العنوان أعلاه غريب ومستفز، وربما مقزز ومنفر لدى البعض. أعلم هذا، بل أفهمه وأقدره؛ لكننا إن تأملنا المراحيض العمومية، على نذرتها في المغرب، ستتغير نظرتنا لوظيفة المرحاض.
ترى، ما هي وظيفة المرحاض؟
الجواب بيِّن وواضح ولا يحتاج تعليلا. أدرك هذا أيضا. متى يتغيّر جوابنا؟ يتغير حين نقف قليلا عند ما يُكتب، ينقش، وينحت في حيطان هذه الحمامات وأبوابها. وسنعطي مثالا بمراحيض الجامعة. على اعتبار أن الجامعة تحتوي على نخبة الشعب وأرقاه فكرا-المفروض أن تكون كذلك- وبالتالي أكثرها إدراكا لتصرفاتها ووعيا لسلوكياتها؛ ولكننا حين نقرأ ما يكتب فيها على أيدي الطلبة نجد العجب العجاب، وسنعطي أمثلة من خلال مراحيض جامعتين اثنتين، وهما ابن طفيل في القنيطرة وابن زهر في أكادير، حتى تكون معلوماتنا موضوعية ناتجة عن معاينة، وليست افتراضية توقعية.
إن قادتك الحياة إلى هتين الجامعتين، وأردت أن تقضي حاجتك الطبيعية في أحد مراحيضهما، تجد نفسك أمام منصة دعائية حقيقة، دعاية سياسية، بالمعنى الحرفي للمفهوم. فتقرأ مثلا عبارات واضحة تعكس حرص صاحبها على أن تكون كذلك “المجد للشهداء، والموت للخونة” / “تستطيعون دهس الزهور، لكنكم لا تستطيعون منع قدوم الربيع”/ “أطلقوا سراح المعتقلين.”/ “عاش الشعب، ولا عاش من خانه”/ “عاشت أوطم”، أو “عاشت الحركة الثقافية الأمازيغية” أو “عاش اليسار”، أو تجد شعارا استعير من الشارع ودخل المرحاض “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”، وغير هذه الشعارات والأفكار كثير.
ليست الأفكار السياسية هي الوحيدة التي تمر عبر قناة اسمها المرحاض، بل تجد أيضا دعاية جنسية، فتجد أرقام هواتف، لمن يريد أن يمارس المثلية… ثم تجد كما كبيرا من السب والقذف بأفظع الألفاظ في هذه المراحيض.
من هنا، يحق لنا أن نطرح بعض التساؤلات: لماذا يا ترى يكتب هؤلاء الطلبة كل هذه الأمور في المراحيض؟ هل العملية ناتجة عن قصد وغائية، أم أنها لا واعية عرضية؟ كيف يمكن للإنسان أن يعدد من وظيفة مرفق صحي، مخصص عادة لقضاء الحاجة؟ ألا تحتاج هذه الظاهرة، إن جاز لنا تسميتها ظاهرة بالمنطق السوسيولوجي، إلى بحث ودراسة؟ هل الظاهرة لصيقة بمجتمعنا المغربي، أم أنها عامة؟.
عاينت شخصيا هذه الظاهرة في مراحيض العديد من الجامعات التي زرتها في كثير من بلدان العالم في أوربا وإفريقيا. المرحاض مكان للبوح بكل حرية عن كل ما يُكتٓم صوتا وصورة وكتابة وتفكيرا وربما ممارسة…
اتمنى قراءة مراخيض المحطات الطرقية ايضا فهي اكبر مكان لسماع نبض الشارع .فسيفساء من الافكار والالوان والذكريات والهموم وكل ما يمكن تخيله ..ربما في المرحاض تكون الحرية اوفر
أعتقد أن جامعة فاس أو ظهر المهراز كما كان يحلو للطلبة تسميتها أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات عوض سيدي محمد بن عبد الله كانت رائدة في هذا النوع من الاحتجاج لأن المرحاض هو الفضاء الوحيد البعيد عن الأعين والأسماع وللأمانة كان منصة إيديولوجية فقط .
في مجتمع محترم تجد المراحيض كافية و لو في الغاباب و الفيافي و الشواطيء. اما معايير المجتمع المحترم المتقدم فهي ثلاتة:
1- المرحاض احسن و انظف من اي مكان بما فيه المطبخ و المستوصف و المطعم.
2- أسنان نظيفة و صحيحة بفضل التقدم التكنولوجي و العلمي في طب الأسنان و سهولة الولوج لجميع أفراد المجتمع الى مختبرات طب و صناعة الاسنان.
أحدية نظيفة بفضل البنيات التحتية و الاهتمام بممرات و طرق الراجلين و عربات ذو الاحتياجات الخاصة و عربات الأطفال و الدراجات و توفير وساءل النقل و النظافة في اي مكان يلوح اليه الانسان!
إذن هي ظاهرة عامة، وليست مخوصة على المجتمع المغربي، فعلا المرحاض مكان للبوح والصراخ بما يموج في الفكر والقلب… وبما ان الظاهرة عامة، فتحاج فعلا الى دراسة سوسيولوجية قد تُنتج نتائج كبيرة وتستخلص أمورا عدة… تحيتي لك أبو خليل
مراحيض الطرقات على قلتها في هذا الوطن، مليئة ايضا بما اشرت، ربما السبب راجع الى احساس الانسان في المرحاض بالخلوة، ومن ثم بالحرية، والحرية باعثة على التعبير. اخترنا مراحيض الجامعة لان روادها يتميزون بالنضج اكثر من غيرهم… اما تعبيرات الناس في المراحيض العمومية. فهي تصوير حقيقي لما يعيشونه. لانها نابعة من العفوية اكثر.
الحديث في نظري حيدث عن التعبير بعيدا عن الرقابة، وليس حصرا على مكان بعينه، فمنذ القديم نقش الناس على الحجر ما يعتملهم وشكى القوم ما يقهرهم على الحيطان، وحي حائط الفيسبوك تبدى لك كم ان الناس بحاجة الى ان تعبر وبحاجة اشد الى ان لا تعرف، انت تمنعني ان اقول ما اريده ، لكني ساجد طريقة لاقوله ،
البوح يا صاح ،
ربما ليست الظاهرة عامة بالمعنى الذي أتى في التعليق الأول، والذي يبدو أنه ميل قناعة الكاتب فوجب التصويب.
وقفت على هذه الظاهرة بإحدى كبريات المكتبات الجامعية بفرنسا زمن تدفق الموجات الطلابية من العالم الثالث. اضطررت إلى قضاء تلك الحاجة الطبيعية ليست الصغرى… جلست إذا أقرأ على منصة المرحاض كتابة بالفرنسية وقعها طالب إراني كتب يشتم العرب، فعلقت عليه : فلماذا إذا أنتم تكتبون بحرف لغتهم ؟ عدت إلى نفس المرحاض في بضع أيام – وكان من بين أكثر من عشرة – فجلست كالعادة أقرأ ما جادت به قريحة السابقين … فتبين لي أن الكتابة التي علقت عليها من قبل محيت ومعها تعليقي دون المساس بباقي الكتابات، فخلصت إلى أن صاحب الكتابة تلك ندم على ما صدر عنه فاعتذر بتلك الطريقة …
العادات والتقاليد تتنقل وتهاجر مع أصحابها أينما حلوا أو ارتحلوا، وإذا كان صاحب التعليق الأول لاحظ الظاهرة بأوروبا، فلربما لأن "كحل الراس" سبقه إلى ذاك المكان، ولقد لاحظت بمراحيض محطات القطار بإسبانيا أن اللوطيين يتركون أرقام هواتفهم لمن يهمه الأمر … ويتحرشون بالمغاربة العابرين.
المدن بلا مراحيض مدن تنقصها الحضارة تكون سببا في كثرة الامراض وتسبب مشاكل عويصة للمسنين ناهيك عن نفور السياح ويلجا المرأ الى الاماكن العمومية لقضاء حاجته هذا اذا كانت له الجرأة والا فمصيره كثرة العلل في المسالك البولية والروائح الكريهة في كل مكان فالمراحيض العمومية ربما هي ترموميتر الحضارة …
مرد ذلك في اعتقادي الى طبيعة الطلاب في ذاك الزمن… فالطالب عكس ثقافة ووعي زمانه… وزمان ظهر المهراز زمن الرفاق والنضال والرقي…
أتفق ان المراحيض، وجودها ونظافتها معيار من معايير التقدم والازدهار لدى الشعوب. وشعبنا تعكسه مراحيضه، للاسف.
لقد نسيتم الإعدادات و الثانويات فالكتابات لا تقتصري على المراحيض (حاشاكم) بل تتعداها الى الأقسام و الممرات و تجد فيها كل أغراض الكتابات من عبارات الحب و الغزل و السب و القذف و الشعارات السياسية و غير ذلك … و لكن كنت ارجو ان الا ينصب البحث عن ظاهرة الكتابة بالمراحيض العمومية و لكن ان ينصب الى ظاهرة الكتابة بنفسها سواء بالمرحيض او جدران الشوارع اوالنقش على الأشجار او الأحجار او اي مكان يخلو فيه الشخص بنفسه ليعبر عما بداخله …و لا اريد إعطاء أمثلة فالكل يشاهد ذلك
هده الكتابات انما هي تعبيرات اديولوجية صامتة
اقرؤوا للكاتب و الشاعر المغربي الكبير عبد الطيف اللعبي
ربما الامر هو كما ذهبت اليه، لكن يبق السؤال، ان كان اهم ما في الامر كونه رغبة في البوح بشكل موارب. لم لا يعبر الناس عن بوحهم في دفاترهم وهم في غرفهم والابواب موصدة؟