"المحققون غير النظاميين" .. كيف تستلهم السرديات الفيلمية ألعاب الفيديو؟

"المحققون غير النظاميين" .. كيف تستلهم السرديات الفيلمية ألعاب الفيديو؟
صور: أرشيف
الإثنين 26 يوليوز 2021 - 04:30

جماليات الرعب ما قبل انتشار الكهرباء

هذا تحقيق بوليسي، يمزج الخيال العجائبي بالعلم، في سلسلة تستلهم الرواية السوداء، بعنوان The Irregulars أو “المحققون غير النظاميين”، التي ابتكرها البريطاني توم بيدول (8 حلقات، تعرضها المنصة الأمريكية “نتفليكس” منذ 26 مارس 2021). البطلة مراهقة تدعى بي (ثاديا غراهام)، ذات ملامح شرق آسيوية (لاستقطاب السوق الصينية الضخمة)، تكتشف الحياة في قبو وسط حي شعبي في لندن، نهاية القرن التاسع عشر. تلتقي أميرا متنكرا، ينزل من قصره لاستكشاف لندن الحقيقية، التي يعيش فيها شعبه. للبحث عن معلومات حقيقية في الشارع، يجب التعامل، بل الاحتكاك مع من يعيش فيه. تهيمن الخرافة على العقول، لكن سلطة المال تحل المشاكل في الشارع.

هناك حيث تجري جرائم في مكان مظلم وغامض. يمثل زمن ما قبل انتشار الكهرباء فضاء ملائما لتصوير مشاهد المطاردة في الظلام في فضاءات مجهولة. في زمن الكهربان، صار الفضاء مضاء وله تصميم معلوم؛ وهذا ما يقلل خوف مجتازه وخوف المتفرج. لقد تم التصوير بجمالية كبيرة، تشبه لوحات كارافجيو، وهذا هو الدافع لكتابة هذا المقال.

هناك توزيع مناطق الضوء والظل في اللقطات مبرر؛ لأنه يرجع إلى مرحلة ما قبل انتشار الكهرباء. يتشارك نقص الضوء وتعقيد المخطوطات اليدوية في تقوية الغموض. يصعب الحصول على الأثر نفسه بعد انتشار الكهرباء والكتابة الآلية وتطبيقات تحديد مواقع الافراد. النور مضر بالمجرمين وبتشويق المتفرجين، التصوير في النور ممل لأنه يبعد المسلسلات والأفلام من عالم الشر. يتم الانتقال من الحديث عن الظلام إلى الحديث عن ظلمات اللاوعي التي تجعل الفرد كائنا مجهولا لنفسه ولغيره.

للقضاء على الشر الغامض الذي يهدد لندن، تم جمع منهجين متناقضين: تحقيق سببي عقلاني يفحص النتائج ليكتشف الأسباب، وتحقيق عجائبي يستثمر الخرافة والقدرات الخارقة لدى بعض الأفراد الاستثنائيين.

جند المحقق الإنجليزي الأنيق شابة غير طبيعية في قرن انتصار الإنسان على الطبيعة. تستخدم الشابة قدرات خارقة لتوقع المصائب وتجري لمنع حدوثها. في المقابل، يستثمر ضابط شرس أسطورة سكوتلاند يارد العقلانية في مناهج التحقيق بسرعة وكفاءة لضبط المجرمين. نتعرف على شارلوك هولمز، وهو محقق متخصص في التنكر والتمويه يدرس بقايا النبات للوصول إلى المجرم. يناضل شارلوك هولمز ليثبت تفوق خططه العقلانية، فيخضعه خصومه للتنويم المغناطيسي. في الحلقة الثالثة، تعقد البطلة صفقة مع شارلوك هولمز، فتحصل على ترقية طبقية فورية مؤقتة.

تقدم السلسلة التي بلغت حلقتها الثامنة سردا هجينا يضفر خطين في قرن انتصار العلم، وتظهر ضرورة العجائبي لكشف أسرار النفس البشرية، مع لمسة عصرية جدا: أشباح تحمل أرقاما سرية وليس أسماء تقليدية، أذهان متصلة (كونيكتي) كأنها حواسيب، غربان لا تخضع للطبيعة بل هي غربان موجهة مبرمجة. وقائع سردية أشبه بألعاب الفيديو التي تحاول أن تهزم من يلعبها. هذا ما تحاول السلسلة استثماره، يخمن المتفرج اللاعب ويتوقع، يفرح حين تتحقق توقعاته، وحين يفشل يزداد تركيزه لاكتشاف المآزق التي تقع فيها الشخصيات يتردد في الحوارات “لعبت وخسرت، انتهت اللعبة”.

لقد تطورت السرديات وراكمت منجزات مهمة، خاصة في السينما وألعاب الفيديو التفاعلية؛ وهذ ما جعل الأفلام والمسلسلات تتشبه بألعاب الفيديو. صار استخدام الحيل والأساليب نفسها مهيمنا، حيل تخلق فرجة آنية مبنية على خدع بصرية وعلى الانزياح عن سنن سردية تقليدية؛ ففي السلسلة، تحب البطلة ذات الملامح الصينية أميرا إنجليزيا، ويوجد احتمال أن يولد لهما طفل فتحكم الصين العالم..

في السلسلة طيور عجيبة، مطاردات وأسئلة تطرح ألغاز بطوبة شبابية… سحر وأرواح شريرة… عنف شديد، أموات يمشون كما فعلوا رقصا في كليب لمايكل جاكسون، تتكرر المشاهد الدموية بسبب الغراب طائر النحس… بالنظر إلى انبعاث غربان هتشكوك في سلسلة تجري في القرن التاسع عشر في لندن، أفترض أن الحكاية كانت عريقة شهيرة بحيث يتعذر اتهام من صورها بالسرقة السينمائية.

تحقيق بوليسي يمزج الخيال والعلم في سلسلة تستلهم الرواية السوداء، سرد يستثمر مشاهدات المتفرج السابقة لتوليد التشويق، يحتاج المتفرج معرفة معلومات كثيرة ليتابع حيل السحر وتحقيقات شارلوك هولمز.
من هو المتفرج الذي صمم له هذا المسلسل وأشباهه؟

متفرج من جيل الأنترنيت، متفرج مراهق ينتقل إلى مرحلة الشباب، فتتغير عادات التسلية لديه، متفرج مسترخ جسديا على أريكته؛ لكنه نفسيا مستعجل يبحث عن تسلية فورية دون بذل جهد وتركيز كبير للفهم. لذلك، يقوم المخرج والسيناريست بجهد الإفهام، حتى بقيام الشخصيات بقراءة ورقة تقدم المعلومات كاملة للأذن… وبالتزامن مع المعلومات، يتم إمتاع عين المتفرج بالأضواء والألوان والبرويتاج ليشعر المتفرج بأنه يصعد سلم الفرجة.

في كل حلقة مكان خطر ومهمة محددة وعراقيل مفاجئة تجب مواجهاتها في زمن قصير من طرف أربع شخصيات تتقاسم المهام لهزم الخصوم. قوانين سرد تليق بألعاب الفيديو ويقوم المخرج بالضغط على الأزرار لتجري شخصياته نحو أهدافها. هكذا تدفع العاب الفيديو بالسرديات إلى آفاق تسير بسرعة رهيبة.

كل ذلك لاستقطاب متفرجين ضجرين من جيل جديد، تم تطوير أكثر السيناريوهات تطرفا وعنفا باستثمار قصص معلومة للجمهور والمزج بينها…. سرد هجين يستعيد شخصيات متخيلة شهيرة ووقائع وصورا قديمة تشبه لوحات فنية لالتقاط وإرضاء أذواق مختلفة. وهذا ما يتطلب مساحة زمنية كبيرة تتوفر عليها السلسلة، ولا تتوفر للفيلم الذي يمتد ساعتين على الأكثر.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين