فيلم "جبل موسى" للمخرج إدريس المريني .. مقام التساؤل ومتعة اليقين

فيلم "جبل موسى" للمخرج إدريس المريني .. مقام التساؤل ومتعة اليقين
صورة: مواقع التواصل الاجتماعي
الإثنين 19 شتنبر 2022 - 03:00

احتفاءٌ بـ”رحلة جميلة أنجزها ومازال السينمائي المغربي المبدع إدريس المريني” يحضر في مقال نقدي للباحث في الجماليات البصرية إدريس القري، اهتم بأحدث أفلام المخرج “جبل موسى”.

ويرصد الباحث في تجربة إدريس المريني “تنوعا في المواضيع وقدرة هائلة على تحقيق سلاسة في الحكي وترجمة سينمائية لحس المتفرج، دون متاجرة بالوظيفة النبيلة للسينما”، وهو ما تتبعه إلى فيلم “جبل موسى” الذي “أنجزه السينمائي إدريس المريني بطعم تغيير كبير في مسار الفيلم السينمائي المغربي”.

ويقرأ القري هذا العمل في ضوء واقع التجارب السينمائية المغربية، وينتقي منه ما يفصح عن “قدرة جميلة في تحقيق إضافة نوعية لتراكم الفيلم المغربي”، تصدح “دليلا قاطعا” على أن “القِدَم في التلفزيون لا يسبب تلف القدرة على السينمائيّ لدى حامله”.

هذا نص المقال:

فيلم “جبل موسى” للسينمائي إدريس المريني: مقام التساؤل ومتعة اليقين – إدريس القري

التنوع والإصرار

رحلة جميلة تلك التي أنجزها ومازال السينمائي المغربي المبدع إدريس المريني دون جلبة ولا ادعاء؛ تنوع في المواضيع وقدرة هائلة على تحقيق سلاسة في الحكي وترجمة سينمائية لحس المتفرج، دون متاجرة بالوظيفة النبيلة للسينما، وهي المقاربة النقدية التربوية لمجتمع يحمل الكثير من تناقضات المراحل الانتقالية بين “أصالةٍ” و”معاصرةٍ”، مغرمٌ بها المغربي في تركيبة تعاند هجانتها في المقاومة ذهنية وسلوكا.

يقترن اسم السينمائي المغربي إدريس المريني بأفلام لا يمكن تجاوزها عند مقاربة المتن السينمائي المغربي؛ فمن التاريخ إلى الحب ( فيلم بامو)، ومن المونوغرافيا الفردية المشرقة إلى الدراما المستشرفة لهوامش النمطيات ورفع الدوغما عنها (فيلم العربي)، ومن هيمنة الأفكار المسبقة إلى الانفتاح على الواقع والكونية (فيلم عايدة)، ومن الكوميديا الكاسحة والمكتسحة إلى التقاط حس جماهير شباك التذاكر وميولاتها (فيلم الحنش)، ومن سطحية اعتبار مقام التساؤل إلى تمجيد متعة اليقين، ضدا على مرارة الشك الريبي، وشجاعة طرح جميل لحرقة البحث عن الذات (فيلم جبل موسى): تلك هي رحلة الإنجاز الإبداعي لإدريس المريني، دون أخذ لإبداعاته التلفزيونية المتعددة والمتميزة.

ما مناسبة هذا القول؟..

مناسبة هذا القول في الرجل إخراج فيلم “جبل موسى” أو الحكيم، الذي أنجزه السينمائي إدريس المريني بطعم تغيير كبير في مسار الفيلم السينمائي المغربي، متحديا، وفي صمت دائما، ليس الرواد الذين سبقوه زمانيا، أو مرافقيه الذين ركزوا على تيمات محددة كالمرأة مثلا، أو الشباب وبعض إبداعاتهم المتنوعة، مقابل انتشار مثير لاستسهال للإخراج السينمائي المُركَّب على الرغم من إنجازات الجميع الهامة، التي هي اليوم محل تساؤل ومساءلة عن مدى قدرتها على التحول الجمالي البنيوى، بما يساير التواصل مع المجتمع وبنياته الذهنية والتواصلية، التي تغيرت لغة تواصلها وأولويات اهتماماتها والقيم الجمالية والسياسية والاجتماعية التي تفهمها وتوظفها في التواصل الجماهيري.

تحريك الراكد

يخرج فيلم السينمائي إدريس المريني في ظل بروز جيل جديد من المخرجين المغاربة يراهنون على تجديد وتحريك للراكد؛ إنه جيل من المفروض أن يحمل مشعل التغيير والمغامرة الجمالية والمجازفة في تجديد وإحياء مضامين وأسئلة وانشغالات جمالية جديدة، تتجاوز المتكلس والمتكرر في متن الفيلم المغربي، دون استسهال ولا تلاعب بما لم يتقنه من لغة السينما، ومن ابتعاد عن واقع يبدو لأغلبيتهم سهل الاستيعاب ويسير الاقتباس، بينما هو وليد مسار قرون مازالت السوسيولوجيا المغربية تثابر في فهمه، مستثمرة تراثا سوسيو أنثروبولوجيا واجتهادات فكرية فذة تحاول فهمه، في وقت ليس لهم بها علم ولا هم يسعون إلى ذلك، ذلك ما نرى أن فيلم “جبل موسى” ينهض بجزء غير يسير منه متحديا من ننتظر منهم ذلك.

من الحكاية البسيطة، بل والتبسيطية في الغالب، ومن البنية الدرامية المستهلكة حتى وهي “مرصعة” بنوع من العرض النمطي من معضلات المساواة والفساد ومظاهر تلوث فضاءات العيش المشترك، ومن الإخراج التقليدي الجامدِ فيه دورُ الكاميرا وجماليات تموضعاتها دون مساحيق التقنيات الأفرغ من جوف أم موسى، إلى السيناريوهات الملتقطة للمألوف لافتقارها إلى عمق مضامين وسمو العين والفكر المتميزين في النظرة والنظر، في الحوارات وفي المواقف، وفي التشخيص الموجه بحس عميق في التنسيق بين قدرات المشخص وبين عمق الشخصية، من هذه إلى تلك يبصم السينمائي إدريس المريني في فيلم “جبل موسى” على قدرة جميلة على تحقيق إضافة نوعية لتراكم الفيلم المغربي.

ما الحكاية وما شاعريتها؟

صديقان خلقتهما فرصة التعيينات في مناطق نائية بالمغرب لأساتذة التعليم الثانوي؛ كل شيء مختلف بينهما غير الولع بالفكر الفلسفي والاستعداد لمعاقرة السؤال وفحص مدى ملاءمته. إن الإضافة هذه المرة في فيلم “جبل موسى” هي أن المعلم أستاذ فلسفة (مروان من أداء الممثل عبد النبي البنيوي)، مقابل شاب مُقعد، (حكيم أداء الممثل يونس بواب)، مُطلع على الفكر الفلسفي ومهووس به كما هو مولع بالأدب الروائي والفكر الرفيع، صقلت الحياة بصعوباتها شخصيته، وجعلت منه محاورا وندا شرسا لأستاذ لا يطمح سوى إلى استقرار مهني هش، ولربما إلى تأهيل اجتماعي ينتهي به خارج دائرة التساؤل الذي يهزم الدوغمائيات، مقابل تأدية ثمن صعب يبدو الشاب أكثر تأهيلا لأدائه.

لن أحكي قصة الفيلم فذلك شأن الكتابات الصحافية الدعائية، كما ينبغي على من قرأ وتولد لديه فضول الذهاب إلى قاعة السينما لمشاهدة الفيلم، مشاهدة لن أتوانى على تشجيعها شريطة التمعن في الحكاية، فهي مثيرة للسؤال وللتساؤل: الأول، أي السؤال، يسكن لدى نمطيي التفكير والمزاج والشخصية من المتفرجين، وسيكون على هؤلاء التخلص من الإسقاطات للاستمتاع بالفيلم، أما التساؤل فلكل من يحمل حدا أدنى من التمييز بين السؤال وكميته، والتساؤل ونوعيته، مقتنع بأن خلخلة الموروث ومساءلة المتكلس والنمطي والمألوف والاعتيادي والمريح والجاهز هي الطريق نحو مقام التساؤل ومتعة اليقين النسبي المتطور باستمرار.

حكاية صعود

بعد حوار يتوقف ليستمر ويحتد ليهدأ ثم ينتهي أخيرا بنسج علاقة تواطؤ ومحبة بين معلم الفلسفة، الذي يمثل نموذجا لمواطن مسالم وساذج نوعا ما، (الفلسفة لا تقبل لا الغباء ولا السذاجة)، وحكيم (الساخط المتبرم من نفسه ومن الناس أجمعين)، الطبيب المنقطع عن إتمام تكوينه وعن مخالطة الناس، تبريرا لا إراديا – أو إراديا – لخطيئة ثقيلة على ضميره لم يخترها عنوة، وفي خضم معركة لا هوادة فيها بين ظلامية تفكير تكفيري يقدمه إدريس المريني في صورة طريفة وقاسية وذكية في الوقت نفسه، وبين تحرر متفلسف يمثله الصديقان بشكل مباشر، وتمثل روحه سلوكا كل من فتيحة وعائشة السخيتان كأم، في خضم هذا الحوار بين الشخصيتين الرئيسيتين – برهن السينمائي إدريس المريني عن كعب عال في إدارة ممثلين مقتدرين منهم على الخصوص عبد النبي البنيوي ويونس بواب والسعدية أزكون؛ كما برهنوا هم عن موهبة وإبداعية جميلة – وفي خضم مسار درامي متصاعد ومشوق وسلس، سيعني صعود مروان وحكيم إلى قمة جبل موسى في نهاية الفيلم السمو بقدوة الأم العفيفة والحنون (فتيحة أداء الممثلة السعدية أزكون)، والاعتراف بتضحيات ومحبة الأم البيولوجية، (عائشة أداء الممثلة سهام أسيف)، وتكريما لفكر فلسفي ولأدب روائي ولمهنة تربوية صعبة، يحملها السينمائي إدريس المريني الذي حملت أفلامه دائما بصمة مخرج تحمل صناعة الفيلم في تصوره معقولية الالتزام، وملاءمة الفكر المدني، وجماليات الكتابة السينمائية الحامل بقضايا مجتمع يتحول نحو عقلانية منشودة بصعوبة ومعاناة.

يجسد السينمائي صاحب “بامو” و”عايدة” و”الحنش” و”جبل موسى” دليلا قاطعا على أن “القِدَم” في التلفزيون لا يسبب تلف القدرة على السينمائي لدى حامله، كما يحمل مقتعد الكراسي تلف الغضاريف في فقراته مع الزمن، وكما برهن الكثيرون على عقم إبداعيتهم من طول عملهم في التلفزيون رغم محاولاتهم، أو بعض من نجاحات صنعتها دعائِمُ وذهبت بذهابها عنهم.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال