المرواني وأصحابه

المرواني وأصحابه
الأحد 2 يناير 2011 - 20:55

أو الحاجة لحلف فضول جديد


غايتنا من هذا الكلام استئناف القول والبيان في أسباب التخلف البادية في تهدم العمران وانتشار الخراب من شؤم الظلم الواقع في هذا البلد الأمين على”الأحرار”؛ ومن هؤلاء الأستاذ المرواني وأصحابه من جماعة “الحركة من أجل الأمة”، ممن عُرفوا بدعوتهم السلمية وخطابهم الحضاري، وممن تجب نصرتهم بكلمة حق من باب”ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض”، فإن ما جرى من القمع والتزوير عليهم لا يزيد بلادنا إلا بعدا عن مسلسل المطلوب من وصف”الحق والقانون”، ولا يزيدنا إلا تجذرا في وضع الحصار، فإنه حيث لا يوجد الحوار وهو السبيل المفضي إلى الحق لا يمكن أن يوجد إلا الحصار، وحيث لا يوجد البرهان لا يمكن أن يوجد إلا السلطان كما يقول الفيلسوف المبدع طه عبد الرحمن.


وكلامنا في هذا الموضع يكون بحسب المقصود بالكلام من مدخلين، فإنه على حسب المخاطَب في القضية يُجرى الخطاب:


أولا :الخطأ في العفو خير:


إن المرء ليتساءل أي معنى يمكن أن يصبح لحياته وهو مشرف على حكم مبرم مقدم يشده بعنف نحو نفق مظلم، يزداد سواده مع تقدمه فيه، وهو رغم كل صيحاته التي يعلن فيها براءته وصيحات من معه لا يجد إلا تصامم الإدانة وقسوتها.


إدانة بلا آذان فهي صماء عمياء لكنها ليست بكماء، لأنها نطقت فلفقت وغرَّبت وشرَّقت لكنها ما صدقت ولا تحققت.


إدانة لا إجماع عليها ولا تأييد لها، إذ إنك لا تجد عند منصف كائنا ما كان خلافا في أن “المرواني وأصحابه” من المدافعين عن”خيار الأمة” مظلومون في ملف سياسي مفبرك بامتياز، وقد سيقوا كما سيق من قبلهم ومن جاء بعدهم في متاهات بعيدة كل البعد عن المحاكمة العادلة قريبة كل القرب من المحاكمة المحبوكة الظالمة.


محاكمة وإدانة لأناس ينبضون حياة وعلما وتحضرا ورجولة وغيرة على القيم الإنسانية الموءودة في زمننا، رجال ينبضون بالكرامة والتفاؤل والخدمة لوطنهم ولدينهم، إنهم “رجال ينبضون بالحياة مثلنا”، عبارة تعيدني إلى ما جاء في رواية A Hanging للكاتب الكبير “جورج أورويل” تلك الرواية التي تحكي تنفيذ إحدى العقوبات الظالمة الخاطئة التي شهدها أورويل أثناء خدمته كشرطي في بورما في العشرينات من القرن الماضي ، وقد كتب أورويل متحسرا غارقا في حيرته “إنه لأمر غريب حقًا؛ فحتى هذه اللحظة، لم أتمكن من إدراك الحكمة وراء تدمير حياة رجل كان ينعم بالوعي والصحة. عندما رأيت السجين وهو يخطو ليتجنب قطع الثلج المتساقطة، رأيت اللغز والخطأ الفادح المتمثل في إنهاء حياة شخص وهو في ريعان قوته. هذا الرجل لم يكن قاب قوسين أو أدنى من الموت، بل كان ينبض بالحياة مثلما كنا…”


يمكن جدا للقضاء أن يخطئ، فإن القضاء لا يتنزه عن الخطأ ما دام رجاله بشرا، لكن الحكمة تقول إن الخطأ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبة، وهو كلام وددنا لو يتنبه له من يشرفون على الحكم في مثل هذه النوازل التي يعوزها الدليل حتى يبرهنوا عن النزاهة والاستقلالية المزعومتين في بلادنا.


كتب إيف بول، المحامي العام في محكمة العدل للمجموعة الأوربية في بروكسيل، بأن على القضاء أن لا يحمر خجلا من حصيلة أفعاله، حتى ولو كان يرتكب أخطاء بين حين وآخر. عليه الاعتراف بأخطائه وعدم السكوت عن جموده. على القضاء الالتزام بالشفافية وقبول الحوار والنقد، عليه ـ مع الاحتفاظ الكامل باستقلاله ــ قبول حكم المواطنين. فمكانه في حضن المجتمع وليس على هامشه. عليه لإعادة ثقة المواطنين به أن يغير طريقة تعامله معهم على مستوى مهامه ومؤسساته. فالرأي العام اليوم أكثر من أي وقت مضى شاهد متيقظ على العدالة التي تقاضيه. و يدخل كفاعل في النظام القضائي نفسه.


كلمات نرجو أن يعيها قضاؤنا، فإن الأذى الذي لحق الأستاذ المرواني وأصحابه من هذا الحكم القاسي والجائر لم يكن لازما ولا متعينا، بل كان أذى متعديا مس روح ووعي المجتمع المدني المؤمن بعدالة قضيتهم وببراءتهم.


وإلى الشرفاء الفضلاء من ناشطي المجتمع الحقوقي والمدني نقول بأن الحاجة للائتلاف في جبهة واحدة للدفاع عن ضحايا الاستبداد باتت متحتمة.


ثانيا: في الحاجة لحلف فضول جديد:


إن الناس ما يزالون بخير ما تواطئوا وتحالفوا على نصرة المظلوم كائنا ما كان والدفع عنه حتى لا يكون فيهم من يخاف على نفسه أن يوالي الحق وينحاز إليه ، فتلك المواطنة الحقة التي يكون طلبها من أوجب الواجبات والحياد عنها من أنكر المنكرات في ميزان الأصول والمقاصد القرآنية، وإلا أوشك أن يفشو في الناس الرَّهَب من بطش المستبدين فَيَلِينوا(من اللين والخور) و الرَّغَب في سوء صنائعهم َفيَمِيلوا(من الميل والممالأة)، وكلا الأمرين شذوذ عن الكمال المطلوب في الفرد والأمة على حد سواء.


ولئن كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن خمس وعشرين سنة قبل النبوة، قد تمنى أن يكون مشاركا في حلف الفضول الذي جمع “فضلاء” عرب الجاهلية لهذه الغاية النبيلة في بيت عبد الله بن جدعان، فلأن الغايات النبيلة في العادة مقاصد للشريعة وغايات للدين في فلسفته وجوهره، وهو لا يتعارض معها على الإطلاق، وإلا فإنه فهم مزيف للدين لا يصح أن يعتبر، وليس الدين من يدعو للسكوت عن المظالم تُكَمِّمُ أفواه الناس وتسرق خبزهم ومعاشهم وتزج بأحرارهم في غياهب السجون.


لقد أظهر ملف”رجال العدل والإحسان السبعة” أن تظاهر ذوي الضمائر الحية والفضلاء يمينا ويسارا في الداخل كما في الخارج على مناصرة الحق وفضح الظلم لا يأتي إلا على أحسن وجه من إحراج الظالمين وردهم عن غيهم وانتفاخهم الباطل، وإن مسيرة بناء حلف الفضول هذه ينبغي أن لا تتوقف نصرة لكل صاحب حق أهدر عصابة الاستئصاليين حقه بعسف أو بقهر أو بمكر.


ولا يكون حلف الفضول في نظرنا إلا جبهة تدافعية ومدخلا إبداعيا لبناء الميثاق الذي يحفظ الأمة بما هي “جماعة” من الوقوع في التشظي و”المنازعة”، وينمي دفاعات الأمة بتعبير الأستاذ المرواني-فك الله سراحه وأصحابه- ضد أشكال الظلم، حلف يحتاج لعقول كبيرة وأخلاق عالية تتجاوز الاشتغال بالخلافيات، لتستجمع كل قوتها وشجاعتها في التصدي للاستبداد المفضي إلى استيلاء الأراذل على الأفاضل، وامتداد الأيدي العادية إلى الحقوق والحريات.


*أكاديمي ومفكر مغربي

‫تعليقات الزوار

9
  • د.أحمد زقاقي
    الأحد 2 يناير 2011 - 21:03

    لا تقرأ للدكتور ادريس مقبول إلا وتحس أن الرجل حديث عهد بكتاب أو لقاء أو محاضرة أو ندوة أو مناظرة،وتعثر في مكتوباته على الجديد المفيد،بتبين معرفي،وبتجرد علمي،الذي يعرف الدكتور مقبول يعرف انتماءه لمدرسة إسلامية رسالية مغربية يعرفها الخاص والعام،وهو مالم يجعله جاهزا لإطلاق الأحكام النابعة من القوالب النمطية التي يوضع فيها المخالفون لك في الأسلوب والطريقة،هنا يدافع عن المظلومين الستة عجل الله فرجهم،بنبرة تتكشف عن إخلاص بين،وصدق واضح،الرجاء أن يتداعى أهل المروءة والفضل إلى تحقيق مبتغى الدكتور مقبول ومبتغانا:التأسيس لجبهة واسعة للدفاع عن المظلومين بغض الطرف عن أديانه وأعراقهم وأجناسهم،تحياتي أخي ادريس

  • طالب الحق
    الأحد 2 يناير 2011 - 21:09

    السلام عليكم
    تحية للدكتور مقبول موصولة بالشكر على هذا المقال الرائع الذي يضع العين على إحدى القضايا المهمة التي يجب أن يتصدى لها كل حر أبي.

  • محمد
    الأحد 2 يناير 2011 - 21:05

    جزاك الله خيرا و كثر من أمثالك

  • الحسن شعيب
    الأحد 2 يناير 2011 - 21:11

    السلام عليكم
    مقالة رائعة، قوية، شجاعة، ناطقة بالحق، نرجو أن تجد لها لها آذانا صاغية، أنا أعرف أنك اسم على مسمى، مقبول المقبول جدا، أرجو أن يجد ما جاد به قلمك القبول هذه المرة عند من لا يقبلون من الفضلاء مثلك صرفا ولا عدلا، ومع متمنياتي أن يطلق الله سراح كل مظلوم في هذا البلد.
    تحياتي الصادقة

  • Marocain
    الأحد 2 يناير 2011 - 20:57

    ليس في القنافداملس

  • منصور الكنوني التاغزوتي
    الأحد 2 يناير 2011 - 21:01

    لست أدري لماذا يحاول هذا المفكر الهلامي كلما أتيحت له فرصة الكلام إلا أن يسرق عبارات من المؤرخ الكبير والمفكر العظيم بن خلدون من دون أن يستدعي الأمر ذلك.هل يريد
    أن يوهم القارئ أن صاح هذه العبارات المأثورة أم أن الرجل الذي يصف نفسه بالمفكر وصل به وهمه خياله المريض اعتبار نفسه في مصاف مفكرين أفذاذ من طينة-اسيدي بـــــاز وألف بــــاز

  • ذ. زكرياء السرتي
    الأحد 2 يناير 2011 - 20:59

    شكر الله لك أخي الأستاذ الدكتور ادريس مقبول على ما خطه قلبك وفكرك وقلمك من معاني التآزر والتعاون والتكافل بقصد رفع الظلم والحيف، ومعاني التحالف والتكتل بقصد مواجهة أصحاب الفكر الاستئصالي العدواني الذين يحرصون على استمرار التهام حقوق المستضعفين والرواد من أبناء هذا البلد الكريم.
    وتحية تقدير ومحبة للأستاذ المرواني ومن معه في محنة “امتحان الرجولة”.

  • نورأو نار
    الأحد 2 يناير 2011 - 21:13

    العداوة والإذ اية من الحساد والخصوم ، حاصلة
    لا محالة لمن يسعى للبناء ويجتهد لإعلاء منارة الخير ورفع راية الفضيلة ، فلا بد له من التحلي
    بالحكمة واليقظة وما دمنا نعمل من أجل حقيقة هي من أهم الحقائق وأجلها
    ….. فلا بد إذا من أن نصمد بكمال المتانة والصبر تجاه جميع الويلات والمحن التي قد تنزل بنا
    وان نواجه بصدر رحب جميع مضايقات الأعدا ء. إذ من المحتمل جدا أن يحرك ضدنا مشايخ أو علماء متظاهرون با لتقوى مخدوعون بأنفسهم أو بتحريض غيرهم لهم . وتجاه موقف كهذا لابد
    لنا من المحافظة على وحدتنا وتساندنا، وعدم تضييع الوقت معهم في الجدل و النقاش الفارغ.
    بأسلوب العنف والغلو والشدة ييسر السبيل
    للعدو للكيد والاستفزاز وجر أهل الحق إلى ارتكاب أخطاء قاتلة، لأن الغلو والشدة في غير موضعها
    تظهر الغوغاء فيختلط الحق بالباطل فيسهل اتهام البريء وتبرئة المتهم.
    فأسفا وألف أسف لأهل العلم ولأهل التقوى الضعفاء، الدين يتعرضون في الوقت الحاضر إلى
    هجوم ثعابين مرعبة، ثم يتحججون بهفوات جزئية شبيهة بلسع البعوض، فيعاونون – بانتقاد
    بعضهم البعض- تلك الثعابين الماردة، ويمدون المنافقين الزنادقة في تدميرهم وتخريبهم ، بل
    يساعدوم في هلاك أنفسهم بأيدي أولئك الخبثاء.
    إن أول ما نوصيكم وآخره، الحفاظ على وشائج
    تساندكم ، وتجنب الأنانية والغرور والحسد والمزاحمة. عليكم النفور من هذه الأمور، مع التحلي
    بضبط النفس والأخذ بالحذر. في خضم التيارات الرهيبة والحوادث المزلزلة للحياة والعلم، ينبغي
    أن يكون الإنسان على ثبات وصلابة لا تحد بحدود، وضبط للنفس لا اية له، واستعداد للتضحية
    . لا منتهى لها
    (بديع الزمان)

  • عبد الحليم شكير
    الأحد 2 يناير 2011 - 21:07

    j تحية لدكتور الاخ الماضل مقبول وكلنا في خندق واحد وفي همنا واحد دولة الحق والقانون

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس