تاج الانقلاب لا يحمي من الصداع

تاج الانقلاب لا يحمي من الصداع
الأربعاء 10 شتنبر 2014 - 23:26

مازالت الزيارة المحتملة لرئيس مصر الجديد السيسي للمغرب تثير جدلا كبيرا بين أوساط المتقفين والسياسيين .فبالرغم من نفي السفارة المصرية الخبر ما زالت ردود الفعل تتأرجح بين مؤيد وبين معارض ،ولكن وللأمانة التاريخية فما حصل بهذا البلد الشقيق من أحداث درامية لا يمكن لعاقل مهما بلغ من النباهة أن يمر عليها مرور الكرام وينسى ما آلت إليه الثورة المصرية .لا يمكن لعاقل أن يخالف ضميره ويمحو من ذاكرته فترة تاريخية كادت أن تنقل مصر من مرحلة اتسمت بالديكتاتورية العسكرتارية إلى مرحلة الديمقراطية.

لفد دوخ السيسي ثوار مصر و قادة الإخوان بدينار جبهته، فظنوا أنهم أمام تقي ورع سيخدم مشروعهم ويكون رَجلهم وقدمهم في الجيش.. ومرت الأيام ما بين لقاء وخصام كما قالت كوكب الشرق .. ففتح العالم عينيه على البيان رقم واحد.

ثم أرجعَ البصر مرتين فانقلب البصر خاسئا وهو حسير .. إذ غدا الإخوان “إرهابيين” في عرف “العسكر” وأدبياته .. و”العسكر” كلمة رفضها السيسي قائلا إن اسمه : جيش مصر “العظيم”.

لقد فات جيش مصر “العظيم” أن يعلم أنه مهما أله المصريون قادتهم وزعمائهم وفراعينهم يظل وعيهم الجماعي في قبضة الدين .. فقد قضوا سنوات طويلة وهم يقدسون جمال عبد الناصر لكنهم كفروا به عند أول هزيمة فعلية في عام 67، فبُني بعد ذلك من المساجد ما لم تشهد له مصر مثيلا حتى سميت القاهرة مدينة الثلاثين ألف منارة، وقويت شوكة الإسلاميين وما زال يوصي بهم السادات حتى ظننا أنه سيورثهم.

وآلية الدين يجمع المهتمون بالشأن السياسي ببلداننا العربية على دورها المحيي المميت في دغدغة المشاعر، والعواطف الروحية، بل وتعد قبلة الحياة أو رصاصة الرحمة سواء لاستمرار الحكومات أو حياة الأنظمة.

إنها آلية لا يستطيع أيا كان المرور عليها مرور الكرام .. وقد يقول المحسوبون عن التيار الليبرالي بعكس ذلك ولكن لنا في التاريخ الإنساني عبر كثيرة لمن يعتبر أو لا يعتبر.فطبيعة تكوين العقل العربي وطبيعة المجتمعات العربية عموما تجسد معاني الدين بمختلف تجلياته .وما جرى ببلدان الربيع العربي يؤكد هذه الحقيقة التي يصعب على أي كان استبعادها أو القفز عليها، أما المراهنات التي تصدر عن البعض من هنا وهناك من أجل تغييب هذا العامل فإنها غالبا ما تبوء بالفشل.

لا نأتي بجديد إن قلنا إن الشعور الديني يزدهر عادة في خضم الأزمات، والرموز هي الأخرى تدور في هذا الفلك: بمعنى آخر تقوى الرمزية في خضم الأزمات وتتغول إلى درجة يصعب مع أي ملاحظ أن يتكهن بمآلها، والإنسان المصري بطبيعته ميال إلى التدين لكن عندما يرى نفسه مستضعفا، فإن الغريزة تدفعه، آجلا أو عاجلا، إلى اقتفاء أثر أي شيء لتجاوز الأوقات العصيبة.وهنا لابد للمرء أن يتذكر أن العقاب الجماعي المسلط لا بد وأن يولد أوتوماتيكيا عنفا جارفا. فالاستفزاز لا يولد إلا الاستفزاز وهي قاعدة لا تبقي ولا تذر.

إن ما يقلق كل أحرار العالم اليوم هو أن ما جرى بمصر هو انقلاب تماما كما كان عليه الحال في تايلاند .. وهو اغتصاب لشرعية أسس لها الشعب المصري من خلال انتخابات تاريخية. والانقلابيون ومعهم الرعاع وشهود الزور الذين يؤازرونهم ليسوا إلا “لصوصا” أخرجوا بواسطة صندوق الانتخاب ودخلوا من النافدة عنوة وهذا سلوك لا يمكن لشعب مصر ولا لأحرار العالم ولا للسيد إردوغان أن يستسيغوه.وتصريف العدوانية من طرف قادة عسكريين تجاه فصيل هنا وهناك من شعب مصر من شأنه أن يعجل بنخر كيانهم بل وإنهاء وجودهم إن آجلا أم عاجلا.

كل هذا يذكرني بحكاية عن شيخ قبيلة أعماه تسلطه وهواه فأعجب بامرأة جميلة وأراد أن يتزوجها عنوة في حين أنها على ذمة رجل فقير. ووصل الأمر إلى السلطان فقيل له إنها زوجة الشيخ، لكنه بعث أحد القضاة ليستطلع، فما كان من شيخ القبيلة إلا أن أتى بعشرة من شهود الزور لكي يدعموه في قضيته . توجه القاضي إلى منزلي الرجلين ومعه كل أطراف القضية .فطلب من امرأة الزاهد أن تتوجه إلى بيت الشيخ، وما إن وصلت إلى الباب حتى تصدى لها كلب الحراسة بالنباح ،فتراجعت المرأة من شدة الخوف.فأمرها القاضي بأن تتوجه نحو بيت الرجل الفقير .هذه المرة استقبلها كلب حراسة منزل زوجها الحقيقي بفرحة عارمة. حينها ابتسم القاضي وقال للشيخ والشهود: “ألا تخجلون من أنفسكم ؟ شهادة الكلاب أشرف من شهادتكم ؟؟…

فأمر بسجن الشيخ المفتري وشهود الزور الذين آزروه .

لقد فهم العالم أن أقصى ما يمكن لهؤلاء الانقلابيين أن يفعلوه هو أن يصنعوا العبث لمدة قد تقصر أو تطول .ولكن في النهاية ومن حيث لا يدرون فإنهم ينصبون مشانقهم بأيديهم وما يؤكد ذلك هو التآكل الذي أصبح يتراءى للجميع من خلال التخبط الذي وقعوا فيه، فالتعثرات التي تواجههم على أكثر من مستوى فالسيسي لا يمتلك خطابا سياسيا واضح المعالم لتدبير المرحلة الراهنة ولرسم آفاق واضحة يمكن أن يستشعر فيها المواطن المصري المقهور مكتسبات التغيير الذي طالما حلم به .فوجود نظامه قد يطول أو يقصر ويبقى مرهونا بالداعمين الأمريكي والخليجي ما لم تحدث متغيرات جديدة تخلط الأوراق من جديد في المنطقة،ولكن وللأمانة التاريخية فالانقلاب هو الانقلاب ومن يبتغ غير هذا المفهوم معنى فلن يقبل منه.

‫تعليقات الزوار

10
  • مصرى وطنى
    الخميس 11 شتنبر 2014 - 12:05

    تحياتى لاهتمامك بمصر ومراقبه اوضاع مصرنا الحبيبه ولكن اظنك مسلم فارجوا ان تتبع تعاليم الاسلام فى الكلام وان تتاكد من الخبر قبل الخوض فيه لانك حقيقى جاهل بالامور فى مصر ولاتعلم حتى ماهو الاسلام الصحيح ولن اطيل عليك لان الكلام غير مجدى مع امثالك المهم نشكركم على كتاباتكم عن مصر والسيسي يوم 21 ستمبر فى الامم المتحده وليس فى المغرب وان كانت رغبه ملك المغرب فى زياره السيسي للمغرب فاظن انه لن يمنعه مانع بامر الله ويكفى تفاهم ملك المغرب للامور الصحيحه فى بلادنا الاسلاميه ولن يخلوا اى شعب من وجود جهله وخونه وهذا سبب تاخر امتنا الاسلاميه فما كانت من هزيمه لرسول الله الا وكانت خيانه فى صفوف المسلميين تحيات 90 مليون مصرى مسلم سنى غير شيعى وغير اخوانى وغير ماسونى وغير خائن الى ملك المغرب وكلمه اخيره لو وقفت انت امام السيسي لغرق سروالك

  • عامر درويش
    الخميس 11 شتنبر 2014 - 13:33

    شكرا أخي على هذا المقال الموفق، ذكرني مقالك ببعض المقولات التي حاولت بعض التيارات المحسوبة على اليبرالية تسويقها مباشرة بعض الانقلاب العسكري الدموي في مصر الشقيقة، من قبيل : نهاية الاسلام السياسي، نهاية الاخوان… وهي مقولات أقل ما يقال عنها أنها ساذجة وسطحية، الاسلام السياسي باق ما دام دين اسمه الاسلام، وعليه على هذه التيارات اليبرالية الفاشلة ان لاتتسرع الحكم فالاغلبية اليوم في العالم العربي تساند الاسلام السياسي، وهذا أمر سيستمر لمدة ليست باليسيرة واذا ما أراد اليبراليون الجدد في عالمنا العربي ان يحكمو يوما ما، فعليهم النضال والانتظار مثلما فعل الاسلاميون. التحالف مع البنيات السلطوية في العالم العربي لن يخدم الحداثة ولن يخدم المشاريع اليبرالية في شيئ، كل ما هنا أننا نستمر في في دائرة مفرغة: انتخابات نزيهة — اسلام سياسي — انقلاب– سلطوية– أزمة– انتخابات نزيهة وهكذا دواليك . المشروع الحداثي في العالم العربي لا يمكن ان يتأتى الا بالقبول بالاسلام السياسي فان فشل فمرحبا بنا ان لم يفشل فهو الأصلح وعلينا أن نطور أنفسنا لمنافسته.
    السيسي ارتكب جرائم ضد الانسانية ومن العار ان نستقبله.

  • عبد العزيز
    الخميس 11 شتنبر 2014 - 16:49

    في الواقع حللت فأصبت.
    و أضيف بان رفض المغاربة لزيارة رمز الانقلاب الى المغرب يأتي لكون ملك المغرب ملك شرعي: تبادل مع شعبه الحب و الوفاء. بينما السيسي انقلب على الشرعية و خانة اليمين و كذب في كل وعوده و عهوده. و قتل و حرق جثت الابرياء من شعبه. و سجن الشرفاء من أبناء " وطنه". كما حاصر الغزّاويين و نعثهم بكل الصفات القدحيةإرضاء لإسرائيل التي. ظن بان حصاره للمقاومة سيحقق نصر الصهاينة الجبناء…
    لهذا كله، فأننا كشعب يريد ان يبقى ملكه طاهرا نقبا، نرفض ان تلوث ارضنا و هواء وطننا بالخيانة. كما نريد ان لا يلمس يد الملك الشاب من يفقدها طهارتها.

  • ADBOU_ de_ CASA
    الخميس 11 شتنبر 2014 - 17:04

    الثورة التصحيحية للشعب المصري التي اندلعت بعد سنتين فقط ضد الإخوان لم تأتي من فراغ بالطبع بل جاءت نتيجة أخطاء كثيرة وخطيرة وقاتلة للإخوان كان آخرها عندما حاولوا فرض دكتاتورية جديدة في مصر باسم الدين هده المرة! عندما حاولوا جعل من الدستور الجديد بعد الثورة على مقاسهم وأقصوا كل المسيحيين المصريين وكل النخب السياسية والثقافية واقصوا كذلك المجتمع المدني المصري.

    عجبا لبعض الأشخاص عندنا يريدون أن يكونوا اكثر من المصريين انفسهم.
    بالله عليك! وأي شرعية بقيت للإخوان اصلا بعدما خرج ما يزيد من ثلاثين مليونا من الشعب المصري و ثاروا عليهم في تلك الثورة التصحيحية ليوم 30 يونيو كما هو معروف لدى الجميع.
    هل هناك اكبر من هده الشرعية علما أن مرسي لم يستطع أن يتجاوز في الدور الأول3 ملايين صوت من اصل 60 مليون ناخب مصري.
    تتكلم على النخب و المثقفين المصريين وتناسيت أن معظمهم لا يرتاحون للإخوان ولفكرهم الإقصائي الدكتاتوري.
    لولى الذكاء الفطري للشعب المصري بالإضافة إلى نخبه السياسية ونخبه الثقافية القوية وجيشه العظيم لرأينا مصر قد تحولت بلا شك إلى وديان من الدماء مثل ما يقع اليوم في ليبيا وسوريا.

  • عماد
    الجمعة 12 شتنبر 2014 - 02:33

    مقال رائع شكلا ومضمونا
    رأي صائب وموقف سليم…
    مهما تقولوا عليك في التعليقات فانك أجبتهم في المقال قبل أن ينطقوا عندما قلت مشكورا (الانقلاب اغتصاب لشرعية أسس لها الشعب المصري من خلال انتخابات تاريخية. والانقلابيون ومعهم الرعاع وشهود الزور الذين يؤازرونهم ليسوا إلا "لصوصا")
    من يناصر الانقلاب ام من الرعاع الجهال.. اما شاهد زور .. اما لص مستفيد من نظام مبارك وسيسينياهو.

  • FOUAD
    الجمعة 12 شتنبر 2014 - 22:03

    الى مساندي الانقلاب!
    الى الذين يعشقون الدكتاتورية!
    ليس هناك "مبرر واحد" يجيز قتل الناس بالرصاص الحي في ساحة مكشوفة و في رمضان و ليلا و الناس يصلون!
    انه لاجرام!
    الانقلاب هو "سطو" العسكر على السلطة بعد ازاحة من اختارهم الشعب في انتخابات نزيهة!هذا تعريف المواثيق "المتعارف عليها دوليا" نقطة!
    عندما يصاب المرء بالهازيمر فانه لا يفرق بين تغيير تقوده دبابة يركبها عسكري و ثورة تطيح بالطغاة بصدور عارية! و من عجز عن ادراك هذا فاني اقترح عليه دروسا لمحاربة الامية الساسية "بالمجان"!
    Mon salam

  • AHMED
    الجمعة 12 شتنبر 2014 - 23:35

    سيدى المحترم انك جاهل بالواقع المصرى تماما والكوميديا ان ارى من هو خارج مصر ويحكم على ثوره قام بها المصريين فى 30 يونيو انها انقلاب فمن يعتبرها هم عبيد المرشد من يقبلوا يديه ويعطوه 7% من دخلهم شهريا ونصيحه اخيره اهتم بشئون بلدك افضل لك فنحن لا نتدخل فى شئون المغرب واجعل انتمائك لبلدك واذا كنت ترى ان جماعه المرشد تنشر الديمقراطيه والحريه فلتجعلها تحكم بلدك اولا بدلا من محاوله فرضها على شعب اخر

  • حسين
    الجمعة 12 شتنبر 2014 - 23:57

    لن أتجادل معك لان الجدال يكون مع من يملك العقل وكما قالوا لو كان للاخوانى عقل ما اصبح اخوانى من الاساس لقد انتهى حكم مبارك وايضا حكم المرشد وتابعه مرسى من قالو قبل ثوره يناير ان مبارك هو اب المصريين وانهم لا يمانعون من تولى جمال مبارك حكم مصر !!"!!

  • عبد القادر بنجديد
    الإثنين 15 شتنبر 2014 - 17:35

    بارك الله فيك أخي الكريم سيدي عبد الله الموساوي لآ يساوي السيسي حبة خذل من التراب الذي تمشي عليه

  • محب صدام
    الأربعاء 17 شتنبر 2014 - 11:20

    من ير في السيسي حلا لأزمات مصر، ومن يؤلهه ويقدسه فقد فقد انسانيته .
    وكاتب المقال يظهر أن لديه قلبا بدون مبالغة لو داس نملة خطأ لأحس بالألم يقطع قلبه، لكن هكذا أنواع من البشر مهما كان عددهم سيقص رؤوسهم بدون رحمة.
    يالاه اخرجوا يلعن الله أبو شوارب الانقلابيين
    بارك الله فيك وسلمت يمناك ويراعك

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين