الحركة الإسلامية المغربية: من فكر الانقلاب إلى خيار المشاركة

الحركة الإسلامية المغربية: من فكر الانقلاب إلى خيار المشاركة
السبت 14 أبريل 2012 - 22:18

لقد تأثرت الحركة الإسلامية المغربية – في شقها الشبيبي على وجه الخصوص- منذ بزوغها الأول في بدايات سبعينيات القرن الماضي، بالجو المشحون للصراع بين النظام المغربي وطائفة من اليسار الراديكالي الذي كان ينازع النظام الحكم ، ويتوسل من أجل ذلك أسلوبا انقلابيا ،عرف محطات دموية عنيفة . فانساقت في خضم هذه الأجواء ،” تمتهن “-بدورها – فكرا انقلابيا، قوامه المقاطعة كأسلوب احتجاجي إزاء المجتمع ومؤسساته النظامية ، ومبرره ما تنقمه على الحاكمين من مروق عن تعاليم الشرع الحنيف ، وسقوط في “بدعة” الحكم بغير ما أنزل الله ، والعمل على تعطيل شرع الله في التدبير اليومي للشأن العام للمغاربة … !!.فانزوت ، لأجل ذلك ، في ركن العمل السري البعيد عن الأضواء ، وعن العيون المُخْبِرة ، تبني لها عالما ملائكيا فاضلا ، لا يخطئ فيه أحد ، ولا يأثم فيه مخطئ !. وظن رواد هذه الحركة –لسنوات-أن تحقيق هذه الأحلام رهين بالقدرة التنظيمية التعبوية القمينة بقلب الطاولة على الحكام “الظلمة”( !) ، وانتزاع الحكم منهم لتحقيق هذه الأحلام الوردية التي ظلت تراودهم منذ زمن “المأثورات “، يوم كانت تحتويهم مجالس الحديث وتفسير القرآن والسيرة النبوية .. وتشغلهم القراءات ” العنيفة” للنصوص الشرعية ، والانحصار المعرفي في بوثقة نصوص الجهاد القتالي من قبيل :”قاتلوهم ، يعذبهم الله بأيديكم وأيدي المؤمنين …” !

لكن اصطدامها زمن” اقتحام العقبة “بواقع متشابك وعنيد ، يتأبىَّ على كل محاولة لِلَيِّ الدراع، أو توجيه المسار وفق ما تشتهيه نفوس “الدعاة الجدد “؛ جعلها ترتكب العديد من الأخطاء كلفتها سنوات من عمر التنظيم السري الصارم ، كما كلفتها تراجعات كبيرة على مستوى الاندفاع والمدافعة في ” اقتحام العقبة ” التي أسست لها في فترات الإعداد الروحي والعلمي و”اللوجستي ” .لينتهض -بسبب ذلك- العديد من روادها (مؤسسو جمعية الجماعة الإسلامية) يراجعون “المسار ” ، ويعيدون التنظير لأسلوب جديد في التغيير والإصلاح يعتمد ذات النصوص الشرعية التي أ صلوا بها لخرجاتهم المتهورة ، ولكن – هذه المرة-باستحضار العنصر الأساس الذي غُيِّب في التنظير ات السابقة –بعلم أو بغير علم -؛ ألا وهو : الواقع : مقصد التغيير وفَصُّه. فأصبحنا نقرأ لبعض رواد هذا التيار ؛ بحوثا ودراساتٍ حول المشاركة السياسية ، وحكم العمل من داخل الأجهزة النظامية “الظالمة”( !)، وما شابه.كما أصبحنا نقرأ لهم تأصيلات تمتح اجتهادها من فقه المقاصد ، وفقه الموازنات ، وفقه مراتب الأعمال ، وما شاكلها من أنواع الفقه الواقعي الذي يزاوج بين النص والواقع ؛ فيحتكم إلى النص دون أن يقفز على الواقع ، في تأسيس متقدم لاجتهاد جديد يحضر فيه النص إلى جانب الواقع ، في تناسق وتساوق ، كان من ثماره هذا الزخم المعتبر من البحوث ، والدراسات الأكاديمية المؤسِّسة للمشروع المجتمعي الإسلامي ، والتي كانت وراء الإقبال الباذخ على العمل السياسي ، والمشاركة المجتمعية الفاعلة والمسؤولة لطائفة نشيطة من أبناء هذا الوطن الحبيب في تدبير الشأن المحلي من خلال العمل من داخل الهيئات المدنية والسياسية والنقابية .

لقد اقتنعت هذه الطائفة من أبناء الحركة الإسلامية بخطورة وخطإ الفكر الانقلابي الذي تبنته يوم كانت تمتح تصوراتها ، ومنهج تحليلها ، من المشرق العربي الذي كان تبني مفكريه ، وسياسييه لهكذا فكر ، واجبا وقتيا أملاه الوضع المرتبك ، هناك ، للأنظمة العسكرية التي كانت تتشكل ،كما الفِطَر، في ربوع البلاد العربية عبر الانقلابات العسكرية ، والثورات المدنية التي يقودها،من خلف الأكمة ،عسكريون أيديهم مع الشعوب وعيونهم معلقة بالكراسي . كما اقتنعت أن المشرق غير المغرب ، وأن ما يحدث هناك ليس قدرا أن يحدث هنا ، وأن التغيير لا ينجح دائما إذا استهدف القمة ما لم يكن شعبيا جماهيريا سلميا ؛ بل إن التجارب العالمية أبانت عن خطإ هكذا سبيل في التغيير .فالانقلابات لا تكون دائما رحمة على الشعوب ، والانقلابيون لا يفلحون غالبا –خصوصا إذا كانوا عساكر- في تحقيق الديموقراطية ، والرفاهية ، والعدالة الاجتماعية ، بل غالبيتهم ينحون زاوية تصفية الحسابات مع الخصوم السابقين، وأزلام النظام البائد ،والمعارضين ؛ لترسيخ أقدامهم ، وفرض الشرعية لحكمهم الجديد عن طريق الحديد والنار ، وتكميم الأفواه ؛ مما يؤدي إلى حدوث “كرنفالات دموية” في مختلف ربوع الوطن ، في تزامن مباشر مع احتفالات تنصيب الحاكم العسكري الجديد !!.

لقد وعت هذه الطائفة من الإسلاميين أن التغيير لا يكون إلا من داخل المؤسسات ، ومن خلال المشاركة المباشرة والمخلصة في تدبير الشأن المحلي للمواطن ، والاحتكاك به ، والإنصات لشكواه ، والمدافعة المسؤولة للاستجابة لانتظاراته بعيدا عن المزايدات السياسوية ، أوالنقابوية ، أو الحزبوية ، أو المصلحية المفرملة للنهوض ، والمعيقة للتغيير والإصلاح.من أجل ذلك تقدمت خطواتٍ إلى الأمام ؛ تطرق الأبواب ، وتدعو للمصالحة والإصلاح ، و تعرض على من يهمه الأمر “أوراق اعتمادها ” لولوج ساحة المدافعة المسؤولة باعتماد التي “هي أحسن ” بعد أن أثبتت أنها قد قطعت ، بالفعل لا بالقول ، مع ” التي هي أخشن .”!.

‫تعليقات الزوار

1
  • سعيد
    السبت 21 أبريل 2012 - 12:04

    كان خيار المشاركة حاضرا يوم كتبت مقالتك بموقع اسلام اونلاين يوم 2-8-2007، فهل تغير شيء من منهج الحركة جعلك تغير من رؤيتك للعمل الاسلامي بصيغته الحزبية؟ لست في حاجة أخي للتذكير أن الدعوة الى الله مقصدها الأساس هو إصلاح ما بالنفس بالدخول في ابتلاءات كلمات الله في كتاب الله ثم ينصلح بعد ذلك ما حولها بالتبع، والدعوة تروم بناء جنة الآخرة وفي هذا الطريق تبنى جنة الدنيا التى لبها وحقيقتها التحقق بصفة العبدية لله سبحانه، وهو عمران الانسان الحقيقي، أما العمران المادي المدني فإنما هو تجل لتلك الحقيقة الأساس، والذين اختاروا المشاركة أو المفاصلة إنما يجتهدون لبناء جنة الدنيا بالمعنى الثاني، وشتان بين المعنيين، وصدق مالك -رض- حين قال "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" والله الهادي للصواب

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 17

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة