"المستشفى".. رواية تبعث أحمد البوعناني حيّـا

"المستشفى".. رواية تبعث أحمد البوعناني حيّـا
الخميس 11 أبريل 2013 - 15:00

قديما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬الفنانين:‭ ‬ليس‭ ‬بإبداع‭ ‬ذاك الذي‭ ‬يصدر‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬المعاناة،‭ ‬المرض‭ ‬ليس عامل‭ ‬ضعف‭ ‬دائما،‭ ‬بل‭ ‬عامل‭ ‬قوة‭ ‬لدى‭ ‬المبدعين.. وهذه ‬قصة‭ ‬رجل‭ ‬عليل‭ ‬يحول‭ ‬على‭ ‬سرير‭ ‬أبيضا‭ ‬ملونا‭ ‬ببقع‭ ‬الدم، ‬وسيرة‭ ‬ألمه،‭ ‬إلى‭ ‬ملحمة‭ ‬في‭ ‬رواية‭” ‬المستشفى‭..”‬

في‭ ‬ليلة‭ ‬دافئة‭ ‬من‭ ‬صيف‭ 2006، ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يوليوز،‭ ‬شبت‭ ‬النيران‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬بحي‭ ‬حسان‭ ‬بالرباط،‭ ‬تبدو‭ ‬هذه‭ ‬المعلومة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬حدثا‭ ‬غير‭ ‬ملفت،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتعلق‭ ‬بدار‭ ‬عادية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬منزل‭ ‬مثقف‭ ‬ومخرج‭ ‬وروائي‭ ‬ورسام‭ ‬وشاعر‭ ‬مزعج،‭ ‬لذلك‭ ‬تناسلت‭ ‬تفسيرات‭ ‬مُتضاربة‭ ‬للحادث،‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الحريق‭ ‬نشب‭ ‬بفعل‭ ‬فاعل‭ ‬كان‭ ‬يقصد‭ ‬إقبار‭ ‬إرث‭ ‬مبدع،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬بأنه‭ ‬حادثة‭ ‬عرضية،‭ ‬لعلها‭ ‬فقط‭ ‬شغب‭ ‬أطفال‭ ‬أو‭ ‬نزق‭ ‬مراهقين‭.. ‬لكن‭ ‬الكل‭ ‬أجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الخسارة‭ ‬كانت‭ ‬فادحة،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬صاحب‭ ‬البيت‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬الكتابة‭ ‬وقليل‭ ‬النشر،‭ ‬يكتب‭ ‬ويُعيد‭ ‬الكتابة،‭ ‬ثم‭ ‬يرمي‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬الرف‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يُعلم‭ ‬به‭ ‬أحد،‭ ‬احترقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدفاتر‭ ‬والمخطوطات،‭ ‬وأحرق‭ ‬معها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجماعية‭ ‬للمغاربة‭.‬

‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬الحادث ‬ظهرت‭ ‬نسخ‭ ‬رواية‭ ‬للراحل‭ ‬حديثا‭ ‬أحمد‭ ‬البوعناني،‭ ‬لم‭ ‬يكُن‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬قد‭ ‬التفت‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لم‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬رفوف‭ ‬المكتبة‭ ‬الوطنية‭ ‬بالرباط،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬مكتباتنا،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬المركزية‭ ‬بباريس‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬بلغتها،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬خلف‭ ‬الأطلسي،‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مكتبات‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬عبث‭ ‬الأطفال‭ ‬وأيادي‭ ‬المتآمرين،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬إعادة‭ ‬نشرها‭ ‬أمرا‭ ‬ممكنا‭.. ‬وقبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أسبوعين‭ ‬ستظهر‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬المستشفى‮»‬‭ ‬في‭ ‬طبعة‭ ‬مغربية‭ ‬جديدة،‭ ‬ليبعث‭ ‬البوعناني،‭ ‬كممثل‭ ‬لتجربة‭ ‬جيل‭ ‬ومرحلة،‭ ‬ومعهما‭ ‬تجربة‭ ‬وطن‭.‬

الكتابة‭ ‬أولا‭

إذا‭ ‬كان‭ ‬الوسط‭ ‬الفني‭ ‬يعرف‭ ‬أهمية‭ ‬تجربة‭ ‬أحمد‭ ‬البوعناني‭ ‬السينمائية،‭ ‬بصفته‭ ‬مخرجا‭ ‬لفيلم ‬‮«‬السراب‮»‬،‭ ‬وكاتب‭ ‬سيناريو‭ ‬ومصورا‭ ‬متبصرا‭ ‬بزوايا‭ ‬الالتقاط،‭ ‬فإن‭ ‬النقاد‭ ‬والجمهور‭ ‬بمعناه‭ ‬الواسع‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬السينما‭ ،‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬شغف‭ ‬الفقيد،‭ ‬كانت‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أولوياته،‭ ‬بعد‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬شغفه‭ ‬الأول،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تخبرنا‭ ‬به‭ ‬ابنته‭ ‬تودة‭ ‬التي‭ ‬تقول ‬‮«‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬الكتابة‭ ‬هي‭ ‬شغفه‭ ‬الكبير،‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬ثم‭ ‬يعيد‭ ‬الكتابة‭ ‬عشرات‭ ‬المرات،‭ ‬يتمثل‭ ‬طريقة‭ ‬هنا،‭ ‬ويغيرها‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭ ‬والصيغة‭ ‬التي‭ ‬تليها‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬لكنهُ‭ ‬كان‭ ‬مُقِلاً‭ ‬في‭ ‬النشر،‭ ‬نشر‭ ‬فقط‭ ‬ثلاثة‭ ‬دواوين‭ ‬شعرية،‭ ‬ورواية‭ ‬واحدة‭ ‬وهي‭ ‬المستشفى»‬‭.‬

تودة،‭ ‬طفلة‭ ‬البوعناني‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬اليوم‭ ‬أما،‭ ‬والتي‭ ‬تخلت‭ ‬مؤقتا‭ ‬عن‭ ‬عملها‭ ‬الفني،‭ ‬وتفرغت‭ ‬لرعاية‭ ‬الإرث‭ ‬الثقافي‭ ‬المنسي‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬والدها،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ورثت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ملامحه،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تعبيرها‭ ‬وحكيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكمد،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تحديدا‭ ‬حزن‭ ‬فتاة‭ ‬فقدت‭ ‬والدها‭ ‬حديثا،‭ ‬بل‭ ‬شجن‭ ‬مُعجبة‭ ‬لم‭ ‬ينصف‭ ‬بطلها‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬حملت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬بتراثه‭ ‬لعلها‭ ‬تُنصفه‭ ‬في‭ ‬مماته.

‬الشابة‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬قصة‭ ‬شعر‭ ‬قصيرة‭ ‬عكس‭ ‬الراحل،‭ ‬والعينين‭ ‬الأرقتين‭ ‬مثله،‭ ‬تشرح‭ ‬لنا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التأثر،‭ ‬تفاصيل‭ ‬عن‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬السماوات،‭ ‬وجزءا‭ ‬من‭ ‬ذاكرته‭ ‬التي‭ ‬تستريح‭ ‬على‭ ‬الرفوف،‭ ‬وبقية‭ ‬أجزاء‭ ‬الذاكرة‭ ‬التي‭ ‬دونت‭ ‬بالقلم،‭ ‬تقول: ‬‮«‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬ضاعت‭ ‬نتيجة‭ ‬حادث‭ ‬حرق‭ ‬البيت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مخطوطاته،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬الرقم‭ ‬تحديدا،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬والدي‭ ‬أخبر‭ ‬أحدا‭ ‬عن‭ ‬مجموع‭ ‬ما‭ ‬أنجز،‭ ‬ولا‭ ‬قام‭ ‬بجرد‭ ‬عناوين‭ ‬كُتبه‭ ‬في‭ ‬دفتر‭ ‬مُنفصل،‭ ‬لكن‭ ‬الجيد‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬كثيرا،‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬دفتر‭ ‬وضع‭ ‬أربع‭ ‬أو‭ ‬خمس‭ ‬ديباجات‭ ‬معدلة‭‬‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تخبرنا‭ ‬أنها‭ ‬تنوي‭ ‬نشر‭ ‬بقية‭ ‬الدفاتر‭ ‬تباعا،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬اكتمال‭ ‬نشر»المستشفى‮»‬،‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والمغرب،‭ ‬بالفرنسية‭ ‬التي‭ ‬كُتبت‭ ‬بها،‭ ‬والعربية‭ ‬التي‭ ‬تُرجمت‭ ‬إليها‭ ‬وستصدر‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭.‬

السُلُ‭ ‬ملهما‭

الزمان: ‬ليالي‭ ‬ونهارات‭ ‬سنة‭ ‬1967، ‬المكان: ‬جناح‭ ‬أمراض‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي‭ ‬بمستشفى‭ ‬مولاي‭ ‬يوسف‭ ‬بالرباط؛‭ ‬شبه‭ ‬حجر‭ ‬طبي‭ ‬على‭ ‬النزلاء‭ ‬المصابين‭ ‬بأمراض‭ ‬بعضها‭ ‬مُعدية،‭ ‬أناس‭ ‬كسرهم‭ ‬المرض،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬أوساط‭ ‬فقيرة،‭ ‬قدموا‭ ‬من‭ ‬سلا‭ ‬ونواحي‭ ‬الرباط،‭ ‬أغلبهم‭ ‬الآن‭ ‬رحلوا‭ ‬عن‭ ‬دنيانا،‭ ‬لكن‭ ‬قدرهم‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يصاب‭ ‬البوعناني‭ ‬ساعتها‭ ‬بالسُل،‭ ‬ويخلدهم‭ ‬في‭ ‬رائعته ‬‮«‬المستشفى‮»‬.

‭ ‬كان‭ ‬البوعناني،‭ ‬الذي‭ ‬وُلد‭ ‬سنة‭ ‬1938، قد‭ ‬أصيب‭ ‬بالمرض‭ ‬ليحول‭ ‬إلى‭ ‬مستشفى‭ ‬مولاي‭ ‬يوسف‭ ‬بالرباط،‭ ‬اشتغل‭ ‬البوعناني‭ ‬على‭ ‬رفاق‭ ‬المرض‭ ‬لا‭ ‬كحالات‭ ‬مرضية‭ ‬تتطلب‭ ‬العلاج،‭ ‬بل‭ ‬كنماذج‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬فنقل‭ ‬تأملاتهم‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬والموت،‭ ‬والحب‭ ‬والكراهية،‭ ‬الإيمان‭ ‬والانفلات‭… ‬مع‭ ‬حفظ‭ ‬الألقاب‭ ‬لكل‭ ‬منهم،‭ ‬بتسميات‭ ‬تؤشر‭ ‬على‭ ‬أبناء‭ ‬الهامش‭ ‬‮ «أوكي‭- ‬الحزقة‭- ‬الليترو‭- ‬القرصان‭- ‬أرغان‮»‬،‭ ‬وحفظت‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬النماذج‭ ‬في‭ ‬ذاكرته،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬رسمها‭ ‬بالكتابة‭ ‬على‭ ‬أوراقه‭ ‬سنة‭ .1978

‬بعدها‭ ‬بسنتين‭ ‬أعاد‭ ‬كتابتها،‭ ‬وتحدث‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الجموع‭ ‬المحيطة‭ ‬به،‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬تحد‭ ‬مع‭ ‬فضاء‭ ‬المستشفى،‭ ‬المكان‭ ‬الشاسع‭ ‬البارد‭ ‬والشبيه‭ ‬بالسجن،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬نموذجا‭ ‬عن‭ ‬الحياة،‭ ‬لكنه‭ ‬مكان‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الموت‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬فيقفز‭ ‬إلى‭ ‬طفولته‭ ‬وذكرياته،‭ ‬أو‭ ‬يقفز‭ ‬عبر‭ ‬أحد‭ ‬جيرانه‭ ‬في‭ ‬الغرفة،‭ ‬فيكتشف‭ ‬عوالم‭ ‬جديدة‭ ‬وآفاق‭ ‬أرحب‭.‬

البوعناني‭ ‬والموت‭

في‭ ‬علاقته‭ ‬بالموت‭ ‬مثلا،‭ ‬نقرأ‭ ‬في‭ ‬متن‭ ‬الرواية: ‬‮«‬الآن‭ ‬صرت‭ ‬أرافق‭ ‬الموت‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬لهذا‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أخشاه‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬أراه‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬رفاقي،‭ ‬مرتديا‭ ‬هو‭ ‬الآخر ‬‮«‬بيجامة‮»‬‭ ‬زرقاء‭ ‬قذرة. ‬مدخنا‭ ‬كما‭ ‬الجميع‭ ‬تبغا‭ ‬رديئا،‭ ‬ومرددا‭ ‬أحاديث‭ ‬فارغة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الغروب‭. ‬لا‭ ‬يختبئ‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬المعتمة،‭ ‬خلف‭ ‬المنحدرات،‭ ‬أسفل‭ ‬الأسرّة،‭ ‬في‭ ‬المراحيض‭ ‬الرطبة‭ ‬والنتنة. ‬يجالسنا‭ ‬الموت‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬نفسها‭. ‬يضحك‭ ‬حين‭ ‬نضحك،‭ ‬يشاركنا‭ ‬الحماقات،‭ ‬ثم‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬أسرتنا‭ ‬كما‭ ‬يُقتاد‭ ‬الصبية‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬النوم‭ ‬باكرا‭. ‬هل‭ ‬ينتظر‭ ‬عند‭ ‬عتبة‭ ‬الأجنحة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنطفئ‭ ‬الأعين،‭ ‬وتنعس‭ ‬الأجساد‭ ‬في‭ ‬الظلمة؟‮»‬.‬

وعن‭ ‬الرواية‭ ‬وسياقها‭ ‬بين‭ ‬بقية‭ ‬أعمال‭ ‬البوعناني،‭ ‬يخبرنا‭ ‬عامر‭ ‬الشرقي،‭ ‬الناقد‭ ‬السينمائي‭ ‬والأستاذ‭ ‬الجامعي: ‬‮«‬هي‭ ‬تجلي‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬التجليات‭ ‬الفنية‭ ‬للبوعناني،‭ ‬هي‭ ‬تعبير‭ ‬يقرأ‭ ‬به‭ ‬الفقيد‭ ‬عالمنا،‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬إبداعاته،‭ ‬مقالاته‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬أنفاس،‭ ‬فيلمه‭ ‬السراب‭..‬‮»‬،‭ ‬فبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشرقي‭ ‬البوعناني‭ ‬ينحو‭ ‬في‭ ‬رواية ‭ ‬‮ «المستشفى‮»‬‭ ‬منحى‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭ ‬والوعي‭ ‬بالذات‭ ‬وبالواقع‭ ‬المغربي‭ ‬المحيط،‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬تقدمه‭ ‬كمثقف‭ ‬مناضل‭ ‬وصاحب‭ ‬رأي،‭ ‬يحمل‭ ‬هم‭ ‬الإبداع‭ ‬والمبدعين‭ ‬والطموحات‭ ‬الكبرى‭ ‬للناس‭ ‬والوطن،‭ ‬رأي‭ ‬الشرقي‭ ‬تشاطره‭ ‬ابنة‭ ‬الراحل‭ ‬تودة‭ ‬حينما‭ ‬تصف‭ ‬النص‭ ‬بالقوة‭ ‬والعنف‭ ‬والدرامية‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الحب‭.‬

أول‭ ‬نشر‭ ‬للكتاب‭ ‬كان‭ ‬سنة‭ ‬1990، ‬ولكن‭ ‬الكتاب‭ ‬لم‭ ‬يوزع‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬أو‭ ‬سحبه‭ ‬من‭ ‬أزعجه‭ ‬صوت‭ ‬الراحل‭ ‬وقلمه،‭ ‬ولم‭ ‬تظهر‭ ‬الرواية‭ ‬فعليا‭ ‬إلا‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬إذ‭ ‬أعيد‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬مراكش‭ ‬وباريس‭ ‬بالفرنسية،‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الكتاب‭ ‬ويُرتقب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬جاهزة‭ ‬في‭ ‬المعرض‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬المرتقب‭ ‬نهاية‭ ‬مارس،‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬إيجاد‭ ‬الكتاب‭ ‬ثم‭ ‬نشره‭ ‬يخبرنا‭ ‬عمر‭ ‬برادة،‭ ‬الشاب‭ ‬ناشر‭ ‬الكتاب‭ ‬بالمغرب: ‬‮«‬لما‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كتابا‭ ‬بتلك‭ ‬التسمية‭ ‬للمخرج‭ ‬المعروف،‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عنه،‭ ‬واستمر‭ ‬بحثي‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬دون‭ ‬فائدة،‭ ‬فقط‭ ‬وجدتُ‭ ‬نسخة‭ ‬مستعملة‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وكُنت‭ ‬بحثت‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مكتبات‭ ‬المغرب،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬فرنسا‭ ‬ومكتباتها،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬نسخا،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭.. ‬لما‭ ‬قرأت‭ ‬الكتاب‭ ‬وجدتُ‭ ‬أنه‭ ‬مهم‭ ‬وأن‭ ‬إعادة‭ ‬نشره‭ ‬أمر‭ ‬لازم،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬بمساعدة‭ ‬السيدة‭ ‬تودة‭ ‬ابنته‮»‬.

‬ويرى‭ ‬عمر‭ ‬أن‭ ‬أهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬متميز‭ ‬عن‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬مؤلفون‭ ‬مغاربة‭ ‬بالفرنسية،‭ ‬فهو‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مكتوبا‭ ‬بالفرنسية،‭ ‬فإن‭ ‬القارئ‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬المغرب‭ ‬والعربية‭ ‬والعامية‭ ‬هي‭ ‬النفس‭ ‬الحقيقي،‭ ‬لأنه‭ ‬مكتوب‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬مغرب‭ ‬الستينيات،‭ ‬ومؤرخ‭ ‬لمرحلة‭ ‬وجيل‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭.‬

قال‭ ‬العقاد‭ ‬يوما ‬‮«‬أكتب‭ ‬لأن‭ ‬حياة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تكفيني‮»‬،‭ ‬وقصة‭ ‬رواية ‬‮«‬المستشفى»‬‭ ‬للبوعناني،‭ ‬تُمثل‭ ‬دليلا‭ ‬جديدا‭ ‬لقدرة‭ ‬الكتاب‭ ‬والشعراء‭ ‬على‭ ‬الانبعاث‭ ‬المتجدد،‭ ‬كطائر‭ ‬العنقاء‭ ‬في‭ ‬الأسطورة‭ ‬الإغريقية،‭ ‬الذي‭ ‬يَصَعد‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الرماد،‭ ‬كلما‭ ‬ظن‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬النار‭ ‬خبَتْ،‭ ‬ليُزعج‭!‬‭‬

البوعناني‭ ‬المتفرد

قال‭ ‬محمد‭ ‬الخضيري،‭ ‬مترجم‭ ‬رواية ‬‮«‬المستشفى‮»‬ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬يشكل‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬المغربية.. ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬إعادة‭ ‬نشرها،‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬بفضل‭ ‬إصرار‭ ‬زوجته‭ ‬نعيمة‭ ‬سعودي‭ ‬التي‭ ‬رحلت‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬وابنته‭ ‬تودة،‭ ‬وناشريه‭ ‬بالمغرب‭ ‬وفرنسا‭ ‬عمر‭ ‬برادة‭ ‬ودافيد‭ ‬روفيل،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬بإمكان‭ ‬القارئ‭ ‬المغربي‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬صوتا‭ ‬أدبيا‭ ‬غُيّب‭ ‬لمواقفه‭ ‬المبدئية‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬بالمغرب.

‬يقول‭ ‬الخضيري‭ ‬إن ‬‮«‬المستشفى»‬‭ ‬حالة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬المغربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬تحكي‭ ‬لنا‭ ‬الحياة‭ ‬الجوانية‭ ‬لرجل‭ ‬يدخل‭ ‬مستشفى‭ ‬وسيرته،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬مجتمع‭ ‬يعيش‭ ‬التحلّل‭ ‬والقسوة‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عمق ‬‮«‬المستشفى‮»‬ ‬وفوضاه‭ ‬يوجد‭ ‬فرح‭ ‬رجال‭ ‬لا‭ ‬يكثرتون‭ ‬لمصيرهم‭ ‬الغامض‭.. ‬أحمد‭ ‬البوعناني‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬الأدبية‭ ‬والسينمائية‭ ‬الأكثر‭ ‬أصالة‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المغربية‭. ‬

أعماله‭ ‬السينمائية‭ ‬والإبداعية‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬تصور‭ ‬معاصر‭ ‬للأدب،‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬سؤال‭ ‬كان‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الستينات‭ ‬وهو‭ ‬كيف‭ ‬نخلق‭ ‬أدبا‭ ‬مغربيا‭ ‬معاصرا‭ ‬وتحرريا؟‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬رافق‭ ‬البوعناني‭ ‬طيلة‭ ‬حياته،‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬رواية ‬‮«‬المستشفى‮»‬،‭ ‬وأعماله‭ ‬الشعرية‭ ‬و‭ ‬السينمائية،‭ ‬استحضار‭ ‬قوي‭ ‬للثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬المغربية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مرجعيات‭ ‬أدبية‭ ‬عالمية‭. ‬

هكذا‭ ‬نجد‭ ‬نفسنا‭ ‬أمام‭ ‬مزج‭ ‬أصيل‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬يتحقق،‭ ‬بين‭ ‬كتابة‭ ‬سلسة‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬المعاصرة‭ ‬ومرجعيات‭ ‬شعبية‭ ‬تشرَح‭ ‬الواقع‭ ‬المغربي‭ ‬كما‭ ‬هو‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬بوعناني‭ ‬كتب‭ ‬بفرنسية‭ ‬ذات‭ ‬دفق‭ ‬شعري‭ ‬متميز،‭ ‬لكن‭ ‬فرنسيته‭ ‬انطلقت‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬المغربية،‭ ‬وكتبت‭ ‬للمغاربة‭ ‬أساسا‭.‬

* من العدد الـ3 لمجلّة هسبريس

‫تعليقات الزوار

5
  • سفيان زاد دمنات
    الخميس 11 أبريل 2013 - 15:35

    مخرج وسيناريست كبير مثل احمد البوعناني تفرغه الذاكرة الفنية والابداعية من كل محتواه الانساني بالاحرى دون الحديث عن الجانب الكتاباتي هو ابن مدينة دمنات احس بالضغينة فالتحق بالقلم والكلمة ليكون صوته دى صيت واسع لا تسالو عنه اين هو لكن انسوه ابدا لانه له وله لوحده كتاباته ازعجت كياني لدرجة انني دائما ماحلمت بلقياه لكن القدر خانني وجئت متاخر فوجدته ملقيا على حسير في منزل ليس منزلا حتى وهو ميت يكتب والقلم يتوسل له والكلمة تصرخ ااااااااحمد لن ندعك اكتب وفقط حتى وانت هناك نحبك احمد دمت لدمنات ابيا

  • نسرين التازي
    الخميس 11 أبريل 2013 - 16:08

    رواية أكثر من رائعة، قرأتها صيف سنة بمدينة إفران الجميلة.
    ألهمتني و سحرني جمال السرد فيها طيلة هاته السنوات… أعدت قراءتها عشرات و في كل مرة أكتشف فنا و جمالا … و أصالة.
    رحم الله الكاتب المبدع المرهف أحمد البوعناني…

    نسرين التازي/ كندا

  • ahmed el inani
    الخميس 11 أبريل 2013 - 20:47

    Taciturne, au regard plein de songe ,Ahmed semblait ne pas être affecté par l'entourage socioéconomique du pays . Mais ses écrits prouvent son enracinement et son attachement à tout ce qui concerne ses concitoyens ,( surtout les plus démunis ) dans ses poèmes comme dans son récit percutant (L'Hôpital( Bouanani ne cesse d'évoquer cette catégorie de citoyens sans repaire, sans demeure décente ,sans avenir , sans viatique autre que leur vie parsemée d'écueils . Bouanani n'écrit pas panser les plaies , il écrit pour relater une réalité pleine d'amertume et d'injustice ,une réalité âpre à endurer sans soutien, sans prise enconsidération des cas sociaux dont regorgeait la rue … "L'Hôpital société au sein de la société donne l'image désolante d'un Maroc qu'on aime et que l'on désire sauvegarder contre toute déchéance (culturelle , sociale et économique …."

  • احمد ربا ص
    الخميس 11 أبريل 2013 - 21:16

    في برنامج اذاعي متزامن مع تكريم هذا الفنان الكاتب بعد مماته في مهرجان سينمائي بمدينة خريبكة,نودي على حرمه وكريمته للادلاء بشهادتهتما حول البوعناني مبدعا وانسانا.من خلال متابعتي للبرنامج,احطت علما بالحريق الذي شب في بيت الكاتب حيث التهمت النيران كل محتوياته ما قلب حياة الاسرة راسا على عقب.لقد كان وقع الماساة ثقيلا ومريرا على نفسية تودة التي ارغمها ما حل بمنظومتها المرجعية من حرق ودمار على الدخول في اضراب عن الكلام باللغة الفرنسية التي لاتتقن غيرها.اذا شبت النيران في منزل البوعناني فذلك امر يدخل في عداد نوائب الدهر وعوادي الزمن,لكن ان تظل ظروف الحادثة غامضة وفاعلوها اشباحا فهذا لعمري باعث على القلق ودليل على طمس الحقيقة خدمة لاغراض في نفس يعاقبة كثر.ليست هذه اول واقعة ماساوية عولجت باسلوب التعتيم في تاريخ المغرب الحديث,بل هناك لائحة طويلة من الحوادث المؤسفة المفجعة التي ذهب ضحيتها العديد من الرموز الثقافية والسياسية مثل عبد الله ودان وعزيزبلال وعلي يعته على سبيل التمثيل لاالحصر.في الاخير انتهزفرصة التعليق لاتوجه الى السيدة تودة بتعازي الصادقة لوفاة امها قبل اسابيع وانالله راجعون.

  • abde ljalil
    الجمعة 12 أبريل 2013 - 00:27

    vraiment est un vrai écrivain j'ai le vu 2 fois dans sa propres maison a ait oumghar a demnate .d'abord il ne faut oublier madame naima son épouse la vrai militante associative   elle nous aide pour l'entretien du plafond de 4 classe et un wc a l'école de ait oumghar +des sciences aux sujets de l'écriture de scénario+ photographie avec sa fille touda pour les membre de l'association anaruz a demnate
    en fin un grand salut a touda et son fils ito

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة