مراكش على صفيح ساخن بعد تحريك القضاء لملفات فساد ماليّ

“ثورة ضد الفساد”، ذلك هو شعار المرحلة التي تعيشها المدينة الحمراء، بالموازاة مع استدعاء القضاء أخيرا لعمدة المدينة، كشاهدة في ملف ما بات يعرف بـ”فضيحة كازينو السعدي”، التي يُتّهم فيها نائبها في المجلس الجماعي والرئيس الأسبق لبلدية المنارة جليز، عبد اللطيف أبدوح، حيث من المفترض أن تنطلق اليوم محاكمته أمام غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، إلى جانب 10 متهمين آخرين، بتهم تتعلق بالرشوة وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ.

وتستأثر قضية “أبدوح ومن معه” باهتمام الرأي العام المحلي الوطني، بعد أن سبق للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، فرع مراكش، بإثارتها ووضعها لشكاية لدى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، في يونيو 2011، تتهم فيها الكاتب الجهوي لحزب الاستقلال والنائب الرابع لعمدة المدينة الحمراء بمسؤوليته في تفويت “كازينو فندق السعدي” إلى شركة سياحية بمبلغ مالي زهيد، إضافة إلى مراكمة الثروة بطرق غير مشروعة، إبان ترأسه لبلدية المنارة جليز منذ 12 سنة.

تحذير من تحريف مسار قضايا الفساد

قبل سنتين، أقدمت الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب على التقدم بعدة شكايات ذات صلة بالفســاد ونهب المال العام واستغلال النفوذ بمراكش، إلى القضاء، وهي الشكايات التي أحيلت على الشرطة القضائية المختصة، فيما عرف بعضها طريقه إلى القضاء، وهو الأمر الذي اعتبرته الهيئة “دينامية غير مسبوقة” بمدينة مراكش، مسجلة على إثر ذلك ارتياحها لتجاوب النيابة العامة بمحكمة الاستئناف مع الشكايات.

إلا أن ارتياح الهيئة قابله قلق وتخوف من أن تأخذ القضايا المطروحة “مسارا آخرا غير مسارها الطبيعي”، حيث حذرت مما أسمته قيام “لوبي الفساد” بـ”بعض المناورات لتحويل أنظار الرأي العام عن المعركة الحقيقية”، وذلك نظرا لـ”القوة التي يتمتع بها اللوبي.. ويستمدها من شبكة علاقات مصلحية ونفعية”، مشيرة إلى أن هذا “اللوبي” يسعى إلى “ممارسة الضغوطات والتهديدات ضد مناضلي الهيئة، وذلك لثنيهم عن الاستمرار في النضال ضد الفساد ونهب المال العام”، تقول الهيئة.

قضية “كازينو السعدي”..

تعود تفاصيل ملف تفويت “كازينو السعدي” والبقعة المجاورة له، وفق ما تتوفر عليه هسبريس من وثائق، إلى عام 2001، حيث تتهم الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب بلدية المنارة جليز، في شخص رئيسها الأسبق عبد اللطيف أبدوح، بتفويتها لـ”كازينو فندق السعدي”، الذي يتموقع بالحي الشتوي الراقي، إلى شركة سياحية بمبلغ مالي لا يتجاوز 600 درهم فقط للمتر المربع الواحد (المعطيات تقول بأن الثمن لا يقل عن 10 آلاف درهم للمتر المربع).

وأشارت معطيات أدْلَت بها الهيئة إلى أن ملكية العقار تعود لمدينة مراكش وسبق الارتباط بشأنه باتفاقية مع إحدى الشركات لتشييد البناء المقام حاليا على مساحة 1200 متر مربع، مقابل سومة كرائية زهيدة، ومقابل ذلك تقوم المكترية بتجهيز كافة المنطقة على أن تنتهي عقد المراء ويخلى العقار خلال عام 2005، فيما ذهبت هيئة حماية المال العام إلى أن التفويت، تبعاً للتاريخين المذكورين، تم قبل 4 سنوات من انتهاء عقد الكراء، متسائلة عن جدوى التفويت قبل استرجاع العقار.

في السياق ذاته، تتهم الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب أبدوح بمراكمة الثروة بطرق غير مشروعة، وفي “ظرف قياسي”، مشيرة أنه قبل تحمله مسؤولية بلدية المنارة كان مستخدما بالمؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء (العمران حاليا)، “ولا يمكنه أن يفصل بين هذه الثروة وبين المسؤولية التي تحملها”.

ملفات “فساد” أخرى تتنظر طريقها إلى القضاء

في انتظار أن تنظم هيئات حقوقية وقفة احتجاجية بعد غد الأربعاء بمراكش، تحت شعار “حــذار من تحريــف مسار قضايا الفســاد المالي، كفى من الفساد و نهب المــال العـــام”، وتزامنا مع بث القضاء اليوم في قضية “أبدوح ومن معه”، تطالب هيئة حماية المال العام بتسريع الأبحاث والتحقيقات والمحاكمات القضائية، في قضايا أخرى، ذات صلة بالفساد وتبدير الأموال العامة، أهمها، قضية “تعاونية الحليب الجيد بمراكش”، التي عرفت اختلالات مالية وتمكن بعض مسيريها من مراكمة الثروة بطرق غير مشروعة أوصلت التعاونية إلى حافة الإفلاس، على حد تعيبر شكاية الهيئة، وتتوفر هسبريس على نسخة منها.

قضية “الضريبة على الأراضي الحضرية غير المبنية”، و”تزوير المقرر الجماعي الخاص بتصميم التهيئة المتعلق بالعمارات المجاورة للإقامة الملكية بجنان الكبير”، و”تفويت سوق الجملة بباب دكالة”، و”بناء سوق الجملة للخضــر والفواكه بتجزئـة المسار بالحي الصناعي”، و”الاختلالات المالية التي عرفتها جمعية الأعمــال الاجتماعية لموظفــي وأعوان ومتقاعدي الجماعة الحضرية”، هي القضايا التي تجابهها “تحركات المفسدين وناهبي المال العام بالمدينة” بهدف “محاولة ربح الوقت والتأثير على القضاء وتوظيف شبكة العلاقات”، على حد تعبير بلاغ صادر عن الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب.