الجامعة المغربية .. من المعرفة إلى المكر والخديعة

الجامعة المغربية .. من المعرفة إلى المكر والخديعة
الإثنين 20 فبراير 2017 - 23:57

في رثاء سياق جامعة عابد الجابري وفاطمة المرنيسي…

كل ما أصبحت أعرفه عن الواقع الحالي للجامعة المغربية وتضميناته أني لا أعرف شيئا .حقا يلزم الواحد التحلي كليا بتواضع الروح السقراطية “كل ما أعرفه أنني لا أعرف شيئا”، إذا توخى الخوض في نقاش إيتيقي يهم ما يعتمل داخل جامعتنا، بحيث يتأكد بالواضح الملموس أن ما يظهر للعيان يبقى في نهاية المطاف مجرد أولى أدراج سرداب دهليز معتم.

بهذا الخصوص، لم يعد من الممكن مصادفة صديق التحق أخيرا للتدريس بالجامعة، أو على الأقل، لازال متابعا وفيا، ملتصقا حميميا بما يجري داخلها إداريا وتدريسيا وتربويا ومعرفيا، إلا وقذفني بخبايا مشبعة جدا بصغائر الأشياء، يصعب حقيقة تصور حدوث مجرياتها داخل مؤسسة علمية بامتياز. منتهى مآل تحول بالجامعة المغربية من كونها محرابا وورشا لتكريس قيم العلم والعقل والبناء والإرساء الحضاري، وبوصلة للإرشاد والتقويم المجتمعي، هكذا يفترض، إلى مجرد بقعة لتفتق أنماط ذهنيات المكر والخديعة، وازهرار أغصان غير كلاسيكية للانتهازية والوصولية، على حساب المصلحة العامة، الأمر الذي يحثُّك على استعادة ثانية لأسئلة أنطولوجية، من قبيل: لما انتهينا نحو كل هذا؟ لما كل هذا الفراغ؟ لما تراجع الجميل لصالح البشع والدنيء والحقير؟ لما استأسدت البلاهة و”القفوزية الخاوية” أو الجبانة بالعربية؟….

أحيانا، وأنت ترهف السمع لتلك البطولات البهلوانية، يصعب عليك التصديق، لا تريد أن تصدق. ينتابك الدوار، فتشعر كأنك وسط لجة بلا مخرج. مصالح شخصية تتصارع على طريقة حرب البسوس، مخططات مازوشية وسادية وفصامية، بغية الاستحواذ والإقصاء، ثم تأبيد المنظومات البائدة للتابعين وتابع التابعين، عبر الولاءات، بحيث أنا ومجالي الخاص، وبعده فليأت الطوفان، ولتغرق السفينة.

أضحينا في هذا البلد كل من استأنس بنفسه صدفة عند رقعة الشبكات العلائقية للتموقع إلا وأفرغ عقله تماما وجمَّد حواسه مطلقا، كي يتفرغ فقط بلا هوادة، لاستيعاب وهضم ألفبائيات البدايات والنهايات .بدورها، انجرفت الجامعة المغربية قلبا وقالبا، وراء تيار بلا هوادة، الذي مافتئ يمسك بممكنات المجتمع سياسيا واقتصاديا وإعلاميا وفنيا وتربويا، فانقلبت معه من فضاء لبناء الإنسان وتعضيد المنظورات العقلانية، والثوابت الحضارية، إلى بنايات رمادية بلا روح، تتسع باستمرار لمنطق اللامبالاة.

يفترض أصلا، حين توخي الحديث عن الجامعة، أن نرتقي عفويا بنبرة خطابنا، من المقاربة الغوغائية التي تكثف الأحداث البسيطة، فنشرئب غاية النقاش المفهومي العميق، استنادا على إطار عام، تنسج خيوطه بداهات لا غنى عنها، مثل: التقاليد الجامعية العريقة، أنطولوجيا الجسم الأستاذي، الصروح الفكرية، السلطة العلمية وهي سيدة السلط، وأفضلها جميعا، الإرث العلمي، حوار الأجيال، الجدليات البانية لمدارج الأستاذ والطالب…هي السياقات المبدئية اللازمة عند المنطلق، كي نقارب جامعتنا بالنسق اللغوي اللائق بها. لكن، حينما تنتفي مقدمات كتلك، ستختل باقي متواليات النسق الاستدلالي.

بالتالي، كيف لنا أن نتصور، ولو وهما، جامعات تسير، كما يحدث مع مواسم الأضرحة؟ جامعات تكلست وهي تتوغل احتفاء بالاختفاء وراء الشمس، مادامت تزداد تحمسا بالحقد والكراهية، لمختلف المبادئ التي ترسخها آفاق البحث العلمي الدؤوب، الجديرة وحدها بنعت جامعة ما، كونها مستحقة لهذا الوصف: الطهر، الشفافية، التواضع، الجدة، التسامح، النقد الذاتي المستمر، الانفتاح، ثم مختلف استطرادات ذلك.

كيف لأستاذ جامعي لا يحترف القراءة ولا الكتابة ولا التفكير ولا يدعو للقراءة والكتابة والتفكير، ولا يوجه ولا يربي…والوضع كذلك، فكيف يحق لنا مطالبته بفيض سخائه المعنوي والسلوكي؟ لماذا يخون وظيفته المقدسة التي لا وجود له إلا بها ومن خلالها ومعها وحيث هي؟ ثم يصير ببساطة ممتهنا لفنون التضليل، سواء علنيا أو مستترا. ألا يمثل التضليل أخطر أنواع القمع، مثلما قال عمر بن جلون؟.

على أي حال، وداعا جامعة عابد الجابري وفاطمة المرنيسي..

http://saidboukhlet.com

‫تعليقات الزوار

2
  • citoyenne du monde
    الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 04:47

    Vous avez mis des mots sur les maux de notre université, supposée être une source de lumière et de pureté mais devenue sombre et sale depuis l'invasion obscurantiste .

  • ...
    الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 08:54

    …حتى اذا احترفوا الكتابة ذيلوا كتبهم بشلة مراجع, و الادهى هو افتقاد اكثرهم ل 'اتيق' ابداع افكار جديدة من صلب افكار تلك المراجع, و هذا راجع للعجز عن تركيب الفكرة مع الفكرة او اكثر les combinaisons و اخراج او خلق او ابداع افكار جديدة, واقع جديد.
    كما ان العقدة المركبة من كل جديد لدى الخاص و العام تساهم بقوة في العقم الابداعي بصفة خاصة, و في التردي الذي تشهده الجامعة بصفة عامة. و هذا التردي يلقي بظلاله على السياسة و الاقتصاد و الاجتماع, فاصبحنا نرى مشدوهين اشباه متعلمين يعتلون كرسي الوزارة, و منصة التحليل و الخبرة و الاستخبار.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة