البشير "الگاوري"

البشير "الگاوري"
الأربعاء 6 يناير 2021 - 15:59

قصة تراجيدية تقوم على أحداث حقيقية؛ كانت أكادير مسرحا لها؛ حاول الكاتب جردها من معالمها الأصلية ليفرغها في قالب قصصي، تدور وقائعها حول شبكة دولية للاتجار في المخدرات؛ تتزعمها حسناء فرنسية؛ اقترنت بالبشير “الگاوري” اقتران الحب برنين الدولار!

بأحياء مراكش

ألفته بازارات مدينة البهجة؛ كانت زياراته شبه يومية وكأنما هناك عقد شفاهي بات يقضي بولوج البشير إليها مصحوبا بفيالق السياح من جنسيات ألمانية وفرنسية وبلجيكية، تعرفه أحياء مراكش بخفة الظل وظرافة “الگاوري”، كانوا يضفون عليه لقب “الفنا” كمعلمة موغلة في الثقافة الشعبية مما تزخر به ساحة الفنا… كانت ثلاث رايات تترنح فوق الرقاب كطلائع فيالقه، كلما شقت طريقها بشارع أو ساحة إلا وتأخذ أصوات التباعد تتنادى بين المارة: “سيلفوبلي… بليز… بليز أتانسيون”، كإشعار بمرور البشير “الگاوري” مع فيالقه السياحية؛ أعين تتموج بين الأخضر والعسلي والبني؛ كانت مأخوذة بالمعروضات النحاسية والجلدية والنسيجية والخشبية؛ وهي تحتل مداخل وجنبات المحلات، مزهوة بألوان مزركشة أخاذة؛ تلوح من بعيد كلوحات تشكيلية من الفن التجريدي؛ بتموجاتها وملامستها أحيانا لرقاب المارة من السياح وعابري سبيل ومتسكعين ومتسولين… لا تنفك أصابعها تضغط على أزرار الكاميرات لتوثق لهذه اللوحات الحية بلغط المارة أو مروق نشالين سقطت بأيديهم همْزات فزهدوا في الباقي، حيوية نادرة قلما شاهدوها في أوطانهم؛ تختلط فيها الحداثة بالأصالة والبساطة والألوان الزاهية والهرج والمرج..!

إذا ولج بهم ساحة الفنا تطْفق النسانيس في الرقص حبورا وبهجة بقدوم هؤلاء “الگوار” الذين كثيراً ما تنفحها قطعة أو قطعتين من النقود لتسلمها إلى صاحب “الحلْقة” أمام انبهار وإعجاب “انْصارا”.

للبشير “الگاوري” برنامج دقيق ينضبط بعدد الجولات داخل معالم المدينة؛ ينتقيها بعناية تبعا لعاملي الزمن وثقافة السياح؛ ألمانيين كانوا أو فرنسيين وبلاجكة، وكثيرا ما كان يترك فيالقه عند بهو الفندق بعد الظهيرة بقليل لينتظر في الغد حكاية أخرى مع فيالق جديدة.

ظهور الأفعى كاترينا

تظل علاقة البشير “الگاوري” بالسياح مؤطرة بعدة التزامات؛ كان يحرص بشدة على احترامها والتحلي بها حتى باتت تشكل قطعة من سلوكه العام، فلقب بالبشير “الگاوري”.

ذات يوم ومع اقتراب أعياد رأس السنة الميلادية وتقاطر أفواج السائحين على مدينة البهجة، استقر برنامجه على إرشاد فيلق من السائحين الشباب؛ معظمهم من الطالبات الفرنسيات.. قدموا إلى المغرب في رحلة استطلاعية ودراسية في فنون الزخرفة والمعمار؛ لذا جعل من قصر البديع محطته الأولى، ولشد ما كان انبهارهم بالتراث؛ فأخذت كاميراتهم تشقشق بين الفينة والأخرى، تسللت إحداهن من بين الصفوف وقصدت البشير “الگاوري” بسبابة مشيرة إلى سقف هناك: “هل… هؤلاء الحرفيين المهرة مغاربة… أم ..” فقاطعها البشير بصوت لا يخلو من صرامة علمية: “كلهم مغاربة.. أبا عن جد.. وسوف تقفون على أنامل ذهبية موضع انبهار العالم أجمع..!”

* ردت عليه برقة استعذبها البشير “الگاوري” في نفسه: “.. فعلاً تاريخ.. وتراث عالمي خالد”.

لاحظ البشير “الگاوري” أنها كانت دوما تتأخر عن الركب لافتتانها بالنقوش ونمنماتها وانشغالها في آن بتكييف كامرتها الاحترافية، وحتى يخف شعوره بالتأفف من الانتظار؛ همست في أذنه غيرما مرة I found my treasure that I had long searched for: “لقد وجدت الكنز الذي بحثت عنه طويلاً”.

وكثيرا ما لفت انتباهه رقة وعذوبة صوتها الرخيم، حتى باتت تعزف على أوتار مشاعره؛ كلما خلا إلى نفسه واستراح من عناء التجوال وبرْطمته لأسماء الأماكن أو الأطباق بساحة الفنا. لم يتذكر سائحة مثل كاترينا استطاعت في ساعات معدودة أن تخلب مشاعره رغم المئات اللواتي تحفل بهن سجلات إرشاده السياحي، وقبل أن تمتطي الحافلة إلى مطار المنارة حرصت على أن تقدم له وردة ياسمين؛ موشوشة له بأنفاس عطرة :”سأظل على اتصال بك.. وسيكون نجاحي مقترنا بإسمك..”

تمكن كاترينا من قلب البشير الگاوري

ظلت على اتصال بالبشير الگاوري عبر الواتسب؛ تستزيده بأن يبعث لها صورا عن نقوش المساجد والأضرحة، كما كانت تستفتي قلبه بالزواج ما إذا كان راغبا أو عازفا عنه.. ولقيت صورها إقبالا وترحيبا كبيرين من ناد ليلي مختص في شرب الشيشة على وقع تموجات وظلال ألوان زخارفها.

كان يشعر بسعادة غامرة وهو يبعث لها بين الحين والآخر بحزمة من تلك الصور التي كان يلتقطها بحرفية عالية؛ وفي قرارة نفسه أنها ستعزز من فرص نجاحها في اجتياز امتحان تاريخ الفن المعماري؛ تخصص زخرفة دور العبادة؛ على حد قولها.

فاتح والدته ذات يوم في أمر الاقتران بنصرانية واتخاذها شريكة حياته.. وعونا لها داخل المنزل… فكانت ترد باقتضاب: “.. الله.. يعاونك آولدي.. ويرضي عليك امْنين انقدتنا من البرارك… الله يكون معاك..”.

حتى إذا أحست بوثوق صلات التواصل بينهما؛ أشعرته بزيارة ثانية إلى المغرب لعقد الخطوبة على أن تستكمل إجراءات الزواج في فرنسا؛ حالما تتم تسوية الإجراءات القانونية.

داخل فندق المامونية

حلت كاترينا بمطار المنارة، وكان البشير “الگاوري” في استقبالها بالتمر والحليب جريا على عادة البلد… فرجتْه بأن يبادروا توا إلى عقد الخطوبة؛ متذرعة بقصر الزيارة والعودة إلى بوردو بأيام قلائل قبل تقديم أطروحتها.

كان قد آنس منها تعاطيها لشرب الشيشة أحياناً، وكعربون على المحبة والوداد؛ اقترح عليها إمضاء سهرة بأحد نوادي فندق المامونية… وهناك وقف على مقدار شغفها “بحشيشة المغرب” إلى حد الهوس وانتقالها بين طاولات الندماء لتذوق “المعسول” من طرف هذا أو ذاك تحت انفجار قهقهات ضحك مدوية؛ كان البشير “الگاوري” صامتا في مقعده يرمقها ومَن حولها بنظرات لا تخلو من غيرة؛ لكن سرعان ما يعود إليه رشده حينما تنقلب إليه ضاحكة مقهقهة؛ وهي تحاول جاهدة أن تذيقه من شيشة مذهبة تعبق بروائح الياسمين: “.. هيا جرّب… إنها.. إنها لذيذة… خذ يا حبيبي البشير..”.

أمضيا ليلة بإحدى غرف المامونية، كم من مرة استيقظ إلى جوارها قاصدا المغسلة جراء مغص حاد ألمّ به إثر إفراطه في تناول جرعات من الشيشة نزولا عند رغبتها الجامحة، لكن في الغد فاجأته بأن مكالمة هاتفية طارئة تقضي بمقاطعة زيارتها والعودة فورا إلى باريس… ولتسهيل عملية الإجراءات الجمركية طلبت منه اصطحابها إلى داخل المطار.

البشير “الگاوري” بمطار شارل ديگول

التحقت كاترينا فور نزولها بمطار شارل ديگول بالنادي؛ بمعية زبناء، وكم كان ذهولهم شديداً وهم يتذوقون من بضاعة حملتها في حقيبتها بمقدار 1كلغ من “المعسول المعتق”؛ جلبتها من أحد أوكار المامونية.

كان البشير “الگاوري” يتحرق شوقا للالتحاق بدنيا الأنوار كما كانت توحي له كاترينا من خلال سردها لمشاهد ووقائع وشوارع فرنسا.. جعلته يتوق لطلاقه بالمرة مع (كحل الراس)؛ متشوقا إلى اقتحام عالم جديد من الغنى واليسار… فظل يترقب وينتظر إلى حين ذات صباح، ليستيقظ على وقع رناتها بالهاتف لتسِرّ له بخبر أوراق سفريته أنها باتت جاهزة، وسيكون عليه الالتحاق بصحبتها في غضون أسبوعين، كما أصرت على أن ترفق خبرها بمبلغ مالي محترم لاقتناء ملابس له بمواصفاتها الخاصة، وعطايا نقدية إلى موظفي الجمارك. وقد وجدها البشير “الگاوري” فرصة سانحة ليقطع صلته بالكاد بالنصارى والإرشاد السياحي، ويمضي أيامه طليقا بشوارع البهجة مترددا على معالمها الأثرية وبين معلمي البازارات، وكأنه على مشارف توديع حياة واستقبال أخرى أكثر إثارة وإغراء.

البشير وكاترينا على متن الطائرة

كما كان مرسوما له سلفا، حلت كاترينا بمطار البهجة لتعود مساء في نفس الطائرة صحبة زوجها البشير.

كانت تتقاذفه بداخل بهو المطار نظرات رجال الجمارك بنظرات ملؤها الغيرة حينا والغبطة حينا آخر، وكم ألفوا نفحاته وكم منهم من أسرّ إليه:

*”عنْداك آلبشير تنسانا”

*”آدبّار على خوك… ها التلفون ادْيالي”

*”أواعنداك آلبشير تاكل غير بوحدك”

صعد سلم الطائرة يدا في يد مع كاترينا التي كانت تقرأ في اغروراق عينيه بالدموع معاني بعيدة في الارتباط بأرض الأجداد، كان بصره ممتدا خارج رقعة المطار ليخترق معالم المدينة حتى يحط على قمم أوكايمدن الشامخة؛ وهي ما زالت متشحة ببقايا ندف من الثلوج؛ بين الفينة والأخرى كانت تحين منها التفاتة إليه لتطمئن إلى كنزها وذخيرتها وهو غارق في النوم؛ فتتسلل يدها إلى ربطة عنقه لتفكها بتؤدة حرصاً على توفير مزيد من راحته.

كان زمن الطيران من المنارة إلى شارل ديگول مجرد فسحة من توارد الأحلام ودغدغة عواطفه وهو لم يستوعب بعد أن الطائرة تسير الهوينا على المدرج.

تعاظمت مشاعر انبهاره وسعادته وهو يجد في استقبالهما أناسا مهمين ببدلات أنيقة وشياكة؛ ذكرته بقوافله السياحية؛ سيارات فخمة وأشخاص يتسابقون إلى شحن حقائبهم.. وكلمات ترحاب رقيقة، ولم يكن يبالي آنئذ بخفض حزام سرواله الذي كان يضايقه لتعوده على ارتداء “السروال البلدي الفضفاض” الذي يطاوع خطواته مهما اتسعت وامتدت.

البشير “الگاوري” يقتحم عالم المجون

انتهت بهم قافلة السيارات عند بناية فخمة على مشارف نهر السين؛ أشبه بقصر فيكتوري. سألها وهو يهمّ بالولوج إلى طابقه الأول:

* “هل نحن في فندق..؟”

* “لا.. هذا منزلي الذي تحول إلى ملكيتي مؤخراً”

* “تحول إلى ملكيتك.. لم أفهم”

* “ورثته عن والدي الذي قضى نحبه في حادث سيارة”

* “… أنا آسف.. الله يرحمه..”.

وما زالت أسئلته تتناسل وهو مبهور بأجواء الفخامة التي تحيطهم؛

* “ومن هؤلاء الذين رافقونا من المطار؟”

*” إنهم عملاء لوالدي.. ما زالوا لا يترددون في تقديم يد العون كلما لزم الأمر…”.

كانت الساعات الأولى داخل هذا القصر غارقة في النعيم؛ ولشد ما كانت سعادته في أوجها وهو يرى نفسه محاطا بعناية فائقة من قبل خدم؛ لم يعد يذكر عددهم ولا أسماءهم من فرط تعدد الأوجه التي تمرق أمامه ذهابا وجيئة، سواء في الحديقة أو مأرب السيارات أو المطابخ.. لكن هذا الثراء وهذه البحبوحة لم تكن لتحجب عنه ملاحظة استأثرت بانتباهه بدءا من الليلة الأولى التي أمضياها سويا في القصر وهي توالي المكالمات الهاتفية التي لا تكاد ينقطع لها رنين؛ تردّ عليها دوما في شكل أوامر صارمة وإن كانت تحس بامتعاضه وهو يتأفف متقلبا في فراشه.

عرّفته بوجوه عديدة من علية القوم؛ من خلال حفلات باذخة، كانت تقدمهم على أنهم أصدقاء الدراسة أو رجال أعمال نافذين في سلطة المال.. كم من واحدة استمالته تحت وقع طنين رأسه وهو يتلقى جرعات الكوكا من يد هذه أو تلك… وكم من مرة استيقظ ليلاً ليجد نفسه محشورا بين اثنتين غارقتين في النوم؛ بعيدا عن كاترينا وقصرها.

انكشاف خيوط اللعبة

في أقل من شهر؛ من مكوثهما بباريس؛ دعته لزيارة خاطفة إلى المغرب؛ كانت غشاوة الظلام قد بدأت تتبدد من حوله ليستوعب أنه أصبح عنصرا هاما داخل شبكة لترويج المخدرات، فلم يكن يأبه لوخزات الضمير طالما أنه أصبح مليونيرا؛ جعلته أمينا على شبكة توزيع البضاعة واستلام حقائب الأورو أو الدولار، وكثيرا ما كانت تداعب أسماعه بجملة: “لقد أصبحتَ إمبراطورا… أخشى أن تختطفك مني أفعى أخرى.!”.

وجد في المغرب عملاء يشتغلون لحساب الشبكة التي امتدت فروعها في كل من أكادير وطنجة والناظور؛ يتحركون بحرية كاملة طالما أن لهم وسطاء تمكنوا من اختراق أمن الحدود والمطارات.

كعادته حمل معه كيسا من الساعات ذات الماركة العالمية Rolex كهدايا لرجال الجمارك، وأثناء العودة كان يمنّيهم بوعود مزخرفة للعمل في المهجر، وهكذا استطاعت كاترينا تأمين ممرات عبورها من وإلى المغرب وهي محملة ببضاعة تتجاوز أحيانا حمولة 50 كلغ من الكوكا والشيرا لا تقربها عين الرقيب!

البشير “الگاوري” في مواجهة أمواج البحر

استعذب البشير الگاوري حياة الليالي الملاح وسط عينات مختلفة من رواد الحشيش والكوكا.. والمثليين والسحاقيات… حياة تشرق على عبادة الدولار وتغرب على إحراقه بالكوكا وليالي الأنس، وأصبح هو الآخر مدمنا لها ومقبلا على أوكارها، شعر بوخزات ضمير تؤنبه فجأة، فاختار حياة المجون لينتقم منه ويزيح عنه حمله المضني، وفي آن واحد لم يكن ليأبه بنداءاتها التحذيرية إليه بوجوب الإقلاع عن السهر في أحضان الكوكايين.

استمرت حياة البشير “الگاوري” مترعة على وجه كل الغرباء، ومن فرط خوفها أصبحت تتحاشى الاحتكاك به، لا سيما بعد أن أصبح يتأوه ويطيل المكوث بدورة المياه قرابة النصف ساعة. أحالته على طبيب مختص، فاندهشت وهي تطلع على التحاليل والتقرير الطبي، بأن حالته تتواجد في مرحلة متقدمة من السرطان الرئوي، وأن فرص تدارك وضعه الصحي باتت شبه مستحيلة. اصفرت ملامحه وتعطلت حنجرته عن إصدار أصوات، كما أصبحت قواه تنهار يوما بعد الآخر.

ذات يوم استدعاها إلى جانبه ليسر إليها بوصية نطقها بصعوبة بالغة: “.. أ.. طْلبْ.. منّك… تدفنيني في المغرب؛ “Je te demande de m’enterrer au Maroc” .. وعلى إثره قرّ عزمها على توثيق وصيته وتسجيلها لدى السلطات الفرنسية، فحملت إليه أوراقا رسمية مطالبة إياه بتوقيعها، وأوهمته بأنها وصيته التي ستودِع نسخا منها لدى السلطات الفرنسية والمغربية.

وتحت إلحاحه؛ صممت على السفر إلى المغرب لملاقاة أمه التي كانت تقطن إحدى القرى النائية نواحي أكادير، ثم أوصت به لدى بعض العملاء لينزل قريباً منها في فندق غير مصنف، على أن ترتب لقاء بينه وبين أمه حالما يعثرون على عنوانها، لكن بعد مضي يومين فوجئ الجميع بمن فيهم زوجته كاترينا بوفاة البشير “الگاوري”، فاتشحت بالسواد وأخطرت عملاءها بفرنسا بنبأ الوفاة ودعتهم، على جناح السرعة، إلى شحن تابوت خصيصا لنقله إلى فرنسا كما تنص عليه الوثائق الرسمية الحقيقية.

حضر الطبيب الشرعي بمعية ضابط الشرطة العلمية، عاينوا الجثة قبل إيداعها التابوت والقفل عليها بواسطة الأختام الشمعية، حتى يكون جاهزا لحمله في اليوم التالي إلى المطار. وخلال تلك الليلة أقدم العملاء؛ تحت أعين كاترينا وأوامرها؛ بفتح التابوت من الأسفل وحشر شحنات من الكوكا والشيرا بجنبات الكفن؛ وصلت إلى حد 20 كلغ، ثم أعادوا إقفاله وتشميع رؤوس المسامير بالأبيض تحاشيا لكل شبهة.

التابوت وكاترينا داخل المطار

حضرت إلى المطار في ساعة مبكرة بحوالي أربع ساعات قبل موعد إقلاع الطائرة، أنزلوا التابوت من سيارة إسعاف ليلج الباب الإلكتروني ومن ثم فحص الوثائق المصاحبة له.. قبل إيداعه المستودع الخاص بالطائرة.

كانت نظرات كاترينا خلف نظارتها السوداء تنضح حبورا وارتياحا؛ وهي تعاين إجراءات نقل التابوت وحمله في عربة، وقتها كان أفراد من العملاء يتابعون عملية عبوره مدرج المطار، فترتسم على تقاسيم وجوههم أمارات النصر، لكن ما إن همّت كاترينا بالولوج إلى قاعة الانتظار حتى دوّت أبواق المطار بصوت جهوري؛ تارة بالعربية وأخرى بالفرنسية والإنجليزية:

“… السيدة كاترين.. من فضلك تقدمي إلى مركز الشرطة.. Mme Katrin s ‘il vous plait veuillez vous present au post de police… MsMs Katrin.. please report to the police station..”

نهضت مذعورة وأخذت تقلب أنظارها بين التابوت في طريقه إلى الطائرة، وبين رجال الشرطة الذين احتشدوا بالباب المفضية إلى مدرج المطار، وبخطوات متثاقلة ومترددة شرعت تمشي في البهو، وأعين الكاميرات تقتفي أثرها… لم تستطع مواجهة رئيس ضابط الشرطة لجفاف ريقها، فأمسك بها سعال حاد، أمروا لها بكوب ماء؛ وهي لم تستفق بعد من شدة ذهولها حتى فاجأها الضابط:

* “سيدتى… فقط.. فقط سنأخذ منك إذنا في خمس دقائق..”

* ترد بعصبية مجنونة “.. أي إذن.. عماذا تتحدثون..؟!”

* الضابط محاولا الحد من روعها “أم زوجك المرحوم… جاءت لتلقي عليه نظرة الوداع..”

* كاترينا في استغراب: “كيف.. إجراءات الوداع مضت… ولم يعد بالإمكان…”

* الضابط متحدثا في الهاتف: “.. طيب… سننتظركم.. لن نخطو…. إلا بحضوركم”، يقفل السكة ثم يتوجه إليها:

* “نعم ما تقولينه صحيح لكن إلحاح أمه المسنة يجبرنا قانونيا على إعادة فتح محضر صندقة التابوت… والشركة تعدك بالتعويض عن تأخر سفرك…”

* كاترينا في وجوم: “.. ألم تقنعوا أمه بانتقال التابوت إلى جوف الطائرة؟”

*” هذه وفاة لا حق لنا في افتراء أكاذيب”، نظرت بإمعان إلى أعين الضابط محاولة إرشاءه برزمة مالية، حملق فيها الضابط قبل أن يأمر بإحضار التابوت واستقدام أمه… حينئذ أومأ إلى مساعدين بفتح التابوت تحت كاميرات كانت متصلة مباشرة برئيس الضابطة القضائية.. وكم كان هول المشهد وهم يعاينون أكياسا محملة بالكوكا تؤثث جنبات الكفن وترقد بجوار الجثة!

يسدل الستار على…

إخطار السلطات الفرنسية بالحادث… وذهاب الوالدة رفقة ابنها ليوارى الثرى ببلدة هناك…

أما كاترينا فقد أودعت السجن في انتظار تحقيق طال لبضعة أشهر قبل إلقاء القبض على أكبر شبكة دولية للاتجار في المخدرات؛ كانت تتزعمها كاترينا؛ ممتدة بين باريس وروما وبروكسيل…

‫تعليقات الزوار

15
  • حكاية لا بد من حكيها
    الأربعاء 6 يناير 2021 - 17:09

    و عاد عبد اللطيف المجدوب على حديث الزودياكا 14 متر و دلع الدلافن و الاطلالة على مشارف مصر و الاقفال التفافا على كاديس و النزول على الكاديلاك و حياة ريجنسي و المكوث بريتز كارلتون عميقا بالتحقيق في اشهر قضية دولية تخص المخدرات و الارهاب و الارعاف و الارجاف

  • KITAB
    الأربعاء 6 يناير 2021 - 18:23

    كعادته مع قرائه، يأبى الأستاذ إلا أن يتحفهم بمزيد من ألوان إبداعات بعربية بديعة و حسناء، ربما صارت منقرضة في خضم الغث الذي أصبحنا نستهلكه دوما ، أسلوب حكواتي رائع، يشد إليه القارئ بإثارته وتشويقه ، حتى ليكاد القارئ الاستزادة منها وهو قد قرأها عن آخرها، نعم القصة تفتح أبواب المساءلة دائما حول قضايا الاتجار في المخدرات العابرة للحدود، ومدى يقظة السلطات الأمنية في الوقوف على الرؤوس المدبرة، هذه الحسناء الفرنسية كاترينا كانت تنظر في البشير الگاوري مادة خصبة أو معبرا آمنا لسلعها بين المغرب وبقية البلدان الأوروبية، لم يكن هناك حب عفيف ولكن المصلحة أحيانا تحوله إلى مقامرة وقلما ينجو منها الإثنان، سلمات

  • قراءة ممتعة
    الأربعاء 6 يناير 2021 - 19:13

    الحق يقال أن الشغوفين بالعربية الأنيقة ومن الطراز الرفيع يجعلك تقبل بنهم على قراءة إنتاجات الأستاذ، تتمتع من خلالها بالأسلوب العربي المبين ومن خلالها وقائع قصة في غاية الإثارة والشوق أشبه بفلم بوليسي مثير، في مراكش وبين شوارعها وفنادقها وبازاراتها وفي باريس بين نواديها و شوارعها وشبكاتها المختصة في الاتجار بالمخدرات.

  • قصة ممممتعة
    الأربعاء 6 يناير 2021 - 21:45

    هذه قصة من القصص الرائعة التي تتحف هسبريس قراءها ، وهي فعلاً تسجل حوادث ووقائع اتراجيدية في قالب قصصي مشوق تصلح سيناريو مهم لشريط سينمائي مغربي

  • مسكين البشير
    الخميس 7 يناير 2021 - 11:52

    شاف الربيع ومشافش اللحافا، هذا هو حال المزلوط أو ليماحامدش الله… كان بخير حتى أصبج وسيلة طيعة في يد الأفعى كاترينا التي جعلت منه فقط كومبارس لتمرير شحناتها من المخدرات، تبارك الله على الأستاذ القدير سيمجدوب

  • عذراء تحت المجهر .
    الخميس 7 يناير 2021 - 15:57

    إنهيار القيم المجتمعية أمام المصلحة : شاب عاطل عن العمل يقبل الاقتران بسيدة في عمره أمه ضاجعت في كل القارات ومن كل الجنسيات ..
    وبروزها بأبشع الصور اذا كانت العروس مغربية ولو كانت عذراء لم يطثتها من قبل انس ولا جان يكفي أن يثار حولها إشاعة علاقة قظيمة حتى ينهار الزواج ….
    هذه الثنائية تدل على أننا نتعسف في تحديد معنى القيم ومتى تفعل بكل تفاصيليها الصغيرة ومتى يتم التغاضي والمباركة والزغاريد وإشاعة أن كاترين اعتنقت دين الإسلام .

  • كاترينا لم تعتنق
    الخميس 7 يناير 2021 - 21:43

    الإسلام كما تفضلت بل اقترنت بالبشير الگاوري حبا في اتخاذه مطية وجسرا لتهريب المخدرات والاتجار فيها، لكن حينما قتلته المخدرات والتعاطي لها سيخمد نشاطها أو بالأحرى سيتضح أمرها، وقد كان توصيف الكاتب دقيقا حينما وصف علاقتهما “حسناء فرنسية أحبت البشير الگاوري حب رنين الدولار” كان بودي والقراء معي أن نعرف رأيك في القصة من حيث أحداثها وشخوصها وعقدتها والتشويق الذي لازم لغتها… وشكراً

  • كدت ان أكون...
    الخميس 7 يناير 2021 - 22:13

    تحية للمعلق المسكين . البشير المغربي الگوري أو المرشد السياحي “شاف الربيع وماشافش الحافة ” هذا حال الدنيا شي عطاتو وشي زواتو .قصة رائعة وجدابة باسلوب شاعري ساحر للسيد المجدوب ، اسلوب شاعري بكلمات شفافة وعذبة ، شدتني كثيرا لدرجة اعادتني الى شبابي التائه حيث كنت أركد وراء الهيبيات على شاطئ الصويرة في بداية سبعينيات القرن الماضي .

  • تي راكيل انا انطونيو ..
    الجمعة 8 يناير 2021 - 06:12

    بودكاست “ثقافة البطاطا” .. العسري يفضح “شيزوفرينيا” الشخصية المغربية

    فهل سينجح هشام العسري في ترويض الشرسة الجموح كما هو الحال في مسرحية شكسبير “The taming of the shrew”، كما حاول Petruchio مع Katherina؟

    “ثقافة البطاطا” نسخة مما سبق لهشام العسري الحديث عنه بالصوت والصورة والتصريحات الصحافية.

    عفيفة الحسينات

  • مغربي
    الجمعة 8 يناير 2021 - 09:13

    رأيي أنها قصة قبيحة
    تلعب السياحة دورا مهما في اقتصاد البلاد، حيث تشكل أحد أهم مصادر العملة الصعبة، كما تمكن من توفير مناصب الشغل وتطوير قطاع البناء ودعم الصناعة التقليدية وإنعاش المدن الشاطئية.
    ويسعى المغرب باستمرار إلى تحديث قطاع السياحة، وتعزيز تسويق وجهة المغرب في الأسواق العالمية، والحفاظ على إشعاعه السياحي كبلد مفضل للسياح، وتطوير جودة الاستقبال، ومنافسة الدول التي تحظى بترتيب جيد في استقطاب وجدب السياح.
    يجب تشجيع الاقتصاد الوطني
    أما مسائل الاتجار الدولي في المخدرات فهي من اختصاص الجهات المختصة

  • مغربي
    الجمعة 8 يناير 2021 - 09:28

    رد على كدت ان أكون…
    نعم و الان أصبحت معلقا تعلق بمئات الأسماء
    يقول المثل السوسي
    ايحت ور يوفا وموش ار يتيني طجا

  • كدت ان اكون ....
    الجمعة 8 يناير 2021 - 12:47

    مع كل تحية الصباح اسي مغربي ، لا اعلق الا باسم وصفة وإشكالية واحدة مميزة ومعروفة ومؤثرة واصيلة . تفضل الٱن ، واكتسف من اكون ؟ .

  • مغربي
    الجمعة 8 يناير 2021 - 13:59

    رد على 12 كدت ان اكون ….

    أعتذر لك
    ظننتك شخصا اخر .

  • إلى كاترين لم تعتنق ...
    الجمعة 8 يناير 2021 - 16:14

    كاترينا التي جاءت في تعليقي ليست كاترين الكاتب إنها كل عجوز أوربية تأتي لإفريقيا تبتاع لها شابا قويا الجماع ووسيم بعد أن عجزت عن إيجاد من يداعبها هناك . إنه نوع من الاستعباد أو في أقل التوضيحات إيلاما / تبادل مصالح مشترك /

  • مغربي حازق .
    السبت 9 يناير 2021 - 20:05

    المغربي مع الفقر الذي يعيشه ولأنه يعبد المال مستعد للزواج بإبليس فقط لينجوا من تبعات الفقر وذله ا … ههههه أنا آسف ولكنها الحقيقة ههههه

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب