الحياة.. التشاؤم الإيجابي

الحياة.. التشاؤم الإيجابي
الأحد 3 أبريل 2022 - 11:09

”لا تتعلق بأيِّ شيء، المعاناة والألم أسبابها التعلق، التعلق جزء من الموت”.

“الحياة مأساة إن اقتربت وأمعنت النظر إليها، كوميدية إن رأيتها من بُعد”. – شارلي شابلن.

أظن أن المعركة الأولى والأخيرة، التي يتحتم على الفرد خوضها غاية رحيله عن هذا العالم، تكمن في محاولة فهم مصير حياته وكذا الغاية من كونه قد وُجد ثم يوجد هنا؟ أيضا، لماذا يمرّ أساسا من هنا؛ دون مكان آخر؟ قد يقضي سنوات عمره، محاولا فهم طبيعة الفلسفة التي حكمت وتحكم علاقته بالحياة والوجود.

يتجاوز القياس كثيرا حيِّز طرفي الثنائية القطبية المتطرفة، التي تستكين بالمطلق صوب بوصلة هذه الجهة أو تلك، من خلال فصل أخلاقي فظّ في غاية التسطيح والسذاجة بين موقف ينعت بالمتشائم؛ نظرا لعدم إيمانه حسب التعريف الجاهز بممكنات الحياة وفق بنود وصفات التحديد النمطي، في حين الثاني اعتُبر متفائلا، ما دام قد أظهر تبعا دائما للتصورات الأحادية المنغلقة اجتهادا بخصوص التمسك بنظرية مفادها أن الكائن عين المعقول؛ ولا يمكن تحقيق أفضل مما هو كائن.

فوق هذا وذاك، لعبة الحياة أكبر جدا من مجرد تقييم بسيط يختزل المفاهيم بتلك الطريقة، لأن بنية المفاهيم متداخلة مبدئيا وباستمرار في ما يخص مختلف الحقائق، بالتالي يستحيل النظر إلى الحياة من شرفة واحدة مع إغفال باقي المنظورات الأخرى.

الحياة حالة وجدانية استثنائية، متشعِّبة، لا هندسة لها، في غاية التجاذب الرؤيوي والمشاعري، بحيث لا يمكن للشخص الذي لامس حقيقة مرتبة وعيه الوجودي وتحسَّس فعليا كنه وجوده، اختزالها إلى حقيقة معينة على حساب غيرها وكذا باقي الاحتمالات الأخرى.

انطلاقا من أفق اللامتناهي، أودّ إعادة مساءلة المرجعيتين المترسِّخَتين بين طيات العقل الجماعي، بخصوص بلورة وجهة معلومة للحياة ذات معنى. في الحقيقة، وقبل أيِّ سؤال آخر، ما معنى هذا المعنى؟ ثم مسألة الرهان على أحدهما دون الثاني بكيفية حاسمة وأكيدة ومطلقة، لا تترك منفذا يذكر للطارئ. مع أن الحياة، تظل بعد كل شيء حالة طارئة بامتياز، أي ترنّحها المبدئي حيال كل تقنين، واستعصاؤها عن كل تحديد وتعيين وتأسيس وتشكيل ونمذجة وحصر وتقعيد وتنميط وإخضاع وتوجيه واستشراف أو تنبؤ.

الحياة هي اللحظة والمعطى الماثل بين يديكَ، بوسعكَ استثماره تبعا لأقصى مراتب حرية إرادتكَ المسؤولة وكذا رهانات مجال المناورة؛ واستثماره كتحقق متكامل يعكس عصارة الحقيقة الوجودية وفق شتى أبعادها. دون الاحتكاك طبعا بتجليات حقيقة الآخر.

في ما يتعلق تحديدا برؤيتي، انطلاقا من منظور ذاتي يرنو نحو أن يحيا في قلب الحياة مع الحرص على عدم التورط في مستنقع الحياة نفسها تبعا لجل مآلات ذلك، وفي خضم جدليات لا تتوقف قط لتداعيات هذه الحرب الأسطورية المتأرجحة في الاتجاهين بين تاريخ الذات ومصيرها، أعتقد إذن أن أقرب لغة إلى وجدان الحياة تعطينا إمكانية التواصل بكيفية شفافة، لا تقبل وسائط؛ بالتالي لا تظل معانيها بين منعرجات سوء التأويل، تكمن في مقاربة تجربة الحياة انطلاقا من منظور تشاؤمي بنزوعه العدمي، لكن بناء على روح إيجابية وديناميكية حتى تأخذ المعركة حيثياتها البناءة؛ بغير خذلان تراجيدي في نهاية المطاف.

التأويل الوحيد للتشاؤم الإيجابي تبعا لهذه الفلسفة الشخصية، يحثُّ ببساطة على استيقاظك صباحا دون تلكؤ كي تواصل تسويغ مشروعك الوجودي ككائن يؤمن بممكنات حياته، والسعي بدأب إلى تجريب ذلك.لكن في نفس الآن، وهنا تتجلى ملامح القطيعة قياسا إلى التصور الرتيب والجامد بخصوص حدي التفاؤل والتشاؤم، لا تترقب أو تنتظر استحقاقا معينا من العالم الخارجي، بل لا تراهن سوى على نفسك.أساسا أن تكون أنت ذاتك.تحاول ما أمكنك الإصغاء إلى دواخلك. رَدْم قدر ما تستطيع وأكثر، فجوات الفراغ حيال ذاتك ومعها.

تتمثل بعض قواعد التشاؤم الإيجابي، في:

* أنا لست متفائلا ولا متشائما، حسب التوصيف الغِرِّ للمجتمعات الشمولية والاستهلاكية. أنا متشائم انسجاما مع قناعاتي وبفعالية. قد يحدث أيّ شيء وقد لا يحدث؟ المهم لم أراهن سلفا على أمل مباشر بكيفية خطِّيّة ذات وجهة مستقيمة، مثلما تحشو عقولنا منذ الصغر اختزالية وتبسيطية وسذاجة نظرية التفاؤل المدرسية، فتنتهي بمؤمنيها الصادقين إلى الجنون أو الانتحار. ثم يتواصل السعي الوجودي.

* الحياة مسرحية عبثية، أردنا أم أبينا، أرست معالمها مشاهد عدة، ترسم لوحاتها نهايات منفتحة على كل الاحتمالات، يعتبر الموت مجرد مقدمة لها.

* لا ينطوي بالضرورة التفاؤل على معاني السعادة، مثلما أن التشاؤم ليس عتبة للسوداوية أو الهدم. إنها مفاهيم لحظية زئبقية، أشبه بلاغيا بألوان قوس قزح، وأقرب من الناحية الفيزيائية إلى حُبَيبات تموجات الذبذبات والترددات؛ بحيث تنتفي كل مواصفات هندسة المكان.

‫تعليقات الزوار

2
  • ابن طنجة
    الأربعاء 6 أبريل 2022 - 15:01

    ” نعلم ما نكون لكننا لا نعلم ما يمكن لنا أن نكون”
    ويليام شكسبير
    ” إن سر الوجود البشري لا يمكن فقط في البقاء على قيد الحياة لكنه يقبع في العثور على شيء تعيش وتحيا من أجله” Fyodor Dostoyevski

  • محمد
    الأربعاء 6 أبريل 2022 - 22:37

    فينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له ; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد ، فإن ظن أن الله لا يقبله ، أو أن التوبة لا تنفعه ، فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من كبائر الذنوب , ومن مات على ذلك وُكِل إلى ظنه ، ولذا جاء في بعض طرق الحديث السابق حديث الباب ( فليظن بي ما شاء ) رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح .

    بين اليأس والغرور

    اسلام ويب

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية