأربعاء 27 مارس 2024 - 00:30 3

المخارق والزيادة في الأجور

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | انتخابات 2011
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | انتخابات 2011

صوت وصورة
قصة | الرجل الذهبي
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 21:30 1

قصة | الرجل الذهبي

صوت وصورة
المدينة القديمة | فاس
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:55

المدينة القديمة | فاس

صوت وصورة
معرض تضامني مع فلسطين
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:47 1

معرض تضامني مع فلسطين