النضال وما أدراك ما النضال...

النضال وما أدراك ما النضال...
الأربعاء 27 نونبر 2013 - 18:55

إن كل من يدرك معنى النضال والتمرد على الاستبداد واطلع على حياة هؤلاء الأعلام، أمثال “سقراط ، دافيد هنري تورو، غاندي، المهدي بن بركة، rosa parks و malcolm x ” حتما سينبهر بقوة إيمانهم بأفكارهم وقضاياهم.

القائمة تطول عندما نستحضر رموز النضال من أجل الكرامة والحرية وكل القيم الإنسانية النبيلة. فمن منا لا يخجل من نفسه حين يتساءل ما الفرق بيني وبين هؤلاء؟ وإلى أي حد أستطيع أن أضحي من أجل الدفاع عن كل ما فيه خير للإنسانية؟ وهل أستطيع أن أموت من أجل موقف أو فكرة أو مبدأ؟

لقد أدرك هؤلاء أن حياتهم مهددة بفعل ما كانوا يدافعون عنه، ومع ذلك لم يستسلموا ولم يتخلوا عن مبادئهم وأفكارهم. سقراط على سبيل المثال حكم عليه بالإعدام بعد أن اتهم بالإساءة إلى المقدسات، فخطط له تلامذته للفرار باتفاق مع حراس السجن فرفض الإفلات من العقاب من أجل أن يسمو القانون. بل وقد زعم البعض من العلماء المسلمون على أن سقراط كان “نبيا” لاعتقاده بوحدانية الله رغم نشأته في بيئة وثنية، كما جاء في بعض محاضرات (د.عدنان إبراهيم) المعنونة بـ “مباحث الفلسفة”.

إن التمرد أو العصيان ضد الظلم والطغيان لا يُقدِمُ عليه إلا الشجعان، فهو فعل أقدم عليه الرجال والنساء. و لنا من الرموز النسائية على سبيل المثال (rosa parks)، وهي السيدة التي طلب منها سائق الحافلة أن تترك مقعدها لصالح رجل أبيض فرفضت ذالك وتمردت على القانون الجائر الذي يلزم السود بالتخلي عن مقاعدهم في الحافلات لصالح البيض، فانتهى الأمر باعتقالها وتغريمها 14 دولارا أمريكيا، فكانت بذالك القطرة التي أفاضت الكأس؛ حيث بدأت الاحتجاجات لإلغاء التمييز بين المواطنين في الحافلات على أساس اللون. وقد تم ذلك بقيادة واحد من بين أبرز الشخصيات المدافعة عن حقوق الإنسان والمناهضة للميز العنصري في أمريكا آنذاك، وهو(martin luther king JR). كما قام بتنسيق مع بعض الحقوقيين وأصحاب الضمائر الحية بتعبئة الناس على مقاطعة ركوب الحافلات حتى إلغاء ذالك القانون وإطلاق سراح “روزا باركس”. دام الإضراب 381 يوما مما عاد على أرباب الحافلات بخسائر كبيرة، وقد أدى ذلك إلى إلغاء قانون التمييز بين المواطنين في الحافلات. وفي حديث لها عن الاحتجاجها، قالت باركس أن “السبب الحقيقي وراء عدم وقوفي في الحافلة وتركي لمقعدي، هو أنني شعرت بأن لدي الحق أن أعامَل كأي راكب آخر على متن الحافلة”.

من بين الأمور التي نستنتجها عندما نتأمل التاريخ البشري في التمرد على الاستبداد والنضال من أجل الديمقراطية هي أن الحقوق تنتزع ولا تعطى؛ ونلاحظ كذالك أن فعل الدفاع عن الحق يتجاوز كل ما هو جغرافي أو عقائدي أو إيديولوجي. ذلك أنه فعل عابر للزمان والمكان، بل إنها سيرورة ينخرط فيها كل إنسان؛ وهذا بالضبط ما أشار إليه (د. طارق رمضان) في كتابه “l’autre en nous“حيث يقول “الهدف الإنساني واحد مهما تعددت السبل للوصول إليه”، والمقصود بالسبل هنا، الانتماءات الإيديولوجية والعقائدية الخ….وللأسف، هذه هي المشكلة التي تقع فيها بعض نخبنا العربية بخصوص ما يقع محليا أو إقليميا أو دوليا. ولهذا نلاحظ أحيانا غياب الاحتكام إلى الحق والدفاع عنه لأسباب أيديولوجية أو عقائدية.

في حين أن الأصل هو الانضمام إلى صوت الحق مادام الإنسان هو المستهدف. ولعل موقف ” دافيد هنري تورو” ملهم “غاندي” والمؤثر الأول في فلسفته النضالية؛ وهو يعد من أبرز النماذج في الدفاع عن الحقوق بموضوعية. وهذا ما أفرز موقفه من العبودية واضطهاد الهنود الحمر ورفضه لحرب بلاده أمريكا ضد المكسيك، فكتابه “العصيان المدني” جاء لتوضيح مواقفه هذه، وفلسفته حول الحقوق والقانون.

ما يسعنا إلا أن نرفع القبعة لكل هؤلاء الأحرار لما قدموه لنا من دروس في الشجاعة واحترام المبادئ والدفاع عن الحق. ولكن ما جدوى هذه الدروس إن لم نستفد منها؟ ولهذا يجب على الجميع أن يساهم في النضال من أجل الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وأول شرط لتحقيق ذالك، وهو الإقلاع عن ثقافة (ص) أي الصمت والصبر المبالغ فيه؛ والتحلي بالشجاعة بذلا من ذالك. فكل من يطمح في دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية يجب عليه أن يتكلم وأن يقول لا (للحكرة) ولا للظلم ولا يكترث لأصحاب (العام زوين) مهما طبلوا وهللوا.

إن الرهان الأكبر الآن هو الشباب، فهو الأمل والمستقبل. وبالتالي يجب عليه أن يكون في الموعد بتكوين نفسه وتهيئها فكريا وثقافيا وسياسيا ليصنع تاريخه ويوجه حاضره، وكذالك يجب عليه فهم و مراقبة ما يجري في الساحة بمنظور نقدي ومتبصر. وهذا كله لن يعطي أكله إلا إذا توج بالفعل الشجاع والانخراط في حركية المجتمع عن طريق النضال العقلاني والسلمي والحضاري.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • أستاذ
    الأحد 1 دجنبر 2013 - 23:45

    تحية الى الكاتب مقالة في المستوى و نتمنى لك المزيد ياأخي

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة