السفير المكي كوان: نموذجا للمسؤول المثقف

السفير المكي كوان: نموذجا للمسؤول المثقف
الجمعة 8 شتنبر 2017 - 04:58

خلال الخمس والعشرين سنة التي قضيتها لحد الآن في الغربة و تنقلت فيها عبر عدة عواصم، تحاشيت دائما التردد على السفارات والقنصليات، رغم الدعوت التي وجهت لي، في البلدان التي كنت أدرس أو أشتغل بها إلا عندما تستدعي الضرورات الإدارية. هذا العزوف يرجع إلى عدة عوامل من أهمها أن معظم السفارات والقنصليات تعج بالمتملقين والمتزلفين الذين يرون في أخذ صورة مع هذا المسؤول أوذاك شرفا كبيرا لهم، ويعتبرون كل دخيل عليهم منافسا لهم، حيث تبدأ حياكة المؤامرات والوشايات.

كما أن التجارب السابقة خلال بعض اللقاءات القليلة التي حضرتها بحضور بعض المحسوبين على السفارات كانت غالبا ما تخيب ظني سواء على مستوى المسؤولين أو بعض الجهلة والأميين الذين يدورون في فلكهم. بل إن عددا منهم يقوم بدور المقدم أو شيخ القبيلة في التجسس على إخوانه المهاجرين. هذه التصرفات هي التي جعلت الطبقة المثقفة الأبية تنفر من هاته الممثليات الدبلوماسية في الخارج.

وهذا مايفسر أيضا أن العديد من الأوسمة في السابق منحت لمهاجرين تم تقديمهم كأبطال وعلماء لكن الحقيقة أنهم من المرتبطين بهذا المسؤول أم ذاك في الهيئات الدبلوماسية في الخارج.

هؤلاء المسؤولين في السفارات والممثليات عادة لا يلقون بالا إلى الأدمغة المغربية ولا يحاولون خلق صلات معهم بل إن مجملهم أبعد من الثقافة والعلم في معظم الأحوال.

وهنا أحكي قصة طريفة حصلت لي شخصيا: في أواخر التسعينيات من القرن الماضي قامت مجموعة من الباحثين المغاربة ببلجيكا بفكرة تنظيم “الأسبوع العلمي المغربي” للتعريف بالجامعات المغربية ومد جسور بينها وبين جامعات بلجيكا، وتلقينا دعما ماديا من الهيئة الفرنكوفونية ببلجيكا. يومها تم تكليفي بالاتصال بالسفارة المغربية من أجل الحصول على دعم ما دام الأمر يتعلق بهدف نبيل يخدم المغرب. وكان أملنا أن تتكلف السفارة بمصاريف تنقلات بعض الأساتذة الذين ستتم دعوتهم من المغرب. وحينما اتصلت بالملحق الثقافي و شرحت له الأمر وطلبت منه نوعية المساعدة المبتغاة، فاجئني باقتراحه الغريب قائلا “المساعدة الوحيدة التي يمكننا تقديمها هي أنه حينما تنتهي فعاليات الأسبوع العلمي المغربي، أقترح أن تنظموا احتفالا بالمناسبة و سوف تتكلف السفارة باستقدام جوق من الطرب الأندلسي لتنشيط الحفل!”. خرجت من السفارة وأنا أردد الآية الكريمة “ذلك مبلغهم من العلم”.

أسوق هاته المقدمة لأحكي عن شخص حاول كسر هاته الصورة النمطية للبعثات الدبلوماسية بالخارج: إنه السفير المكي كوان سفير المملكة لدى قطر في السنوات الأربع الأخيرة.

منذ تعيينه بادر بفتح قنوات تواصل مع الكفاءات المغربية بقطر، بل قام بزيارة بعض الجامعات ومراكز البحث العلمي بالدولة والتقى بالأدمغة المغربية التي تشرف كل مسؤول.

وفي كل مرة يزور الدوحة مسؤول مغربي من درجة وزير أو ما شابه: كان السفير يتصل شخصيا بمجموعة من العلماء والأدمغة المغاربة لتنظيم لقاء تواصلي مع المسؤول وتبادل وجهات النظر، بل كان يدير الحوار بنفسه بطريقة احترافية ولبقة.

ومن أهم مميزاته التي اتسم بها: ثقافته الواسعة، وتجربته الدبلوماسية حيث تدرج في المناصب داخل الوزارة إضافة إلى تواضعه الشديد وتمكنه من اللغة العربية مما جعله سفيرا مرموقا بين سفراء الدول العربية داخل الدولة المضيفة. ولعله من المسؤولين القلائل الذين التقيت بهم ولمست منهم احتراما وتقديرا لدور العلماء المغاربة وافتخارا بهم.

ولعل أبرز ما قام به خلافا لأسلافه ونظرائه هو تنظيمه بين الفينة والأخرى للقاءات ثقافية يستدعي فيها كل مرة واحدا من الخبراء المغاربة المعروفين على الصعيد الإقليمي و الدولي ليحاضر، وتتم دعوة شخصيات محلية للحضور والتفاعل مع الأدمغة المغربية.

في السنوات الأربع التي قضاها في الدوحة لمست الجالية المثقفة تغيرا ملحوظا لم تشهده من قبل وساهم الرجل في إضفاء جمالية على صورة المغرب لدى المسؤولين المحليين أيضا.

أكتب هذا المقال بمثابة شهادة في حق هذا الرجل الذي كسر رتابة البعثة الدبلوماسية في الدوحة كما أكتبه بعد أن غادر الدوحة من أجل التقاعد حتى لا أتهم بالتزلف للمسؤولين.

فشكرا سعادة السفير السابق السيد المكي كوان.

*أستاذ البحوث ومدير نظم الأبحاث

جامعة تكساس أي أند إم – فرع قطر

‫تعليقات الزوار

8
  • رشيد بلحبيب
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 10:15

    هذه الانطباعات التي تفضل بها الدكتور الفاضل عثمان البهالي، انطباعات صادقة، وهي انطباعات كل من عرف الأستاذ المكي كوان، وجالسه في بيته وفي أروقة التظاهرات العلمية والثقافية، السيد السفير رجل متميز بسمت مغربي أصيل، رضع من المدرسة المغربية ومن كتاتيبها الصلاح والتواضع والثقافة ومهارة الإنصات، ترك بصماته الكبرى على الدبلوماسية المغربية، في حسن التدبير والاستقبال، ووضع نفسه في خدمة وطنه وأبناء وطنه، وأجاد ، وأحسن، وأسهم في تغيير الصورة النمطية للديبلوماسية المغربية القائمة على التعالي والانتفاخ، الذي طبع سلوك عدد من المسؤولين الذي لا يربطهم بالمغرب والمغاربة واليبلوماسية إلا امتيازات سخرت لهم دون وجه حق…
    الكلام في حق الرجال يطول، وتكفي منه الإشارة واللمعة…وباختصار لقد ترك الأستاذ والدبلوماسي المحنك السيد المكي كوان فراغا كبيرا بمغادرته قطر…نساله الله تعالى أن يكون خَلَفُه من نفس طينته… أو قريبا منها، ونسأل الله تعالى للسيد السفير أن يمتعه بموفور الصحة والعافية…ويحازيه عن وطنه وأبناء وطنه خير الجزاء…

  • Taha
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 14:48

    نعم هو كذلك وأكثر فقد عرفناه سفيرا مثقفا فوق العادة

  • ماهر
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 14:50

    كمقيم ايضا بالدوحة خلال هذه الفترة، أؤكد على ما تفضل به السي عثمان.. بل أعتبر السي المكي كوان سفيرا استثنائيا بكل المعايير. نتمنى ان يقتدي به بقية المسوولين الدبلومسيين حتى يتحول نموذجه الى قاعدة.

  • أحمد القاضي
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 15:03

    وأنا بدوري أزكي كلام كاتب الشهادة ..كان الأستاذ مكي كوان نعم السفير لبلده ..حضرت في مقر السفارة تكريمه للدكتور بريش أحد الأطر المغربية الذي شرف بلده وخدم قطر ..وفي أمسية أخرى حضرت عرض فلم عن قضية الصحراء ..دعي له لفيف من المغاربة والأجانب. .
    رعاك الله أستاذ مكي وجعلك ذخرا للبلاد والعباد ..

  • مهدي ع
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 15:56

    اوافق علي كل ما جاء في التحليل .
    هذه الإنجازات أقيمت كذلك من طرف الأستاذ في كل من أبوظبي والخرطوم والكويت….
    جزاه الله خيرا.

  • بنيس
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 22:55

    هذا السفير لم يقرأ كتابا واحدا خلال أربع سنوات عمله بالدوحة. ورغم تقاعده لازال يحن للعودة سفيرا من جديد لسماعه اخبارا عن قرب الإفراج عن لائحة تعيينات جديدة من السفراء.
    الأفضل له أن يعتني بصحته…ويترك المجال للجيل الجديد.
    السؤال ماهي حصيلة السفير خلال فترة عمله
    بالدوحة ؟؟!!

  • ALANDALOUSSI
    السبت 9 شتنبر 2017 - 14:14

    CEUX QUI CONNAISSENT L'AMBASSADEUR MEKKI GAWANE OU CEUX QUI L'ONT SIMPLEMENT CÔTOYÉ NE PEUVENT QUE LA VÉRITÉ SUR UN HOMME QUI DONNE AU DEVOIR UN CONTENU NOBLE ET PROFONDÉMENT CITOYEN. LES INTELLECTUELS SOUDANAIS SE RAPPELLENT TOUJOURS DE SA MAÎTRISE DE L'Histoire, de la littérature et des questions stratégiques. Sis al makki est un grand lecteur et le livre fait partie de son quotidien n'en déplaise à certains pseudos. ….La reconnaissance est un signe du niveau éducatif et intellectuel et tous les fils de pays qui ont fait leurs preuves méritent amplement ce geste civilisé

  • gamer
    الأحد 10 شتنبر 2017 - 07:39

    the writer of this contribution should be also cautious while making a discrimination against "migrants. by comparing ignorant migrants with so called intellectuals wouldnt do. you were migrant too before becoming " admigha". plz understand that we can all of us be this or that, contribute to a better Morocco.

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 85

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 75

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة