من أجل أنسنة ومأسسة العلاقة المغربية الاسبانية

من أجل أنسنة ومأسسة العلاقة المغربية الاسبانية
الإثنين 6 فبراير 2012 - 00:21

لا أحد يشك اليوم أن ” أمن واستقرار وازدهار اسبانيا و المغرب رهين بعلاقات متينة وقوية وطبيعية بينهما ” على حد قول السيد ماريانو راخوي عقب استقباله أخيرا من لدن الملك محمد السادس، ولا أحد يشك في أن العلاقة المغربية الاسبانية علاقة خاصة، و تحتاج إلى تدابير استثنائية فيها كثير من الذكاء الجماعي ، و لا أحد يشك أخيرا على أن التحولات التي تعرفها المنطقة المتوسطية تفرض مقاربة جديدة لهذه العلاقات حماية لمصالح البلدين معا . إلا أنه رغم هذه اليقينيات ،فكثيرون من الضفتين يتجاهلون أن مفاتيح حل المشاكل القائمة بين اسبانيا و المغرب ، – و التي عمرت طويلا حتي خسر من نتائجها الجميع – هي بيد من يستطيع أنسنة هذه العلاقة و إبداع صيغ جديدة لمأسسة الحوار بين البلدين ،اللذين كتب لهما أن يتحملا عبء كونهما نقطة التقاء عالمين مختلفين على جميع الأصعدة. و مرد هذا التجاهل – و ليس الجهل – في اعتقادي راجع بالإضافة إلى ثقل التراكم السلبي الذي طبع العلاقة المغربية الاسبانية خلال العقود الأخيرة ، إلى ثقل التاريخ ، و إلى قوة لوبيات ليس من مصلحتها قيام علاقة مغربية ” متينة وقوية وطبيعية” ، و إلى التقدير المتباين – خلال المراحل الأخيرة من هذه العلاقة – لدي الطرفين في مدى الإيمان المشترك بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كقيم و ممارسة .

لا يروم هذا المقال التشبث بالتحاليل التقليدية لحال هذه العلاقة و إعادة صياغتها بلغة خشب من نوع آخر ، بل يروم إلى تحليل فيه جرعة زائدة من الجرأة التي تنقص عادة التحاليل التي تنصب على العلاقة المغربية الاسبانية . لذا لا نقصد بالمأسسة قيام خط ساخن بين الرباط و مدريد ، و لا إعادة نفخ الروح في المؤسسات التي أنشئت من أجل الحوار بين البلدين ، و التي حملت أسماء مفكرين كبارا ،مازالوا يتقلبون في قبورهم مع كل أزمة حتى سئموا من ذلك، أو تأسيس منتديات أخرى مشابهة كبديل لها . و لا الرهان على وجوه جديدة من هواة دبلوماسية السياحة و التسوق، و لا على وصفات جاهزة لمن لا يعرف لا لغة و لا تاريخ و لا الثقافة العميقة للبلدين . إنما نقصد بالمأسسة ، أولا ، جعل هذه العلاقة في صلب انشغالات حكومتي البلدين وفي جوهر برامج أحزاب الدولتين، بيمينها و يسارها ، دون أن تسمح لنفسها باستغلال هفوات هذه العلاقة أيام الأزمات لتغطي عن عجزها في إبداع الحلول. و – ثانيا – قيام حوار دائم بين مختلف المتدخلين في هذه العلاقة من رجال الأعمال و الاقتصاد و السياسيين و الحقوقيين و الأكاديميين و الفاعلين المدنيين الكبار ، ليس على أساس النظر في كيفية حماية المصالح المشتركة للطرفين حتي لا تتضرر بفعل الأزمات الدورية – كما كان يجري في السابق في الحوارات المشروطة التي كانت تجمع الطرفين عقب كل أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية– بل على أساس – أولا – الرهان على الحوار الدائم بينهما ، كواق من الأزمات المتكررة ، و – ثانيا – البحث عن صيغ احترام القيم المشتركة بينهما. ذلك أن الذين يتحاورون باستمرار و يتقاسمون نفس القيم من المستحيل أن يدخلوا في صراع مجاني تمليه الحسابات السياسوية ، و لا الإضرر بمصالح بعضهم البعض .إن المأسسة تتطلب و بالضرورة أنسنة هذه العلاقة .

واذا كان الطرفان معا لم يعيرا ، أمس ، أي اهتمام لمسألة القيم في علاقتهما ، و كانا يبحثان عن حل المشاكل الطارئة بالاعتماد على مبادئ ” الواقعية السياسية “في العلاقة الدولية ، فإنه اليوم ، و بالنظر إلى ما يحدث من تطورات في المتوسط برمته ، وجب حدوث تحول نوعي في النظرة إلى مستقبل العلاقة الثنائية بالاعتماد ، أولا ، على حماية القيم المشتركة ،عبر العمل المشترك من أجل الرفع من جودة الديمقراطية في البلدين و محيطهما، و عبر الإعلاء من ثقافتها و التربية على قيمها ،و الإعلاء من ثقافة حقوق الإنسان و المواطنة ،و المساهمة في استتباب الأمن البشري والإقليمي الذي بات تهديده يطرق أبواب أوربا، سواء كان مصدره منطقة الساحل أو أفغانستان ، ونعني الأمن هنا بمفهومه الحقوقي و في كل أبعاده. و الاعتماد ثانيا على مقاربة جديدة، عبر خلق فضاءات للنقاش الحر و الديمقراطي حول كل المشاكل العالقة بين الدولتين، دون طابوهات و خطوط حمراء مسبقة .

وسيكون من الإجحاف عدم الانتباه إلى و عي مسؤولي البلدين بهذا الرهان التاريخي ، إلا أن ثقل ما يمكن أن أسميه ب”سوء الفهم التاريخي” بين البلدين يحول دون انتباه الناس إلى ذلك ، ويساهم في خلق سرعتين مختلفتين في التعاطي مع راهن هذه العلاقة، ذلك أن في الوقت الذي يدعو فيه الملك محمد السادس في رسالة وجهها إلى رئيس الحكومة الاسباني الحالي ب ” “مواصلة التنسيق والتعاون بين البلدين في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك والمشاركة في الجهود الدولية التي تسعى إلى تعزيز الأمن والسلام في بؤر التوتر المختلفة عبر العالم ، وحل النزاعات بالوسائل السلمية مع احترام السلامة الإقليمية للدول وقيمها الوطنية الدائمة”.. و في الوقت الذي يعلن البرنامج الانتخابي للحزب الشعبي الحاكم على أن “القيم الديمقراطية التي حازت على الإجماع في مرحلة الانتقال الديمقراطي وجعلت منا أمة يعجب بها يجب أن تسود في سياستنا الخارجية”، و أن ” إسبانيا ستتحمل مسؤوليتها في مساعدة الديمقراطية في المتوسط تماشيا مع السياسة الأوروبية المتجددة بشأن الجوار. ” في الوقت نفسه نجد من يريد أن يختزل هذه العلاقة الاستراتيجية في كيلوغرامات من السردين أو الطماطم ، أو في الجري وراء أوهام جناح من حكام الجزائر الذي لم يستطع بعد أن يفهم – رغم الربيع العربي – أن مصالح الذين يعيشون على الأرض تمر قبل الأرض نفسها ، و أن رهان العالمين اليوم هو البحث عن صيغ إسعاد الناس أينما كانوا ،لا إلى خلق كيانات ضعيفة تضاف إلى لائحة الكيانات الضعيفة التي سئمها الناس .

على سبيل الختم ، اذا كانت إعادة كتابة تاريخ العلاقة المغربية الاسبانية ضرورة ملحة من أجل التخفيف من ثقل التاريخ في هذه العلاقة و البحث عن صيغ أنسنتها من خلال معالجة مع علق بها من سلبيات . و إذا كانت ” المجموعة” المغربية الاسبانية المدافعة عن علاقة مغربية اسبانية ” متينة وقوية وطبيعية” – على حد تعبير السيد الراخوي – ما زالت ضعيفة، و تحتاج إلى التأسيس لحوار عميق و صريح و شفاف و واضح بينها ، و إلى الإبداع في صيغ العمل و الرهان على الذكاء الجماعي المحترم “للقيم الوطنية الدائمة “– كما ورد في رسالة جلالة الملك .فان اللحظة الراهنة من تاريخ هذه العلاقة لا تترك للطرفين معا إلا الرهان على الحوار الدائم بين الطرفين ، و بناء علاقة جديدة قائمة على أسس القيم المشتركة بينهما.

إلا أن الرهان الأخير يتطلب الإيمان العميق بما ينجز هنا و هناك من تقدم على درب دمقرطة الدولة و دمقرطة المجتمع، و إشاعة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا .

‫تعليقات الزوار

5
  • morocco and moroccan
    الإثنين 6 فبراير 2012 - 03:00

    Mr Bouteyeb, vous dîtes que vous tenez à travers cet article à présenter une nouvelle vision des relations internationales entre le Mar et l'Esp qui rompt selon vos propos avec les approches traditionnelles. en lisant cet article je constate que retranscivez les mots que nous entendons partout et que tout un chacun pourrait recevoir de n'importe quel moyen médiatique. encore plus vos propos sont nourris d'un choix doctrinal disant que les acteurs principaux des rela. intern veillent pour la paix la sécurité et la propagation de la justice et l'équité ce qui est fort loin de la réalité . révisez vos concepts désuets et chimériques de je ne sais quel idéal de bien que vous chantez! soyez critique surtout envers les idées racine de tout ce que vous affirmez, ce qu'il nous faut c'est trvail constant de critique afin de se vider de tout non pas remacher des mots creux qui emplissent les bouquins de licence en droit. humanisation!comment croire alors que le réel certain est initelligible.

  • Abdessamad___
    الإثنين 6 فبراير 2012 - 04:57

    desgraciadamente Marruecos todavia surfe muchos problemas economicas y sociales y no esta aun en la carretera de democracia. yo creo que Espana y los paises europeos ya nos han dejado atras en todos los campos de la vida . ya no hay ninguna conparacion entre nosotros . mejor dicho que Espana profita de Marruecos como quiera mientras nosotros sonreimos sin niguna verguenza . nuetras ciudades todavia estan ocupadas por ellos. nuestro mar dominado por los barcos espanoles … y nosotros que profitamos de ellos. nada solo un poco dinero transmitido atraves de los trabajadores en espana . es una verguenza que Marreucos todavia este sin fuerte politico …pues espero que el nuevo gobierno haya algo para desarrolar este pais !…

  • الدمناتي
    الإثنين 6 فبراير 2012 - 18:51

    بداية تستحق التنويه والشكر يا سيد بو طيب على هذا المقال الجميل والمليئ بمجموعة من النصائح والتوصيات والمعلومات القيمة. صحيح ان العلاقات المغربية الاسبانية تفرض على المسؤولين وذوي الاختصاص اعادة النظر في العديد من المجالات التي تجمع البلدين معا، وما كتبته يا استاذنا الفاضل يعتبر غيض من فيض ومزاد معرفي من شانه ان يكون نقطة انطلاق والهام للمهتمين بالموضوع للدفع بالعلاقات بين الضفتين الى الامام واجتناب سوء الفهم والمشاكل التي تعود بنا الى الوراء ونكرر نفس الاخطاء التي نحن في غنى عنها.
    والسلام.

  • مهاجر سابق
    الثلاثاء 7 فبراير 2012 - 16:03

    مقال في منتهى الكمال ودكرني بتجربة إسبانيا عندما نصبت اعينها على إقامة نظام ديمقراطي وتهافت على ملاحقة القافلة التي سبقتها إلى الديمقراطية والحرية والعدالة .فعلا ادركوا خبراء إسبان ان الركوب على قافلة الديمقراطية مرهون بإصدار دستور ينظم الحقل السياسي واحترام كرامة الأخر وثقافته فاختطفت نوع من الديمقراطية الفرنسية كنمودج للتعامل بها .اليوم وبكل وضوح اصبح مستقبل العلاقة المغربية الإسبانية إلى فهم اسس المصالح المشتركة رغم اننا ندرك هناك نقط قوة وضف بين الرباط ومدريد .اعتقد شخصيا رغم إلمامي المتواضع_بالسياسة الوطنية و الدولية ان العلاقة بين الجارة إسبانيا تمر على العموم بنتائج من ااحسن إلى احسنفي التبادل .فعلا هناك مصالح إسبانية في المغرب إقتصادية وثقافية والمغرب ايضا له اليد العاملة والمرورللمنتوجات المغربية عبر الأندلس ثم هناك قضايا سياسية وتتجلا في المدينتين سبتة ومليلية وإتفاقية الصيد البحري كل هدا وداك يجب على المغرب والجارة إسبانيا الجلوس على طاولة الحوار من اجل تثبيت الثيقة وتطبيقها على ارض الواقع لما في القرب التاريخي والجغرافي خير البلدين

  • Yusuf ibn Tashfin
    الخميس 9 فبراير 2012 - 20:25

    MR boutayeb votre discours n'a aucune valeur sur le terrain, l'espagne est un pays hostile au maroc, ils ne voudront jamais voir un maroc fort et uni, les assosiations espagnoles sont les plus grands financiers du polisario, l'espagne insiste à coloniser sebta et melilia, si l'espagne ne parle pas quelques temps sur le problème du sahara c parce qu'elle reçoit sa part de gateau du poisson marocain….autrement nous n'avons aucun avenir en commun avec ce voisin ennemi

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 1

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج