"أيام القر" تجلب أطباقا ومأكولات شتوية دافئة إلى "موائد سواسة"

"أيام القر" تجلب أطباقا ومأكولات شتوية دافئة إلى "موائد سواسة"
صور: هسبريس
الإثنين 11 يناير 2021 - 14:00

لا تزال عدد من المناطق في سوس تحتفظ بأنماط غذائية تتنوع بتنوع الفصول والمناسبات؛ ففي فصل الشتاء الذي يشهد تغيرات مناخية تتسم أساسا بانخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار والثلوج بالمرتفعات، تحضر بالمائدة “السوسية” أطباق تحمل في طياتها دلالات الارتباط بالهوية والتاريخ والأرض، فهي أكلات شتوية تستهلك حين يشتد البرد القارس، وتساعد الجسم على مقاومة برودة فصل الشتاء، وتعتمد في إعدادها مكونات من الزراعة المحلية كالحبوب والقطاني. كما يكون لطرق الطهي التقليدية ووسائله وأوانيه، إلى جانب طقوس تناولها، لا سيما الأكل الجماعي، حضور قوي، يزيد تلك الأطباق لذة ومذاقا.

شاي وخبز وأطباق تقاوم البرد

خلال الساعات الأولى من الصباح، تتراءى لك أدخنة صاعدة من الأماكن المخصصة للطهي في المنازل والتي تدعى “أنوال” أي المطبخ، إذ تقول عائشة، وهي امرأة مسنة في عمق جبال اشتوكة، إن “المرأة القروية، خاصة في المناطق الجبلية، ما زالت متشبثة بكثير من العادات في هذا الخصوص، إذ هي أول من يستيقظ، لتتجه صوب ‘أنوال’ لإيقاد النار في ‘إينكان’ من أجل طهي الخبز، الذي له شكل لولبي، أو في ‘تفرنوت’ وشكله دائري تؤثثه أشكال الأحجار الصغيرة التي وضع فوقها أثناء الطهي، ويستعمل الفحم المأخوذ من ‘إنكان’ أو ‘تفرنوت’ لغلي الماء المستعمل في إعداد الشاي، والذي يعد أحد المكونات الرئيسية للفطور البلدي، وقد يعطر بالشيبة أو بالأعشاب المحلية المنسمة التي تدخل الدفء على الأبدان وتمنحها مناعة ضد الأمراض خاصة نزلات البرد، إلى جانب الزبدة البلدية والسمن والعسل والأركان”.

كثيرة هي الأكلات التي تشكل عماد المائدة القروية، والجبلية على الخصوص؛ فـ”تاكلا” تحضر بقوة بأعالي جبال سوس في هذه الفترة المتسمة بانخفاض درجات الحرارة وانطلاق السنة الفلاحية “و’ليالي’.

وتقول السيدة عائشة : “نعم، ما زالنا متشبثين بما ورثناه عن أجدادنا. أكلات ‘تاكلا’ و’أوركيمن’ و’تالخشا’ و’أزكيف’ أطباق تحضر في هذا الموسم، لا يمكن الاستغناء عنها، وتدخل ضمن الطقوس الغذائية المتجذرة في تاريخنا، ولها دلالات عميقة، كالتربية على تدبير الندرة والاعتماد على الحبوب والقطاني المخزنة كآلية تدبيرية احترازية للمعيش اليومي، إذ لا يخلو بيت من هذه المواد طيلة السنة، عكس ما نراه اليوم”.

أغذية تساير المجال الجغرافي

الحسين بويعقوبي، الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، قال، في تصريح لهسبريس، إن “الحديث عن الممارسات أو العادات الغذائية بمنطقة سوس خلال فصل الشتاء يستوجب الإشارة إلى أن سوس منطقة شاسعة ومتنوعة من حيث الخصوصيات الجغرافية بين الساحل والسهول والمناطق الجبلية والواحات، مما تختلف معه تلك الممارسات الغذائية وتساير خصوصيات المجال الجغرافي لكل منطقة”.

وأورد بويعقوبي أن “الاختيارات الغذائية في هذه الفترة المتسمة بانخفاض درجات الحرارة يتحكم فيها ما هو متوفر في كل مجال، ويهدف بالأساس إلى سد رمق الجوع والرفع من السعرات الحرارية للجسم. ولذلك، يتم الاعتماد أساسا على أكلات من قبيل ‘تاكلا’ بتوفر المواد المستعملة في إعدادها، خاصة الشعير والذرة، ولما لها من دلالات أخرى مرتبطة ببداية السنة الفلاحية الجديدة. أما في السواحل، فنجد الكسكس التقليدي بسمكة ‘تسركالت’، بالإضافة إلى ‘تالخشا’ أي البيصارة في منطقة أكلو مثلا. وفي المناطق الجبلية، تستهلك أنواع أخرى من المأكولات كأوركيمن والحريرة ‘أزكيف’ وغيرها، فضلا عن الخبز التقليدي والمواد الغذائية المحلية كالزيت والأركان والسمن والعسل الحر”.

عادات في طور الانقراض

أكلات تتسيد الموائد في مناطق سوس، وإن كانت المناطق الجبلية أكثر تشبثا بها، إذ قد يكون كثير من هذه الوجبات غائبا اليوم في كثير من المناطق السهلية والساحلية لعوامل عديدة، يقول بشأنها الأستاذ الجامعي الحسين بويعقوبي: “تلك الممارسات الغذائية مرتبطة بنمط العيش التقليدي، وإن كانت بعض منها ما زال مستمرا اليوم؛ غير أن عادات غذائية أخرى انقرضن أو في طور الانقراض لأسباب عديدة، أهمها التحولات التي تعرفها منطقة سوس، اعتبارا لكونها منفتحة على العالم، وتعرف تحولات على مستوى الإنتاج الزراعي وارتفاع مساحة الزراعة العصرية، ثم عامل الهجرة الداخلية، الانتقال للعيش بالحواضر، مما يؤدي إلى تأثر الممارسات الغذائية من خلال انقراض بعضها وتبني أخرى حديثة ودخيلة. واليوم، هناك توجه للحفاظ على الموروث الغذائي التقليدي خلال مناسبات معينة، كالزواج والاحتفالات برأس السنة الأمازيغية”.

طقوس تمتد إلى خارج البيت

وفي جانب آخر، تمتد العادات الغذائية في هذا الفصل إلى الأسواق الأسبوعية في القرى والبوادي والجبال المغربية. ويقصد كثير من المتسوقين، خلال الساعات الأولى من الصباح، تلك المقاهي التقليدية، التي تنصب على شكل خيام وتستعمل أفرشة وأوان تقليدية كالحصير والمجمر وغيرهما، إذ لا يحلو للبعض التسوق دون ضرب موعد مع أصدقائه بأحد هذه الفضاءات المميزة لأجل إعداد براد شاي فوق نار هادئة وتناول خبر ‘تفرنوت’ الساخن والمغمور بزيت الزيتون أو الأركان وسط ‘قصعة’. وقد يتكرر المشهد مع الغداء، لتعود المجموعة للم من جديد وإعداد طاجين بمختلف أنواع الخضر واللحم الطري فوق ‘مجمر’، إذ يحلو الحديث وهم ينتظرون أن يكتمل طهيه.

‫تعليقات الزوار

10
  • تمازيرت
    الإثنين 11 يناير 2021 - 14:21

    شهيتوني نهبط شي 3 شهور نتمتع بجمال وأكل سوس ونتعلم كلمات أخرى من الشلحة وإلا كتاب نتزوج بسوسية وكما قال الشاعر:إلا بغيتي تربح خود بنت الشلح .
    نتمنى يحافظ المغاربة على لغاتهم وطبخهم (باراكا من ماكلة سناك) ولباسهم التقليدي (قاطعو اللباس الوهابي التكفيري) ويفتخرو بحضارتهم المغربية من الحدود إلى البحر

  • من هنا
    الإثنين 11 يناير 2021 - 14:36

    السلام عليكم الله اعطيكم الصحة والعافية وايييه طياب العواد بنين ابنين بزاف ماشي بحال بيطاغاز مازال تادروك ملي كنمشي عند الواليدة ديالي تنطيب الخبز فالفراح بالعواد امرة مرة تا الكسكسو والحريرة على الكانون بصاح الجماعة كتزيد تبنن الماكلة والسلام

  • fezmidina
    الإثنين 11 يناير 2021 - 14:45

    مغربنا الحبيب غني بالاغدية الصحية الأصيلة…

  • Marocain Lambda
    الإثنين 11 يناير 2021 - 15:34

    يا اخي،
    تتكلم عن هذه الاطباق كأنها قديمة وفي طريق الزوال ! انا اقول لك ان هذا الاكل مغربي اصيل ومتجدر في التاريخ. والمغرب هو هذا ! اعرف سواسة يقطنون في الدار البيضاء، ميسورين الحال جدآ ولم ينسوا ابدا تقاليدهم وعاداتهم ولاسيما مع دخول ”يناير” راس السنة الامازيغية الذي يناسب
    هذه السنة يوم الخميس ١٣ يناير. لاحض معي ان اسم شهر يناير امازيغي!
    يا اخي !
    كان من الاجدر ان تمحور مقالك عن الاطباق السوسية حول راس السنة الامازيغية ومعانيها وان تطلب ان يتبت يناير في لائحة ايام العطل الوطنية. فلا لاقصاء والعنصرية ولا لتزوير التاريخ…

  • مواطن2
    الإثنين 11 يناير 2021 - 15:37

    لا شك ان الموضوع يتعلق بالمواطنين البسطاء الذين لا يجدون بدا من تلك الاطعمة. ومن المؤشرات على ان الموضوع يتعلق ببسطاء القوم هو نوع الابريق المستعمل المنشورة صورته صحبة المقال…..وبدون ادنى شك المقارنة غير واردة مع اطعمة الاثرياء التي تتنوع حسب كل فصل من الفصول ان لم نقل كل يوم….مواضيع تجاوزها الزمن. هناك رغد العيش.. وهناك المعيشة الضنكة…..وبينهما مسافة كبيرة لا تقاس.

  • Naima
    الإثنين 11 يناير 2021 - 16:36

    ولن ننسى كذلك طبق اوركيمن الذي يتم اعداده من جميع انواع القطاني والذي يتم طبخه ليلة كاملة فوق الجمر.

    سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

  • عبد السلام
    الإثنين 11 يناير 2021 - 17:55

    مقال جميل ويعرف الموروث الغذائي في هذه المناطق لكن المرجو الانتباه إلى بعض المصطلحات كقولك ”جبال اشتوكة ” فاشتوكة منطقة سهلية والمنطقة الجبلية تسمى ايت باها طبقا للتسميات الإدارية المعتمدة. كما أن الإسم المتعارف قديما لهاتين المنطقتين هو: ايت بها أودرار للمنطقة الجبلية وايت بها أوزغار للمنطقة السهلية وآلله أعلم

  • اولاد ايت أو عمي
    الإثنين 11 يناير 2021 - 18:08

    الى MAROCAIN LAMBADA حتى لامبادا راه امزيغية هندوسية ، مشي غير تافرنوت والعصيدة والكسكوس و زيدها حتى البيتزا والماقارونية بنات عمهم . (بيني وبينك في السر زيد الماحية ) .

  • ملال
    الإثنين 11 يناير 2021 - 19:18

    هدا ما كانت الكوزينة المغربية تعتمد عليه ….اكل وطعمة غذاءية ونظام يوازي منتوج الموسم وخلال سنة يكون الجسم قد استفاد من تنوع غذاءي محلي خالص من كل دخيل ..
    واليوم حين استعمر التاكوس والشوارما والبيتزا والخبز المصنع …والاكلات السريعة الكوزينة المغربية صار النظام الغذاءي له سلبيات صحية واجتماعية على الانسان …استلبنا في كثير من انماط العيش …واصبح الاكل المستورد مضاهاة وتحضرا

  • رشيد
    الإثنين 11 يناير 2021 - 22:18

    الإنسان دائما يستعمل ما يستطيع وما يجود عليه الله في كل فصل; لكن لابد من مسايرة العصر واختراع كل ما هو جديد لتسهيل عيش الجميع. مثلا إذا سألنا: وبالأخص النساء ومن يقوم بجلب (جمع, طلب، شراء…) الحطب (“لعواد”) سوف يقول: البديل احسن.
    اما بالنسبه للمأكولات; يحتمل انقراضها لأن نساء كانت أذكى في تعلم المأكولات التي تتماشى مع الفصول؛ لكن ممكن تحضيرها بالالات الجديدة ومن يريد الرجوع للوراء فلا بأس.
    بالفعل أكلات كثيرة وأشياء أخرى لا علاقة لها بالاكل فكرت في كتابتها على الأقل يضل هذا الكتاب بين العائلة حتى يأتي من ينشره.
    احد من العائلة… يحتفل كل سنة ولو لوحده”بـ “الحواكز” اظن في نفس اليوم الاسم قريب للذي قرأت في مقال سابق (بـ “شفنج”) ولا علاقة له بالامزيغ; على ما أظن!

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش