النضال الديمقراطي، نحو ميثاق سياسي جديد

النضال الديمقراطي، نحو ميثاق سياسي جديد
الخميس 6 نونبر 2014 - 22:09

إن أي حركة سياسية كانت أو غير سياسية و مهما بلغت من الرفعة و السمو في سلم التكامل ، ليست غاية في ذاتها أو قيمة مطلقة ، بقدر ما هي تعبير عن تطلعات إنسانية و اجتماعية تهدف إلى استيعاب الواقع و متطلباته و وسيلة لإنضاج الوعي الشعبي و تقريبه من اللحظة التاريخية لحظة إدراك الطموح المتوخى و صناعة التغيير المنشود .

بدء ذي بدء و قبل الخوض في غمار الأسطر و الكلمات ، لا محيد عن وقفة تأمل في مسار تجربة و محاولة سوسيوـــ سياسية ، شيء لها أن ترتبط بتاريخ المغرب الحديث ، مستلهمة خصوصيتها من كونها تجسيدا واقعيا و انعكاسا صريحا لمطالب الشرائح المجتمعية قاطبة دون ابتخاس أو تمييز ، اختير لها اسم ” حركة 20 فبراير ” ليكون شامة عز في وجنة المستقبل ، و تذكيرا دائما بيوم الفصل و القطيعة مع مغرب الضبابية و القمع و الظلام . فهذه الحركة بوصفها حركة تغيير بدأت بالأساس كحركة سيالة ، متجددة ، ديناميكية ، كلية و متدفقة تنصهر فيها الثقافة و الإنسان و المجتمع و السياسة و المجال ، و تستمد ديمومتها و حيويتها من منظومة فكرية متكاملة ، تقوم على الرؤية المعرفية و الاستشرافية للواقع المعيشي و الانخراط في متابعة قضاياه على مستوى الشعار و الممارسة ، و هي حركة متأرجحة بين مد و جزر ، قد تقوى أو تضعف ، تشتد أو ترفق تبعا للمناخ الموضوعي و الذاتي ،إذ لا ينبغي فهمها على أنها وليدة انسياب خطي و تراكمي للأحداث و الوقائع ، أو أنها حركة رد فعل ، أو تأثر بما يدور في الفلك الإقليمي و لا تخضع لأي غاية أو نهج فكري ، فككل مثيلاتها من تيارات من تيارات مقاومة الظلم ، و من رحم معانات و بؤس الجماهير المغربية انبثقت الحركة لتعبر عن خط شبابي قائظ و اتجاه حداثي تقدمي أمن بالسلم و دشن نمطا حضاريا منفتحا على دروب المستقبل ، و عنوانا جديدا للتفكير الواعظ و الممارسة الهادفة ، علقت عليه الآمال العريضة للخروج بالواقع السياسي من بوتقة العدمية و العقم و التمييع و انتشاله من مستنقع التقليد و التحييد و الخمود المفتعل ، و العمل على استتباب منطق منفتح يكون أساسا لإطار فعل تنويري نوعي قابل لإيقاظ الأمل و تحريك الطاقات ، بما يسهم في إرساء دعائم مغرب فسيح ناضج ، في أفق الانخراط في الأوراش النهضوية ، يسوده الانسجام و يتسع للجميع ، تلتحم فيه كل مكونات الشعب و روافده و يرضي كل المتطلبات السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية و الثقافية ، يحرص على الدفاع و صيانة و توسيع الحريات الشخصية و العامة ، لا مكان فيه لا للقمع و الفساد و لا موطئ قدم للظلامية و الإلغاء و الريع و الاعتقال السياسي ، مغرب شعاره الرئيس المواطنة الكاملة و البعد كل البعد عن مشارف النفق المظلم .

بإعراضنا عن دعاوى المخذّلين للهمم و صم الأذان عن الأصوات المثبطة للآمال ، نرى أنه لن يختلف قارئان للمشهد ، في أن حركة الشباب أفلحت في كسر رتابة الصيرورة التاريخية و إرباك صمتها الرهيب ، و ذلك بإسقاطها القناع عن بنية اجتماعية هشة ، مثخنة بجراح أركيولوجية و مأزق عميقة و مشاكل عويصة ، لا يمكن عظ الطرف عنها إلا بضروب من التضليل و التأويل و المغالطة ، مهما بدت و تجلت ، فلن تكون إلا كالجزء الظاهر من جبل الثلج العائم ، كما كان لها الفضل في إلغاء جانب كبير من الاغتراب ، الصنمية و الشكوكية و سد الطريق أمام دوغمائيات نقدية حالمة باعتلاء السدة ، رغم عجزها عن تحليل الواقع و تفسيره و اختزال نفسها في الكلمات دون برنامج دون تصور و لا منظور و انكفائها نحو التقليد و إحياء الأحلام الماضوية ، التي تستمد مقوماتها من الزمن الغابر ، عبر اعتماد خطاب القدامة المتعالي ، الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه أو خلفه ، نموذجا لخطاب الحقيقة ، على الرغم من قصوره و انكماشه في الصبغة الشعارية دون أدنى تطبيق .

إن الحراك الذي شكلت أدبياته كابوسا قض مضاجع بارونات الفساد ، أعظم من أن يمنى بالفشل جراء تقاطر محاولات الوأد البائسة ، على تعدد أشكالها و تجلياتها ، بما في ذلك دفع الإسلاميين إلى امتطاء عمل حكومي أعرج ، هذا من جهة و من وجهة نظر معاكسة ، فمن نافلة القول أن تراجع زخم الحراك و غيابه المديد عن الأضواء لدليل و مؤشر على أن الجولة الأولى من معركة الشعب ضد الفساد و الاستبداد ، ربما حسمت إلى هذا الحد أو ذاك لصالح العقل الأمني ، بصريح العبارة ربما نجحت الأقطاب المناوئة للتحرر بمعية من الرجعية المحلية ، في خلخلة بنا الحراك و عرقلت مساره التغيري ، و تحويره من نظرية علمية عملية ذات أبعاد في الصميم ، إلى خطاب سياسي إيديولوجي ، يبشر بأبدية الشمولية لكن في حلة جديدة ، و انتفاء إمكانيات استئصال شأفة الأزمة وخلود واقع الحال و انحصاره في دائرة الخنوع و الانكسار و الإذلال ، ساهم في ذلك ضعف الحراك على مستوى التأطير السياسي والمدني و انجلاء معظم النخب الفكرية عن ركبه ، و انفصام الوشائج و اتساع رقعة الحيلولة بين الشباب الحركي و الجماهير الشعبية ، و ما تلاه من انعكاسات سلبية على نضالاته ضد الإقصاء و الاستعباد و فاعلية رسالته في حياة الفرد و المجتمع .

إن من جملة ما تشي به شفاه الأحداث ، أن دعاة الظلام ، التخلف و الجمود ما فتئوا يتربصون بهذا الوطن ، بغية إسقاطه في دوامة من النكبات من خلال التدليس ، التحايل ، النصب و النفاق ، و دس المؤامرات الخبيثة الهادفة إلى اغتيال تطلعات الشرفاء و سرقة أحلام البسطاء ، في النهضة ، الصحوة و الانبعاث المنشود ، بقلب أسئلة التغيير إلى أجوبة ميتة و تحويل ما كان غريبا مستنكرا لا مألوف إلى أمر مألوف ، و ما كان حصيلة تفاعل مع الواقع إلى معطى واقع ، و ما كان وسيلة تحرر و انعتاقٍ من سطوة الإقطاع و الاستلاب إلى مجال ضيق للمزايدات الايدلوجية ، السياسوية و الديماغوجية المقيتة ، قد يمتزج فيها الدال بالمدلول ، الغامض بالمرموز و المرئي بالمقدس ، الطاهر بالمدنس .

قد لا يكون من المهم اليوم إصدار الأحكام القيمية أو التنبؤ بمصر الحراك في الأفق المنظور ، بقدر ما يهم إبراز الخطوات ، المعطيات و الشروط المفرزة للفاعلية و النجاعة في رحلة الكفاح من أجل التغيير ، فما من شك أن الخلل موجود و أن نجاح حركية الشباب رهين بإعمال ترسانة من الشروط في مسلسل النضال و الممانعة ، إذ بإغفالها لن يتسنى له القيام بدوره الطبيعي في قيادة الأمة نحو التحرر من تيم الحرمان و الخنوع ، و عليه فإن اندمال جراح الحراك و استمراريته في خط النجاح مرتبط بمدى استيفائه لما يلي :

1 ـــــــ المضي نحو الوحدة ، الألفة و التضامن رغم تباين النزعات و اختلاف معطيات و مراتب المحيط الطبقي و الأوضاع الاجتماعية المتناقضة ، و الاهتداء إلى مفاعيل و آليات الحداثة من نقاش موضوعي حضاري و مفاوضات هادفة خلاقة ، تستند على الحوار المستمر المثمر ، و التجافي عن دواعي التقويض ، التفكيك ، الحفر ، الانفصام و القطيعة الكلية مع أشباح الماضي ، بالكف عن الاعتقاد أن الحقيقة وراء ظهورنا لا أمام أعيننا .

2 ـــــ العمل على صياغة أرضية واضحة وفق رؤية تشاركيه منصفة لمقاربة سياسية و اقتصادية أكثر عدالة ، يمكنها ترجمة نظرية الإصلاح و أجرأتها على الواقع الملموس ، تقوم أساسا على تعميق الهوة بين الفعل السياسي و عودة ممارسات الماضي و التضخم المفرط للذات من جهة و ضمان الشفافية و النجاعة بتقريب المسافة بين المستويات السياسية و الاجتماعية من جهة أخرى .

3 ـــــــ الإلمام و التقيد بالوعي الديمقراطي و التبصر بمرتكزاته و بنياته ، فمسألة الديمقراطية ليست قضية سياسة و حسب ، بقدر ما هي ضرورة وطنية و تاريخية لا مناص عنها ، تمليها أولوية الانصهار بين أبناء الوطن الواحد المتباينة مرجعياتهم ، أراءهم و مشاربهم الفكرية ، قضية تعايش و تقدم ، قضية ممارسة عقلانية سلمية في الفكر و العمل في القول و التعبير ، قضية مجانبة للانسداد و للنزعة الإقصائية للأخر المختلف ، فدمقرطة أو علمنة الحياة السياسية آلية فصل لا إلغاء، و لا تعني بأي وجه تهميش المخالف و تحقير تصوراته أو مباركة اجتثاته .

4 ــــ الالتئام الجدي و الدائم حول مطلبي رفض الاستبداد ـــ كونه التهديد الأني و المستقبلي للتماسك الاجتماعي ـــ و إسقاط الفساد بصفته وليد زواج كاثوليكي بين المال و السلطة تغلغل عميقا في الهرم الاجتماعي و الإداري و السياسي ، في رحلة تقهقر في محاور الزمن نكسا إلى سنوات التخلف .

إن أي حركة سياسية أو غير سياسية ، قبل أن تكون إطارا للنضال ينبغي أن تكون رسالة ، و صوت الضمير المتجاوز لأذان الطين ، الرافض لمضاهر التسلط ، القمع و الرجعية .

‫تعليقات الزوار

3
  • عابر سبيل
    الجمعة 7 نونبر 2014 - 09:15

    قال معارضو حركة 20 فبرايران الاسلام هو الحل ,دون قراءة تاريخ الاسلام السياسى فظهر حزب اسلامى فى الساحة السياسية …لكن هل استطاع محاربة العفاريت والتماسيح حسب لغته ؟؟هل استطاع التجديد والسير الى الامام وبناء ديقراطية ؟؟؟بالطبع لا يمكن لان التاريخ يعيد نفسه من ماساة الى هزلية احيانا .المشكل ادن فى قراءة التاريخ قراءة حقيقية على مستوى الدين والسياسة …للاسف هناك من يعتقد انه يمكن فصل هدا عن داك وهو امر مستحيل فالانسان العربى العادى اى 85 فى المائة وهو رقم يعنى ما يعنيه …المشكل ادن فى التعليم الدى يتطلب تغييره جدريا والنظر اليه على اعتباره مسالة ملحة لتغيير الفكر والانسان ….نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .ارجو النشر

  • hajar jalil
    السبت 8 نونبر 2014 - 08:36

    لا يهم ما إذا كنا سنأيد الكاتب فيما قال أم لا
    المهم هو أن نعترف بأن السجن يصنع الرجال و لقمان نمودج حي لما أقول
    هذا الشاب المكافح رغم كل ما مر به لازال صامدا ينشد التغيير ، ينبغي أن ندعم مساره النبيل

  • Hatim
    السبت 8 نونبر 2014 - 17:37

    صديقي لقمان هل مازلت تراهن على حركة 20 فبراير كحركة قادرة على صنع المستقبل ؟ ان طابع الارتجالية والعفوية هو الذي معظم حركات الربيع العربي إذ لم نقول انه كان ربيعا قطريا صهيونيا بامتياز والواثق موجودة لإثبات كلامنا ،الحمد لله الذي جنب بلادنا فتنة كانت إذا نجحت ماكان ليفلت منها كل مناطق المغرب ولكن ولله الحمد الإرادة الملكية دخلت على الخط وأبعدت تلك الأيادي الخبيثة التي كانت تريد الشر للوطن،والتجارب واضحة للعيان ماذا جاءت به هذه الثورات العربية لبلدانها سوى الخراب والدمار والبؤس كسوريا والعراق وتونس ولبيا ، الفتنة نائمة لعن الله من ايقضها، لقد كانت القوى الظلامية والرجعية خفافيش الظلام اخر من كان يطرح كبديل في حل الأزمة والحمد لله جاءت هذه الفرصة التاريخية التي أعطيت لهم،ولكن كشف الزيف والحلم الذي كان يتغنون به.اللهم احفظ المغرب وملكه المحبوب الذي شكل صمام الأمان لبلده ووطنه.

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال