القتل باسم العقيدة

الأربعاء 23 يوليوز 2014 - 22:59

هناك اليوم دولتان في الشرق الأوسط قامتا معا على أساس الدين الصافي، دولة إسرائيل التي أعلنتها جماعة من القتلة باسم التعاليم المحرفة لليهودية، ودولة داعش التي أعلنتها جماعة من القتلة باسم التعاليم المشوهة للإسلام. وتشاء الصدف أن تجتمع الدولتان معا في منطقة واحدة بشكل متجاور، وأن تتفقا في توقيت القتل باسم الهوية الدينية الصافية المزعومة، ففي الوقت الذي تقتل فيه إسرائيل أبناء غزة لتكون تعاليم التوراة والتلمود هي العليا، تقتل جماعة داعش أبناء سوريا والعراق دفاعا عن فهم دموي للدين الإسلامي.

لكن بينما يتم التركيز على الجانب العقائدي في مشروع “الدولة الإسلامية” المزعومة في العراق وسوريا، يتم تهميش هذا الجانب في قراءة الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، المستمرة منذ عشرات السنين. بل أكثر من ذلك توضع مساحيق حداثية على دولة قامت على أساس الدين، ويتم بالقوة منح هذه الدولة الطابع المدني، بالرغم من أن مشروعيتها كلها وسلوكها السياسي والعسكري لا يمكن فهمهما خارج ما تتضمنه التوراة من تعاليم تمجد القتل وسفك الدماء وتعتبر الحرب ضد الآخرين طقسا دينيا مقدسا. ولذلك هناك ازدواجية مفضوحة لدى كثير من الأوساط الفكرية والسياسية في الغرب، التي تؤكد بأن إقامة الدول على أساس الهوية الدينية قد ولى عهده في العصور الوسطى، وأن الدولة الدينية لا محل لها في العلاقات الدولية الحالية، وتدين الكراهية الدينية داخل المجتمعات، بينما تدافع علنا عن دولة تمثل بالفعل أبشع نماذج العصور الوسطى في القرن الحالي أو، على الأقل، تلتزم الصمت، وكأن التاريخ يقرأ في اتجاهين وفقا للضرورة، من اليمين إلى اليسار عندما تكون هناك قضايا لا تقبل سوى التواطؤ، ومن اليسار إلى اليمين عندما تكون هناك قضايا لا تقبل سوى التوافق.

هذه الحقيقة الدينية يتم التستر عليها حينما يتعلق الأمر بالتصريحات العلنية أمام أنظار الرأي العام العالمي، فيما يجري التعبير عنها صراحة في اللقاءات المغلقة بين المسؤولين الغربيين ونظرائهم الإسرائيليين. وقبل سنوات، أثار الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن شعورا بالحماسة في الأوساط اليهودية داخل إسرائيل، لمجرد أنه تلفظ بعبارة”مسادا لن تسقط ثانية” في خطاب له أمام الكنيست. فقد كانت تلك العبارة إشارة إلى ما ورد في التوراة عن بقاء نسل بني إسرائيل، حينما تحدثت عن الانتحار الجماعي لهم في الضفة الغربية داخل قلعة تحمل نفس الإسم بعدما حاصرهم الرومان، في ستينيات القرن الأول قبل الميلاد.

لقد نجح الغرب في صياغة مواثيق دولية حول الحرب والعلاقات بين الدول، لكنه يعرف أنه صاغها خارج الدين، نظرا للوقائع التاريخية التي تسجل بأن مرحلة الحروب الدينية كانت أسوأ مراحل التاريخ الإنساني، وأفلح من ثمة في إدخال العالم الغربي إلى عهد الديمقراطية والحوار وثقافة التفاوض السلمي على أساس التوافق على تلك المواثيق، بيد أن دولة واحدة ـ هي إسرائيل ـ بقيت خارج تلك المواثيق، لأنها دولة قائمة على الدين ولأن تلك المواثيق صيغت خارج الدين، فلذا هي غير معنية بها، ويتعامل معها الغرب على هذا الأساس.

في كل المواثيق الدولية، ومنها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، هناك اتفاق على استثناء المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ مثلا من قائمة الاستهداف، لكن هذا هو ما تقوم به إسرائيل بالتحديد، إذ هي ملزمة بتعاليم التوراة لا بنصوص المعاهدات، بل هي في معسكر وجميع الأمم الأخرى في معسكر آخر ويجب على هؤلاء أن يكونوا في خدمتها، كما هو منصوص عليه في سفر المكابيين الثاني:”وقال موسى: يا رب، لماذا خلقت شعبا سوى شعبك المختار؟ فقال: لتركبوا ظهورهم، وتمتصوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم”. ويكفي التذكير هنا بحالتين، الأولى عندما قال أرييل شارون لجريدة”لوفيغارو”الفرنسية، ردا على سؤال حول عدم وجود حدود مسطرة لدولة إسرائيل وعدم توفر هذه الأخيرة على دستور مكتوب، بأن”التوراة أقوى من أي وثيقة سياسية”. والثانية عندما أخرج وزير خارجية إسرائيل الأسبق نسخة صغيرة من التوراة من جيبه أمام الصحافيين الذين سألوه عن تشبث دولته بأريحا، لكي يقول لهم إن تلك المدينة منحها الرب لبني إسرائيل ولا حق لأحد مهما كان أن يكون ضد الكتاب المقدس.

لذلك فإن كل عمليات القتل التي خاضتها إسرائيل ضد الفلسطينيين كانت عمليات ذات طابع ديني مقدس، أما قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة فهو طقس ديني مكرس بالكتاب المقدس الذي يتضمن مئات الآيات التي تدعو إلى قتل هؤلاء تبركا وقربى، منها ما ورد في سفر إشعياء:”وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف. لا سلام، قال الرب للأشرار”، وفي سفر العدد:”الآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها”، وفي سفر صموئيل الأول:”لا تعف عن أحد منهم بل اقتلهم جميعا رجالا ونساء وأطفالا ورضعا، بقرا وغنما، جمالا وحميرا”.

أفليست إسرائيل دولة دينية في عالم يرفض القتل باسم العقيدة؟.

‫تعليقات الزوار

11
  • marrueccos
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 02:38

    الدول الناجحة هي تلك التي إستطاعت تكثيف دساتيرها المكتوبة أو العرف بحيث لا تستطيع أن تفقدها بعدها الديني مع عدم التركيز عليه ! فإنجلترا بروتيستانتية بديمقراطية غطت المستور الديني الذي لا يزال ظاهرا في مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية ! كذلك الشأن مع فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من المجتمعات الديمقراطية الكاثوليكية ! هنا يظهر تفوق العقل في عصر الحداثة وما بعد الحداثة وإسرائيل ليست إستثناء ا فلا يمكن لأي دولة من دول العالم الحر أن تعيب عليها ما تعيشه على أرض الواقع بالتلميح وليس التصريح الفاضح !!!!!
    الدول الغبية تسير عكس ذلك وتحمل دليل إدانتها عاليا ! فالسعودية لها علم مرقون بالشهادتين وتحتها سيف وإيران تظهر إسلامية الدولة والمجتمع في إسم الدولة الرسمي دون نسيان تضمن دساتير دول منطقة " مينا " وفي مبادئها المؤسسة عبارة ( الإسلام دين الدولة ) !!!!!

  • Assamarraî
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 03:23

    L'aliénation religieuse est le pire danger qui menace d'une manière permanente toute l''humanité dans son existence .Juifs orthodoxes ou musulmans fondamentalistes sont tous des obscurantistes qui constituent une entrave à l'émancipation de l'humanité .Ainsi au nom de la religion tous les carnages et toutes les atrocités barbares sont permises .Historiquement il faut dire que les chrétiens de la France se sont débarrassés de la gangrène religieuse lorsqu'ils ont instauré la laîcité…relativement ils vivent en paix . Merci au professeur Kanbouri pour cet excellent article .

  • شيطونة
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 07:00

    تقول" ان الغرب، الذي يؤكد بأن إقامة الدول على أساس الهوية الدينية قد ولى عهده في العصور الوسطى، وأن الدولة الدينية لا محل لها في العلاقات الدولية الحالية، بينما تدافع علنا عن دولة تمثل بالفعل أبشع نماذج العصور الوسطى في القرن الحالي " فمن كلامك تقصد اسرائيل فاين نسيت سعودية، ايران اليسوا دول دينية يقومون بجرائم بشعة في سوريا ؟ اين نسيت البشير الذي انشئ دولة الدينية سودان فقام بجرائم في حق مسحيين جنوب السودان ام انت من الذين يبحتون عن عيوب الاخرين و ينسي عيوبه ، فالدين ان لم تكن تعلم اداة يستعملها كل من يريد الوصول الي مصالحه، استعمله بوش لاحتلال العراق عندما اعتبر ان الاسلام شر يجب القضاء عليه islam is devil كما يستعمله بوكو حرام و تنظيم داعش . – اسرائيل تدمر قطاع غزة نتيجة حماقة من حماقات حماس فقد قتلت حماس ٣ شبان اسرائيليين لتحتفل بانتصارها على انقاض جثث مئات من الفلسطينيين ،جوعت حماس الشعب الفلسطيني في غزة و حرمت عليه الدواء و حاصرته ، الاسلاميين سيبقون شر الذي ابتليت به الشعوب العربية.

  • Yousf
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 08:19

    Vous faites un dangereux amalgame ! Israel n'est pas daech ! Certes israel mene une guerre disproportion nee mais ne tranche pas les tetes et les exposent comme s'il s'agit d'un acte heroique! Les autres confessions ne sont pas traques et humiliees comme le fait daech pour les chretiens ! Israel a une societe civile qui denonce les la politique du gouvernement et les exces de l'armee ! Daech coupe les tetes de qui s'aventurent a sortir du troupeau !pourquoi vous vous enteter a comparer l'iincomparable ! Le gouvernement syrien mene aussi une guerre disproportionnee contre des terroristes certes mais c le meme senario qu'en palestine ! Des civils tues , des infrastructures detruites ! Regardez l'irak !un veritable cahos humanitaire avant meme l'arivee de daech! NON mr ayez la decence de reconnaitre que les arabes et hamas sont responsables de la situation en palestine ! Interrogez donc l'histoire!UN conseil : n'ecrivez pas sous l'effet de la colere ! C vraiment rate

  • خبراثور
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 12:53

    كيف تعرف الدولة الدينية ;

    عندما تر العمارات تسقط على رؤوس اصحابها

    وعندما تر الاوساخ والقادورات في كل مكان

    وعندما تر المتسولين اكثر من الجراد .

    وعندما تر شعبا بلا اخلاق ويدعي انه خيرالامم .

    فاعلم انك في دولة دينية .

  • rachid
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 15:15

    إكمال وإغناء لتعليق خبرثور رضي الله عنه

    عندما ترى سوق ملك اليمين أمام المسجد.
    عندما تسمع عن آلة لقطع يد السارق اخترعها المسلمون.
    عندما تضطرب أثداء الفتاة تخالها عاهرة وهي جارية.
    حين ترى الساحة الرئيسيت بالعواصم قد تحولت لحفلات رجم.

  • Free Thinker
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 17:09

    نعم اسرائيل بنيت على الانتماء للعرق اليهودي الذي يعتبرونه صافيا.فلسفتها في الوجود مبنية على اليهودية,و الاسرائيلون يحاولون بناء اسرائيل اتباعا لتعاليمهم الدينية. نحن متفقون على انها دولة عنصرية تتحرك وفق اديولوجية خطيرة تسمح لهم بالقيام باي شيء( قتل, تخريب…) لتحقيق "وعد الله" بعدما تحقق وعد بلفور. لكنها لا تعتبر من الدول الدينية (بالمعنى الكلاسيكي) لانها لا تفرض الدين اليهودي على مواطنيها, كما ان قوانينها الداخلية تشبه قوانين الدول الديمقراطية, اي تحتكم للعقل لتحقيق مطامع دينية. بينما الدول الدينية تحتكم للدين لتحقيق مطامع دينية او اقتصادية او اجتماعية.
    الدول الاسلامية(وليس داعش فقط) كلها دول دينية تفرض على المواطن الاسلام. داعش فقط اكثر تطرفا. في الدول الاسلامية الاسلام مفروض و ليس اختيارا. يتم فرضه على الجميع في التعليم, و يمنع اتباع معتقد غيره و التبشير به, يفرض على الجميع الزواج الديني, و الدفن الديني, و الاسماء الاسلامية..الخ من القوانين الدينية المفروضة قسرا على الجميع.
    خلاصة القول ان الدين يجب ان يكون اختيارا فرديا, الدولة لا تفرضه على المواطن كما لا تتخذه فلسفة في الوجود.

  • sifao
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 19:09

    "اليهودية المحرفة" قال بها نبي الاسلام ، وكان على المسلمين ان يصدقوه ، لكن من يقول ب"الاسلام المشوه" ما هم الا بشر وليسوا انبياء حتى يصدقهم الناس ؟ من هذا الذي سنصدقه في قوله ان عقيدة داعش مشوهة وليست صحيحة ؟
    الموت واحد ، لكن هناك فرق ان تقتل دفاعا عن ديانة ضد اخرى وان تقتل دفاعا عن مذهب من مذاهب نفس الديانة ، ان تقتل اخاك في الدين ، تحت حجة سوء فهمه لنفس الدين ، اليهودية المحرفة تحارب الاسلام في فلسطين ومن تحارب داعش في العراق وسوريا والجزائر وشمال مالي وفي كل انحاء العالم …؟
    البغدادي قال ان اهتمام خلافته "الرشيدة" سينكب على تهذيب ذوي القربى وتنقية الدين من الشوائب والمرتدين والمنافقين ولم يتوجه بالخطاب الى "الكفار" الذين يقتلون اخوانهم في الدين ، لان تصريحا او توجها مثل هذا سيضع حدا لدولته في ايام معدودة ، هل تبين لك الفرق بين عقيدة اليهودي المحرفة وعقيدة المسلم المشوهة ؟
    اسرائيل توظف الدين حين يتعلق الامر باستنهاض الههم لمواجهة الخطر الاسلامي وليس لكبح جماح ابنائها وتنميط افكارهم وتكريس قيم جاهلة في عصر العقل وانواره الساطعة ، هذا هو الفرق بين داعش واسرائيل اذا جازت المقارنة…

  • عسو
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 19:37

    اسرائيل هي بمثابة ممثل تجاري للولايات المتحدة الامريكية فدورها هو تجريب احدث الاسلحة التي تنتجها الصناعة الحربية الامريكية في حروبها المختلقة ضد شعوب المنطقة و بالتالي استقطاب زبناء مفترضين اضافة الى تقديمها لهم الخبرة التقنية و قطع الغيار.
    و من هنا يمكن فهم صمت الغرب على جرائم اسرائيل و مساعداته السخية لها.

  • ابن الراوندي
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 22:15

    مصيبتنا في نصوصنا"المقدسة" ………..

  • rachid
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 00:29

    إلى free thinker
    ويحك تدعو الدول الإسلامية إلى السماح بالتبشير، وماهي القيمة المضافة التي ستجنيها هذه الدول إذا ما استبدلت خرافات الإسلام بخرافات المسيحية، هل سيتقدم المسلم إذا كفر بالمعراج وآمن بالصعود العمودي للمسيح؟؟؟
    السماح بالتبشير سيؤدي إلى الطائفية، على الأقل لا نريد أن نزيد على التخلف هذا الأمر، تعدد الأديان وبال لأنها تدعو للتفرقة كلها.
    العلمانيون يروجون لمغالطة أنه يجب علينا إحرام الأديان، بل يجب علينا إحترام الأشخاص وحقهم في الإعتقاد لا أن نطلق العنان لهم لنشر خرافتهم لأن هذا يصبح قضية أمن دولة.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات