فيصل عبد الرؤوف ينتصر للقيم المشتركة بين الإسلام والغرب

فيصل عبد الرؤوف ينتصر للقيم المشتركة بين الإسلام والغرب
الخميس 2 غشت 2012 - 03:15

كتاب ممتع للغاية ذلك الذي ألفه الباحث الإمام فيصل عبد الرؤوف وبحمل عنوان: “رؤية إسلامية جديدة للغرب والمسلمين”، من تقديم الباحثة الأمريكية الرصينة كارين أرمسترونغ.

(مؤلفة بريطانية لعدة كتب في مقارنة الأديان وعن الإسلام، كانت راهبة كاثوليكية لكنها تركت الكاثوليكية)، ويمكن تلخيص الأطروحة غير المُعلنة في هذا العمل في المُسلّمة التالية: تجاوز الأزمات الراهنة يتطلب فتح باب النقد المزدوج للمسلمين والغربيين، ويخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية، مع رهان المؤلف على استثمار القواسم المشتركة بين القيم الإسلامية والقيم المسيحية/الغربية، أو بكلمة، الرهان على خطاب التجميع، وليس خطاب التفرقة والصدام القائم في خطاب المتطرفين من كلا المجالين. (يقع الكتاب في 383 صفحة، وصدر عن مكتبة الشروق، القاهرة، ترجمة محمد فاضل، ط 1، 2008)

ولد فيصل عبد الرؤوف لعالم أزهري نابه، نشر أفكاره في مصرن وفي أقصى الغرب في الولايات المتحدة، وفي أقصى الشرق في ماليزيا، حيث كان لهم سهم كبير في تأسيس الجامعة الإسلامية هناك.

تعلم في مدراس مصر وماليزيا وإنجلترا، وتخرج من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، وعاش ثلاث ثقافات كبرى، بتقييم الناشر والكاتب عادل المعلم في تقديمه للعمل: في مصر وفي ماليزيا التي تمثل عصارة آسيا بعناصرها الكبرى: الملايويين والصينيين والهنود، وأخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد هام بالثقافات الثلاث: فهو مسلم مصري عربي أسيوي أمريكي، ويفتخر بذلك، وقد درس المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية.

نقد التطرف الإسلامي

يُحدّد فيصل عبد الرؤوف بداية، لائحة من الأسباب التي تقف وراء صعود الظاهرة الإسلامية الحركية، أو ما يصفه في عمله بـ”الأصولية الدينية الإسلامية”، نورد منها النقاط التالية:

ـ التراكم السريع للثروة في الغرب مدعومة بالرأسمالية الديمقراطية، والاعتقاد بأن هذه الثروة تستخدم في تعميق محنة الفقراء.
ـ الشعور النفسي بأن العالم الإسلامي قد “تخلف” وأن مؤسساته المدنية لم تخلص للوصية الثانية من حيث كفالة المعيشة للشعوب حتى من المنظور الإسلامي.
ـ التمزق الاجتماعي وخطوط الانفصال التي حفرت في المشهد غير الطبيعي الذي خلفه وراءه الاستعمار الأوروبي.
ـ ظهور تيارات علمانية حديثة “مناضلة” مما هدد الدين الإسلامي وثقافته الإسلامية التقليدية.
ـ الاعتقاد الذي ساد معظم فترات القرن العشرين بان الأمم الغربية قصرت دعمها العسكري والسياسي على الأنظمة غير الديمقراطية.

وخلاصة تجميع هذه المقدمات، أنها “خلقت” تربة خصبة لحالة الإحباط التي نمت فيها الأصولية الإسلامية وترعرعت خلال القرن العشرين.

أما جذور العنف/التطرف الإسلامي، فلا تكمن برأي المؤلف في الدين وفي السياسة والاقتصاد الخاصين بالعالم الإسلامي، بقدر ما تكمن في غياب مشاركة أكبر في الحكم وعدم وجود اقتصاد سليم، وإلا، إذا استمرت الأوضاع بهكذا منطق، فإن مشاهد الفقر المدقع وحالة الإحباط الشديدة سوف تستمر مميزة لمساحة كبيرة من بقاع الشرق الأوسط. وواضح أن اتحاد هذه الظروف يمهد لأرضية خصبة للفلسفات المتطرفة والإرهاب، ومما يزيد الأمور سوءا أن الاقتصادات المركزية التي تمتلكها الدولة في الغالب، تترك معظم المسلمين منعزلين عن الثروة الاقتصادية للأمة.

بالنسبة للدرس الأهم الذي يستفاد من ترحال المؤلف مع الإسلاميين، كون قدرة الجذب الشعبي لدى الجماعات الإسلامية العنيفة له ليست مستمدة من الدين، بل من قدرة تلك الجماعات على استغلال مشاعر الإحباط الشخصية والشعور بالظلم الاجتماعي اللذين يشعر بهما الملايين يوميا في المجتمع الإسلامي، حيث أصبحت الجماعات التي تتبنى العنف ماهرة في الاستفادة من مثل هذه الإحباطات ومن ثم توجيهها بلغة دينية تثير الالتزام الكامل لدى أتباعهم.

في الانتصار للغزالي

يستنكر المؤلف بشدة نظر غير المسلمين إلى “النزعة القتالية الإسلامية” على أنها أمر ينبع من العقيدة الإسلامية، بدلا من كونها شيئا قام به أناس معينون أطلقوا على أنفسهم مسلمين عادة ما يكون لأغراض سياسية. وبالمثل، يضيف عبد الرؤوف، يمكن أن يرتدي المسلمون زيا إسلاميا ويتسمون بأسماء إسلامية من أجل إظهار أوراق الاعتماد الإسلامية، وهم لا يدركون متى يقعون في مخالفة قواعد هامة من قواعد السلوك الأخلاقي الإسلامي، وذلك لجهلهم بالعقيدة والتعاليم والشريعة الإسلامية، مدققا بشكل رصين في استخدامات وتوظيفات مصطلح “الإسلاموية”، للإشارة، عند النقاد وصناع القرار في الغرب، إلى النزعة القتالية التي تتم ظاهريا باسم الإسلام، مما يفضي إلى استخدامات مضرة بصفة خاصة للغة، على اعتبار أنه ـ المصطلح ـ يضم الدين الإسلامي إلى الحركات السياسية الحديثة بطريقة تجعل غير المسلمين يعتقدون أن الإسلام نفسه هو منبع النزعة إلى القتال المسلح، وواضح، أن استخدام اللغة بشكل يخلق علاقات ليس لها وجود في الحقيقة، فإن النتائج لا تكون مربكة فحسب، بل وخطيرة، لأن الناس يمكن أن يتصرفوا- ويتصرفون بالفعل- بناء على ما يفهمون.

بعد العروج على مآزق الحركات الإسلامية (ولو أن الكاتب لا يُفرق بين الحركات الدعوية والسياسية و”الجهادية”)، يُخصّص فيصل عبد الرؤوف فصلا كاملا عن أعمال حجة الإسلام، الإمام أبي حامد الغزالي، متوقفا عند أسباب وَلَع العديد من الباحثين الغربيين بأعمال صاحب “إحياء علوم الدين”، (على غرار الاهتمام الآخر بأعمال محيي الدين بان عربي، صاحب “الفتوحات المكية”).

والحال، والتقييم للمؤلف، أن ما يستهوى علماء الغرب في الغزالي ليس فقط نظره العميق على المسلمين، بل أيضا تأثيره الشديد على غير المسلمين في عصره، واستمرار هذا التأثير حتى وقتنا هذا؛ حيث يوضع الأب اليسوعي فينزينزوبوجي أن أعمال الغزالى الأخرى كانت معروفة فعلا لأتباع الفلسفة السكولاستية المتشددين في التمسك بالأصول بدءا من النصف الثاني من القرن الثاني عشر، في حين يعتقد بعض العلماء المسحيين أن الغزالى أثر على القديس توماس الأكويني (1225-1274م) الذي درس الكتاب العرب واعترف بالامتنان لهم، ويمضي بوجى في بيان أن بعض الكتاب المسحيين قد انتحلوا حتى أفكار الغزالي ونسبوها لأنفسهم دون أن يرجعوا الفضل إليه، كذلك درس تأثير كتاب “المنقذ من الضلال” للغزالي على الفيلسوف اليهودي الشهير ابن ميمون (1135-1204م) خاصة في كتابه الذي ألفه باللغة العربية، ويحمل عنوان: “دلالة الحائرين” الذي ترجمه صموئيل بن تيبون إلى العبرية. ويقول الكاهن اليسوعي والعالم بشؤون الإسلام آرجيه ريتشارد مكارثي إن ابن ميمون تشكل على طريقة الغزالي في بعض النواحي حين كتب دفاعا عن عقيدته، وبهذا ” قدم لدين قومه خدمة قدمها الغزالي للإسلام”.

وبالنتيجة، يخلص المؤلف إلى حتمية القيام بدراسة الغزالي كل من يؤمن بأن الدين له دور في حياة الفرد والجماعة، وأنه يجب وضعه في بؤرة الاهتمام، والمؤكد أن هذا أمر هام لمن يعمل منا الآن في ميدان حوار الأديان.

أكبر خطيئة أمريكية

إذا كان هناك صراع بين المسلمين وأمريكا، برأي المؤلف، فلا يعدو أن يكون السبب الأول في ذلك مرتبطا بكون الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن على مستوى الأخلاقيات والمثل والقيم التي تدعو إليها، مستشهدا بما صدر عن القس ويليام سلواني كوفين، من أن “المسلمين يرون أن خلافاتنا تشبه نزاع الأحباء في مجهوداتنا المشتركة للمطالبة بمستقبل أكثر إشراقا بين أمريكا والعالم الإسلامي”، وناصحا صناع القرار بالتالي: “ينبغي أن يعيش المسيحيون الأمريكيون حبا مشكلا مع دولتهم ومع العالم، كما عاش كل أنبياء الكتاب المقدس والمسيح نفسه في خلافات خطيرة مع إسرائيل ومع عالمهم آنذاك”. وخيرا يفعل المسلمون الأمريكيون إذا انتبهوا لهذه النصيحة أيضا: “يجب أن لا يعتقد المسيحيون أبدا بأنهم يجلون الحقيقة الأسمى التي وجدوها في المسيح بتجاهل الحقائق الموجودة عند غيره”.

أما الخلاصة والنصيحة التي يوجهها المؤلف للمسلمين والمقيمين في الغرب، ومعهم أهل الغرب نفسه، فيمكن تلخصيها كالتالي: “لا يمكن لمجتمع من الناس أن يعمل، ناهيك أن يلتمس السعادة إلا بعد تحقيق درجة عالية من الإجماع حول ما هو صواب وما هو خطا في مجال الشؤون الإنسانية، ولا يمكن أن يتحقق هذا القدر من هذا الإجماع سوى بموافقة المجتمع على التزام أخلاقي نابع من قانون أخلاقي دائم ومطلق، إذ يقبل المجتمع على أساس مثل هذا الاتفاق مجموعة من القواعد التي تشكل التزاما أخلاقيا يلزم كافة أعضاء المجتمع، وتعكس هذه المجموعة من القواعد البعد الأفقي لدين المجتمع وتجسد وتحدد تفاصيل الكيفية التي يتعين بها التعبير عن الوصية الثانية، وتنبثق هذه المجموعة من القواعد بالضرورة من البعد الرأسي أو تتعلق به على الأقل. فتمنح هذه القيم المعيارية معنى للمجتمع”.

نظام أمريكي مُمْتَثل للشريعة

نختتم هذا العرض في هذا العمل الممتع بالتوقف عند قراءة المؤلف لمُميزات القيم الأمريكية المتداولة في العمل السياسي، مُشبها على الخصوص، الديمقراطية والحرية، على الطريقة الأمريكية، باعتبارها تجليا لملة إبراهيم؛

من الناحية السياسية، تُعبّر العقيدة الأمريكية عن نفسها في القيم والحقوق المسرودة في إعلان الاستقلال والدستور، وتظهر هذه الرؤية للعالم من الناحية الاقتصادية في المشروع الحر واقتصاد السوق الحرة، وتعنى اجتماعيا الدعوة للمساواة بين البشر والاهتمام بأعضاء المجتمع المعرضين للخطر.

وربما بسبب هذه القيم ـ رغم إقرار المؤلف فيما سبق على أن خطيئة الولايات المتحدة الأولى تكمن في أنها لم تكن على مستوى الأخلاقيات والمثل والقيم التي دعت إليها ـ من المفارق أن نصطدم بتعاطي العديد من الأمريكيين المسلمين مع أمريكا على أنها دولة “إسلامية”، وفي أحيان كثيرة، أفضل من بلادهم الأصلية، وقد يبدو هذا أمرا يدعو للدهشة إن لم يكن سخيفا بالنسبة للعديد من الأمريكيين، وللمسلمين خارج أمريكا، لكنه قائم على حجة أن الدستور الأمريكي ونظام الحكم يؤيدان المبادئ الجوهرية للشريعة الإسلامية.

وما يسعى المؤلف لإثباته في هذا التشبيه المؤرق، هو أن النظام السياسي الأمريكي مُمْتَثل للشريعة لأن “مجرد وجود دولة، أغلب سكانها من المسلمين لا يكفي لجعلها دولة إسلامية. حيث لا يمكن أن تكون إسلامية حقا إلا بمقتضى التطبيق الواعي لمبادئ الإسلام السياسية والاجتماعية في حياة الأمة وبدمج هذه التعاليم في الدستور الأساسي للبلد، وللسبب نفسه فإن الدولة التي تطبق هذا التعاليم السياسية الاجتماعية هي في الواقع دولة إسلامية حتى لو لم يكن هناك مسلمون بالاسم يعيشون فيها؛ لأنها تعبر عن مثل المجتمع الصالح طبقا للمبادئ الإسلامية، ومن أجل أن تحرز أمريكا درجة أعلى في سُلّم الدرجات “الإسلامي” أو في حوار عن تشكيل الحياة العملية للدولة، ومنح حرية اكبر للطوائف الدينية في الفصل فيما بينها طبقا لشرائعها الخاصة.

بعبارة أخرى، لقد قصد المؤسسون أن تكون أمريكا مجتمعا دينيا ودولة دينية، مجتمعا تنع أخلاقه من العقائد الدينية، ولم يقصدوا أن يكون الرئيس والعاملون في الحكومة ملحدين، أو غير مؤمنين بدين، أو أن لا يتردد الرئيس على الكنيسة أو الكنيس اليهودي أو المسجد أو المعبد، وكل هذا يتماشى مع الشريعة الإسلامية على نحو يبعث على البهجة والمفارقة في آن.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات