الطبيعة.. أو الهلاك

الطبيعة.. أو الهلاك
الإثنين 3 نونبر 2014 - 21:52

الطبيعة ترمم ما يفسده البشر..

هكذا عودتنا منذ بداية الحياة..

فالهواء يعيد التوازن، وينشر الأوكسيجين، كلما وقع خلل..

والماء وبقية مكونات الطبيعة دائما تتدخل لتقويم ما أفسده الكائن البشري..

وبهذه الطريقة، تمكنت الحياة من استئناف دورتها على الأرض، بعد خمس مرات من الدمار الشامل..

أجل، خمس مرات من الدمار الذي أتى على حياة ثمانين بالمائة من سكان الكرة الأرضية..

وبقي العشرون بالمائة يقاومون، في تعايش مع بعضهم.. وتناغم مع الطبيعة، فساعدتهم الطبيعة على استئناف مسيرة الحياة..

إن الكرة الأرضية حافلة بتواريخ ما زالت مسجلة في الحفريات.. فالأرض تسجل كل ما مر في حياتها بشكل مفصل، سواء في تربتها، أو مياهها، أو سمائها، أم غير هذه، لأن للكون ذاكرة لا يستطيع أحد طمسها..

وحتى في جزيئ من ذرة، توجد ذاكرة..

وهذا التاريخ المسجل في ذاكرة الأرض يحيلنا على تواريخ منها صعقة المذنب التي أتت على الديناصور منذ حوالي 65 مليون سنة..

ذلك الحدث كان صاعقا لكوكب الأرض..

وبعده جاءت تواريخ أخرى، وكلها أنذرت بنهاية الحياة..

لكن الحياة لم تنته..

الحياة مستمرة..

استمرت وانتجت من جديد دورات للحياة..

ويبقى التساؤل: كيف تسنى لعشرين بالمائة من سكان الأرض أن ينهضوا بالحياة من جديد؟

ونستحضر مقولة الصمة البكماء الشهيرة التي تحولت إلى كاتبة من عظماء التاريخ.. هي الأمريكية الراحلة هيلين كيلر التي قالت: (ليست العظمة في أن لا تسقط أبداً، بل في أن تسقط ثم تنهض من جديد. الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة أو لا شيء).

وبهذه العقلية البناءة، قاوم أجدادنا البراكين، والمذنبات، والأعاصير..

وقاوموا حتى ما أنتجه الإنسان من حروب..

فالذين نجحوا في زرع حياة جديدة على الأرض، لم ينجحوا فقط بصمودهم، وصبرهم، وعملهم، بل أيضا بحكمتهم، وتآلفهم مع لغة الطبيعة..

استأنفوا الحياة لأنهم أدركوا قيمة الحياة، فسعوا إلى إنقاذها، ومن خلالها إنقاذ أنفسهم وإنعاش الحياة كي تمتد إلى المستقبل الذي نحن فيه..

ومن يحسن التعامل مع الطبيعة، تحسن الطبيعة التعامل معه، وتمده بكل مقومات الاستمرار..

هذا الدرس تعلمه أجدادنا على كوكب الأرض..

ولو لم يتعلموا أن كيف عليهم العيش في تناغم مع الطبيعة، ما تناغمت الطبيعة معهم، وبالتالي ما كانوا إلا هالكين..

خمس مرات، والأرض تصل إلى الدمار الشامل.. وبفضل التناغم مع الطبيعة، تمكن المتبقون، وهم العشرون في المائة، من اسئناف مسيرة الحياة..

ونحن الآن، وبكل وضوح، على عتبة التاريخ السادس..

ولا خيار لنا إلا استيعاب درس أجدادنا، وهو احترام الطبيعة..

لكن في حياتنا المعاصرة، صنفين متناقضين من السلوكات: صنف يصرخ من أجل الحفاظ على مظاهر الطبيعة، من أشجار، ونباتات، ومياه، وهواء، وغيرها.. وصنف لا يفكر إلا في نفسه، وكأنه قادر على أن يعيش وحده، ووحده فقط، على كوكب الأرض..

وفي الصنف الأخير ترجيح لكفة المصلحة الذاتية..

وتبقى الحركات الإيكولوجية تردد شعاراتها، وكأنها مجرد صرخة في واد..

لا يسمعها السياسيون وذوو المصالح الذين يتحكمون في ثروات الأرض.. ويصنعون السياسة العالمية..

والحقيقة أنهم أيضا، أي البيئيون، لم يتمكنوا حتى الآن من حشد جماهيري كاف للضغط، في مختلف أرجاء العالم، في دعواتهم لإنقاذ الحياة على كوكب الأرض..

لم يتمكنوا من التوعية الجماهيرية الكافية، بالعمل سوية كي نعيش سوية..

لهم خطاب إنساني وحياتي قوي، لكن خطابهم يصطدم بذوي المصالح من سياسيين وشركات عابرة للقارات، وجاهلين يجثمون على كراسي المسؤوليات..

وأصحاب المصالح يجرون خلفهم الباحثين عن مصالح، من عامة الناس..

البيئيون أصوات صادقة، لكنها لا تجد آذانا سامعة..

أصوات تريد الحياة للجميع، لكنها لا تجد قلوبا تحب الحياة للجميع..

آذان لا تتكلم إلا بلغة المصالح.. ولا تخطط إلا بما تمليه مصالحها.. وبإيجاز: لا تتحدث إلا بلغة المصلحة..

وهذا التضارب التواصلي هو مصدر كل الخلل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي الخلل في التعامل مع البيئة الطبيعية، ومن خلالها مع حقوق الناس..

– العالم على فوهة بركان جديد..

الطقس غاضب.. شديد الغليان.. القطب الشمال يذوب أكثر فأكثر.. وسينتج عن الذوبان طوفان في العالم..
الفوارق الاجتماعية تهدد بانفجار آخر، في كل مكان..

الأسلحة المكدسة هنا وهناك، يمكن أن يستخدم إحداها معتوه، فينفجر العالم..

حماقات كثيرة يجب علينا أن نواجهها بالعقل والقلب والضمير، وليس بلغة الشركات العملاقة التي تخطط لتقليص عدد سكان العالم، بطرق سلبية مختلفة، منها الفيروسات المصنعة مخبريا، والأدوية التي تحد النسل، وغيرها من أدوات المصالح..

وأصحاب المصالح لا يفهمون أن الطبيعة إذا اهتزت، فسيكون غضبها أكثر من غضباتها السابقات..

إن رسالتنا نحن البشر يجب أن تدور حول ثقافة التعايش، والسلام، والاحترام المتبادل، وحسن التعامل مع الطبيعة..

تحديات في طريقنا جميعا..

ونحن قادرون على رفع التحديات الإنسانية..

قادرون على التناغم مع أخواتنا وإخواننا شعوب الأقطار الواعية..

هم أيضا يرفضون منطق المصالح.. ويريدون منطق التعاون والتشارك..

– لا منطق التهديد.. والوعيد.. والضرب.. والضرب المضاد..

وعلى المسالمين في العالم، يجب أن ننفتح.. لكي نتعلم ألا خيار لنا لكي نعيش، إلا أن نتعايش..

يقول الفيزيائي الكندي الفرنسي الشهير هوبير ريفز: (إن العلوم تعلمنا من أين جئنا، وكيف جئنا، وكيف تطورنا. والبيئة تعلمنا كيف نحافظ على ما وصلنا إليه. فالعلوم تعلمنا الماضي، والإيكولوجيا تعلمنا المستقبل، أي المخاطر التي تهددنا، وكيف يمكن أن نعالجها)..

ويستطرد العالم الكبير: (إننا بصدد القضاء على الحشرات وديدان الأرض التي تقوم بالحفاظ على خصوبة التربة. وحياتنا اليوم أصبحت مرهونة بالحفاظ على التنوع البيوليوجي على كوكب الأرض)..

ويضيف: (عند نهاية القرن الحالي، سنكون قد قضينا على نصف العناصر الحياتية على كوكبنا. إننا نحن البشر، العنصر الوحيد الذي يدمر الحياة على الأرض)..

– صرخة من صرخات..

فهل تسمع الشركات العابرة للقارات التي تصنع خارطة العالم؟

– الحل بأيدينا..

نحن المجتمعات نستطيع نشر التوعية على نطاق واسع..

فنحن جميعا، بدون استثناء، في قفة واحدة..

هذه مسألة حياة..

والحياة لكي تستمر، علينا جميعا أن نعيش عيشة العقلاء..

وقد قالها زعيم اللاعنف، مارتن لوثر كينغ: (علينا أن نتعلم كيف نعيش معا كإخوة، وإلا نهلك جميعا كحمقى)..

[email protected]

‫تعليقات الزوار

6
  • البريد
    الإثنين 3 نونبر 2014 - 23:08

    يا ريت يجد هدا الموضوع آذان صاغية وقلوب ناس واعية.

    شكرا.

  • كارهة الضلام
    الثلاثاء 4 نونبر 2014 - 04:23

    مقال جيد
    بمقاربة علمية وتسائل تاريخي
    منذر للجميع بان حياتنا بيئتنا : الطبيعة دقت ناقوس الخطر
    اذا استمر الانسان بنها خلال توازناتها وتدميرها

    كارهة الضلام

  • chama
    الثلاثاء 4 نونبر 2014 - 07:49

    كم من اللجج الزرقاء لطخوها بالسواد
    والأيادي المتضرعة الخضراء صيروها رماد
    زعزعوا بالأنفاق كيان الأوتاد
    وباسم الأفاق عكروا روح وصفاء الواد

  • watch dogs
    الثلاثاء 4 نونبر 2014 - 10:08

    لم أكن أعلم بأنه عندنا في المغرب كتاب يحملون فكر راقي كالذي جاء في مقالك

  • منا رشدي
    الثلاثاء 4 نونبر 2014 - 14:45

    الأرض تعمل والناس نيام وعلى أساس هذه القاعدة حفظ النوع البشري بقاءه . في القرن العشرين بدأت المعادلة تختل حين تدخل الإنسان ليزيد من وثيرة عمل الأرض بإعتماد المخصبات الكيماوية والأدوية وقد أظهرت نتيجتها على المدى المنظور فحلت الوفرة بدل الشح وكثر الإنتاج وتنوعه لتلبيه الإستجابة للرغبة لا الحاجة ! لندخل عصر البذخ في كل شيء غير مدركين أن أمنا الأرض أتعبناها لتلبية رغباتنا ! في القرن الواحد والعشرين ولأول مرة في تاريخ البشرية يتخطى ما نستهلكه في يوم ما تستطيع الطبيعة إنتاجه في سنة !

  • houcine
    الأربعاء 5 نونبر 2014 - 00:27

    موضوع جميل وتحليل لاباس به. لكن يصعب التغاضي عن بعض التناقضات وبعض الخلط في التحليل. بل اتساءل ان كان الخلط مقصودا اوعفوي. ف الانسان جزء بسيط من الحياة وليس الحياة فحد داتها. وانقراض الانسان لا يعني نهاية الحياة. وبالتالي المهدد هو الانسان وليس الحياة. وعندما يتحدث الانسان عن الاضرار التي لحقت اوالحقت بالحياة, فهو يسقط صورة او تعريف انساني-غير محايد-على الحياة والطبيعة. الحياة والطبيعة لا يكثرتان بما يفعله الانسان او غيره.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة