إنها ليست "كذبة أبريل" ...هي " تلغيم " تاريخ

إنها ليست "كذبة أبريل" ...هي " تلغيم "  تاريخ
الأربعاء 1 أبريل 2015 - 13:55

“كذبة أبريل” أو ” سمكته “، دعابة تمارسها الشعوب الغربية يوم فاتح أبريل من كل سنة. والأصل، في هذا التقليد “العابث”، كان قرارا جديا اتخذه شارل التاسع سنة 1564 بتغيير احتساب فاتح السنة من فاتح أبريل إلى فاتح يناير. وعلى مر العقود والقرون، كرس الغربيون فاتح أبريل يوما للمقالب والكذب “الحلال” تحت شعار ” السمكة ” بعد أن فقدت قيمتها في يناير، وهي التي كانت هدية ثمينة في القرن السادس عشر بمناسبة بزوغ السنة الجديدة في أبريل.

بعض كذبات أبريل أحدثت ضجّات و حتى أوقعت ضحايا وخرجت عن حدود الدعابة…وربما من وحي ذلك التمرين على إنتاج الكذبات ذات ملامح الحقيقة، استقى “العقل الاستراتيجي” الأمريكي تلك الكذبة أو الفرية، مع بداية سنوات الألفين، التي تولدت عنها هذه الحقائق المرعبة التي تتلاطم أمواجها على الأرض العربية …ولم يكن ذلك “العقل” في حاجة إلى “مبرر” أبريل ” ليزمجر” في وجه العالم من البيت الأبيض ومن نيويورك مرددا كذبة خطورة “أسلحة الدمار الشامل” التي يملكها صدام حسين، ويصرخ بضرورة تجريده منها، حفاظا على السلام العالمي.

ستقول الإدارة الأمريكية، بعد أن نفثت تلك الكذبة كل سمومها، أنها كانت ضحية معلومات غير دقيقة وتحليلات لم تكن صائبة في موضوع أسلحة الدمار الشامل. تذكروا “اعتذار” كل من الوزير كولين باول و بعده مدير المخابرات المركزية الأمريكية، وكلاهما من دافع بشراسة، في جلسة مجلس الأمن الشهيرة، عن وجود أسلحة الدمار الشامل يخبؤها صدام حسين في مكان ما في العراق. اعتذارهما جاء بعد أن لم يبق مكان ما في العراق لم تطأه القوات الأمريكية في العراق، بلا أثر فيه لأسلحة دمار، بعد الغزو، الذي لم يحصل لكي يبحث في العراق عن أسلحة دمار أول من كان يعرف أنها لم تكن موجودة الإدارة الأمريكية نفسها. والحاصل أن تلك الكذبة هي من كانت سلاح الدمار الشامل الحقيقي الذي قصف العديد من الأقطار العربية، ودكّ عمرانها و مزق أنسجتها الاجتماعية و أطلق فيها مردة الفتن…وأخطرها الفتنة الطائفية.

و كانت تلك الفتنة الطائفية قد جُربت حين أشعلت وأدت إلى حرب أهلية دامت 15 سنة في لبنان، وهي حتى الآن محتفظة بجمرات متفرقة وقابلة للاشتعال، في تجاويف الحياة السياسية اللبنانية. ومن نوع تلك الفتنة الطائفية ما يجتاح أقطار عربية ويهددها بدوام عوامل تجددها وإيقاظها.

آثار تلك الكذبة وما تلاها من غزو غربي وبقيادة أمريكية للعراق، هو ما نعيشه اليوم تحت مسمى “الفوضى الخلاقة” والتي لا نرى منها اليوم سوى “الفوضى”، فوضى هدفت إلى تقويض دعامات الدولة الوطنية في الأقطار العربية واستبدالها بدول دينية على قاعدة المحاصصة الطائفية أو حتى دول الطائفة الخالصة. الدولة الوطنية قاعدتها المواطن بحقوقه وبواجباته، بما يؤمن أن يكون الوطن ملكا لجميع المواطنين، وهو ما يحتم توفير آليات ديمقراطية لتدبير “الملكية المشتركة” أو الجماعية…ويمنع البلد لحماية مصالحه الوطنية.

اليوم إسرائيل تشترط على القيادة الفلسطينية الاعتراف بها دولة يهودية، بما يمكنها أن تكون دولة كل اليهود في العالم، وبما يُبقي الفلسطينيين في إسرائيل، مسلمين ومسيحيين في درجة أدنى من مواطنة اليهودي، وجود دولة وطنية وديمقراطية في محيط إسرائيل مزعج لها و محرج. الديمقراطية اللبنانية، حتى وأساسها طائفي، مزعجة لإسرائيل… الدولة الوطنية والديمقراطية الفلسطينية هو ما تعرقل إسرائيل تحقيقه في مشروع ” حل الدولتين “.

و من هذا المحدد الإستراتيجي، نلاحظ هذا السعي إلى ” تطييف” هذه الأمة دولا ومجتمعات، وإلى تغذية الطوائف بالمنشطات السياسية والإعلامية والمالية وحتى العسكرية، مباشرة أو بالوكالة العربية أساسا.

ذلك ما حدث بالواضح في العراق (تغليب حكم الشيعة ضد السنة)، وفي سوريا (خلق معارضة سنية، “النصرة” و” داعش “، ضد الحكم الذي يتم التركيز على أصوله الشيعية). التطلّع الديمقراطي لشعب البحرين جرى الالتفاف عليه بتغليب الهوية الشيعية للمعارضة. إنه عراك لتحويل أنظار هذه الأمة نحو “ماضيها التليد”، وتضييع مسار المستقبل أمامها. ذلك “الجهد” قد بلغ تطبيقه اليوم في اليمن إلى ذروته ووصل إلى مُبتغاه.

الشيعة الزيدية (من أصل معتزلي)، يمنِيون مندمجون في النسيج الاجتماعي والديني لليمن، وقد حرصوا على إبراز يمنيتهم قبل مذهبهم على مدى عقود من تاريخ اليمن ومنذ تأسيس الدولة اليمنية، وكانوا قد أسسوا المملكة المتوكلية سنة 1918، والتي أسقطت سنة 1962 بتدخل مصري، دعما لإقامة النظام الجمهوري. و لم يبرز اصطفافهم الشيعي إلا مع بداية سنوات الألفين، حين خاضوا أول حربهم مع الدولة اليمنية. تذكروا أنه مع بداية تلك السنوات، بدأت “الفوضى الخلاقة ” تدُب في أوصال المنطقة العربية.

و منذ تلك الحرب سنة 2001، بدأنا نسمع عن الحوثيين وعن جند أنصار الله، ودخلت معهم على الخط إيران في تمدد جغرافي سياسي لها على الخليج بعد أن خلا لها التاريخ من العراق…الذي “أكلته” أمريكا…والذي باتت إيران تعتبره مشمولا برعايتها بالنظر للقرابة الطائفية مع حكامه وبالنظر لهزاله.

لا الأمم المتحدة بوساطتها ولا تعدد دورات ومستويات الحوار بين الأطراف، مكنت من وضع اليمن على سكة بناء الوطن الديمقراطي للجميع. الفتنة انتشرت ونفذت إلى الشرايين حتى أضحت الصراعات السياسية اليمنية في مستوى أدنى من الصراعات الدولية ومجرد أداة لها، انطلاقا من اليمن وحوله. لتسهيل اختراق إيران للخليج العربي، وللتموقع في مستقبل “تشظيه”، كما تتوقع له نظرية “الفوضى الخلاقة” الشهيرة .

حاصل تلك التفاعلات كان لا يبدو أن يؤدي إلى حرب ضد الشيعة الحوثيين، هي في عمقها حرب ضد إيران. نفس إيران التي هي بصدد التوصل إلى اتفاق تاريخي، بينها وبين الغرب بقيادة الإدارة الأمريكية، حول السلاح النووي و حول تطبيع العلاقات معها، و لعل اليمن في كل هذا مجرد أجر أو ثمن. والشعب اليمني هو الذي يتيه عن مسار تطلعاته التنموية والديمقراطية، وسط هذه المتاهة التي وضعت فيها المنطقة.

حرب انطلقت لكي تستمر، التحالف العربي وُضع أمام ضرورة خوضها، وربما أفضت إلى حرب أكبر أو أوسع بهدف وقفها…لأنها متناسلة من حروب سياسية وعسكرية متناثرة على شساعة المنطقة…ومتصلة بحلم تلك الكذبة، المقترفة ضدنا عن عمد و ترصُّد و سبق إصرار…بأن يحل بنا “الدمار الشامل “.

عبد الله البردوني، الشاعر اليمني الكبير، سبق وأن قال “فظيع جَهل ما يجري وأفظع منه أن تدري”.

‫تعليقات الزوار

5
  • شعر مظفر
    الأربعاء 1 أبريل 2015 - 16:30

    بملء رغبتي أنا ودونما إرهاب
    أعترف الآن لكم بأنني كذاب
    وقفت طول الأشهر المنصرمة
    أخدعكم بالجمل المنمنمة
    وأدعي أني على صواب
    وها أنا أبرأ من ضلالتي
    قولوا معي اغفر و تب
    يا رب يا تواب
    قلت لكم إن فمي في أحرفي مذاب
    لأن كل كلمة مدفوعة الحساب
    لدى الجهات الحاكمة
    أستغفر الله فما أكذبني
    فكل ما في الأمر أن الأنظمة
    بما أقول مغرمة
    و أنها قد قبلتني في فمي
    فقطعت لي شفتي من شدة الإعجاب
    قلت لكم بأن بعض الأنظمة
    غربية لكنها مترجمة
    وأنها لأتفه الأسباب
    تأتي على دبابة مطهمة
    فتنشر الخراب
    و تجعل الأنام كالدواب
    و تضرب الحصار حول الكلمة
    أستغفر الله فما أكذبني
    فكلها أنظمة شرعية جاء بها انتخاب
    وكلها مؤمنة تحكم بالكتاب
    وكلها تستنكر الإرهاب
    وكلها تحترم الرأي و ليست ظالمة
    وكلها مع الشعوب دائما منسجمة
    قلت لكم، إن الشعوب المسلمة
    رغم غناها معدمة
    وإنها بصوتها مكممة
    وإنها تسجد للأنصاب
    وإن من يسرقها
    يملك مبنى المحكمة
    ويملك القضاة و الحجاب
    أستغفر الله فما أكذبني
    فها هي الأحزاب تبكي
    لدى أصنامها المحطمة
    و ها هو الكرار يدحو الباب
    على يهود الدونمة
    وهاهو الدين لفرط يسره
    قد احتوى مسيلمة
    فعاد بالفتح بلا مقاومة
    من مكة المكرمة.

  • hammouda lfezzioui
    الخميس 2 أبريل 2015 - 10:07

    عاش العرب في جاهليتهم زمنا طويلا في جهالة عمياء

    قبائل متفرقة متناحرة,يلجئهم فقرهم الى الاتصاف بصفات مرذولة,

    كقتل الاولاد خشية الفقر

    واحتقار المراءة واعتبارها جنس غير ادمي لاتصلح الا لاشباع الرغبات,

    وواءد البنات.

    وكان شعراءهم ينشدون الاهازيج على الحان العصبية والعداوة بعدما تمتلئ البطون خمرا.

    هذا ببساطة هو ماضيهم.
    حاضرهم كله مؤامرات وخيانات,واذاقوا شعوبهم من الويلات ما يستحيي من فعله ابليس.

    انعم الله عليهم بالنفط,وجنوا من ذلك اموالا طائلة
    لم يحسنوا استغلالها .
    فاجتمع فيهم الجهل والثراء الفاحش واصبحوا الهة ,ويرون في غيرهم من البشر عبيدا.

    وعلى ما يبدو والله وحده اعلم,انهم يحنون الى ماضيهم ,وما ذلك اليوم ببعيد
    فالضرع سينضب لا محالة.لان علماء الكون يبحثون عن البديل ليل نهار,
    وكل تقديراتهم تشير الى احتمال استغناء العالم عن النفط في القرن المقبل.

    انصبوا الخيام منذ الان,واكثروا من تربية الابل لتجدوا شربة ماء احمض(بول البعير)في صحراء قاحلة تقيكم من المرض والعطش.

    وستعود الضباب المشوية الغذاء

    المفضل بعدما تم

    استبدالها باطباق الارز والخرفان.

  • لعور
    الخميس 2 أبريل 2015 - 15:05

    أهنئ الأستاذ الأطلسي على هذا المقال الرائع بنفسه القومي العبق. مقال يذكرنا بالمقالات التي كنا نقرأها أيام زمان لنفس الكاتب في جريدة أنوال الغراء. شكرا أستاذ طالع.

  • خليل
    الخميس 2 أبريل 2015 - 15:33

    الى صاحب التعليق رقم 2:
    هون عليك فنحن أمة تمرض ولا تموت، وتاريخنا يشهد على ذلك، وأما تشفيك في العرب بنضوب البترول فهو أمر قادم لامحالة، ولكن ما لاتعلمه أن مستقبلنا مشرق ومستقبل الغرب مظلم، ألم تسمع بالحديث النبوي الشريف الذي يقول: ((لن تقوم الساعة حتى تعود بلاد العرب مروجا وأنهارا)) ؟؟
    فالصحاري العربية كانت قبل بضعة آلاف من السنين أراض خضراء تعج بالحياة في الوقت الذي كانت فيه أوروبا وأمريكا الشمالية تئنان تحت وطأة زحف جليدي هائل، ولاحظ معي أن الرسول -ص- قال: ((حتى تعود)) ولم يقل: ((حتى تصبح أو تصير)) بمعنى أنه كان يعلم بأن بلاد العرب قد كانت مروجا وأنهارا، ومن أخبره بهذه المعلومة أخبره أيضا بالمستقبل، وهو ما يعرفه اليوم ويؤكده كل العلماء الذين يجمعون على أن عصرا جليديا قادما لامحالة وسيهلك الغرب مقابل زرع الحياة في أرضنا القاحلة

  • hammouda lfezzioui
    الخميس 2 أبريل 2015 - 17:05

    ا لى صاحب التعليق رقم 5خليل,بعد التحية,
    لدى بلاد العرب ما يكفي من المؤهلات منذ الغد لجعل بلادهم مروجا وانهارا كما تتمنى.

    ما يقارب 800مليار دولار تملكها السعودية وحدها في ابناك الغرب باوروبا وامريكا على شكل ودائع وسندات.

    وهو مبلغ ضخم كافي لجعل الجزيرة العربية مروجا وانهارا,

    لكن المشكلة يا اخي تكمن في الاستغلال السيء لاموال الشعوب

    وما عاصفة الحزم التي استاسد فيها الجار العربي الغني على شقيقه الفقير بغير وجه حق لخير مثال.
    والله وحده يعلم كم ستكون فاتورة العدوان التي ستستخلص من تلك الاموال المجمدة.

    ان التشفي ليس من قيم وشيم الامازيغ الاحرار

    انها صفات اهل العروبة وحدهم دون غيرهم من الشعوب ,مثل الغذر

    اما اخلاق الامازيغ فيمكن تلخيصها في مقولة شاعرنا الشهيد

    سعيد سيفاو ''اجيد لعبة السكين مثلما اعرف اختيار الردف لكني لااعرف اتقاء الطعنة التي تصيبني الخلف.''

    وبخصوص الحديث النبوي

    فلم اسمع به يا اخي قط

    لكني سمعت بادني عبارات في مساجدنا مثل ''اللهم يتم اولادهم وعقم ارحامهم''

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل