الليسيوم والمستقبل

الليسيوم والمستقبل
الخميس 22 شتنبر 2011 - 22:57

بداية، لابد من التأمل ولو قليلا في عنوان هذا المقال “الليسيوم والمستقبل”. بدون شك، يحتمل أن يثير مفهوم “الليسيوم” لبسا لدى البعض منكم. ومن أجل رفع هذا اللبس، ورغبة في أن يكون هناك حد أدنى للتواصل والفهم، لا بأس من الوقوف عند دلالة هذا المفهوم قبل الدخول في موضوع هذه المقدمة.

إن “الليسيوم” مرتبط كرونولوجيا بالفيلسوف اليوناني أرسطو (384- 322 قبل الميلاد)، ولا تستغربوا إن قلت لكم إن “الليسيوم” اسم لفضاء مكاني بأثينا كان الحكيم اليوناني اتخده مكانا لتحصيل المعرفة الفلسفية والعلمية رفقة تلامذته. “الليسيوم” كلمة يونانية إذن ،علاوة على ان لها مقابلا في اللغة الفرنسية هو “الليسي” التي تفيد معنى ” الثانوية” بلغتنا الأم العربية. من هنا يصبح عنوان مقدمتنا “الثانوية والمستقبل”.

من بين المواضيع التي يهتم بها الفكر الفلسفي كطريقة لطرح السؤال الباحث عن الحقيقة، التفكير في الإنسان وعلاقته بمفهوم “الزمكان”، كامتداد يدخل في كينونته الإنسانية. من هنا تشكل هذه المقدمة وقفة تأمل في “الليسيوم” كفضاء مكاني والمستقبل كزمن إشكالي، بحثا عن العلاقة الرابطة بينهما. “الليسيوم” كفضاء مشترك بين المعلمين والمتعلمين، والمستقبل كمفهوم يفرض علينا مساءلته انطلاقا من “الليسيوم” كمحطة للتفكير، عبر التساؤل التالي: أين يكمن المستقبل بـ”ليسيوماتنا” كفضاءات للتنشئة الإجتماعية لها اهدافها المتميزة، و أين يتجلى؟

للإجابة عن هذا السؤال الفلسفي، لا بد من البحث عن الحلقة المفقودة التي ستربط لنا بين المكان “الليسيوم”، و بين الزمان “المستقبل”. ولا تستغربوا إن قلت لكم إن هذه الحلقة المفقودة موجودة و جودا حيا، ولا نحتاج إلى كبير عناء لاكتشافها، انها ما نعيشه “الآن” كتجل للحظة أو الحاضر بامتياز، هذا الحاضر المنفتح المشرع للمستقبل. من هنا تغدو مؤسسة “الليسيوم” كفضاء مشترك، مكان للحاضر المنفتح، وحقيقة محايثة لهذا الحاضر، تكسر بمطرقة النقد، رتابة الديمومة المستمرة بأفكارها التشاؤمية والتي تتسرب إلى جسد “ليسيوماتنا” العريقة.

إن “الليسيوم” باحتوائه على مؤطرين تربويين، تمنح للكل فرصة تأسيس الحاضر-المستقبل. وما المتعلم إلا مشروع يجب أن يكلل بنجاح حقيقي في مجالات الحياة وبناء الذات التي تخص بالدرجة الأولى تحمل المسؤولية وتقوية ملكة النقد والإبداع وكذا تربية الثقة في النفس مما يخول للمتعلم راحة سيكولوجية من اجل انطلاقة حقيقية من حاضر معقلن الى مستقبل متفائل. وما إرادة النجاح التي نلمسها لدى بعض المتعلمين، أقوى برهان على الشجاعة والشهامة والقوة التي يتمتع بها شبابنا. أما الذين تنتفي ارادتهم وتتخبط في مشاكل وهموم الحياة المعاصرة، ففضاء” الليسيوم” يشكل لهم كما لأصدقائهم، باختلاف مستوياتهم الدراسية وتخصصاتهم المتنوعة، مكانا لبناء الذات وصناعة الأمل كما قال محمد بلال أشمل ذات مرة، وكما كان الشأن في “الليسيوم”مع أرسطو. اما الإحباط والتشاؤم التي نرى مظاهرها فليست الا قسوة يجب انتزاع جذورها بشكل حازم.

صناعة الأمل، و كذا صناعة العقل، هدف كل حاضر متجه الى المستقبل. الكل يمتلك العقل، لكن ليس المهم ان نمتلك عقلا، و لكن المهم ان نحسن استخدامه كما تعلمنا الفلسفة الديكارتية. وهذا ما يجب ان تحرص عليه “ليسيوماتنا”؛ تعليم وتعلم، وحسن تدبير واستخدام العقل، سعيا إلى نشر الخير والسلام. في هذا السياق يمكن ان نتحدث عن اشكال حسن تدبير العقل، بداية من نقد سلوكاتنا تجاه “الليسيوم” ومؤطريه. حسن تفعيل مبادئ التربية على حقوق الإنسان، فكرا و سلوكا، وحسن تدبير العقل في مسألة الدفاع عن حرية الاخر وحقه في التعبير والنقد، حتى يكون الفرد شاعرا بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه ككل. كما يبقى نقد التواكل والحقد شكل من اشكال الدفاع عن اخلاقنا الحية، أو لنقل بالجملة، دفاعا عن إنسانيتنا وسعيا إلى نشر قيم الخير والسلام… و هي كلها مفاهيم نادى، ولازال ينادي بها كل صوت إنساني حي. ولا يمكن أن يتأتى كل ذلك الا بتعليم وتعلم طريقة حسن تدبير الديمقراطية ومعانقة الذات لحاضرها كأفق لتفكيرها في مستقبلها. ولعل ذلك ممكن عبر تعليم الذات المتعلمة والحرة، والواعية، والمفكرة، بكيفية القيام بقراءة جادة لحاضرها،حتى تتجاوز مستوى الفهم البسيط الى شيء من الفهم العميق بذاتيتها، وتخليص نفسها من الأحكام المسبقة والحقائق المزيفة.

إن فضاء “الليسيوم”، فضاء للتربية وصناعة العقل والأمل، وتوجيه حقيقي لما سيكون انطلاقا مما هو كائن، وكذا تقويض كل تفكير فاشل غايته الإحباط والعبث واللامبالاة. لذا فلا غرابة ان يتولد لدى كل فرد يتقاسم مع الغير هذا الفضاء، معلما ومتعلما، الشعور بالاعتزاز بالانتماء إليه. ولعل هذه الـ”مقدمةحول الليسيوم والمستقبل” ليست سوى دعوة هؤلاء إلى التفكير في حاضرهم، وحملهم على التفكير في مستقبلهم، إنقاذا لمصيرهم، ودفاعا عن مستقبلهم.

‫تعليقات الزوار

3
  • fatima
    الجمعة 23 شتنبر 2011 - 11:58

    مقال اكثر من رائع شكرا لك استاد بدر و بالتوفيق ان شاء الله

  • moslim
    الجمعة 23 شتنبر 2011 - 22:26

    il faut éliminer la philosophie du lycée c'est la cause de naissance de ce qu'on appelle(almolhidine)c'est très tot pour l'enseigner aux élèves car ils sont en phase de se construire ils ont pas encore la capacité de critiquer ce que on leur enseigne ça leur créent des interactions dangereuses interieures dans les pensées et on ne pourra pas prédire leur trajectoire comme le sallite qui va tomber ce soir.

  • محمد الحجازى
    السبت 24 شتنبر 2011 - 23:16

    اترك الفلسفه وعد الى طريق الرسول صلى الله عليه وسلم
    وتعلم الايمان والاحسان واعمل باركان الاسلام
    قل ربى زندى علما

صوت وصورة
ليالي رمضان في العيون
الجمعة 29 مارس 2024 - 15:57

ليالي رمضان في العيون

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج