أي حضور للأمازيغية في التدبير الترابي؟

أي حضور للأمازيغية في التدبير الترابي؟
السبت 12 أكتوبر 2019 - 22:28

لقد تبنى المغرب نموذجا ترابيا يقوم على “الجهوية الموسعة”، وهو قرار ينبغي أن ينهض بالتنمية المجالية لجميع مناطق المغرب بشكل متوازن يلبي الحاجيات المحلية، ويسمح لكل جهة باقتراح وإعداد وتنفيذ مبادرات تنموية تتناسب مع مؤهلاتها الذاتية ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وهذا يعني أن أدوار المجالس الجهوية ومجالس الجماعات الترابية يجب أن تكون أكثر فاعلية، لأن القانونين المنظمين لهذه المجالس يمنحانها اختصاصات وصلاحيات على قدر كبير من الأهمية في ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي. لكن ما يهمنا في هذا المقام هو مدى استجابة القانونين المنظمين لكل من الجهات (111.14)، والجماعات (113.14) للمضامين الدستورية التي تتعلق بالحكامة اللغوية وتدبير التنزيل الفعلي لترسيم الأمازيغية:

1-الجهات:

في ما يتعلق بالجهات لا يتضمن القانون التنظيمي رقم 111.14 أية إشارة لأي دور يمكن أن تقوم به الجهة لإعداد السياسة اللغوية الجهوية التي تحقق مطلب ترسيم الأمازيغية وتساهم في تطويرها. لكن القانون المذكور يتضمن مجموعة من الفصول التي ينبغي استثمارها كمدخل للمبادرة إلى تفعيل المقتضيات الدستورية.

– في المادة 46 نجد من ضمن اختصاصات مجلس الجهة برنامج التنمية الجهوية. وهو إطار مناسب للتفكير في آليات تحقيق تنمية لغوية على مستوى الجهة.

– في المادة 51 “… تكون جلسات مجلس الجهة مفتوحة للعموم…”. وهذا يعني أن المجلس ملزم بالتداول باللغتين الرسميتين معا، وذلك انسجاما مع النص الدستوري الذي يضمن حق المواطن في الحصول على المعلومة.

– تنص المادة 80 على الاختصاصات المرتبطة بالتنمية المندمجة والمستدامة. وتتضمن مجموعة من المهام، من بينها “العمل على تحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها”. وهذا يعني أن الجهة ملزمة بإعداد برامج لتكوين مواردها البشرية. ولا بد أن تحظى الأمازيغية بعناية خاصة في هذا الباب، لأن ولوج اللغة الأمازيغية للإدارات والمؤسسات العمومية يقتضي تكوين موظفين تسند إليهم مهمة إدماجها في كل الإجراءات والوثائق الإدارية التي تخص المواطن.

– المادة 82 تتعلق بالاختصاصات الذاتية للجهة، وتتضمن في المستوى المتعلق بالثقافة اختصاصين:

– الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها.

– تنظيم المهرجانات الثقافية والترفيهية.

وهذان مدخلان أساسيان لتكريس الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال منح الفرصة أمام كل الأشكال الثقافية المعبرة عن الأمازيغية (في المسرح والشعر والموسيقى والصناعة التقليدية وغيرها…).

– المادة 91 تتناول الاختصاصات المشتركة بين الجهة والدولة. وفي المستوى الثقافي تم تحديد ثلاثة اختصاصات مشتركة هي:

– الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية.

– صيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية.

– إحداث وتدبير المؤسسات الثقافية.

هذه الاختصاصات تطرح إشكالية تتعلق بطبيعة الشراكة بين الطرفين. أي إن الجهة ستظل تحت وصاية الدولة، خصوصا في ما يتعلق بتوفير الموارد والاعتمادات المالية لتنفيذ هذه المهام المشتركة.

-المادة 117 تقضي بإحداث هيئة استشارية (من بين هيئات أخرى) لدى مجلس الجهة “بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني التي تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”.

وهذا يقتضي الانفتاح الجدي على الجمعيات الثقافية والتنموية التي تعنى بالأمازيغية لتقديم اقتراحاتها ومشاريعها والاستفادة من تجاربها وتبني مبادراتها التنموية في كل ما يتعلق بتحقيق أجرأة الترسيم.

2- الجماعات الترابية:

القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113.14 لا يتضمن أيضا أية إشارة لدور الجماعة في المساهمة في إدماج الأمازيغية في التدبير الترابي، لكن يمكن الإشارة إلى مادتين ينبغي استثمارهما على هذا المستوى:

– تنص المادة 78 المتعلقة بالاختصاصات الذاتية للجماعة الترابية على مجموعة من المهام، من بينها “تشوير الطرق العمومية”. وهي مهمة ينبغي العناية بها في مختلف الجماعات بما يسمح للأمازيغية بولوج الفضاء العام في كل اللافتات والعلامات التشويرية الخاضعة لنفوذ الجماعة، وهو إجراء تم العمل به حتى قبل الإفراج عن القانون التنظيمي للأمازيغية، لكنه الآن ينبغي أن يكون إلزاميا.

– وردت في المادة 87 نقطة تتعلق بالمحافظة على التراث الثقافي المحلي وتنميته، وذلك من خلال:

-إحداث مراكز الترفيه.

-إحداث المركبات الثقافية.

-إحداث المكتبات الجماعية.

3- مقترحات لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الجهات والجماعات الترابية:

-تشكيل مجالس جهوية تابعة “للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية” من أجل تتبع تنفيذ السياسة اللغوية والثقافية جهويا ومحليا، يكون تدخلها متعلقا بالخصوص بتنمية وحماية الأشكال الثقافية المحلية، باعتبار أن السياسة اللغوية هي من اختصاص المجلس الوطني.

-إعداد ميثاق جهوي يحدد السياسة اللغوية بالجهة في ما يرتبط بالحفاظ على التعبيرات اللغوية المحلية وصيانة التراث المحلي.

-تكوين الموظفين الجهويين والجماعيين في اللغة الأمازيغية، وفتح المجال أمام توظيف أطر جديدة مؤهلة من حاملي الشهادات العليا في مسلك الأمازيغية.

-منح الأمازيغية مكانتها اللائقة كلغة رسمية، وذلك من خلال رفع عدد ساعات تدريسها إلى المستوى الذي يجعلها في نفس مقام اللغة العربية، بالإضافة إلى تعميمها فعليا في كل المدارس الابتدائية في أفق إدماجها في المستويات الإعدادية والتأهيلية. وإذا كان هذا القرار يهم الدولة والقطاع الوزاري المشرف على التربية والتعليم، فإن إشراك المجالس الجهوية والجماعية ضروري على مستوى المساهمة في إعداد مقررات وبرامج تعنى بالثقافة المحلية.

-استعمال اللغتين الرسميتين معا في كل الفضاءات العمومية.

-تحرير كل الوثائق الإدارية التي تتعلق بشؤون المواطنين باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية.

-تعديل القوانين المنظمة للحالة المدنية، حيث تنص المادة 23 من ظهير 1.02.239 الصادر في 3 أكتوبر 2002 على ما يلي: “يحدث دفتر عائلي للحالة المدنية يحرر باللغة العربية مع كتابة الأسماء الشخصية والعائلية ومكان الولادة وأسماء الأبوين بالحروف اللاتينية بجانب كتابتها بالحروف العربية”، لذلك ينبغي تعديل هذه المادة بما ينسجم مع المقتضى الدستوري. (الأمر نفسه ينطبق على نسخ رسوم الحالة المدنية التي ينبغي أن تكتب بالأمازيغية أيضا)…

إن مطلب تدبير السياسة اللغوية يظل شأنا مشتركا بين الدولة والمجالس المنتخبة جهويا ومحليا، لكن اختيار المغرب لمشروع الجهوية الموسعة يمنح لمسيري الشأن المحلي دورا كبيرا في الرقي بالتنمية المجالية. وفي هذا الإطار يجب أن نضع في اعتبارنا أن المغرب حديث العهد بالتجربة اللغوية الجديدة؛ فالأمازيغية تحتاج أولا إلى جبر الضرر بالمعنى الحقوقي للمفهوم، أي إننا نحتاج إلى عدالة لغوية حقيقية حتى لا يظل الترسيم حبرا على ورق. وتلك هي المهمة الأساسية التي ينبغي أن تناط بـ “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”؛ فالأمازيغية في حاجة ماسة إلى الحماية والتنمية في أفق ترسيمها في كل مناحي الحياة. ومن ثم، يلزم أن تكون هذه المؤسسة الدستورية جهازا تقريريا يسهر على مراقبة وتوجيه المستوى الإجرائي لترسيم الأمازيغية، ويساهم في تقوية حضورها في كامل التراب الوطني.

‫تعليقات الزوار

5
  • فريد
    الأحد 13 أكتوبر 2019 - 07:11

    الدستور يحتوي على كل مايلزم لتسيير الدولة ،لكن المشكل يقبع في إنعدام القوانين لتطبيق الدستور أي القوانين التي تجيب عن أسئلة مَنْ،مَتَى،كَيْفَ،لِماذا…تنزيل هاته القوانين من إختصاص البرلمان والحكومة،وهنا تكمن اللعبة والتلاعب :الأمازيغية لغة رسمية للبلادولكن ليس هناك لحد الآن قوانين منظمة لهاته الرسمية ،أي ليست هناك دوريات لدى الموظفين العموميين تؤطر هاته الرسمية وهذا البلوكاج راجع لأن الأحزاب العروبية ( الخوانجية والإستغلال) لاتريد للأمازيغية وجودا ،وهذا الأمر هو ماسيقع على مستوى الجهات أي لا محل للأمازيغية في التدبير الترابي،الجهوية فكرة رائعة لأنها ستمكن التعليم والصحة على الأقل من تكوين أبناء الجهة للتدريس والتطبيب في منطقتهم بدل إستقدام أبناء الجهات الأخرى وما يترتب عليه من غيابات وردائة المردودية أو إنعدامها ،ولكن الأمر سيبقى رهين "الرباط" .وجل ما جاء به الدستور الجديد لم ولن ينزل لأن هناك جهات ما (ليس جهة) لاتريد ذلك وسنبقى نفتخر بأن الدستور يُقِرُّ بحقنا في السكن ،التمدرس ،التطبيب …(en payant).

  • Djokovic's
    الأحد 13 أكتوبر 2019 - 17:30

    الامازيغية لغة لا وجود لها و لا امتداد شعبي لها، مجرد كلمات تم صناعتها في مختبرات المخزن.. تدريسها سينتهي بالفشل، لأنه جاء نتيجة خيار سياسي و ليس نتيحة مطلب شعبي.. المغاربة يرفضون تعليم لغة ليست لغتهم لأبنائهم، و يرفضون الخروج عن تقاليد الاباء و الأجداد، و الذين كانوا يدرسون و يكتبون بالعربية حتى في المناطق الناطقة بالبربريات المختلفة

  • كفى
    الأحد 13 أكتوبر 2019 - 21:55

    أي حضور للأمازيغية في التدبير الترابي؟

    ومن يسير التدبير الترابي
    غير البربرية. بما يزيد على ٪97 من اهلها
    الحكومة
    البرلمان
    الاحزاب
    العمدة
    الجهات
    الاقتصاد
    الكرة
    حتى الهلال اصبح بربري
    فمن يدبر التسيير
    لا اظن العرب في الكعكة
    حكومتان مرت
    وهذه التالتة
    جلها بربرية
    وما ذا تريدون اكثر

    كفى من الهولوكوست

  • الحسين وعزي
    الأحد 13 أكتوبر 2019 - 22:24

    إلى 1 – فريد

    التعثر الذي تعيشه الأمازيغية تفسره بالتالي: (( هذا البلوكاج راجع لأن الأحزاب العروبية ( الخوانجية والإستغلال) لا تريد للأمازيغية وجودا)). أنت تكذب على نفسك بهذا القول، فحزب الاستقلال خارج الحكومة، ورئيس البيجيدي الذي هو رئيس الحكومة أمازيغي، ومتحمس للأمازيغية ربما أكثر منك.. إذا كان هناك بلوكاج، فابحث عنه في مكان آخر، وتذكر أن من بين أسباب التدمير، وليس البلوكاج، الذي تتعرض له الأمازيغية حاليا هو ليركام، فلقد اختزلها في البلزة، وقرر تدريسها بحرف بائد وميت ومحنط، وهذا يعني الحكم عليها بالإعدام البطيء..

  • Reseaux
    الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 - 10:27

    باراكا من لكدوب علي المغاربة
    فهدفكم واضح هو التفرقة وخدمة اهداف معادية لمصلحة المغرب
    المغاربة كلهم ابناء وطن واحد والعربية لغتهم الأولى

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات