المغرب لن يكون دركيا لإسبانيا في مجال الهجرة

المغرب لن يكون دركيا لإسبانيا في مجال الهجرة
الأحد 26 غشت 2018 - 22:29

ربما لم تستوعب إسبانيا أن المغرب عرف تحولا كبيرا منذ سنة 1992، خصوصا في عهد جلالة الملك محمد السادس، ولم يعد ذلك البلد كما ظل متخلفا وتابعا في مخيلة الإسبان مدة طويلة من الزمن. كما لم تستوعب إسبانيا الإستراتيجية الوطنية الجديدة للهجرة التي اعتمدها المغرب منذ سنة 2014، ذات البعدين الحقوقي والإنساني، والتي كانت رائدة على المستوى الإقليمي والدولي. ألم يحن الوقت بعد لإسبانيا أن تعامل المغرب في إطار الشراكة المتكافئة التي تخدم مصالح البلدين بمنطق رابح –رابح؟. أليس من واجب الحكومة المغربية إعادة النظر في اتفاقية التعاون الثنائي بين المغرب وإسبانيا الموقعة سنة 1992، والتي سنتحدث عنها لاحقا؟. هل سيبقى المغرب يلعب دور الدركي لإسبانيا لحمايتها من تدفق المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها؟.

فبتاريخ 23 غشت 2018 قامت السلطات الإسبانية في نقطة العبور بين الفنيدق وسبتة بترحيل 116 مهاجرا من دول جنوب الصحراء إلى المغرب. واستندت إسبانيا لتبرير ذلك إلى اتفاق ثنائي مع المغرب يرجع إلى تاريخ 13 فبراير1992.

هذا الاتفاق تم توقيعه بالعاصمة الإسبانية مدريد سنة 1992 بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية بشأن تنقل الأشخاص والعبور وإعادة قبول الأجانب الذين دخلوا بصفة غير قانونية؛ وصدر بشأنه الظهير الشريف رقم 1.12.64 في 10 دجنبر 2012 في عهد حكومة عبد الإله بنكيران.

وللتذكير فإن الاتفاق وقعه عن المملكة الإسبانية وزير الداخلية آنذاك خوسي لويس كوركويراكوسطا، وعن المملكة المغربية وزير الداخلية والإعلام آنذاك إدريس البصري.

وتنص المادة الأولى من الاتفاقية، والمنشورة في الجريدة الرسمية عدد 6214 الصادرة بتاريخ 19 دجنبر 2013، على أن “تقوم سلطات الحدود للدولة المطلوب منها، بناء على طلب رسمي لسلطات الحدود للدولة الطالبة، بإعادة قبول رعايا دول أخرى دخلوا بصفة غير قانونية فوق ترابها والقادمين من الدولة المطلوب منها”.

وبمُقتضى هذه المادة فإنّ المغرب لا يكتفي فقط بقبول إعادة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من جنسية مغربية، الذين يتسللون إلى الأراضي الإسبانية، بل مُلزم بقبول جميع المهاجرين العابرين للأراضي المغربية في اتجاه إسبانيا، أيا كانت جنسيتهم.

جدير بالذكر أن السلطات الإسبانية سارعت إلى إضفاء طابع المشروعية على إعادة ترحيل المهاجرين الأفارقة، إذ أصدرت سنة 2014 قانونا جديدا، وهو عبارة عن تعديل لقانون سابق، يقضي بالإعادة الفورية للمهاجرين غير النظاميين، من الذين يتمكنون من بلوغ مدينة سبتة أو مليلية. ونشرت الجريدة الرسمية الإسبانية الوثيقة الختامية الرسمية من التعديل الأول بخصوص بعض فصول قانون الأجانب، الذي أصبح يخول للسلطات الإسبانية قانونيا الطرد الفوري للمهاجرين غير الشرعيين، الذين يجتازون السياج الحدودي الشائك انطلاقا من التراب المغربي.

ويمكن تسجيل عدة ملاحظات في هذا الصدد، نوجزها في ما يلي:

عندما ارتكزت إسبانيا على اتفاقية 1992 إذ قررت ترحيل مهاجرين من جنوب الصحراء إلى المغرب لم تتقيد بمجموعة من الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في الاتفاقية، ومن بينها التأكد على الخصوص من أن المهاجرين الذين تسللوا إلى مليلية أو سبتة انطلقوا من المغرب أو كانوا قادمين من مناطق أخرى: مثلا قد يكونوا قادمين من المياه الساحلية الليبية أو الجزائرية أو الإيطالية أو الجزر المجاورة لإسبانيا. ثم إن إعادة الترحيل تقتضي تبادل المعلومات والوثائق المسبقة بين البلدين، والتأكد من هوية المهاجرين واحترام آجال الترحيل، وتوفير أماكن استقبال تتوفر فيها شروط الصحة والسلامة، تلتزم إسبانيا بتوفير مساعدات مالية من أجل تجهيزها. وهذه الشروط القانونية يبدو أنها منعدمة.

القانون الجديد المعدل لقانون الأجانب يكرس ما جاء في اتفاقية 1992 ويزيد من حجم الضغط على السلطات المغربية لقبول المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين المطرودين من سبتة ومليلية؛ مع العلم أن هذا القانون أثار قلقا كبيرا لدى الأحزاب السياسية الإسبانية المعارضة والمنظمات الحقوقية والهيئات الدولية المهتمة بحقوق المهاجرين، ومفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، ومجلس حقوق الإنسان لدى للأمم المتحدة، على اعتبار أنه غير قانوني وينتهك حقوق وحريات المهاجرين المكفولة في القوانين الدولية، ويتناقض مع الحق في طلب وضمان الحماية الدولية للمهاجرين غير الشرعيين على وجه الخصوص.

إن السماح بترحيل المهاجرين غير الشرعيين مرهون بعدم وجود مقتضى في القانون الدولي يمنع ذلك أو يحد منه وفق إجراءات معينة. هذا مع العلم أن الاتفاقية الدولية لحقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم تمنع الترحيل الجماعي، بالإضافة إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال التي تمنع الترحيل خارج مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، والتي تستوجب الاستماع إليه من أجل الاختيار.

القرار الإسباني بإعادة ترحيل مهاجرين أفارقة نحو المغرب يجعل من هذا البلد منطقة استقرار للمئات من المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، بدل بلد عبور. وهذا يطرح إشكالين:

المغرب سيعرف في السنوات القادمة تدفقات كبيرة للمهاجرين غير الشرعيين سواء القادمين إليه من جنوب الصحراء عن طريق الجزائر ومالي وموريتانيا ومنطقة تندوف، أو الذين سيعاد ترحيلهم من إسبانيا نحوه، ما سيترتب عن ذلك عدة مشاكل للسلطات المغربية تتعلق بتدبير ملف الهجرة وفقا للإستراتيجية الوطنية للهجرة التي شرع في تنفيذها منذ سنوات.

إسبانيا لا تقدم مساعدات مالية للمغرب حتى يتمكن من مساعدتها في الحد من تدفق المهاجريين عليها. وللإشارة في هذا الصدد فإن السلطات الإسبانية سبق لها أن عبرت عن أن المغرب يبذل جهدا هائلا من أجل التعاون بإخلاص مع إسبانيا بشأن القضايا المتعلقة بالهجرة، وأنه حان الوقت لتقديم المساعدات المالية له لحمايتها من تدفقات المهاجرين.

وفي الأخير، لا يفوتنا أن نشير إلى أنه حان الوقت للحكومة المغربية لإعادة النظر في اتفاقية 1992، لأن بعض مقتضياتها مخالفة للقانون الدولي من جهة، وتضر بمصالح المغرب من جهة ثانية، خصوصا أنها وقعت في فترة زمنية وفي ظروف سياسية معينة، تغيرت أسبابها في وقتنا الراهن؛ فإسبانيا ليست وحدها المهددة بتدفق المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، وإنما أيضا المغرب أصبح الوجهة المفضلة لهؤلاء؛ وبالتالي ينبغي اعتماد مقاربة لملف الهجرة بين البلدين، تنبني على المصالح الحيوية المشتركة واحترام السيادة الوطنية.

*مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية

‫تعليقات الزوار

6
  • ملاحظ
    الأحد 26 غشت 2018 - 23:54

    المغرب اصبح دركي اوروبا بقبوله لمبلغ 55 مليون اورو، بعد رفض مصر و الجزائر و تونس، هذه ورطة اوقع المسؤولون المغاربة انفسهم فيها و الشعب الفقير يبقى الضحية الاولى، سياسة الهجرة الجديدة فشلت لانها بنيت على استقطاب الدول الافريقية لمساندة المغرب في الرجوع للاتحاد الافريقي و كذا ملف الصحراء دون استشارة الشعب المغربي ودون دراسة لعواقبها الوخيمة على البلاد و العباد

  • علي
    الإثنين 27 غشت 2018 - 03:49

    ظاهرة الهجرة فهي ظاهرة القرن اني اصبحت احس بالرعب والخوف من هذه الظاهرة هذا يدل على ا ن هناك شئ في هذا العالم فيه خلل ما
    بالنسبة للافراد لامشكلة يتحمل مسؤلية نفسه ولكن الدولة يجب ان تدرس الملف بعناية وتعرف مصلحتها العليا بدون اغراءات ولابتزازت الاخرين
    المصلحة العليا فوق كل الاعتبارات
    الهجرة خطر على استقرار المغرب

  • Omar
    الإثنين 27 غشت 2018 - 10:04

    Selon la presse espagnole,l´un des paragraphes du dit traité stipule l´obligation du Maroc entre autre de repatrier tous les dévolus.
    Le Maroc sera placé entre le marteau et l´enclume.Il doit faire honneur à ses engagements internationaux,le dilème est que le flux migratoire qui nous attend dans un avenir proche est d´une envergure colossale.La sitution d´esclavagisme en Libye,la politique des ports fermés des italiens,et l´avancés des idées faschistes et xénophobes dans tout l´occident avec l´insupportable Trump à la tête ne feront qu´aggraver la situation

  • amahrouch
    الإثنين 27 غشت 2018 - 19:01

    Le Makhzen marocain est prêt à tout faire pour gagner de l argent.Il adore toucher au dollar !Il pousse ses enfants à aller travailler chez les autres à des prix dérisoires sous des conditions déplorables,exemple :les travailleurs et travailleuses en Espagne et chez les khaligiens.Notre Makhzen montre une certaine faiblesse lorsqu on lui montre les dollars contre l accueil des migrants chez lui !Il est prêt à tout pourvu qu il touche de l argentet renfloue ses caisses.Les cinq membres permanents du conseil de sécurité international sont les seuls responsables des conditions de vie des humains car c est à eux que revient la gestion de la planète.Les migrants doivent être contenus chez eux par des plans de développement d urgence.Cela permettra aux foules de rester chez elles,éviter le dépaysement ;le racisme,l exploitation etc.Il évitera aussi au pays d accueil la destabilisation.La digue que l on est en train de construire sur notre rive finira par ceder comme un barrage

  • السياسة في المغرب
    الإثنين 27 غشت 2018 - 23:02

    قبل ان نسأل عن الهجرة في المغرب,يجب ان نسأل من يتخذ القرارات في المغرب, هل لدينا حكومة تناقش بمختلف مشاربها افكارا, وتختار الاصلح, او ان القرارت الفوقية بدون رأي عام بدون اخذ ورد كالقانون الاجباري للتجنيد كالهجرة كاتفاقية الصيد البحري,ومن بعد يأتي المطبلون,والمهللون,وبعض النقذ الخفيف الظريف يبرر ويساند,وينتقذ عن استحياء تلك القرارت.

    هناك من يسمي ذلك المخزن, هل الاتحاد الاوروبي وفي مقدمتهم فرنسا,يدخل في المخزن,اقول نعم

  • الحسن لشهاب
    الإثنين 27 غشت 2018 - 23:29

    فعلا ،المغرب لا ينبغي ان يكون دركيا لاسبانيا في مجال الهجرة ،لكن لا ينبغي كدلك ان يكون الغرب معبرا رسميا للهجرة و ان يجعل من الهجرة ورقة لتهديد الاتحاد الاروبي… يقول المثل لي في راس الفيل في راس الفيلة.و في زمن الحاجة الى حماية غربية ،ليس ما يخدم الشعوب هو نفسه ما يخدم الحكومات العربية ..

صوت وصورة
أساتذة باحثون يحتجون بالرباط
الخميس 18 أبريل 2024 - 19:36

أساتذة باحثون يحتجون بالرباط

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 104

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 97

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري