الوجه الآخر لتركيا

الوجه الآخر لتركيا
الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 10:33

يبدو أن فوضى ما يسمى الربيع العربي لم تتوقف فما أن ينتهي أحد فصولها أو جولاتها حتى يبدأ فصل جديد وبأساليب وأدوات جديدة، تهدأ الأمور في ساحة فيتم التخطيط لنقل الفوضى إلى ساحات أخرى، وقد تطال الفوضى دولاً كانت مشاركة في نشر فوضى الربيع العربي كدول خليجية وإيران وتركيا، فتركيا لن تكون بعيدة إن خانتها حساباتها في عدوانها على سوريا.

مع أنه سبق للجيش التركي دخول شمال الأراضي السورية عام 2016 إلا أن دخوله الأخير يوم التاسع من غشت 2019 أكثر خطورة، ويأتي في سياق محاولة رسم خارطة جغرافية وسياسية جديدة ستؤثر على وحدة وسيادة الدولة السورية، كما أن هذا العدوان الجديد جاء بمباركة أمريكية ومباشرة بعد إعلان الرئيس ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، وتحذيره وتهديده لتركيا بالعقوبات الاقتصادية إن تمادت في توغلها شمال سوريا لا يغير من حقيقة أن تركيا ما كانت لتقوم بعدوانها لولا الضوء الأخضر الأمريكي.

تبرر تركيا خطوتها العدوانية بأنها تأتي في سياق حقها في الدفاع عن نفسها في مواجهة خطرين:

الأول يتأتى من المسلحين الأكراد أو قوات حماية الشعب الكردي المتحالفين مع قوات سوريا الديمقراطية، لأن تواجدا عسكريا وسياسيا كرديا مستقلا في شمال سوريا سيعزز ويستنهض الروح القومية عند أكراد تركيا، مما يدفعهم للمطالبة بحقهم بالاستقلال أو بوضع متميز كما هو الحال في العراق وسوريا، وهذا تعتبره تركيا تهديداً استراتيجياً لأمنها القومي ووحدة أراضيها.

الخطر الثاني يأتي من ملايين اللاجئين السوريين في الأراضي التركية، وتركيا تريد فرض مناطق آمنة شمال سوريا لإعادة اللاجئين السوريين إليها.

قد تبدو مبررات تركيا لعدوانها معقولة لو لم تكن هناك دولة سورية لها سيادة أيضاً، ولو لم تكن تركيا من أهم الأطراف التي لعبت دوراً خطيراً في نشر حالة الفوضى في سوريا، كما سنوضح ذلك.

ما تقوم به تركيا في سوريا عدوان واحتلال مدعوم أمريكياً ولا عذر لتركيا بأن تبرر عدوانها بحق الدفاع عن النفس وحماية حدودها وجبهتها الداخلية من حالة الفوضى في سوريا أو عدم قدرة الدولة السورية على فرض سيادتها على كامل الأراضي السورية، لأن تركيا تتحمل مسؤولية كبيرة عما يجري في سوريا من خلال تسهيلها دخول الإرهابيين والمتطرفين للأراضي السورية بتنسيق مع الغرب، وخصوصاً واشنطن، كما أن الأسلحة بكل أنواعها التي استعملها الإرهابيون ضد الجيش العربي السوري كانت تمر عبر الأراضي التركية وبموافقة الدولة التركية، كل ذلك في سياق مؤامرة ما يسمى الربيع العربي لتقويض أركان سوريا العربية، ولولا الدور التركي المشبوه لكان الجيش السوري قادراً على حسم الأمور منذ أيامها الأولى.

قد يقول قائل إن التدخل التركي كان دعماً وإسناداً لثورة الشعب السوري ضد استبداد النظام، إلا أن تحالف تركيا مع واشنطن ودعمها لجماعات متطرفة لا تؤمن بالديمقراطية وغالبيتها مجلوبة من جهات العالم بدعم وتمويل غربي وخليجي لهدف وحيد وهو تدمير الدولة العربية السورية، كما جرى في ليبيا وما يحاولونه في مصر، يفند الزعم بأن التدخل التركي كان لأهداف إنسانية أو دفاعاً عن الديمقراطية وحرية الشعب السوري.

والغريب في الأمر أن تركيا ساندت في البداية جماعات متطرفة وغير ديمقراطية ثم تخلت عنها مؤقتاً بعد أن أنجزت مهمتها في خراب وتدمير الدولة، وتقوم بتجميع الآلاف من مقاتلي هذه الجماعات في معسكرات داخل الأراضي التركية أو في مناطق داخل الأراضي السورية غير خاضعة للجيش السوري، وقد يكون الهدف توظيفهم وتحريكهم عند الضرورة في العدوان الجديد على سوريا أو إرسالهم إلى مناطق أخرى، بينما وقفت موقفاً سلبياً بل معادياً لجماعات معارضة سورية ديمقراطية، لأن هذه الجماعات تشمل أكراداً ترى تركيا أنهم يهددون أمنها ووحدة أراضيها.

كل الشعارات التي ترفعها تركيا حول دعمها للشعب الفلسطيني ومساندتها للشعوب العربية الثائرة ضد الظلم والاستبداد أو دعمها لما يسمى نهج الإسلام المعتدل الخ… لا يمكنها إخفاء مطامع أنقرة ورغبتها بالهيمنة وكراهيتها وحقدها التاريخي الموروث للعرب وللمشروع القومي العربي، وكونها عضو في الحلف الأطلسي، وتدخلها في الشؤون الداخلية لمصر وليبيا، ودعمها لجماعات المعارضة فيها يؤكد ذلك، كما أن أطماعها في سوريا ليست جديدة وقضية لواء الاسكندرونه السوري الذي تحتله تركيا ما زالت حاضرة.

لا شك أن الأكراد أكثر المستفيدين من كل الحروب وحالة الفوضى التي تجري في المنطقة؛ فقد استفاد أكراد العراق خلال حرب الخليج الثانية وعند سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وهم اليوم أقرب للدولة في العراق، وأكراد سوريا استفادوا مما يجري في سوريا واستطاعوا الاستحواذ على حيز جغرافي ملاصق للأراضي التركية، وهو ما يثير قلق الأتراك، ولكن كان على الدولة التركية أن تحل مشكلتها مع أكرادها داخليا بالتجاوب مع مطالبهم القومية المشروعة بدلاً من الهروب باحتلال أراضي دولة أخرى ذات سيادة.

وأخيراً كان من السهل على تركيا دخول الأراضي السورية ولكن هل تستطيع تحقيق أغراضها والخروج سالمة من أم إن ما أقدمت عليه سيستنزفها وسينقل الفوضى إلى داخل أراضيها؟ وهل استوعبت الدول العربية الدرس، وبدلا من خطابات التنديد والاحتجاج والدعوة إلى مؤتمرات، عليها إعادة العلاقات مع الدولة السورية والتواصل مع بشار الأسد والجلوس معه لمناقشة الأمر؟

[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • WARZAZAT
    الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 12:48

    ما فعله و يفعله و سيفعله الترك بالعرب لم و لا و لن يفعله بهم أحد. قمعوهم من عهد العباسيين و ارتكبوا في حقهم من أكبر جرائم التاريخ بتجفيفهم انهار الرافدين و سلطوا عليهم الدواعش من كل العالم.

    عربها منعت عليهم لغتهم إلى حد أن الجد لا يفهم أحفاده…أمر لم تفعله حتى إسرائيل….arap يحشرون عندهم مع الحيوانات. حتى العثمانيين منعوا عليهم الجيش و الوظيفة التي كانوا يقبلون فيها النصارى و اليهود…لكن كما يقول المثل:'' القط لا يحب إلا من يشنقه''.

    رغم غوغاء اردوغان تبقى تركيا الدولة الاسلامية الوحيدة ذات سفارات متبادلة مع اسرائيل…كونها دولة عظيمة تخيف العالم هراء للاستهلاك الخوانجي…فعلا هي متقدمة علينا…كذا أوغندا و زامبيا!!

    رفاهها يعود إلى الفساد السياحي و تهريب المخدرات و الماركات المغشوشة. ما لم تحصده الرأسمالية الغربية أو تجنيه النمور الأسيوية تأتي عليه المافيات التركية…من يدلني عن سيارة، هاتف أو حتى دراجة صنعوها الترك؟!…ثقلها في ميزان الأشياء أقل من دول ككينيا، باكستان أو اثيوبيا…كعضو في الناتو هي محمية أمريكية التي لولاها لقسمها الروس و الاروبيين بين القبائل.

  • Marocain
    الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 14:10

    Les turcs méprisent les arabes et les haïssent mais sont
    adorés par les barbus qui travaillent pour la prospérité de la turquie et contre les intérêts de la pauvre syrie. S'ils
    Pouvaient ils prêteraient allégeance a leur idole Erdogan.
    Quelle maricainhonte

  • amahrouch
    الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 21:10

    Erdogan cout à sa perte !Depuis longtemps on voulait l abattre mais on y va doucement.On lui préparait un piège et retardait sa hardiesse et sa détermination à massacrer les kurdes sous prétexte que ces derniers sont des terroristes qui le menace, lui le grand pays armé jusqu aux dents et membre de l OTAN !Trump a beau lui dire : »venez,monsieur Erdogan,nous allons faire des randonnées dans les parages et voir un peu ces terroristes dont vous nous cassez les oreilles,venez nous sillonnerons toute la frontière avec des jeeps et des hélicoptères et montrez-moi ces terroristes qui vous font tant peur ».Mais Erdogan rechigne à la besogne et montre sa mauvaise humeur : »c est pas ici qu ils sont,c est là-bas », répond Erdogan en montrant du doigt l intérieur de la Syrie ! »Allez y puisque vous êtes prêt à mourir tout de suite,lui dit Trump à voix presque inaudible. »Qu est ce que vous avez dit Mr Trump,j ai entendu »mourir » ? »Allez y,faites les mourir tous ces terroristes,vous dis-je ! »

  • ب.مصطفى
    السبت 12 أكتوبر 2019 - 09:55

    كلام الاستاذ الفاضل حول تدخل تركيا غير مقنع ويفتقر للحجج العقلية وسوف نفند مايزعمه اولا كيف يعقل ان تركيا تساند داعش وفي نفس الوقت تحاربه ويزعم صاحبنا ان سلاح الارهابيين كان ياتي من تركيا وهذا ليس له اصلا بل المؤكد بالوثائق ان الارهاب الداعشي كان يقتني الاسلحة من النظام السوري نفسه ومن امريكا ومن العراق لو كانت تركيا المزود الرئيس لداعش كما يزعم صاحبنا لكان سلاح داعش متطور جدا ولكن شيء من هذا القبيل لم يحدث كان سلاحه ضعيف لان امريكا تعرف ما تصنع بهذه الجماعة بعد انتهاء دورها وقد حصل ان امريكا اجلتهم في ظرف قياسي ثانيا يقول صاحبنا ان سوريا لها سيادة ونحن نقول متى تكون السيادة ؟ اين هي السيادة عندما يهجر رئيسها اكثر شعبه الى الخارج ثالثا من حق تركيا ان تؤمن حدودها خاصة نحن سمعنا التحالف الصهيوني والكردي ضد تركيا وهذا لم يشر اليه صاحب النص نحن نعتقد أن تركيا ليست حمقى كي تحتل ارض عربية ونحن نعتبر هذا التحرك التركي بمثابة رسالة للدول العربية التي باعت قضيتها والتي قدمت مؤخرا مساعدات مادية للاكراد من اجل زعزعة استقرار تركيا كما فعلت مع سوريا وهذا العمل ترفضه اي دولة لها سيادة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة